الإحصائيات.. أزمة تشلّ سوريا

تعاني سوريا من فجوة في الإحصائيات تعرقل التنمية (عنب بلدي)

camera iconتعاني سوريا من فجوة في الإحصائيات تعرقل التنمية (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أمير حقوق | لمى دياب

أدى تدهور المؤسسات السورية طيلة السنوات الماضية، والعشوائية التي سيطرت عليها، وافتقادها للشفافية، إلى تراجع قدرتها على جمع وتحليل البيانات الإحصائية.

وتجعل الخصوصية السورية من أزمة الإحصاءات “قنبلة موقوتة”، تهدد أي مسار للاستقرار، فالحرب لم تدمر البنى التحتية فقط، بل دمرت أدوات فهم الواقع نفسه.

وتُعدّ الإحصاءات من الأدوات الأساسية التي تسهم في فهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي لأي بلد.

وينعكس نقص المعلومات الإحصائية سلبًا على اتخاذ القرارات، إذ يصبح من الصعب تحديد الاحتياجات الأساسية للسكان، أو تقييم آثار السياسات المختلفة، وهذا من التحديات الكبيرة التي تواجه عملية التخطيط والتنمية.

إحصاءات عشوائية

عانى المشهد الإحصائي في سوريا من عدم توفر إحصائيات دقيقة خلال سنوات الثورة السورية، ونتيجة لغياب الرقم الإحصائي، وضعت سياسات اقتصادية وتنموية غير مجدية ولا منطقية.

وأوضح الباحث في الاقتصاد السياسي بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، لعنب بلدي، أن الإحصاء ما قبل عام 2011 كان يتم عبر هياكل حوكمية مركزية، وهذه الهياكل فقدت قدرتها على العمل على جميع الجغرافيا السورية، عقب اندلاع الثورة السورية.

وباتت مهمة جمع البيانات تتقاسمها منظمات مجتمع مدني وفرق محلية وهياكل حوكمة محلية، إلى جانب جهات مانحة، وكثيرًا ما كانت هذه الإحصائيات متضاربة، ومسيسة في بعض الأحيان، بحسب الباحث.

كانت هناك صعوبة بجمع الإحصائيات في ظل تغير الوضع الميداني وقيود لوجستية عدة، بحسب الدسوقي، مشيرًا إلى أن “الإحصاء يتطلب بداية القدرة على الوصول للميدان لتكون البيانات واقعية، ويتم جمعها من قبل فريق مؤهل ومدرب، ووجود برامج تقنية لمعالجة هذه البيانات، ومن المهم أن تكون هذه الهياكل الحكومية تحظى بثقة السكان ليتم التجاوب معها”.

عائق رئيس أمام التعافي الاقتصادي

في إطار توصيف الواقع الإحصائي في سوريا اليوم، يتضح أن البيانات الدقيقة والموثوقة تشكل عمودًا فقريًا لأي عملية تخطيط تنموي فعالة.

غياب البيانات الشاملة حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية يؤثر سلبًا على قدرة صانعي القرار على وضع استراتيجيات فعالة تلبي احتياجات المواطنين، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا.

ورصدت عنب بلدي محاولات محلية لبعض الإدارات المدنية، للعمل على إحصائيات مرحلية، لتتمكن من توثيق التعداد السكاني، لتوجيه مشاريعها أو الدعم الذي تخصصه دول أو منظمات، منذ سقوط النظام السابق، لكنها بقيت دون خطة على المستوى الوطني إلى الآن.

كما أن الوزارات والمؤسسات الحكومية لا تمتلك أرقامًا لكثير من الخسائر والأصول والموارد البشرية، أو تتضارب الأرقام من مؤسسة لأخرى حيال قضية واحدة، وهو ما اختبرته عنب بلدي في القطاع الصحي مثلًا.

الدكتور في قسم الإحصاء ونظم المعلومات بكلية الاقتصاد بجامعة “حلب” عبد الله العبيد، قال لعنب بلدي، إن غياب الإحصاءات ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو عائق رئيس أمام أي خطة للتعافي الاقتصادي في سوريا.

 

إعادة بناء النظام الإحصائي يجب أن تكون أولوية، تواكب الجهود الإنسانية والسياسية بعد تحرير سوريا بالكامل، لأن البيانات الدقيقة هي أساس صناعة القرار الفعّال في أي اقتصاد، وخاصة الاقتصاد السوري بعد فترة طويلة من الحرب وعدم الاستقرار.

عبد الله العبيد

دكتور في الإحصاء ونظم المعلومات

يتصف واقع الإحصاء في سوريا بالوقت الحالي، بحسب الدكتور عبد الله العبيد، بـ:

انهيار البنية التحتية للإحصاء: تضررت مؤسسات الإحصاء الرسمية، مع نقص في الكوادر المؤهلة وهجرة الخبرات، ما ستكون له تداعيات متوقعة في قدرة الدولة السورية الجديدة على جمع البيانات الإحصائية.
توقف التعداد السكاني منذ عام 2004، رغم أن سوريا شهدت أكبر نزوح داخلي وخارجي في تاريخها الحديث (نحو 13 مليون نازح وفق الأمم المتحدة)، كان اعتماد مؤسسات النظام السابق على تقديرات غير دقيقة، حيث تُنشر البيانات غالبًا بشكل متقطع أو غير مكتمل، مع غياب تحديثات منتظمة منذ عام 2011.
العقوبات الدولية وعزلة النظام السابق عن المجتمع الدولي: عملت على إعاقة التعاون مع منظمات إحصائية عالمية (مثل البنك الدولي)، ما حرم المؤسسات الإحصائية في سوريا من الدعم الفني والتمويلي طيلة الفترة السابقة.
اقتصاد مُدمر يعتمد على القطاع غير الرسمي: تقديرات غير رسمية تشير إلى أن 60-70% من النشاط الاقتصادي صار غير مُسجل، بسبب انهيار النظام الضريبي وانتقال النشاط الاقتصادي إلى السوق السوداء، وبالتالي يصعب قياسه بسبب غياب آليات التسجيل الرسمية.
تضارب المصادر: تتناقض الأرقام الرسمية مع تقارير المنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة) والدراسات الميدانية المحلية.

إعادة تصويب العمل الإحصائي

الإحصاءات أداة حيوية في فهم ديناميات الحروب والنزاعات، إذ تلعب دورًا محوريًا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتنظيم الموارد، ويجعل تعقيد المشهد الاجتماعي والاقتصادي الحصول على معلومات دقيقة حول الأعداد والموارد والتوزيع الجغرافي للسكان أمرًا لا غنى عنه.

الدكتور في الإحصاء التطبيقي رمضان درويش اعتبر، في حديث لعنب بلدي، أن الفترة الحالية تعتبر من أدق وأصعب المراحل التي مرت بها سوريا في تاريخها الحديث، لأنها تتطلب إعادة بناء المجتمع بمؤشراته وبناء مؤسساته جميعها على أسس سليمة بعيدة عن الشخصنة والامتيازات لجهات أو أشخاص أو أجندات خاصة.

لذلك يجب إعادة تصويب العمل الإحصائي في قطاعات الدولة جميعها، وبإشراف المكتب المركزي للإحصاء، وفق درويش.

وطالب بإعطاء المكتب المركزي للإحصاء استقلالية وصلاحية لنشر البيانات بدقة وشفافية، كي تستطيع الحكومة الجديدة أن تؤسس لاتخاذ قرارات سليمة، تخدم جميع المواطنين وبالتوازي بين القطاعات جميعها.

آخر إحصاء سكاني شامل كان عام 2004، وبعدها كانت مجرد تقديرات وغالبًا متباينة، وبالتالي لا توجد مؤشرات دقيقة لأعداد السكان، وتوزعهم الجغرافي، وحسب العمر، والجنس، والقوة العاملة، والهجرة، ومعدلات النمو.

وبحسب تقرير نشره الجهاز المركزي للإحصاء السوري بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2023، فقد بلغ عدد سكان سوريا حوالي 20.6 مليون نسمة منتصف عام 2010، ووفقًا لمعدلات النمو السكاني الطبيعي، كان من المتوقع أن يصل هذا العدد إلى حوالي 26.3 مليون نسمة بحلول منتصف عام 2020.

وتابع الدكتور رمضان درويش، أن ذلك يؤدي إلى فقدان البوصلة التي تعتمد عليها الخطط الاقتصادية والاجتماعية، وكانت في غالبيتها ارتجالية بعد عام 2010، وأهم متطلباتها المصداقية والشفافية.

الأستاذ في قسم إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور زكوان قريط، يعتقد أن البيانات الإحصائية (أرقام، معايير…) مهمة جدًا في كل الفترات والظروف، فهي تشكل نقطة البداية والنهاية لأي إجراء أو اتخاذ أي قرار (اقتصادي، اجتماعي، سياسي، وحتى عسكري).

وبرأيه، فإن أي خلل أو نقص فيها يعتبر كارثة، وهو التخلف بعينه، فالدول المتقدمة أساس نجاحها المعلومات والبيانات الصحيحة، وللأسف الواقع الاحصائي في سوريا لم يرقَ للحد المطلوب، لوجود تشوهات وخلل إما في طريقة جمع البيانات أو تحليها، أو فرزها وبالنهاية الاستفادة منها.

 

إحصائيات محظورة النشر

مدير المكتب المركزي للإحصاء، أنس سليم، أوضح لعنب بلدي أن المكتب عمل خلال الفترة الماضية على إجراء العديد من الأبحاث والمسوح الإحصائية التي تغطي معظم القطاعات نذكر منها:

  • المسح الصناعي 2012-2024.
  • المسح التجاري 2013-2024.
  • المسوح المتعلقة بقوة العمل 2013-2024.
  • مسوح النقل.
  • المسوح المتعلقة بالقطاع الزراعي منذ 2013-2024.
  • مسوح أسعار المستهلك بشكل شهري وربع سنوي وسنوي منذ 2014-2024.
  • المسوح النوعية منها المسح العنقودي متعدد الأغراض 2017-2018 بالتعاون بين المكتب ووزارة الصحة وهيئة شؤون الأسرة، وخلص إلى العديد من المؤشرات المهمة في الجانب الصحي والاجتماعي والعمالة.
  • مسح العرض والطلب على القوة العاملة بالتعاون بين المكتب ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل 2018.
  • مسوح متعلقة بالأمن الغذائي (2015-2024) بالتعاون بين المكتب وبرنامج الأغذية العالمي على ثماني مراحل.
  • المسوح المختصة التي تجريها وزارة الصحة من خلال حساب العينات وآليات جمع البيانات والبرامج المتعلقة بذلك.
  • مسح حالة السكان في سوريا (2014-2015) الذي ساعد على توصيف وفهم الوضع الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي للسكان في سوريا، بطريقة ما يسمى الأشخاص المفتاحيين من خلال استمارة صممت لهذا الغرض، إذ أعطى العديد من المؤشرات المهمة.
  • التعداد العام للمنشآت الصناعية والخدمية والتجارية على عدة مراحل في المحافظات السورية بالتعاون مع وزارة الاقتصاد.
  • أصدر المكتب العديد من النشرات المتعلقة بالمحاصيل الزراعية ونشرة التكاليف والفائض والعجز، وخلاصة التجارة الخارجية 2022، وإحصاءات التجارة الخارجية، ونشرات متعلقة بقوة العمل ضمن سلاسل زمنية، ونشرات متعلقة بالأرقام القياسية لأسعار المستهلك، وهذه النشرات تضمنت سلاسل زمنية مختلفة.

وأشار مدير المكتب المركزي إلى أن المكتب لم يتوقف عن إنتاج البيانات الإحصائية التي تخدم العمل الحكومي، بل استطاع أن يقوم بها بالشكل الأنسب، لكن المشكلة تكمن في أن الحكومات خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2024 لم تسمح للمكتب المركزي للإحصاء بنشر نتائج العديد من المسوح، وبالتالي أدى ذلك إلى عدم تداول نتائجها.

دور المكتب المركزي للإحصاء لم يكن ضعيفًا، بحسب مديره أنس سليم، بل المشكلة تكمن في تبني ما قام به المكتب وما أنتجه من جانب الحكومة، لأنه استطاع خلال الفترة الماضية تبني العديد من التقنيات التي تخدم العمل الإحصائي من خلال استخدام الأجهزة الكفية والسحابة الإلكترونية في تنفيذ المسوح.

وأوضح سليم أن العمل المتعلق بالمسوح التقليدية الورقية، انتقل إلى المسوح المتعلقة بالتقنيات الحديثة وذلك بجهود العاملين بالمكتب، ومن خلال هذه التقنيات تم تزويد الجهات الرسمية بالعديد من الأرقام التي تخدم العمل الحكومي.

واستطاع المكتب تزويد الجهات الحكومية بما يتعلق بتقنيات حساب العينات، وآليات سحب هذه العينات، وحساب العديد من المؤشرات الإحصائية (سواء العادية أو التركيبية)، وتزويد الجهات الحكومية بما يتعلق بالأرقام الإحصائية التي تخدم الحكومة والباحثين والمنظمات الدولية.

خلال الفترة من حزيران إلى كانون الأول 2024، أجرى المكتب المسح الصناعي، والمسح التجاري، ومسح قوة العمل، وانتهى من القيام بها من حيث تجميع البيانات وإنشاء المخرجات التي تزود المجموعة الإحصائية، كما انتهى في نفس الفترة من نتائج الأمن الغذائي بالمرحلة الثامنة وقام بتسليم الجهة الداعمة بمخرجات هذا المسح.

ولفت سليم إلى أن المكتب سيقوم بالعديد من الخطوات التي تنقل العمل الإحصائي إلى الطريق الصحيح، من خلال تفعيل دوره مع الجهات الحكومية والمنظمات، ضمن خطط تستهدف تبني الرقم الإحصائي، وتوفير بيانات ومؤشرات عالية الجودة، معتمدة على المعايير الدولية، وذلك لتقييم الوضع السكاني، والمعيشي، والاقتصادي لسوريا، كما أنها ستسهم في وضع الخطط والسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تخدم الجانب الوطني.

متطلبات إصلاح النظام الإحصائي

المتطلبات الخاصة بالواقع الإحصائي من العناصر الأساسية لضمان فعالية ودقة جمع وتحليل البيانات.

وفي سوريا الأمر أكثر تعقيدًا، لأن البنية التحتية والكوادر غير مستعدة للعمل الإحصائي.

من وجهة نظر الدكتور في الإحصاء ونظم المعلومات عبد الله العبيد، فإن أهم متطلبات إصلاح النظام الإحصائي تتضمن ثلاث خطوات:

إعادة تأهيل المؤسسات الإحصائية:

  • توفير التمويل اللازم وتدريب الكوادر على أحدث أدوات جمع البيانات.
  • تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية (مثل البنك الدولي) لاستعادة المصداقية.

اعتماد التكنولوجيا الرقمية:

  •  استخدام أنظمة حديثة مثل “GIS” لرصد التغيرات الديموغرافية والبنية التحتية.
  • تطوير منصات إلكترونية لجمع البيانات من القطاعات العامة والخاصة.

تحسين الإطار التشريعي:

  • سن قوانين تلزم الجهات الحكومية والخاصة بتوفير البيانات بدقة وشفافية.
  • إجراء مسوح ميدانية دورية: بالشراكة مع منظمات محلية ودولية لتعويض نقص البيانات الرسمية، خاصة في المناطق التي عانت من الدمار.
  • إصلاح النظام النقدي والضريبي.

الأستاذ في جامعة دمشق زكوان قريط اقترح إحداث مركز لدعم القرار في مختلف الوزارات، يعتمد على بيانات ومعلومات وبرامج إلكترونية قادرة على تحليل هذه البيانات والإحصاءات واقتراح الحلول المختلفة لأنواع المشكلات التي تواجهها.

كما اقترح دمج المكتب المركزي للإحصاء في سوريا مع هيئة تخطيط الدولة في هيئة موحدة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء وتفعيل دورها لأنها الأساس في اتخاذ مختلف القرارات والقوانين والتشريعات الصادرة، لتكون علمية ودقيقة بعيدة عن الأخطاء والتجريب، كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة، بحسبه الدكتور قريط.

أساس لصنع القرار الاستراتيجي

يسهم تحليل البيانات الإحصائية في تقييم الأثر الإنساني والاقتصادي للحرب، ويعزز من قدرة الحكومات والهيئات الإنسانية على تقديم المساعدات اللازمة للمتضررين، علاوة على ذلك، فإن أهمية وجود البيانات الإحصائية تكمن في كل الأقسام والتخصصات.

ويعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، أن جمع الإحصائيات لا بد منه لمعرفة الاحتياجات الملحة والموارد المطلوبة والمتاحة منها، من أجل وضع خطط للتدخل السريع وعلى المدى المتوسط والبعيد، للحفاظ على الإنسان السوري وتأمين متطلبات عيشه وحياته بكرامة.

كل البيانات الإحصائية ذات الصلة بالدولة والمجتمع السوري مهمة، بحسب الدسوقي، والملف الاقتصادي هو الأكثر إلحاحًا بسبب الحالة التي يرثى لها للمجتمع السوري مع وجود أكثر من 90% تحت خط الفقر، وأكثر من ربع السكان تحت فقر مدقع.

من جانبه، يرى الدكتور عبد الله العبيد أهمية البيانات الإحصائية في الفترة الحالية بعدة نقاط:

أساس لصنع القرار الاستراتيجي: تحديد أولويات إعادة الإعمار (مثل إصلاح المدارس أو المستشفيات) بناء على بيانات عن حجم الدمار والاحتياجات.
جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية: يحتاج المستثمرون المحليون والأجانب إلى بيانات عن السوق المستهدفة (حجم السكان، القوة الشرائية، البنية التحتية).
إدارة الأزمات الإنسانية: توزيع المساعدات الغذائية والدوائية بشكل عادل يتطلب بيانات عن السكان ومعدلات الفقر.
مراقبة الاقتصاد الكلي: مثل قياس التضخم، البطالة، وسعر الصرف لفهم اتجاهات الاقتصاد وتجنب الانهيارات.
تعزيز الشفافية: البيانات الدقيقة تُقلص مساحة التلاعب في الموازنات الحكومية أو توزيع الموارد.
أما الدكتور رمضان درويش، فشرح أن صحة القرارات تعتمد على دقة المعلومات لا سيما دقة الرقم الإحصائي، لأن الإحصاء يوفر لمتخذ القرار معلومات توجه قراره المناسب وفي الوقت المناسب، خاصة أن الإحصاء يعتمد على نظرية الاحتمالات ونظرية اتخاذ القرار، وكلتاها تعتمد على دقة الأرقام الإحصائية.

الحوكمة والإدارة

تشكل الإحصاءات ركيزة أساسية في عملية الحوكمة الرشيدة، حيث تسهم في تحسين الكفاءة والفعالية في إدارة الشؤون العامة. تلعب الإحصائيات دورًا حيويًا في مجالات متعددة، ما يعزز من قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على بيانات واقعية.

وأثر غياب الإحصائيات على الحوكمة والإدارة يشمل، بحسب الدكتور عبد الله العبيد، ما يلي:

تراجع الشفافية: يصعب محاسبة المسؤولين عن الفساد في غياب بيانات واضحة عن الإنفاق العام.
ضعف التخطيط التنموي: مثل عدم وجود بيانات عن عدد المدارس المُدمرة يؤدي إلى سوء توزيع الموارد التعليمية.
انهيار الثقة في المؤسسات: انتشار الشائعات حول الأزمات (مثل نقص الوقود) بسبب غياب إحصائيات رسمية موثوقة.
تعطيل آليات الرقابة: البرلمانات والجهات الرقابية لا تستطيع تقييم أداء الحكومة دون مؤشرات أداء قابلة للقياس.

ملفات ملحّة

تتنوع الملفات التي تتطلب بيانات إحصائية، بدءًا من القضايا الاقتصادية مثل معدلات النمو والتضخم، مرورًا بالقطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، وصولًا إلى مسائل البيئة والأمن.

هذه المجالات تعتمد على الإحصائيات لتحديد الأولويات، وقياس الأداء، وتقدير الاحتياجات، لذلك من الضروري التركيز على أهم هذه الملفات التي تتطلب جمع وتحليل بيانات دقيقة، وتساعد في وضع استراتيجيات فعالة.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور عبد الله العبيد أن الملفات والقطاعات التي تتطلب بيانات إحصائية عاجلة هي:

  • القطاع الصحي:

البيانات المطلوبة: عدد المستشفيات العاملة، معدلات انتشار الأمراض المزمنة، توفر الأدوية.
والسبب: تصميم برامج صحية تستهدف الأمراض الأكثر خطورة (مثل السرطان) وتجنب الأوبئة.

  • القطاع التعليمي:

البيانات المطلوبة: نسبة الأطفال خارج المدارس، عدد المدارس المُدمرة، نسب الأمية.
والسبب: توجيه الجهود لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية ومحاربة التسرب المدرسي.

  • القطاع الاقتصادي:

البيانات المطلوبة: الناتج المحلي الإجمالي، حجم القطاع غير الرسمي، معدلات البطالة.
والسبب: وضع سياسات لخلق فرص عمل واستعادة النمو الاقتصادي.

  • القطاع الزراعي:

البيانات المطلوبة: مساحة الأراضي القابلة للزراعة، نسبة الاعتماد على الاستيراد، تأثير التغير المناخي.
والسبب: تحقيق الأمن الغذائي وتقليل فاتورة الاستيراد.

  • إعادة الإعمار:

البيانات المطلوبة: حجم الدمار في البنية التحتية (طرق، جسور، طاقة)، عدد النازحين العائدين.
والسبب: تحديد أولويات إعادة الإعمار وتجنب الهدر المالي.

  • القطاع المالي:

البيانات المطلوبة: حجم الدين العام، احتياطي العملة الأجنبية، تدفقات التحويلات المالية.
والسبب: تجنب أزمات السيولة وانهيار العملة المحلية.

الديموغرافيا

بينما يعتقد الدكتور أيمن الدسوقي أن أهم القطاعات المحلة للإحصاء هي الديموغرافيا وما يتصل بها من مؤشرات التنمية البشرية، لأنه تعد ضرورة لمعرفة الاحتياجات ولتخطيط الخدمات، فضلًا عن معرفة الرأسمال البشري المتاح حاليًا وكيفية مواءمته وتوظيفه في إعادة تنشيط الاقتصاد السوري.

أما الدكتور رمضان درويش، فيرى أن أهم الملفات التي تتطلب ضرورة إحصائية حاليًا، هي ملف المهاجرين واللاجئين أو المهجرين داخليًا وخارجيًا، بمن فيهم أصحاب الفعاليات الاقتصادية ورؤوس الأموال المهاجرة، والبنى التحتية المتضررة والتي تحتاج إلى إعادة تأهيل لتهيئ إعادة الإعمار.

ولفت أيضًا إلى ملفات التربية والتعليم، حيث ما يزيد على المليون ونصف مليون طفل خارج المدرسة، فبناء الإنسان يأتي بالدرجة الأولى.

وبالتالي يجب إعادة التوازن القطاعي والجغرافي والبنى السكانية إلى وضعها الصحيح، كي تستطيع الحكومة السير باتجاه التنمية المتوازنة بكل شفافية ومسؤولية واعتماد الحوكمة في مختلف القطاعات لا سيما القطاعات المالية، وجميعها تحتاج إلى استخدام الرقم الإحصائي بشفافية ومسؤولية، وفقًا للدكتور درويش.

ما المكتب المركزي للإحصاء؟

تأسس المكتب المركزي للإحصاء في عام 2005، ويعد الجهة الرسمية والمسؤولة عن الإحصاء وجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومختلف الأنشطة العامة في سوريا.

ويتبع إلى رئاسة مجلس الوزراء، ويدار من قبل مجلس إدارة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية (قبل الإعلان الدستوري الذي ألغى منصب رئيس الوزراء في المرحلة الانتقالية).

ويهدف المكتب إلى تقديم بيانات دقيقة وموثوقة تسهم في دعم صانعي القرار في الحكومة السورية وتساعد في التخطيط التنموي.

ويقوم المكتب بإجراء التعدادات والمسوحات الإحصائية اللازمة لتوفير معلومات حيوية عن السكان والاقتصاد والمجتمع، ومن الأنشطة التي يقوم بها:

  • إحصاءات سكانية.
  • إحصاءات اقتصادية.
  • إحصاءات التجارة.
  • التعداد العام للسكان والمساكن.
  • قوة العمل.
  • الأرقـام القيـاسـية (CPI).

ويمثل المكتب المركزي للإحصاء محورًا أساسيًا في توفير المعلومات الإحصائية اللازمة لقياس التنمية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، كما يلعب دورًا مهمًا في مساندة المجتمع المدني والأبحاث الأكاديمية من خلال توفير بيانات وإحصائيات دقيقة وموثوقة لمختلف القطاعات.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة