
عناصر إدارة العمليات العسكرية خلال عرض عسكري في وسط دمشق، سوريا، الجمعة،27 من كانون الأول 2024. (أسوشيتيد برس)
عناصر إدارة العمليات العسكرية خلال عرض عسكري في وسط دمشق، سوريا، الجمعة،27 من كانون الأول 2024. (أسوشيتيد برس)
عنب بلدي – عمر علاء الدين
تعمل وزارة الدفاع السورية على إنشاء نواة الجيش الجديد، بعد الإعلان في “خطاب النصر” عن حل الجيش السابق والأجهزة الأمنية في نظام الأسد المخلوع، في 29 من كانون الثاني الماضي.
وتدور التحليلات والتكهنات حول آليات تشكيل الجيش السوري الجديد والصعوبات التي تواجه هذه العملية، خصوصًا عملية دمج الفصائل المسلحة وانضمام “قسد” لهذه العملية أيضًا.
كما تجري هذه العملية في وقت تتحرك فيه أنقرة باتفاقيات عسكرية وأمنية مع دمشق، إذ بدأ الملحق العسكري في السفارة التركية، المقدم حسن غوز، عمله رسميًا، في 5 من آذار الحالي، بينما أبدت أنقرة استعدادها في أكثر من مناسبة لدعم الجيش السوري ومساعدته، حال طلبت دمشق ذلك.
ولا تعلن وزارة الدفاع السورية عن تقدم عملية الهيكلة، بينما تخرج تسريبات عن تسمية قادة في الفصائل، قادة لفرق وتشكيلات في الجيش، من بينهم محمد الجاسم (أبو عمشة)، وسيف الدين بولاد (أبو بكر).
تواصلت عنب بلدي مع وزارة الدفاع السورية، واستفسرت عن الخطوات المنجزة في تأسيس الجيش السوري، لكن الوزارة حصرت الإجابة عن هذه الاستفسارات بتصريحات وزير الدفاع، اللواء مرهف أبو قصرة.
الباحث في الشؤون العسكرية، وخبير الشؤون الميدانية في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، يرى أن على وزارة الدفاع السورية تثبيت عدة اتفاقيات مع دول الجوار السوري لضمان أمن الحدود، بينما تحتاج عملية دمج الفصائل وباقي الكتل العسكرية في سوريا إلى خطوات تقنية معقدة جدًا وجهد ووقت كبيرين.
في 16 من آذار الحالي، قال رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع السورية، العميد محمد منصور، إن الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل، وتعتبرهم جزءًا أصيلًا من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها.
منصور أكد، في تصريحات لوكالة “سانا” الرسمية، أن إعادة بناء الجيش العربي السوري تعتمد على مزيج من الخبرة والتحديث، موضحًا أن الضباط المنشقين يمتلكون خبرات ميدانية ثمينة، وسيتم توظيفهم بحسب تخصصاتهم وحاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، بما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على الدفاع عن الوطن وسيادته، وسيكون لهؤلاء الضباط دور أساسي ومحوري.
وفي 7 من شباط الماضي، قال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن نحو 100 فصيل مسلح في سوريا وافقوا على الانضمام لوزارة الدفاع.
كما أعلنت الوزارة في أكثر من مرة، عن اجتماعات لوزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، ورئيس الأركان السوري، علي النعسان، بعدد من القيادات العسكرية لمتابعة عملية انخراط الفصائل العسكرية ضمن وزارة الدفاع.
في 21 كانون الثاني الماضي، قال أبو قصرة، في حوار مع مجلة “المجلة“، إن العمل جارٍ على بناء جيش يحبه الشعب، وإن هيكلة الجيش العربي السوري ستعاد وفق قوانين، وهذه القوانين ترسم المسار العام لبناء المؤسسة العسكرية، وبحسب أبو قصرة، فـ”أولوياتنا الآن نقل الفصائل باتجاه المؤسسة العسكرية وأيضًا توزيع هذه القوات العسكرية حسب الجغرافيا السورية”.
وزير الدفاع السوري، أوضح أن لديه أهدافًا مرحلية كل ستة أشهر يجب إنجازها خلال هذا الوقت، وكل فترة يعاد وضع قائمة أولويات بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للانتقال إلى المراحل الأخرى، مشيرًا إلى الانتقال من اللقاءات بالفصائل العسكرية إلى الخطوات العملية.
يرى الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، أن أبرز الصعوبات التي تواجه تشكيل الجيش السوري الجديد، هي التشرذم والمشهد الفصائلي الذي لا يزال حاضرًا في بعض الأماكن.
ويعزو الخبير ذلك إلى أنه في أثناء عملية التحرير لم تكن هناك كتلة عسكرية واحدة تحت سيطرة قيادية واحدة، بل كانت هناك فصائل متعددة شاركت في المعركة، مثل “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية” و”جيش سوريا الحرة” والفصائل في الجنوب والمقاتلين في التنف، إلى جانب فصائل التسويات و”قسد”.
وبحسب شعبان، فإن لكل فصيل خاصيته وتنظيمه، ما يفرض على عملية إعادة دمجه وتكوينه وترتيب الملف التنظيمي للكتلة العسكرية الجديدة جهدًا ووقتًا كبيرين، فالفصائل التي حضرت “مؤتمر النصر” أعلنت موافقتها على الدمج ولكن الخطوات التقنية ما زالت غير واضحة، فيما بدأت عملية تشكيل عدة ألوية وتكليف قياديين لها.
ويرى الباحث العسكري أن ملف المنشقين حساس، ويمكن تصنيفهم إلى نوعين، فئة من المنشقين كانت منخرطة بالعمل العسكري مع الفصائل، وفئة كانت تقيم ضمن مخيم المنشقين قرب الحدود مع تركيا، وهؤلاء خبراتهم العسكرية لم يعملوا بها لسنوات عديدة.
ويجب العمل على إعادة تقييم من هو المفيد في هذه المرحلة، مع العلم أن هذا لا يعني أن كل المنشقين يجب أن يكونوا ضمن المنظومة العسكرية الجديدة.
ووفقًا للباحث، فإن العملية تحتاج أولًا إلى معرفة الخبرات الموجودة ثم العمل على تطبيق برامج مثل “DDR” و”SDR” و”REFORMING”.
“DDR” في العلوم العسكرية هو التسمية المختصرة لـ” Disarmament, Demobilization and Reintegration “، التي تعني عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج .
وقد يكون من المهم النظر في إمكانية تطبيق “DDR” كجزء من استراتيجية طويلة الأمد في الحالة السورية، على الرغم مما يعتري ذلك من تحديات نظرًا لتجارب غير ناجحة في بعض الدول العربية التي خرجت من حالة الثورة، وكذلك نظرًا لخصوصية الحالة السورية المتشعّبة، وفق تقرير لمركز “الحوار السوري“.
ومن أهم مكونات برامج “DDR” بحسب التقرير:
جمع الأسلحة الثقيلة والخفيفة من جميع الأطراف، ووضع خطط لإدارة الأسلحة المُجمّعة لضمان عدم إعادة استخدامها، ومراقبة عمليات التسليم من قبل جهات محايدة لضمان الشفافية.
تسريح مقاتلين من الفصائل، وتقديم برامج توعية لدمجهم في المجتمع، إضافة إلى توفير المساعدات المالية أو العينيّة المؤقتة لتسهيل الانتقال من الحالة العسكرية إلى المدنية.
إعادة الإدماج عبر تدريب المقاتلين السابقين في الفصائل العسكرية على المهارات المهنية، إضافة إلى العمل على دمجهم في برامج اقتصادية ودعم المجتمعات المستقبلة للمقاتلين لضمان التعايش الاجتماعي.
الباحث نوار شعبان، خلال حديثه لعنب بلدي، أكد ضرورة أن يكون العمل على تنظيم الهيكلية العسكرية يتناغم مع حجم الأخطار الداخلية التي تواجه سوريا حاليًا، معتبرًا أن على وزارة الدفاع تطوير هيكليتها وانضباطها وعقيدتها القتالية.
ويرى الباحث أن من الضروري الإسراع بالملف التنظيمي ووضع الهيكلية الهرمية القيادية بشكل سريع، وبعدها الانتقال إلى ملفات أخرى.
من الصعوبة التكهن بالمدى الزمني للعملية التي يصبح فيها الجيش السوري يضاهي أمثاله في الإقليم، بحسب الباحث العسكري، لكن قوات وزارة الدفاع في وضعها الحالي تستطيع التعامل مع الأزمات التي تحدث في الجغرافيا المختلفة من سوريا، ولكن هذا الشكل لا يكفي بل هو بحاجة إلى التطوير.
ويعتقد الباحث أن العقيدة القتالية الحالية للجيش السوري ستكون عقيدة ردع داخلي، لأنه “ليس لدينا قدرة على الردع الخارجي”، حسب تعبيره.
في 5 من شباط الماضي، أفاد مصدر عسكري مطلع بأن وزارة الدفاع السورية أوكلت مهمة تأسيس الجيش الجديد إلى لجنتي الهيكلة والتعيينات، ولكل منهما استقلالية تامة، وذلك بهدف دمج فصائل الثورة في جيش واحد.
وأفاد المصدر لموقع “الجزيرة نت“، بأن لجنة الهيكلة يترأسها العميد عبد الرحمن حسين الخطيب، وانبثقت عنها لجنة خاصة تابعة مهمتها إجراء جرد شامل لجميع الفصائل، وذلك بإحصاء عدد أفرادها والأسلحة التي تمتلكها، تمهيدًا لدمجها ضمن قوى الجيش.
وقد اعتمدت لجنة الجرد آليات صارمة لضبط أعداد عناصر كل فصيل، ومنع التلاعب بها أو إقحام أسماء غير حقيقية فيها، كاشتراط إقران رقم السلاح مع اسم المقاتل، وفي حال وجود اسم دون رقم سلاح خاص به فإنه يحال للانتساب الفردي ولا يحسب ضمن الأسماء المرشحة من الفصيل.
أما لجنة التعيينات فهي بقيادة رئيس الأركان اللواء علي نور الدين النعسان، ويناط بها تعيين قادة الفرق وكبار المسؤولين بالجيش، ويغلب على أفرادها الاختصاص التقني الحربي، ممن اشتهروا بمهاراتهم الحربية في أثناء التخطيط للمعارك وتنفيذها.
حول الموقف من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، اعتبر الباحث نوار شعبان، أن دمجها بوزارة الدفاع السورية معقد أكثر من أي تكتل عسكري موجود في سوريا.
ويعزو شعبان ذلك إلى أن “قسد” تضم عددًا من التشكيلات، أبرزها “وحدات حماية الشعب”، والتشكيلات العربية، و”الخابور العالمي” الذي يضم مقاتلين أجانب، وقوات “أسايش”، والمجالس العسكرية في دير الزور، وغيرها.
في 10 من آذار الحالي، وقع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، اتفاقًا يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا التابعة لـ”قسد” ضمن إدارة الدولة السورية.
في 13 من آذار الحالي، قال الناطق الرسمي باسم “قوات الشمال الديمقراطي” التابعة لـ”قسد”، محمود حبيب، لقناة “المملكة” الأردنية، إن لجانًا ستشكل لبحث كل القضايا الأمنية والعسكرية والإدارية والحكومية، مشيرًا إلى أنها ستصل إلى “نهاية تسعد الجميع. ولا يجب أن يكون في سوريا غالب ومغلوب”.
وأوضح حبيب أن “قوات الشمال الديمقراطي” ستكون جزءًا من وزارة الدفاع السورية، وأن هذه القوات تسيطر على قرابة ثلث الأراضي السورية وفيها معتقلات لأفراد من تنظيم “الدولة” ومخيمات عوائل التنظيم.
بدوره، قال متحدث باسم وزارة الدفاع السورية، إنه سيتم تشكيل لجنة لدمج “قسد” في هيكلية الجيش السوري.
يبدو أن التعاون العسكري السوري مع تركيا حال حدوثه، سيزيد الخبرات القتالية للجيش السوري الجديد وفق ما يرى مدير مركز “رصد للدراسات الاستراتيجية”، العميد عبد الله الأسعد.
الأسعد يعتقد، في حديث لعنب بلدي، أن من المحتمل توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين سوريا وتركيا، مؤكدًا أنها ستساعد على تأهيل ضباط وصف الضباط السوريين عبر تدريبهم وفق منهاج قتالي متطور يشرف عليه ضباط أتراك.
كما أن توقيع هذه الاتفاقية، بحسب الأسعد، سيسهم في ترسيخ أسس المؤسسة العسكرية السورية، والانضباط فيها.
بدوره، أكد الباحث العسكري نوار شعبان، خلال حديثه لعنب بلدي، ضرورة تثبيت اتفاقيات مع دول الجوار السوري (لبنان، الأردن، العراق) لما لها من دور بالغ في ضبط الحدود.
ويرى الباحث السوري، أن التعاون العسكري مع تركيا سيكون إيجابيًا والخبرات التركية قد تمنع تطور الأخطار المحتملة لأي فعل أمني ضد الدولة السورية وخروجه من نطاق جغرافي معين، وخصوصًا في القدرات الاستطلاعية على غرار ما جرى في الساحل.
كما يعتقد شعبان أن التعاون العسكري مع تركيا، سيثمر في عديد من المجالات وخصوصًا في مجال الطيران المسيّر.
صحيفة “حرييت” التركية تحدثت، في 17 من آذار الماضي، عن عزم تركيا تعيين مستشار عسكري للجيش السوري الجديد خلال المرحلة المقبلة، وذلك في ظل تعهد أنقرة بدعم قدرات البلد الجار على الصعيدين الأمني والدفاعي.
وأضافت أن تركيا تعتزم المساهمة في إعادة هيكلة الجيش السوري وتزويده بمنتجات صناعتها الدفاعية المتطورة لتعزيز قدراته، موضحة أنه سيتم أيضًا تعيين مستشار عسكري تركي للجيش السوري، بجانب الملحق العسكري التركي الموجود في دمشق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى