في استنساخ آليات الضبط والإخضاع

tag icon ع ع ع

غزوان قرنفل

أصدر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 27 من آذار 2025، القرار رقم “53”، الذي أنشأ بموجبه ضمن هيكلية وزارته ما يسمى “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، وأنيط بها مهمة “الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية داخل سوريا وتنظيمها وفقًا للوائح والقوانين النافذة”، وكذلك مهمة “المشاركة في صياغة ورسم السياسات والخطط العامة المتعلقة بالشأن السياسي”.

ما المعنى المستبطن من هذا القرار؟ بكل بساطة هو إعلان لاحتكار السلطة للفضاء السياسي العام ومنحها الحق الكامل للإشراف على أي نشاط سيمارس، أو فعالية سياسية ستنظم داخل البلاد، وتقرير إباحتها أو منعها في ضوء اللوائح التي تقررها السلطة نفسها.

كما منحت هذه “الأمانة” الحق في رسم السياسات والخطط العامة المتعلقة بالشأن السياسي السوري، أي أنها تملك وحدها حقًا احتكاريًا في رسم السياسات العامة للبلاد وتقرير كل ما يتعلق بالشأن السياسي. ولأجل تحقيق تلك الأهداف، منحت تلك الهيئة الحق في استثمار وتوظيف جميع الأصول التي كانت في ملكية أو تحت تصرف حزب “البعث” المنحل، وكل أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، والمنظمات التابعة لهما، لتكون في خدمة واستثمار تلك “الأمانة”.

وهل كان حزب “البعث” أكثر من ذلك؟ وهل كانت المادة “8” من دستور الأسد الأب عام 1973 في مضمونها ومراميها غير ما ورد في قرار وزير الخارجية؟!

إنها حقًا عملية استنساخ أولية خجولة لعملية احتكار الفضاء السياسي لمصلحة السلطة الجديدة، التي سبق أن حضّرت أدوات أخرى عبر إعلانها الدستوري، حين هيأت بموجبه آليات مختلفة لبناء مؤسسات السلطة سواء على المستوى التشريعي أو القضائي، وكذلك المدة الطويلة لحكم السلطة الانتقالية، كل ذلك ليس أكثر من مسار يهدف للإمساك بخناق المجتمع وإعادة تدجينه وإخضاعه، ولا يمكن قراءة الأمور خلاف ذلك، خصوصًا أن السلطة الجديدة احتكرت الفضاء السياسي العام عندما قررت تعطيل عمل الأحزاب السياسية الموجودة الآن بانتظار إصدار قانون جديد للأحزاب ربما لا يصدر لسنوات، بينما كان يتعين عليها عدم فعل ذلك، ثم عندما تصدر قانونًا يمكنها الطلب من الأحزاب القائمة تكييف أوضاعها القانونية مع القانون الجديد.

دعونا لا ننسى أن السلطة الحالية أحكمت، منذ تشكيلتها الحكومية الأولى، قبضتها على النقابات العلمية وفرضت مجالس معيّنة بقرار منها عليها، ولم تتح لها، وأعتقد أنها لن تسمح لوقت طويل، أن تعقد هيئاتها العامة وتنتخب مجالسها. وأظن أنها ستعمل قريبًا على فرض سيطرتها على فضاء العمل المدني، ووضع العراقيل أمام أعماله، إن لم يمتثل لشروط ومواصفات وآليات عمل سيتم فرضها على منظمات المجتمع المدني، تحت طائلة عدم ترخيصها أو إلغاء ترخيص المرخص منها.

إن نمط السلطة الحالية لا يسمح بالتشاركية أبدًا، ولا يؤمن بها أصلًا، فلقد هتك قبلًا مفهوم الشراكة الوطنية عندما أقام “سيركًا” حواريًا مع أنصاره وأزلامه، وكذلك فعل مجددًا عندما فصل إعلانًا دستوريًا على مقاس حذاء الرئيس. بل أكثر من ذلك، سأسمح لنفسي بالقول وبشكل مسبق وقبل الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة حيث أكتب هذا المقال، إن أي تنوع في هذه الحكومة لا يعني مشاركة حقيقية فيها، بل هو تنوع شكلاني يراد منه القول إن الإسلاميين لا يستأثرون بالسلطة، وإنهم منفتحون على مشاركة مختلف أطياف المجتمع، وهي رسالة استجابة لاشتراطات القوى الغربية ومطالبها قبل تقديم الدعم وتخفيف العقوبات عنها، وهي جزئية جيدة لنا على أي حال، ولكن هل من الطبيعي أن نسعى دائمًا للوذ بالدول الغربية لنتحصل على حق المشاركة في دولتنا ومؤسساتها؟ أليس الطبيعي أكثر أن نتحصل عليها من خلال آليات دستورية وقوانين تضمن لنا تلك الحقوق؟

ما أقوله غالبًا سيثير جنون الكثيرين من أنصار السلطة الجديدة بطبيعة الحال، فمن المألوف اتهامنا بالعمالة أو بالتنظير عن بعد، وأننا نضع العراقيل التي تعوق عمل تلك السلطة وإنجازاتها. ولست بحاجة للقول إن كل ذلك لن يحول بيننا وبين حقنا في تعرية السلطة وانتقاد سلوكها أو قراراتها طالما أننا نجد أو نقرأ في تلك القرارات أو السياسات ما يمكن أن يعيدنا إلى حظيرة الاستبداد مجددًا.

مرة أخرى، ولا أجزم أنها الأخيرة، أهمس في أذن هذه السلطة وأقول أيها السادة، أرجوكم لا تستنسخوا عن “البعث” والأسد آلياتهم التي اتبعوها لتحقيق الضبط والإخضاع، فالسوريون اليوم ليسوا هم نفس السوريين الذين كانوا قبل 15 عامًا، فلا تغامروا في أخذ البلد لهاوية جديدة. ومن يطالب اليوم من السوريين بالشراكة الوطنية الحقة، سينفض عنكم إذا ما ظلّ يواجه تجاهلًا وصدًا ومسعى محمومًا للسيطرة والاستئثار.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة