في كتابه “عصر الوصول”، استطاع الكاتب جيريمي ريفكين شرح فكرة التحولات العميقة التي يمر بها الاقتصاد العالمي نتيجة للتطورات التكنولوجية، من خلال عرضه لفكرة التحول من الملكية إلى الوصول.
يسلط ريفكين الضوء على كيفية تغيير المجتمع البشري لمفاهيمه الاقتصادية والاجتماعية في ظل العصر الرقمي، وكيف تحول السوق والاقتصاد من فكرة “الملكية” إلى “الوصول”، فأصبح بإمكان الأفراد الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات عبر الإنترنت دون الحاجة إلى امتلاكها فعليًا.
كان الاقتصاد الرأسمالي مؤسسًا على فكرة تبادل الممتلكات في الأسواق، وفي العصر الجديد تفسح الأسواق المجال لعالم الشبكات واستبدال الملكية بصورة مطّردة بإمكانية الوصول إليه.
أوضح ريفكين في كتابه، أن الأفراد بدأوا بالتخلي عن الحقيقة المركزية في الحياة الاقتصادية الحديثة، أي التبادل السلعي بين البائع والمشتري في الأسواق.
وقطعت الشركات التجارية والصناعية شوطين نحو التحول من الامتلاك إلى الوصول عبر استئجار كل شيء مطلوب لتسيير العمل المادي.
حسب الكتاب، كانت حقبة العصر التصنيعي تعتمد على بيع السلعة وإلحاقها بخدمة ضمان مجانية كمحفز على الشراء، أما اليوم فتغير المفهوم، إذ أصبحت الشركات تعطي سلعها مجانًا على أمل الدخول في اتفاقية خدمة طويلة المدى مع الزبائن.
تعبير “أنا عندي وأنا أملك”، بحسب ريفكين، تحول من التملك إلى الوصول، والمواد الأكثر تكلفة كالسيارات والبيوت ستتزايد حيازتها بهيئة إيجار أو عضوية.
وشرح الكاتب جيريمي ريفكين مصطلحًا تداوله الاقتصاديون بما يسمى “اقتصاد التجربة”، وهو عالم تصبح فيه حياة كل فرد سوقًا تجارية، وتعتبر القيمة العمرية للزبون بمثابة المقياس النظري لما تبلغه قيمة الكائن الإنساني فيما لو اعتبرت كل لحظة من عمره كسلعة في المحيط التجاري.
ما بين عالمين
تطرق ريفكين إلى فكرة “ما بين عالمين”، أي أن عمالقة العصر الصناعي أمثال “جنرال موتورز” و”ديزني” و”سوني” و”مايكروسوفت”، تستخدم الثورة الرقمية في الاتصالات لربط العالم.
وهذه العملية تقوم بجر العالم بصورة لا ترحم إلى عالم التجارة، إذ يتم تحويله إلى سلعة بهيئة تجارب ثقافية معدلة، وفقًا لمتطلبات الزبون، ومشاهد تجارية للجماهير، ومواضيع تسلية شخصية.
في العصر الصناعي، كان الجهد الإنساني منشغلًا في إنتاج البضائع وأداء الخدمات، أما في عصر الوصول فالآلات الذكية تشكل برمجيات وعقولًا مفكرة، بدأت تعوض الجهد الإنساني العضلي في الزراعة والتصنيع.
التحول الاجتماعي والسياسي
التحول إلى عصر الوصول له تأثيرات واسعة النطاق على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية.
من الناحية الاجتماعية، أصبح الوصول إلى المعلومات والخدمات يشكل جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد، وأدى هذا التحول إلى زيادة الفجوة الرقمية بين أولئك الذين لديهم القدرة على الوصول إلى الإنترنت وتلك الفئات التي تفتقر إلى هذه الفرصة.
وفي الناحية السياسية، يثير ريفكين مسألة تأثير الشركات الكبرى التي تتحكم بالوصول إلى العديد من الخدمات، مثل شركتي “أمازون” و”جوجل” اللتين تتحكمان بشكل كبير في كيفية وصول الناس إلى المعلومات والمنتجات.
هذه الشركات أصبحت “البوابات” التي تتحكم في الدخول إلى العالم الرقمي، ما يطرح تساؤلات حول ممارسات الاحتكار والسيطرة في هذا العصر.
إعادة برمجة العقل
ناقش ريفكين العوامل التي أسهمت في التغيرات التي تحصل للوعي الإنساني، أهمها ارتبط بالتحول في تكنولوجيا الاتصال من المطبوع إلى الحاسوب.
هذا التحول صاحب تغيرات في أساليب الاتصال التي يستخدمها الإنسان لخلق علاقته الاجتماعية، وتحول من ثقافة الشفهي والمخطوط إلى ثقافة المطبوع في فجر العصر الحديث.
وتناول ريفكين ثورة الطباعة التي سهلت طريقة التفكير الملائمة وبصورة مثالية لمجتمع منظم حول فكرة الملكية الشخصية والتبادلات السوقية.
“روحية اللهو”
اختتم جيريمي ريفكين كتابه بالحديث عن الصراع بين قوى التجارة العالمية ومؤيدي القطاع الثالث، إذ إنه سيرتكز على قضية من يتحكم بالوصول إلى عدد من الأصناف الثقافية التي تؤلف “روحية اللهو” في القرن الجديد.
واعتبر الكاتب أن روحية العمل تتماشى يدًا بيد مع علاقات التملك، والعمل هو تطويع الطبيعة واستخراج مواردها وتصنيع البضائع، والممتلكات هي الصيغة النهائية التي يتخذها العالم الطبيعي بعد معالجته وتحويله إلى سلع.
لذا فإن الممتلكات تصبح طريقة لإعادة صنع الطبيعة، وتخصيصها في “ما هو لك وما هو لي”، وقد حددت روحية العمل بدرجة كبيرة كيفية توزيع الممتلكات في العصر الصناعي، وكانت عاملًا حاسمًا في تأسيس الفوارق الطبقية.
من جيريمي ريفكين؟
باحث أمريكي في مجالات علم الاجتماع والاقتصاد، ولد في 26 من كانون الثاني 1945، في مدينة دنفر كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية، قام بتأسيس جمعية خيرية للميول الاقتصادي في واشنطن العاصمة.
وهو مدرس في كلية “وارتون سكول” التابعة لجامعة “بنسلفانيا” وفي جامعات أخرى، يقوم ريفكين في نفس الوقت بتقديم استشارات لحكومات متعددة، ومن ضمنها مجلس الاتحاد الأوروبي، ويعتبر صاحب نظرية مجتمع التداخل (Access Society).