tag icon ع ع ع

حسن إبراهيم | هاني كرزي | حسام المحمود | موفق الخوجة

بدأت ملامح تنشيط قطاع النفط والغاز ترتسم ببطء في سوريا، بعد شلل شبه تام استمر 14 عامًا لأبرز حوامل وركائز الاقتصاد السوري، إذ يرى خبراء ومتخصصون أن القطاع يمثل ثروة هائلة تؤهله للعب دور حاسم في تعافي الاقتصاد، لكن هناك عقبات جمّة تعترضه داخلية وخارجية يجب العمل عليها.

بعد سقوط النظام السوري السابق، وتولي حكومة دمشق المؤقتة دفة الحكم، تحرك القطاع عبر واردات روسية من البحر، واتفاقية قيد التنفيذ مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على حقول النفط شرقي سوريا، وفتح الحكومة الباب أمام مناقصات لتوريد النفط ومشتقاته، مع دعم عربي في هذا القطاع.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على قطاع النفط والغاز، وملامح نشاطه وطبيعة الخطوات التي اتخذتها حكومة دمشق المؤقتة، وتناقش مع خبراء ومتخصصين أثر هذه التحركات على القطاع وعلى دورها في التعافي وانتشال الاقتصاد السوري من أزماته.

حراك لتنشيط قطاع متهالك

أنهكت سنوات الحرب منشآت قطاع النفط والغاز، وطالتها عمليات التخريب والسرقة وتهالكت بنيتها، وفاقمها الاستخراج والتكرير البدائي، وقُدرت قيمة الأضرار المعلن عنها بـ115.2 مليار دولار أمريكي، منذ 2011 حتى نهاية النصف الأول من عام 2023.

بينما كان إنتاج البلاد 385 ألف برميل نفط يوميًا عام 2010، انخفض بشكل حاد إلى ما بين 24 ألفًا و34 ألف برميل يوميًا فقط بين عامي 2014 و2019، وعاد لينتج حاليًا ما يقارب 110 آلاف برميل، موزعة على 100 ألف برميل من حقول تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، و10 آلاف برميل من حقول تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة.

أما الغاز السوري فتراجع إنتاجه من 30 مليون متر مكعب يوميًا عام 2010 إلى ما يقارب 9.1 مليون متر مكعب يوميًا، موزعة على 8 ملايين متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق، و1.1 مليون متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها “قسد”، ولا يغطي هذا الإنتاج مجتمعًا سوى نصف احتياج محطات توليد الكهرباء عبر العنفات الغازية البالغ حوالي 18 مليون متر مكعب يوميًا.

خلال السنوات الماضية، كانت إيران تزود النظام السوري بالنفط الخام، ولم تنقطع توريداتها بحرًا عبر المواني السورية أو برًا عبر الأراضي العراقية، وبكميات غير ثابتة أو محددة، بما يصل إلى 100 ألف برميل يوميًا، وتوقفت في بعض الفترات كنوع من الضغط على بشار الأسد في ملفات أخرى.

فور سقوط النظام، وهروب بشار الأسد إلى موسكو، توقفت طهران عن توريد النفط إلى سوريا، وأبلغت الإدارة السورية الجديدة بأنها مدينة لها بما يتراوح بين 30 و50 مليار دولار أمريكي، مقابل إمدادات الوقود وغيرها من المساعدات خلال فترة حكم الأسد.

ولا توجد رغبة سورية بإيفاء هذه الديون، مع ردود غير رسمية بأن إيران مدينة لسوريا بمبلغ 300 مليار دولار أمريكي، كتعويضات للشعب السوري والدولة السورية، عما سببته سياسات طهران “الإجرامية والتعسفية” من ضرر للسوريين والبنية التحتية خلال انحيازها عسكريًا مع ميليشياتها لمصلحة نظام بشار الأسد.

وزير النفط والثروة المعدنية في سوريا غياث دياب خلال زيارة تفقدية لمصفاة حمص والشركة السورية للفوسفات والمناجم في المحافظة - 23 آذار 2025 (وزارة النفط والثروة المعدنية)

وزير النفط والثروة المعدنية في سوريا غياث دياب خلال زيارة تفقدية لمصفاة حمص والشركة السورية للفوسفات والمناجم في المحافظة – 23 آذار 2025 (وزارة النفط والثروة المعدنية)

تخفيف ورفع عقوبات

بدأ القطاع يستعيد أنفاسه خاصة بعد رفع وتخفيف العقوبات الدولية عن سوريا، والتي استهدفت قطاعات رئيسة من الاقتصاد السوري أبرزها القطاع النفطي، وكانت تهدف لتعطيل أنشطة النظام السوري السابق وخفض إيراداته، وتقييد قدرة الأسد على تمويل القمع.

وعلّق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات، بما فيها المفروضة على قطاع الطاقة، كما رفعت الحكومة البريطانية عقوبات مفروضة على 24 كيانًا سوريًا، شملت عددًا من البنوك وشركات النفط، من بينها “الفرات” و”دير الزور” و”إيبلا” و”الشركة العامة للنفط” وشركة “محروقات” و”الشركة السورية لنقل النفط “و”الشركة السورية للنفط” و”الشركة العامة لمصفاة حمص” وشركة “مصفاة بانياس”.

كما خففت الولايات المتحدة بعض العقوبات، وأصدرت الترخيص العام رقم “24” (GL24)، الذي أتاح المعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا بعد 8 من كانون الأول 2024، والمعاملات لدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول ومنتجات البترول والغاز الطبيعي والكهرباء، إلى سوريا أو داخلها.

ويستمر هذا الترخيص لمدة ستة أشهر مع استمرار حكومة الولايات المتحدة في مراقبة الوضع المتطور على الأرض، وإمكانية تجديده بعد ستة أشهر، وفق تصريح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية لعنب بلدي.

العقوبات كانت سببًا لإجبار 11 شركة دولية مسؤولة عن 49.6% من إجمالي إنتاج النفط الخام السوري عام 2010، على التخلي عن عملياتها.

آبار شرقي سوريا..

بانتظار الحكومة

تتركز معظم منابع وحقول النفط السوري في مناطق شمال شرقي سوريا حيث تسيطر “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتمتلك نحو 90% من إنتاج سوريا من النفط، و45% من الغاز الطبيعي، وتعد المنطقة سلة الخبز والنفط للبلاد.

أحكمت “قسد” سيطرتها على حقول النفط بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بدعم ومشاركة من التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وخفّ الإنتاج بسبب سوء التعامل وقلة الخبرات وبدائية المعدات التي استخدمتها في استخراج وتكرير النفط.

وكانت “قسد” تصرّف النفط الذي تستخرجه إلى أربعة اتجاهات، الأول الاستهلاك الداخلي، والثاني إلى إقليم كردستان العراق، والثالث إلى مناطق سيطرة المعارضة، والرابع، وهو القسم الأكبر، يصدر إلى مناطق سيطرة النظام السوري السابق، عبر اتفاقيات ووسطاء.

اتفاق قيد التنفيذ

بعد سقوط النظام، اتجهت حكومة دمشق المؤقتة إلى عقد اتفاق مع “قسد”، لاستجرار النفط والغاز من شمال شرقي سوريا، أعلن عنه في 22 من شباط الماضي، وهو امتداد لتفاهمات سابقة بين النظام السابق و”قسد”، مع مراجعة كاملة للعقد بما يتناسب مع “القوانين الوطنية” واحتياجات السوق المحلية، وفق تصريح لمسؤول العلاقات العامة في وزارة النفط بحكومة دمشق المؤقتة، أحمد سليمان.

مدة الاتفاق لاستجرار النفط كانت ثلاثة أشهر، وبلغت الكمية المستوردة من “قسد” أكثر من 15 ألف برميل يوميًا من النفط، إضافة إلى كميات من الغاز الطبيعي تتراوح ما بين 500 ألف ومليون متر مكعب.

عقب أسبوعين، وقع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، اتفاقًا وصف بـ”التاريخي”، نص بند منه على دمج جميع المؤسسات العسكرية والمدنية لـ”قسد” ضمن الدولة السورية، بما فيها حقول النفط والغاز.

بعد الاتفاقية، أعلنت وزارة النفط البدء بنقاش آلية التسلم والإشراف على حقول وآبار النفط في شمال شرقي سوريا، واعتزام تشكيل ‏لجان متخصصة للإشراف على تسلم الحقول والآبار، وإعداد تقارير شاملة ‏حول جاهزيتها وحالتها الفنية.

في المقابل، نفى قيادي في “الإدارة الذاتية” تسليم آبار النفط للحكومة السورية، وأكد أن العمل لا يزال جاريًا على تشكيل اللجان المعنية بملفات التفاوض مع دمشق، مشددًا على أن أي اتفاق بهذا الشأن لم يُنفَّذ حتى الآن.

خطوة أولية “غير كافية”

تمثّل الاتفاقيات بين “قسد” وحكومة دمشق، منتصف شباط الماضي، والكميات المتفق عليها، خطوة أولية للتعاون بين الطرفين، وتمهيدًا لعودة الآبار إلى سلطة الدولة وفق تفاهمات بين الجانبين، بحسب الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات” مناف قومان.

ويرى قومان، في حديث لعنب بلدي، أن الكميات المذكورة في الاتفاق لا تلبي سوى القليل من احتياجات سوريا، وغير كافية لإنعاش قطاع الكهرباء أو سد النقص في المحروقات، فحاجة سوريا أكبر بكثير من الكميات المطروحة في الإعلان.

وأوضح الباحث أن سوريا تحتاج إلى حوالي 150 ألف برميل نفط يوميًا، لافتًا إلى أن المتوفر منها حاليًا بالكاد يصل إلى 25 ألف برميل، كما تحتاج سوريا إلى نحو 23 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، والمتوفر منها حاليًا نحو 6.5 مليون متر مكعب.

ويتوقف تسليم آبار النفط والغاز من “قسد” للحكومة على اللجان الفرعية التي يجري العمل عليها بين الجانبين، وفق قومان، معتبرًا أن تسلم الحكومة إدارة الآبار وتدفق النفط والغاز، يخفف من حدة أزمة الطاقة مع تحسين في ساعات الكهرباء وتوفر المحروقات.

وبحسب قومان، قد ترتفع القدرة الإنتاجية للكهرباء إلى حوالي 2000 ميغاواط مقارنة بأقل من 1500 ميغاواط حاليًا، وهو ما يقلل من التقنين.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، اعتبر أن ما يحدث حاليًا هو إعلان عن السماح لمناطق سيطرة الحكومة الحالية بالوصول إلى نفط وغاز أكثر.

وقال شعار، لعنب بلدي، إنه حتى الآن لا يوجد أي تغيير في مقدرة سوريا على الإنتاج، أو مقدرة الحكومة السورية على الوصول إلى حقول جديدة.

تواصلت عنب بلدي للاستفسار من مسؤول العلاقات العامة لدى وزارة النفط حول الاتفاقية، إلا أنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة تحرير الملف.

حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا (غيتي)

حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا (غيتي)

النفط الروسي..

بادرة حسن نية

الباب الثاني لتنشيط قطاع النفط كان عبر روسيا، فبعد الإطاحة بالنظام السابق، استقبلت المواني السورية عدة ناقلات نفط روسية، أولاها في 20 من آذار، تحمل على متنها حوالي 100 ألف طن من النفط الخام، وصلت إلى ميناء بانياس على الساحل السوري.

وفي 25 من آذار، وصلت باخرة ثانية إلى مدينة بانياس، تحمل كذلك 100 ألف طن من النفط الخام، قادمة من روسيا.

ومن المتوقع وصول ناقلة روسية ثالثة، في 3 من نيسان المقبل، وفق وكالة “رويترز”.

وصول شحنات النفط الروسية أثار التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الإدارة السورية الجديدة وروسيا، وما تريده مقابل إرسال شحنات النفط إلى سوريا، خاصة أن موسكو لعبت خلال السنوات الدور الأكبر في تعويم الأسد سياسيًا، ومحاولة إعادة تأهيله على المستوى الإقليمي والدولي، وعسكريًا بقتل السوريين وتغيير دفة المعارك.

الباحث في الشأن الروسي الدكتور محمود الحمزة، يرى أن من المرجح ألا تطالب روسيا الحكومة السورية الآن بدفع قيمة الكميات من النفط التي أرسلتها، لأنها لا تمثل قيمة تجارية كبيرة بالنسبة لروسيا، ويعتقد أن غرض موسكو من إرسال النفط، هو بمثابة بادرة حسن نية لتحسين العلاقات مع سوريا.

وأضاف الحمزة لعنب بلدي أن موسكو تريد أن تلطف الأجواء مع دمشق لتأمين بقائها في الشرق الأوسط، عبر تأمين قواعدها العسكرية على الساحل السوري، كما يعتقد أن الملف السوري حاضر في المفاوضات الأمريكية- الروسية الأخيرة التي تجري بشأن أوكرانيا، وأمريكا تساعد في تحسين العلاقة بين سوريا وروسيا من أجل ضمان أمن إسرائيل.

ثلاثة سيناريوهات لتسديد ثمن النفط

الحكومة السورية لم تكشف عن آلية تسديد ثمن شحنات النفط التي وصلت من روسيا، كما لم تكشف الأخيرة أي تفاصيل عن ذلك.

الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم، قال لعنب بلدي، إن هناك ثلاثة سيناريوهات فقط حول كيفية تسديد الحكومة السورية تكاليف استيراد النفط من روسيا.

السيناريو الأول، أن يتم تسديد ثمن النفط مقابل حصص من الفوسفات لروسيا، وهذا وارد جدًا وطبقه النظام السابق، حيث كان يدفع جزءًا من ديونه وخاصة لإيران مقابل منح تلك الحصص، لكن منذ سقوط بشار الأسد، “لم نعد نعلم ماذا حدث بالفوسفات، وما حصص الحكومة السورية، وكم تحصل روسيا على فوسفات، لذلك من المرجح أن يتم دفع الفوسفات لروسيا مقابل استيراد النفط منها”.

وتعلن وزارة النفط في حكومة دمشق المؤقتة بشكل متكرر عن مناقصات للاستثمار في قطاع الفوسفات، الذي يمثل ثروة سورية تصل احتياطياتها في أغلب التقديرات إلى 1.8 مليار طن.

وفي 12 من شباط الماضي، أعلنت وزارة النفط السورية عن مزايدة لبيع 175 ألف طن فوسفات رطب من مناجم الفوسفات بتدمر، فيما تبدي دول كثيرة اهتمامها بالفوسفات السوري، بعدما سيطرت روسيا عبر عقود مع النظام السابق على جزء كبير من هذا القطاع.

السيناريو الثاني الذي اتبعه النظام السابق، هو استيراد النفط عبر رجال أعمال مرتبطين به، وبالتالي يمكن أن تطبّق الحكومة السورية ذات السيناريو، بحيث تستورد النفط من روسيا، بالاعتماد على بعض أولئك التجار الذين بدأوا بتوطيد علاقاتهم مع دمشق.

يونس الكريم ضرب مثالًا على هذا السيناريو، بأن حكومة “الإنقاذ” التي عملت في إدلب، كانت تعتمد على شركة “وتد” في استيراد النفط، وبالتالي يمكن أن تكون “وتد” قد قامت بعمليات الاستيراد من موسكو، ومن ثم بيعها لوزارة النفط السورية، التي تقوم بدورها ببيعها إلى القطاع الخاص، وتحصيل الأموال ومن ثم إعادة تحويل الأموال إلى الدولار.

السيناريو الثالث بأن تسدد قيمة المحروقات مباشرة من قبل وزارة النفط، فانخفاض سعر الدولار وحبس السيولة النقدية، أسهم في ترميم جزئي للاحتياطي من القطع الأجنبي، إضافة إلى الاستفادة من أموال المساعدات التي منحت للحكومة السورية، والتي استخدمتها بمحاولة تحسين واقع الطاقة بسوريا.

مناقصات للتوريد

عقب سقوط النظام السوري، أعلنت وزارة النفط عن عدة مناقصات لتوريد النفط الخام إلى سوريا، في وقت تعاني فيه الحكومة السورية من تأمين المحروقات عبر موردين دوليين بشكل مستمر يؤمن حاجة سوريا.

أحدث المناقصات كانت في 27 من آذار الحالي، إذ قالت وزارة النفط إنها تجري المناقصة بالنيابة عن شركة مصفاة “بانياس”، داعية لتقديم عروض لتوريد نفط خام خفيف بكمية تعادل سبعة ملايين برميل نفط بخيار البائع.

وفق الإعلان، يمكن أن تزداد الكمية التعاقدية باتفاق متبادل بين الطرفين، ويجب على البائع توريد الكميات وفق مواصفات ذكرها إعلان المناقصة بالتفصيل.

وزير النفط والثروة المعدنية السوري، غياث دياب، قال خلال لقاء صحفي، إن استيراد مواد المحروقات سيكون متاحًا لجميع الجهات الدولية والشركات والدول، دون حصر استيرادها بالحكومة فقط، موضحًا أن حكومة دمشق بدأت بالتعامل مع القطاع الخاص في هذا السياق.

في تصريح خاص لعنب بلدي، قال مدير العلاقات العامة في وزارة النفط السورية، أحمد سليمان، إن مصادر الناقلات النفطية الواصلة إلى سوريا متنوعة، وهي تنفيذ للمناقصات التي أعلنت عنها وزارة النفط لاستيراد النفط الخام الخفيف والثقيل ومشتقات نفطية لتلبية احتياجات المواطنين.

الباحث يونس الكريم، قال إن الحكومة السورية فتحت باب استيراد النفط أمام التجار لثلاثة أسباب، الأول للقول إن هناك انفتاحًا اقتصاديًا في سوريا، والثاني لتعزيز عملية الخصخصة، والقول إن البلاد كلها تسير إلى الخصخصة، وإن الاستثمارات متاحة أمام التجار والشركات الاستثمارية.

أما السبب الثالث، فهو للتغطية على من يقوم بالاستيراد، لأن عمليات استيراد المحروقات السابقة أو التي تتم حاليًا ليس واضحًا من يقوم بها، هل هو القطاع الخاص أو الحكومي، وبالتالي فتح باب المناقصات يحقق هذا الهدف، وفق الكريم.

معوقات لا تشجع الاستيراد

في ضوء فتح باب المناقصات، لفت الكريم إلى وجود عقبات قد لا تشجّع التجار على الاستثمار واستيراد النفط، وأبرزها أن مصفاة النفط في بانياس وحمص تحتاجان إلى ضخ أموال جديدة لإعادة ترميمهما، وتحسين قدرتهما على استيعاب كميات النفط التي يجري استيرادها.

وأضاف الكريم أن العقبة الثانية تتمثل في أن عمليات الاستيراد مع عدم وجود إنتاج محلي يستهلك المحروقات، تشكل عبئًا واستنزافًا للقطع الأجنبي، لأن العرض سيصبح أكثر من الطلب، وبالتالي تصبح عملية الاستيراد مجرد حالة إسعافية لا ربحية، ومحاولة للتلاعب بالعامل النفسي للمواطن، بأن هناك بواخر نفط تصل إلى سوريا.

العقبة الثالثة تتمثل في عدم انضباط الوضع الأمني، الذي قد يعرّض شحنات النفط التي يجري تكريرها ونقلها ضمن الأراضي السورية للخطر، ولا سيما مع استمرار فلول النظام بزعزعة الأمن والاستقرار في البلد.

راعي أغنام يمر بالقرب من حقل الرميلان النفطي في شمال شرق سوريا- آب 2024 (أ ف ب)

راعي أغنام يمر بالقرب من حقل الرميلان النفطي في شمال شرق سوريا- آب 2024 (أ ف ب)

إمدادات الطاقة العربية..

رهن السياسة الأمريكية

شحنات النفط التي بدأت بالوصول إلى المواني السورية كانت من روسيا، البلد الذي يحاول تكوين علاقات سياسية جديدة مع دمشق مأخوذًا بماضٍ سياسي مقلق، لكن هذه الشحنات لا تغطي احتياجات البلد بطبيعة الحال، ليبرز هنا دور عربي إقليمي في هذا الملف أيضًا، فقطر، الدولة العربية الداعمة للحكومة الجديدة، طرحت مبادرة لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن، للمساهمة في توليد الطاقة الكهربائية، وفق اتفاقية تشمل صندوق قطر للتنمية ووزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يشرف على التنفيذ الفني للمشروع.

ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن قطر ستسهم بدعم قطاع الطاقة في سوريا عبر توفير مليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، وسيسهم الغاز القطري في ذلك بتوليد 400 ميغاواط من الكهرباء، ما يؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية وزيادتها بمعدل ساعتين إلى أربع ساعات يوميًا، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على الحياة اليومية للمواطنين ودعم القطاعات الحيوية في سوريا.

وبحسب وزير النفط والثروة المعدنية السوري، غياث دياب، تأتي هذه المبادرة في وقت تواجه فيه سوريا نقصًا حادًا في إنتاج الكهرباء بسبب شح الغاز والفيول، في وقت أوضح الجانب الأردني الذي يمر عبره الغاز أن الاتفاقية قصيرة المدى.

ويؤثر نقص الكهرباء سلبًا على حياة المواطنين، ويعرقل جهود الحكومة في تحسين البنية التحتية للطاقة وخلق بيئة استثمارية مشجعة، بحسب الوزير.

وأضاف دياب، في 14 من آذار، أن المبادرة تمثل دعمًا مهمًا لمواجهة تحديات قطاع الطاقة، وتعزز قدرة سوريا على تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

المدير العام لصندوق قطر للتنمية، فهد بن حمد السليطي، قال حينها، إن هذه الخطوة “محورية نحو تلبية احتياجات الشعب السوري من الكهرباء”، وتعكس التزامًا مشتركًا بين جميع الأطراف للعمل من أجل مصلحة المنطقة.

من جهته، قال وزير الكهرباء في حكومة دمشق المؤقتة، عمر شقروق، إن محطة “دير علي” هي المستقبل الأولي لخط الغاز العربي من الأردن، ولكن يمكن تشغيل باقي المحطات من خلاله، لأن شبكة الغاز مربوطة ببعضها.

وأوضح أن كمية الغاز الواردة، رغم أهميتها، تمثل “جزءًا بسيطًا” من احتياجات سوريا البالغة 6500 ميغاواط، لكنها ستسهم في زيادة التغذية اليومية بنحو ساعتين إضافيتين، مع توقعات بمزيد من التحسن مع نهاية شهر رمضان.

وتعاني سوريا من نقص حاد في الكهرباء، حيث لا تتوفر الكهرباء الحكومية إلا لساعتين أو ثلاث ساعات يوميًا في معظم المناطق.

أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يلعب دورًا رئيسًا في المبادرة، فأكد نائبه في سوريا، محمد مضوي، أن البرنامج يعمل بالتنسيق مع وزارة الكهرباء السورية ومركز “الطاقة المتجددة” في القاهرة لوضع خطة استراتيجية لتطوير قطاع الكهرباء في البلاد.

وتتمثل مساهمة الأمم المتحدة في تقديم الدعم المالي والفني لوزارة الكهرباء والشركة السورية للغاز، إضافة إلى المساعدة في صيانة الخط الغاز العربي داخل الأراضي السورية، إذا حدث أي طارئ يستدعي التدخل، وفق مضوي.

وإلى جانب الدعم القطري الذي لا يغطي الحاجة، جرى الحديث في الفترة التي أعقبت سقوط النظام المخلوع عن دور سعودي يحل محل الإيراني في تقديم إمدادات الطاقة، لكن هذا الحديث لم يبلغ مداه الرسمي، في ظل عقوبات تعرقل الحركة المالية والاقتصادية نحو دمشق، رغم تخفيف بعض الدول عقوباتها عن سوريا، وتحديدًا فيما يتعلق بالطاقة والتعاملات المالية، لكن العقوبات الأمريكية تبقى الفيصل في هذا الإطار.

الأردن أيضًا أعلن، في كانون الثاني الماضي، إطلاق مبادرة لتقديم 500 طن من الغاز البترولي المسال إلى سوريا يوميًا لعشرة أيام، في خطوة تأتي للإسهام في تلبية احتياجات المنشآت التي تعتمد على الغاز البترولي المسال لضمان استمرارية أعمالها في ظل الظروف التي تمر بها سوريا، وذلك بعد مباحثات سورية- أردنية جرت بعد زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى عمان.

الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي، أوضح لعنب بلدي، أن الحكومة طرحت في وقت سابق مناقصات لم تلقَ اهتمامًا من قبل كبار تجار النفط، للتخوف من العقوبات، والأهم آلية وشروط الدفع، التي لم تكن تلبي شروط تجار النفط الكبار.

وبالنسبة لاستمرار المبادرة القطرية أو أي خطوة عربية لتزويد سوريا بالطاقة، يرى الباحث أن الأمر مرتبط بشكل أساسي بموافقة أمريكية في ظل بقاء نظام العقوبات، وهذه الموافقة تبقى رهن اشتراطات تجاه الإدارة السورية، والتي يبدو أنها تسير وفق خطوة- خطوة.

ورغم حرص سعودي معلن على دعم الاستقرار، فالرياض لا تميل حاليًا للانخراط المباشر في ظل بقاء العقوبات ووجود أولويات إقليمية وانتظار استقرار المشهد في سوريا وأخذ الإدارة الجديدة خطوات جدية في اتجاهات معينة، ما يعني أن المملكة العربية السعودية قد تكون انخرطت في جهود غير معلنة لدعم مبادرات استقرار سوريا، بما تمثله من ثقل سياسي إقليمي وما تمتلكه من علاقات مؤثرة على الصعيد الدولي، وفق الباحث.

وحتى قطر، التي أطلقت مبادرة الغاز، لا تتغاضى عن وجود عقوبات أمريكية معرقلة إلى حد بعيد، إذ أرجأت تقديم أموال لدعم زيادة رواتب القطاع العام في سوريا، وسط مخاوف من انتهاك العقوبات الأمريكية، ما يشكل انتكاسة جديدة أمام جهود إنعاش الاقتصاد السوري المتضرر من الحرب، وفقًا لما نقلته وكالة “رويترز” في 26 من شباط الماضي.

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو أن جزءًا من المساعدات التي يمكن أن تقدمها الدول الصديقة والشقيقة الداعمة للدولة السورية الجديدة، هو إمدادات الطاقة من نفط وغاز وكهرباء، وطرق المساعدات هذه معفاة من العقوبات في حال كانت المساعدات لتحسين البنية التحتية للطاقة، لأن هذه المسألة تصب في خدمة المواطن لا الحكومة والسلطة.

ويرى المحلل الاقتصادي أن معظم الدول راغبة بدعم استقرار سوريا وهذا مرهون بالظروف، لأن بعض العقوبات مجمدة وليست ملغاة، ما يعني أن عودتها إذا حصلت ستكون مشكلة حقيقية، وعدم وضوح الرؤية الأمريكية مما يحصل في سوريا والتخوف السعودي وعدم دفع دول عربية فاعلة لرفع العقوبات كلها عوامل مؤثرة بانتظار كلمة أمريكية واضحة، ما يجعل الملف سياسيًا أكثر من كونه اقتصاديًا.

خلال وصول باخرة روسية محملة بالبنزين إلى مرفأة بانياس- 25 من آذار (سانا)

خلال وصول باخرة روسية محملة بالبنزين إلى مرفأة بانياس- 25 من آذار (سانا)

قطاع رافع للاقتصاد وتعافي البلاد..

عقبات يجب تخطيها

يتمتع قطاع النفط السوري بثروة هائلة تؤهله للعب دور حاسم في تعافي اقتصاد البلاد، ومع ذلك، لا تزال هناك أربع عقبات رئيسة، وفق تقرير للدكتور في الاقتصاد كرم شعار، وهي:

  • العقوبات الغربية المفروضة على القطاع تعوق الاستثمار الأجنبي الضروري، كما أدت العقوبات إلى انخفاض سعر بيع النفط الذي تُهرّبه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى العراق.
  • ربما أدى القصف العنيف وتقنيات الاستخراج غير الاحترافية خلال الصراع إلى انخفاض دائم في القدرة الإنتاجية للعديد من حقول النفط بسبب التحولات الزلزالية. ويثير هذا الغموض شكوكًا حول قدرة سوريا على تحقيق الاكتفاء الذاتي، فصلًا عن التصدير، دون اكتشافات مستقبلية أو زيادة في الإنتاج، ولا يمكن تأكيد ذلك إلا من خلال عمليات تفتيش شاملة.
  • الوضع القانوني للعديد من الاستثمارات الأجنبية محل نزاع بالفعل، ومن المرجح أن يزداد هذا النزاع في المستقبل.
  • لا يزال مستقبل القطاع محل نزاع، حيث تشير التقارير إلى إصرار “قسد” على تخصيص 50% من النفط الذي تسيطر عليه لحكومتها المحلية في دولة موحدة مستقبلية.

وقال الدكتور كرم شعار، لعنب بلدي، إن الأهم اقتصاديًا في سوريا هو النفط، ولا يزال يتركز في مناطق سيطرة “قسد”، ويتوقع تشكيل لجنة خلال الأشهر المقبلة تبدأ العمل على الشبك بين الموارد، ومنح حكومة دمشق السيطرة على النفط شرقي سوريا، وفق الاتفاق الموقع بين عبدي والشرع.

وفق شعار، لا تزال هناك شكوك حول إتمام الاتفاق، وفي حال تدهورت العلاقات بين دمشق وواشنطن، فقد تضغط أمريكا على “قسد” مرة أخرى وتطلب عدم الالتزام بتنفيذ البنود.

 

تم إيقاف العمل بالعقوبات الأوروبية على قطاع النفط، وهذا يزيد من فرص عمل إصلاحات للقطاع، ولكن الشركات العالمية الكبرى ستبقى مترددة، لأن القطاع لا يزال معاقبًا من أمريكا، وبالتالي رفع العقوبات أوروبيًا عن قطاع النفط ضروري لكنه غير كافٍ، وليس له أثر إلا إذا تم ربطه برفع أمريكي للعقوبات.

د. كرم شعار

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”

 

ويبقى قطاع النفط والغاز أهم القطاعات الاقتصادية المرشحة لتكون أول روافع الاقتصاد السوري خلال فترة إعادة الإعمار في السنوات المقبلة، خاصة في حال نجاح الإدارة السورية الجديدة بإعادة إنتاج النفط والغاز في مستوياته الطبيعية التي كانت قبل عام 2011، أي الوصول إلى إنتاج النفط بما يحقق عائدًا ماليًا سنويًا قد يصل إلى 10 مليارات دولار، بناء على حساب 70 دولارًا لسعر البرميل الواحد، وفق تقرير لمركز “جسور للدراسات”.

الحاجة لإعادة تشغيل قطاع النفط والغاز تفرض على الإدارة الجديدة بناء الثقة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، والبحث عن فرص التعاون والاستثمار، الأمر الذي يتناسب مع توجّه الإدارة للخصخصة والشراكات على المستوى الداخلي والخارجي، وهو السبيل أمامها لتجاوز معوقات قلة التمويل وقلة الخبرات والكفاءات المحلية، بحسب التقرير.

وفق ورقة عن موارد الطاقة في سوريا، أوصت الباحثة بريندا شافر بضرورة أن تدعم الولايات المتحدة العملية التي تؤدي إلى عودة حقول النفط والغاز السورية إلى سيطرة الحكومة المركزية، وضرورة أن تعمل واشنطن مع أنقرة لدمج سوريا في تجارة الكهرباء والغاز الطبيعي الإقليمية.

وأوصت الباحثة بإطلاق تمويل البنك الدولي والبنوك العامة الإقليمية لمشاريع الوقود الأحفوري في سوريا، وإزالة العقوبات الغربية أو منح الإعفاءات للسماح بالاستثمار والتجارة مع سوريا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

مقالات متعلقة