
مدنيون ينزحون من بلدة الكويا في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي بعد قصف إسرائيلي استهدف منازلهم - 25 آذار 2025 (محافظة درعا)
مدنيون ينزحون من بلدة الكويا في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي بعد قصف إسرائيلي استهدف منازلهم - 25 آذار 2025 (محافظة درعا)
عنب بلدي – حسام المحمود
في 25 من آذار الحالي، صعّدت إسرائيل في الجنوب السوري، وتحديدًا في درعا، بشكل فاق الانتهاكات السابقة من خلال إطلاقها قذائف دبابات في قرية كويا ضمن منطقة حوض اليرموك جنوبي سوريا، بعد مقاومة من سكان القرية لتوغل عسكري إسرائيلي في المنطقة.
وأفاد مراسل عنب بلدي حينها أن شبانًا من قرية كويا جنوبي درعا قاوموا توغلًا للجيش الإسرائيلي، ورد عليهم الأخير برصاص فقتل اثنين منهم، تبع ذلك قصف بالدبابات الإسرائيلية لمنازل القرية بنحو عشر قذائف، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، وثقتهم بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
الاستهداف الإسرائيلي سبقته وتبعته ضربات إسرائيلية متكررة لمواقع القدرات العسكرية السورية منذ سقوط نظام الأسد المخلوع، على امتداد الخريطة السورية، وقوبل بإدانات من دمشق أولًا، ومن مختلف الدول الإقليمية والفاعلة في المجتمع الدولي ثانية.
وخلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة في 25 من آذار، فإن مجموعة من الدول، منها قطر والأردن وروسيا والصين وفرنسا، طالبت إسرائيل بالعودة إلى “الوفاء” بالتزاماتها بموجب اتفاقية فض الاشتباك وسحب وحداتها من المنطقة العازلة والأراضي السورية الأخرى التي تحتلها منذ الساعات الأولى لسقوط الأسد، حامي حدودها سابقًا.
هذه الإدانات وردود الفعل الرافضة للتوغل الإسرائيلي، رغم تصريحات متتابعة من دمشق مفادها أن الأولوية السورية منصبة على البناء وإعادة الإعمار والتنمية، دفعت الإسرائيليين إلى التملص، ونفي أن يكون الهدف من تحركاتهم في سوريا غزو الأراضي السورية، إذ تذرع القائم بأعمال السفير الإسرائيلي لدى موسكو بمحاربة “حزب الله” اللبناني وإيران، رغم أن كلا الطرفين بات خارج المعادلة السورية بعد رحيل الأسد.
كما أن الموقف الإسرائيلي هذا يتعارض مع مخطط كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية، في 10 من كانون الثاني، يهدف لتوسع نفوذ إسرائيل بالأراضي السورية بعمق 15 كيلومترًا عسكريًا و60 كيلومترًا “استخباراتيًا”.
ويعتمد الجيش الإسرائيلي في خطابه الرسمي حول مجريات الأحداث في سوريا، على أن إسرائيل تركز على تأمين الجولان المحتل من “التهديدات المتطرفة” التي لا يراها إلا الإسرائيليون.
وسبق أن نقلت صحف إسرائيلية منها “يديعوت أحرونوت” عن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قوله، “ليست لدينا أي نية للتدخل في شؤونها (سوريا) الداخلية، ولكن من الواضح أن لدينا نية للقيام بما هو ضروري لضمان أمننا”، لكن الضربات الإسرائيلية في كل مكان تقريبًا، والرفض المطلق لوجود عسكري سوري رسمي في محافظات الجنوب واللعب على وتر حماية مكونات سورية من الدولة، رغم غياب التهديدات أصلًا، وطموح إسرائيل بحرية حركة في الجنوب السوري، يناقض الروايات الإسرائيلية برمّتها.
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أكد خلال مشاركته عبر “الزوم” في قمة فرنسية- لبنانية- قبرصية- يونانية، في 28 من آذار، أن سوريا ستواصل الدفاع عن حقوقها الثابتة وأن الدعم العربي والدولي لم يعد خيارًا بل ضرورة.
الواقع الميداني في درعا غير مستقر ومقلق، ووفق شهادات حصلت عليها عنب بلدي عبر مراسلها في المنطقة، فالأهالي متخوفون من اقتحام أو تصعيد إسرائيلي يدفعهم إلى التهجير، وهو خيار غير مقبول بالنسبة لهم.
عمل الجيش الاسرائيلي بعد تمركزه في الجزيرة، منذ 10 من كانون الأول 2024، وهي تلة استراتيجية تشرف على الحدود السورية والأردنية وحدود الجولان، وتفصل بين وادي الرقاد ووادي اليرموك، على منع المزارعين من الوصول إلى أرضيهم من جهة قرية معرية، كما منع مربي النحل من الوصول إلى مزارعهم، ما سبب خسائر مالية لهم، هذه العوامل دفعت شبانًا في قرية كويا للدفاع عن البلدة ومنع قوات الاحتلال من اقتحامها، وهو ما أوقع قتلى ومصابين قبل أيام.
وبالنسبة لحالة المقاومة، فإسرائيل لم تشهدها سوى في قرية كويا، رغم اقتحاماتها المتكررة لبلدات معرية وجملة وعابدين وصيصون، للبحث عن أسلحة.
وعلى المستوى الرسمي، لم تتدخل أي قوات عسكرية سورية تابعة للحكومة في صد القوات الإسرائيلية، في مؤشر على استبعاد الخيار العسكري من قبل دمشق، مع زيارة محافظ درعا وقائد شرطة المحافظة لبلدة كويا لتقديم واجب العزاء.
هذه الانتهاكات في درعا على وجه الخصوص سبقها، في 17 من آذار، قصف استهدف مدينة درعا أوقع ثلاثة قتلى ومصابين، كما قصفت إسرائيل مستودعات لـ”الفرقة الخامسة” في إزرع وفي محجة و”الفوج 89″ في جباب و”كتيبة الرادار” في ناحتة.
وبحسب شهادات حصلت عليها عنب بلدي، فإن القوات الاسرائيلية تعمل على تدمير مستودعات أسلحة وعربات ودبابات ومدافع، وتواجه الأهالي بلغة تهديد في حال قابلوا تحركاتها بمقاومة، كما عملت على استمالة السكان بالسلال الغذائية والمساعدات التي قوبلت برفض شعبي.
أجرت عنب بلدي استطلاعًا في درعا لتبيّن خيارات السكان المحليين أمام التحركات الإسرائيلية العدائية في قراهم وبلداتهم، واعتبر المحامي رسلان الحسين أن هذه الاستفزازات الإسرائيلية ستؤدي مع الوقت لتشكيل مقاومة شعبية ما لم تحسم الدولة السورية القضية.
الطبيب معاوية الزعبي، يرى أيضًا أن السوريين سيشكلون مقاومة، وكل صاحب أرض سيدافع عن أرضه، وكما ثار الشعب السوري على الظلم في بلده سيثور على الاعتداءات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن “حادثة دنشواي” في مصر أشعلت ثورة ضد احتلال، وأن إسرائيل “تلعب بالنار”.
“أبو ثائر الخالدي”، أحد سكان درعا، يتفق أيضًا على أن المقاومة الشعبية ستحصل، لكن الأمر حاليًا متروك للقيادة السورية.
ويتفق أمجد ملكة، من بلدة المزيريب في ريف درعا الغربي، مع الخالدي والزعبي وغيرهم على أن المقاومة الشعبية ضرورة، لكن الأحداث السياسية التي عاشتها سوريا خلال الفترة الماضية أخرت ذلك، مشيرًا إلى أن ما يجري في غزة سيحرّض السوري على المقاومة.
معمر الميساوي أحد سكان درعا، يرى أن المقاومة الشعبية هي الحل الوحيد إذا كانت الدولة السورية اليوم واقعة تحت أعباء وغير قادرة على التحرك، وأن السوريين ككل لا يقبلون بما تفعله إسرائيل.
أما رياض اللافي، فيأمل أن تتطور الأمور وتتكون مقاومة شعبية من شأنها خلق مخاوف لدى الإسرائيليين ودفعهم للانسحاب.
مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، يرى أن الهجوم على درعا يتجاوز كونه عدوانًا عسكريًا، وهو محاولة لتفجير بؤر توتر جديدة تعوق مسار الاستقرار السوري الهش، وتعيد إنتاج أزمات الماضي تحت ذرائع الأمن، فسقوط المدنيين قتلى ومصابين تأكيد على أن الاستهداف الممنهج بات أداة لفرض سياسات أمر واقع.
وبرأي سرميني، فالمجتمع الدولي مطالب بالتحول إلى دور فاعل يفرض محاسبة فورية على هذه الانتهاكات، مع ضرورة أن تواصل سوريا تثبيت أمنها ببناء دولة قادرة على ردع العدوان.
سرميني أوضح لعنب بلدي أن المطلوب من أهالي درعا اليوم والجنوب بالمجمل، عدم الانجرار وراء إسرائيل أو الدعاية الإسرائيلية، دون إغفال غياب قدرات الرد العسكري، مع وجود مقاومة شرعية لمواجهة الاحتلال بما هو متاح، سواء بالسلاح الفردي أو التجمع ومحاولة منع التوغل، مع وجود صحافة وكاميرات لقنوات عالمية ومحلية تراقب وتصور وتنقل ما يجري.
وهنا يأتي دور الدولة السورية الجديدة وعملها في التوصل إلى صيغة تعيد إسرائيل إلى خطوط وقف النار (فض الاشتباك) وذلك بعمل دبلوماسي، وتحضير قوات سورية للتمركز في المواقع المنصوص عليها في الاتفاق الدولي المبرم عام 1974، مع ضرورة التواصل مع الأطراف المعنية والتفاوض غير المباشر حاليًا مع إسرائيل للعودة إلى اتفاق وقف النار، والأفضل هنا طرق الباب الأمريكي بهذا الخصوص بأسرع وقت، وفق سرميني.
ووفق ما نقلته وكالة “رويترز”، مطلع آذار الحالي، فإن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولامركزية”، في نهج مخالف للدول الحليفة لواشنطن، ومنها السعودية التي قالت إنها تتحدث إلى واشنطن وبروكسل للمساعدة في رفع العقوبات عن دمشق، كما لم يتضح إلى أي مدى تدرس إدارة ترامب تبني مقترحات إسرائيل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى