التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري
لمى قنوت
تحت ذريعة درء الخطر من سيطرة الإدارة الجديدة على مقاليد الحكم في سوريا وحماية مستوطناته في الجولان السوري المحتل بعد هروب بشار الأسد وكبار مساعديه وضباطه، اتبع الاحتلال الإسرائيلي نهجًا منسجمًا مع مخططاته التوسعية وحروبه اللانهائية، فأوقف العمل باتفاق فك الاشتباك لعام 1974، ودمر الترسانة والمواقع العسكرية السورية، وقُدّرت الضربات الجوية الأولى في 8 من كانون الأول 2024 بـ480 غارة.
وسيطر على مرتفعات جبل الشيخ وتوغل في قرى وبلدات في ريفي محافظتي القنيطرة ودرعا، ومؤخرًا قام بترهيب سكان قرية كويا بمنطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، بعد أن قاوم مزارعوها، رجالًا ونساء، توغل قوات الاحتلال في بساتين البلدة، مستخدمين بنادق مخصصة لحماية أنفسهم من الحيوانات المفترسة، وأجبروها على الانسحاب، فصبت قوات الاحتلال حممها على الأحياء المدنية والمزارع، في قصف مدفعي وجوي أدى إلى استشهاد ستة أشخاص وإصابة آخرين.
ولم تكتفِ قوات الاحتلال بالقتل، بل قامت باعتقال ثلاثة مزارعين يعملون في أرضهم الزراعية في 28 من آذار الحالي، وبعد أن استجوبتهم، أطلقت سراحهم وحمّلتهم رسائل لأهالي البلدة، تتضمن منع المزارعين من النزول إلى الوادي والعمل في الأراضي الزراعية، التي حولتها إلى منطقة عسكرية محظورة، وهددت من سيخالف تعليماتها بالقتل.
يرفض أهالي قرية كويا المفقرة كل المناورات الإسرائيلية الترغيبية والترهيبية، بين إغرائهم بمساعدات إغاثية وطبية، وإرغامهم على تسليم السلاح لقواتهم المحتلة. قرية كويا ذات الأراضي الخصبة، والواقعة عند مثلث الحدود ما بين سوريا والجولان السوري المحتل والأردن، والمعتمدة على الزراعة وتربية المواشي، هي واحدة من قرى وبلدات واقعة في حوض اليرموك والتي شهدت توغلًا إسرائيليًا.
حوض اليرموك والأمن المائي
تبعد قرية كويا عن لواء بني كنانة في محافظة إربد في الأردن مسافة كيلومتر واحد، ويُشكل حوض اليرموك وسد اليرموك أحد أهم المنشآت المائية على النهر، ومصدرًا مائيًا حيويًا مشتركًا لسوريا والأردن، وتخضع موارده لاتفاقية مشتركة بين البلدين، وتعد مياه الحوض مصدرًا مائيًا مهمًا يغذي الجنوب السوري، أما أردنيًا، فهو مصدر أساسي للمياه السطحية التي تسهم بـ 27% من مجموع كميات المياه المستهلكة سنويًا، ويصنف الأردن كإحدى أفقر الدول مائيًا، إذ تبلغ حصة الفرد من المياه 61 مترًا مكعبًا، أي أقل من 88% من خط الفقر المائي المقدّر بـ500 متر مكعب سنويًا، أما في سوريا، فتبلغ حصة الفرد680 مترًا مكعبًا، كما صرح وزير الموارد المائية، أسامة أبو زيد، وتحتاج سوريا إلى استثمارات تتراوح بين 500 و700 مليون دولار لإعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، ومن 100 إلى 150مليون دولار لتفعيل أنظمة العدادات الذكية، بالإضافة إلى مليون دولار لإدخال منظومة الطاقة المتجددة لمحطات المياه.
وبالتالي، فإن المطامع التوسعية للاحتلال الإسرائيلي في زيادة مساحة الأراضي السورية التي يحتلها ومحاصرة حوض اليرموك والسيطرة على جبل الشيخ أعلى المناطق في سوريا، والمطل على أجزاء من لبنان، لا تستهدف التحكم بالمياه السطحية والجوفية ومنع استقرار سوريا وتفتيتها فحسب، بل تشكل ضغطًا جيوسياسيًا على الأردن، وهي سياسات مرتبطة بخطط نتنياهو القديمة المتجددة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول في تحقيق “شرق أوسط جديد” ومخططات الهيمنة والاستخراجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة في المنطقة، التي أخرها مشروع “ريڤيرا” ترامب لتطهير غزة عرقيًا من سكانها الأصليين الفلسطينيين عبر استمرار حرب الإبادة الجماعية على القطاع وليّ ذراع الأردن ومصر وسوريا وصوماليا والسودان لاستقبالهم كلاجئين ولاجئات، وعبر استحداث “دائرة (الهجرة الطوعية) من قطاع غزة” في وزارة الدفاع الإسرائيلية بعد تصديق الكنيست عليها، وذلك لإتمام إجراءات الترحيل القسري لمن قد ينجو من فلسطينيي القطاع إلى “دولة ثالثة” شرط ألا يعودوا إلى أراضيهم أبدًا.
ولا يكتمل المشهد دون التعريج على ما يحصل في لبنان والضفة الغربية، حيث يستمر وجود قوات الاحتلال في عدة بلدات بالجنوب اللبناني، ويواصل خروقاته لاتفاقية وقف إطلاق النار التي يفترض أنها دخلت حيز التنفيذ في 27 من تشرين الثاني 2024 ولم يلتزم بها، إذ قُدّرت مجمل الخروقات في 23 من يناير/كانون الثاني 2025 بـ632 خرقًا، وتوعد نتنياهو بمزيد من التصعيد عقب غارات استهدفت العاصمة بيروت في 28 من آذار 2025، أما في الضفة، فالعدوان الإسرائيلي المكثف والمستمر منذ أكثر من شهرين هجّر قسرًا أكثر من 21 ألف شخص بعد أن دمر أكثر من 600 منزل وجرف 100% من شوارعها حتى أعلنت بلديتها عدم أهلية المنطقة للعيش، وبنفس المنهجية هجّر الاحتلال 4 آلاف عائلة من مخيّمي طولكرم ونور شمس.
ووفق هذه المعطيات، فإن المنطقة تعيش في مخاض عسير يتطلب وعيًا وإرادة جمعية قادرة على مواجهة التحديات ومقاومتها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :