
عناصر من لواء خالد ابن الوليد في هيئة تحرير الشام خلال عرض عسكري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في دمشق- 27 من كانون الأول 2024 (رويترز)
عناصر من لواء خالد ابن الوليد في هيئة تحرير الشام خلال عرض عسكري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في دمشق- 27 من كانون الأول 2024 (رويترز)
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
ألقت قضية “الجهاديين الأجانب” بظلالها على السياسات الخارجية للغرب نحو سوريا بعد مدة قصيرة من سقوط النظام السوري، لكنها لم تظهر كشرط أساسي في تعامل الغرب مع دمشق حتى مطلع آذار الحالي، عندما اندلعت مواجهات بين مسلحين موالين للنظام المخلوع، وقوى “الأمن العام” التابعة لوزارة الداخلية السورية الجديدة.
المواجهات تخللتها عمليات انتقامية جرت على أساس طائفي، وفق تقارير لمنظمات متخصصة، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” و”هيومن رايتس ووتش” وغيرهما، واتُّهم مقاتلون أجانب بالانخراط فيها، ما وجه الأنظار مجددًا نحو هذه القضية.
وفي أحدث ربط بين نظرة الغرب إلى سوريا من عدة نوافذ، منها “الجهاديون الأجانب”، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، حول رسالة أوروبية وُجهت لدمشق، “إن الانتهاكات التي وقعت في الأيام الأخيرة (في إشارة لأحداث الساحل) لا يمكن التسامح معها حقًا، ويجب تحديد المسؤولين عنها وإدانتهم”.
وقال ثلاثة مبعوثين أوروبيين، إنهم أكدوا توجه بلدانهم، خلال اجتماع مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بدمشق، في أن القضاء على “المقاتلين الجهاديين” هو أولويتهم القصوى، وأن الدعم الدولي للإدارة الناشئة قد يتبخر ما لم تتخذ إجراءات حاسمة في هذا الملف.
ونقلت وكالة “رويترز” عن المبعوثين الأوروبيين الثلاثة، في 26 من آذار، بالإضافة إلى أربعة مسؤولين إقليميين (لم تسمهم)، خلال زيارة إلى دمشق، تأكيدهم على ضرورة سيطرة السلطات على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد ومنع تكرار عمليات القتل.
قال مبعوث أوروبي، كان ضمن مجموعة المسؤولين الذين نقلوا رسالة إلى دمشق، “طالبنا بالمحاسبة. يجب أن يعاقب مرتكبو المجازر. يجب تطهير قوات الأمن”.
وتضم “هيئة تحرير الشام” المهيمنة على صنع القرار في دمشق، و”الجماعات الجهادية” المتحالفة معها، العديد من المقاتلين الأجانب في صفوفها، ممن قدموا إلى سوريا بعد اندلاع الثورة السورية قبل 14 عامًا.
لتحقيق ما يصبو إليه الغرب من الإدارة السورية الجديدة، يتعين على الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أن يتعامل مع مجموعة من المقاتلين الأجانب في صفوفه، إلى جانب دول تحاول تحويل سوريا مجددًا إلى رقعة شطرنج.
ووفق ما نقلته “رويترز” عن دبلوماسيين ومحللين، يعتبر أي إجراء ضد “الجهاديين” الذين نفذوا عمليات قتل في الساحل تهديدًا بإشعال صراعات داخلية بين الفصائل، وعمليات تطهير، وصراعات على السلطة، ما يترك الحكومة الجديدة عالقة في مفارقة.
وارتبطت أحداث الساحل السوري من وجهة نظر غربية بالمقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري، رغم عدم وجود دليل واضح على ذلك، وينتشر “الجهاديون الأجانب” في سوريا منذ سنوات بهدف دعم فصائل المعارضة سابقًا في حربها ضد النظام، قبل أن يسقط النظام وينخرط هؤلاء المقاتلون بوزارة الدفاع السورية.
مؤخرًا، استجابت الحكومة السورية الجديدة لأحداث الساحل السوري، وشكلت لجانًا لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ومنحت اللجان سلطات واسعة، إذ باشرت نشاطها فورًا ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وفي 25 من آذار الحالي، كشفت لجنة التحقيق في أحداث الساحل مجريات سير تحقيقاتها بعد مضي حوالي 20 يومًا على اندلاع المواجهات في المنطقة، لكنها أعلنت عن أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت للوصول إلى نتائج.
في 10 من كانون الثاني الماضي، حذر مبعوثون أمريكيون وفرنسيون وألمان الإدارة الجديدة في سوريا من أن تعيينها لـ”جهاديين أجانب” في مناصب عسكرية عليا يمثل “مصدر قلق أمنيًا وسيئًا لصورتها”، في الوقت الذي تحاول فيه إقامة علاقات مع دول أجنبية.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أمريكي قوله، إن التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة، يأتي في إطار الجهود الغربية لدفع الزعماء السوريين الجدد إلى إعادة النظر في هذه الخطوة.
وأضاف المصدر أن التحذير صدر خلال اجتماع بين المبعوث الأمريكي، دانييل روبنشتاين، والرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 8 من كانون الثاني، بدمشق.
ونقلت “رويترز” حينها عن مسؤولين في الإدارة السورية الجديدة (لم تسمّهم) أن المقاتلين الأجانب “قدموا تضحيات” للمساعدة في الإطاحة بالأسد وسيكون لهم مكان في سوريا، وأضافوا أنه “يمكن منحهم الجنسية”.
وفي 31 من كانون الأول 2024، قال مصدران سوريان لـ”رويترز“، إن الإدارة الجديدة ضمت بعض المقاتلين الأجانب بينهم إيغور وأردني وتركي إلى القوات المسلحة، في الوقت الذي تحاول فيه دمشق تشكيل جيش محترف من خليط من جماعات المعارضة.
قلل الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، من أهمية وجود العناصر الأجانب في صفوف الجيش السوري، معتبرًا أن هؤلاء المقاتلين الأجانب لن يشكلوا كتلة داخل المؤسسات السورية.
وقال لعنب بلدي، إن الإدارة السورية الجديدة تعمل على تفريق الأجانب في قطاعات واسعة من الجيش، أي أنهم لن يكونوا محصورين في مكان أو قطاع معيّن.
وأضاف أنه لن يكون هناك وجود لـ”الأجانب” في الإدارات المدنية للدولة، ولن يسمع السوريون يومًا بوجود مقاتل شيشاني بمنصب وزاري أو إداري، لكن من الممكن أن يكون هؤلاء العناصر في قطاع الأمن والقطاعات اللوجستية مثلًا في الجيش أو قطاعات التدريب.
ولفت إلى أن “الجهاديين الأجانب” هم في الغالب سيكونون ضمن قطاعات التدريب في الجيش وموزعين في كل المحافظات.
عرابي قال أيضًا، إن من الممكن الاستفادة من خبرات المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، خصوصًا أن معظمهم تزوج في سوريا واندمج بالمجتمع السوري.
وأضاف أن هذه المسألة ليست إشكالية كبيرة، فمن الممكن إقصاء القيادات المشكوك في ولائها لسوريا، أو من يحملون فكرًا جهاديًا متطرفًا، عبر إبعادهم عن المشهد أو حتى إخراجهم من سوريا، في حال كانوا يشكلون تهديدًا للأمن الداخلي قبل أن يكونوا تهديدًا للأمن الخارجي.
وفي عام 2014، ومع بداية ظهور المقاتلين الأجانب في سوريا إعلاميًا، قالت “المفوضية السامية لحقوق الإنسان“، إن ازدياد أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا سواء لدعم النظام أو المعارضة يشعل ما وصفته بـ”العنف الطائفي”، محذرة من أن مشاركتهم في الصراع قد يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
وأشارت المفوضية آنذاك في بيان صحفي، إلى المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري من إيرانيين ولبنانيين وأفغان، بالإضافة إلى المقاتلين “الجهاديين” الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى