سوريون عائدون يعيشون فرحة أول عيد بعد التحرير

مصلون يؤدون صلاة العيد في مدينة الكسوة بريف دمشق - 31 آذار 2025 (جنى العيسى/عنب بلدي)

camera iconمصلون يؤدون صلاة العيد في مدينة الكسوة بريف دمشق - 31 آذار 2025 (جنى العيسى/عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

هذا هو العيد الأول الذي تقضيه جمانة حسن مع أهلها منذ عام 2012، إذ غادرت سوريا في آذار 2014، وقضت آخر عيدين في سنة 2013 داخل معتقلات النظام السابق.

اختارت جمانة، وفق ما قالته لعنب بلدي، العودة إلى سوريا بعد غياب تجاوز 10 سنوات في شهر آذار حصرًا، إذ تتعدد المناسبات التي تعنيها، ففي يومه العاشر خرجت من المعتقل، وبيومه الـ26 غادرت سوريا دون أمل بعودة قريبة، وفي يومه الـ18 ذكرى انطلاق الثورة السورية، كما صادف هذا العام أن يتزامن شهر آذار مع مناسبتين هجريتين هما شهر رمضان وعيد الفطر، حيث تعد طقوسهما مختلفة تمامًا مع الأهل، ما دفع الشابة إلى اختيار هذا التوقيت للاحتفال بكل هذه المناسبات.

يعتبر السوريون العيد فرصة للقاء أقاربهم، وهو ما حرموا منه لعدة أسباب، أبرزها حرمان من عاشوا في الخارج بصفة لاجئين أو حتى مهاجرين من العودة إلى بلادهم، إلا أن سقوط النظام فتح الباب أمامهم واسعًا، ليلتم شمل العائلات التي تفرقت لسنوات، والتقت الجدات بأحفادهن لأول مرة بعد سنوات من معايدات عبر الشاشات الإلكترونية.

رغم أن الوضع الاقتصادي والمعيشي للعائلات المقيمة داخل سوريا لم يطرأ عليه أي تغيير للأفضل، فإنهم يرون في العيد الأول دون الأسد فرحة كبيرة تنسيهم صعوبات المعيشة، لكنها بنفس الوقت تنغص فرحتهم في زحمة الاحتياجات التي تحاصرهم.

عيد عائلي للمرة الأولى

لا يعد هذا العيد هو الأول الذي تقضيه جهينة (30 عامًا) مع عائلتها وسط دمشق عقب سفرها إلى مدينة اسطنبول التركية قبل سنوات، إلا أنه أول عيد تستطيع جهينة السفر فيه إلى إدلب حيث تقيم عائلة زوجها، وسيرون حفيدهم هناك للمرة الأولى بعد أن بلغ من العمر نحو عامين.

ستتمكن عائلة جهينة من أن تجتمع بأكملها، بعد أن كان زوجها لا يستطيع دخول البلاد لأنه كان مطلوبًا للنظام السابق لأسباب أمنية، وهذا بحد ذاته فرحة، وهي فرصة لممارسة طقوس العيد بمعايدة عائلات الأقارب والأصدقاء دون منغصات.

جهينة التي وصلت إلى دمشق قبل أيام، وصفت لعنب بلدي شعور الراحة الكبير والاستقبال المختلف للعيد هذا العام بعد التحرير، لافتة إلى وجود ازدحام لم تشهده أسواق المدينة من قبل، بسبب حرية التنقل بين المحافظات السورية جميعها من جهة، وقدرة المقيمين خارج سوريا على زيارة بلادهم بعد غياب لسنوات، فمن لا يستطيع الشراء بسبب وضعه المادي يرتاد السوق لرؤية مراسم وطقوس ما قبل الأعياد.

ما يميز أول عيد بعد سقوط الأسد، هو احتمالية لقاء العديد من الأقارب ممن لم يلتقوا منذ سنوات طويلة لعدة أسباب، أبرزها حرمانهم من زيارة بلادهم لأسباب أمنية.

اختار العديد من أقارب وأصدقاء جهينة العودة إلى سوريا إما كزيارة مؤقتة أو للاستقرار خلال فترة العيد وما قبلها بأيام، ما أعاد لمنزل عائلتها بهجة الازدحام ولقاء الأحبة بعد سنوات من حرموا منها من هذه الطقوس.

وحتى قبل مجيء العيد، قالت جهينة، إن دمشق عاشت طقوسًا جميلة غير مسبوقة في رمضان هذا العام، فهي المرة الأولى منذ أعوام التي تمتلئ فيها المساجد خلال صلاة التراويح، وتصل الأعداد إلى ما يتجاوز مساحة الجامع نحو الأزقة، ما اعتبرته تحررًا من خوف ارتياد المساجد الذي كان يعانيه السوريون سابقًا.

ضجيج ممتع

ماريا شعبان، شابة تقيم منذ 12 سنة بين السعودية وتركيا، عادت للمرة الأولى بعد التحرير إلى سوريا لقضاء فترة العيد، معتبرة أن اختيار العودة في العيد هو “أكثر خيار مغرٍ لأي سوري” لينشط ذاكرته باجتماعات العائلة في هذه المناسبات وما تحمله من خصوصية وضجيج الأعياد الممتع، بعد أن كادت تنسى مشاعر هذه اللحظات.

تفسر ماريا رغبة البعض في العودة لحضور فترة العيد بأنه إما استرجاع لذكريات سابقة عاشها الشخص منذ سنوات وحرم منها في الغربة، وإما هي عودة لاستطلاع طقوس العيد، خاصة لأولئك الشباب الذين غادروا صغارًا ولا يتذكرون منه إلا أراجيح الأزقة و”العيديات” البسيطة.

من خلال لقاءاتها مع عدد من العائلات السورية قالت ماريا، إن أكثر الفئات الفرحة بقدوم العيد الأول دون عائلة الأسد هم من كبار السن، الذين عاشوا سنوات عمرهم كلها في ظل حكم الأسد الأب والابن.

حركة تنشط الأسواق

تشهد الأسواق السورية في معظم المحافظات حركة تسبق عيد الفطر، زاد من نشاطها انخفاض طفيف في الأسعار من جهة، وقدوم سوريي الخارج ممن ينعشون الأسواق بصرف مدخراتهم.

ضياء مزين، صاحب محل لبيع الألبسة في محافظة ريف دمشق، أكد لعنب بلدي تحسن حركة الأسواق نتيجة انخفاض الأسعار، مقارنة بفترة ما قبل الأعياد خلال الفترة الماضية.

وأوضح ضياء أن ما ينشط حركة المبيع توافد السوريين من دول الجوار أو الخارج، حيث يأتون خصوصًا في هذه الفترة، وينعشون الأسواق بسبب قدرتهم الشرائية العالية مقارنة بالقدرة الشرائية للمقيمين داخل البلاد.

فرحة تنغصها الحاجة

رغم شعور الفرح الطاغي بالعيد الأول دون الأسد، فإن الوضع المعيشي والاقتصادي للعائلات السورية ينغص فرحتهم، إذ لا يستطيع معظمهم كفاية عائلاتهم، مع آمالهم بالتحسن المنتظر بعد التحرير.

حصل بعض المواطنين من الموظفين والمتقاعدين على منحة مالية بمناسبة العيد قدرها 100% من قيمة الراتب، إلا أنها لا تعتبر كافية لأي عائلة.

محمد الصالح، وهو موظف في القصر العدلي بمحافظة حمص، كان يقف في طابور طويل على صراف المصرف التجاري السوري، لتسلم المنحة التي قررتها الحكومة، وهو الذي يحصل على راتب شهري قدره 350 ألف ليرة سورية.

قيمة المنحة التي يتسلمها الشاب لا تكفيه سوى لشراء ألبسة للعيد لطفل واحد من طفليه، وبالتالي فهي قابلة للصرف بنصف ساعة إن أراد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

يدفع محمد شهريًا 400 ألف ليرة سورية ثمن مواصلات إلى عمله، حيث يقيم في مدينة تلبيسة ويذهب يوميًا إلى القصر العدلي وسط حمص، هذه التكاليف تجبره على العمل كسائق سيارة أجرة باقي ساعات النهار للحصول على دخل يضمن تأمين احتياجات أسرته الأساسية فقط.

وفقًا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة مؤخرًا، لا يزال أكثر من نصف السكان السوريين نازحين داخل البلاد وخارجها، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد 16.7 مليون شخص، أي ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا، على المساعدات الإنسانية بحلول عام 2024.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة