
سيدات عدن إلى ركام منزلهم في مدينة القصير بريف حمص بعد رحلة نزوح لسنوات في مخيمات "عرسال" اللبنانية - 25 شباط 2025 (الدفاع المدني السوري)
سيدات عدن إلى ركام منزلهم في مدينة القصير بريف حمص بعد رحلة نزوح لسنوات في مخيمات "عرسال" اللبنانية - 25 شباط 2025 (الدفاع المدني السوري)
حمص – دينا عبد الله
بدموع الفرح وجسد يرتجف ومشاعر مختلطة وعدم القدرة على النوم، عاشت رند الحمصي وواكبت تفاصيل سقوط النظام السوري، وهروب بشار الأسد إلى موسكو، فقد عرفت حينها أن عودتها إلى مدينتها حمص وسط سوريا باتت حتمية.
وصفت رند أولى لحظات لقائها بمدينتها قائلة، “ركعت ساجدة لله، حين وطئت قدماي تراب حمص، كان نصرًا عزيزًا، أكرمنا الله به، وكنا طوال سنين غربتنا عن حمص، على ثقة كبيرة بأننا سنعود لها يومًا ما”.
مضى شهران على عودة رند (36 عامًا) إلى حي الوعر في حمص، عودتها إلى المدينة التي أحبّتها وعاشت فيها قرابة الثلاثة عقود، كانت بمنزلة حلم تحقق، لكن حمص “حزينة ومدمرة”، وتحتاج إلى دعم لتعود فيها الحياة، بحسب تعبيرها.
حاليًا، تقيم رند وعائلتها مؤقتًا في بيت قريب من مكان سكنها السابق في حمص ريثما تنتهي من إكساء بيت صغير، كان آخر ما تبقى لها سالمًا هناك قبل خروجها منذ ثماني سنوات، في قصة تهجير مريرة عاشها الآلاف.
لم تكن رند الوحيدة التي خرجت من حي الوعر المحاصر بحمص، في 18 من آذار 2017، حينها خرجت الدفعة الأولى من المحاصرين في ذلك الحي باتجاه مدينة (جرابلس) بريف حلب الشرقي ومناطق أُخرى.
الخروج كان بعد التوصل لاتفاق برعاية روسية، يقضي بإجلاء مقاتلي المعارضة من الحي باتجاه ريف حمص الشمالي الذي تسيطر عليه المعارضة، أو إلى إدلب أو جرابلس ضمن المنطقة الآمنة بريف حلب الشمالي على الحدود التركية مقابل رفع الحصار.
عانى المحاصرون في حي الوعر كثيرًا خلال سنوات الحصار الأربع التي سبقت خروجهم، معاناة لا تبدأ بقلة الموارد المتاحة للبقاء على قيد الحياة من طعام وشراب ومؤونة، حتى تنتهي بالقذائف والصواريخ التي كانت تتساقط عليهم عند أي تصعيد عسكري.
كانت رند وعائلتها من الدفعة الأولى التي خرجت من حي الوعر برفقة زوجها المصاب وأهله وولديها، للبدء برحلة حياة جديدة بحثًا عن الأمان والعيش بكرامة وحرية، تاركة وراءها بيتًا وذكريات حولتهما آلة الحرب المتوحشة إلى أنقاض ورماد.
“أذكر يومها أن الطيران كان يحوم فوق الوعر، وبعدها بقليل سقط صاروخ في الحي الذي أسكن فيه، أُصيب زوجي إصابة بالغة أدت إلى انقطاع الأوتار في قدمه اليمنى، وتسببت له بعاهة مستديمة، وبعد تلك الحادثة قررنا ألا نبقى بحمص”، قالت السيدة لعنب بلدي.
بالتزامن مع إخراج الأهالي من أحياء حمص، حضرت “شخصيات دينية” من بينها مدير أوقاف مدينة حمص حينها، عصام المصري، والأب ميشال نعمان، ودخلوا إلى باصات المدنيين التي تستعد للخروج، و”خطبوا” بهم بـ”حب الوطن والوفاء له”، الأمر الذي أدى إلى “مشاحنات كلامية” بين الأهالي وبينهم، انتهت بطردهم من الباصات.
بدأت رحلة التهجير لرند وعائلتها في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، فمن منزل إلى آخر، عانت كملايين السوريين من صعوبات في الاستقرار وتعدد أماكن السكن، حتى استقر بها الحال في منزل قضت فيه حوالي خمس سنوات قبل سقوط النظام.
كما جربت السيدة العيش في خيمة خلال سنوات تهجيرها، قضت فيها حوالي سبعة أشهر وأنجبت هناك ابنتها الوحيدة.
أثّرت الأوضاع الجديدة في جرابلس على عائلة رند، وعلى الكثير من الأسر المهجرة التي أُجبرت على ترك كل شيء وراءها من أجل النجاة.
اضطر ولداها لترك المدرسة من أجل إعانة والدهما المصاب والعمل معه لسد احتياجات العائلة، وكانت رند تذهب لشراء الأغراض ومياه الشرب خلال عمل الأولاد مع أبيهما في ورشة خاصة.
أصعب ما مرّ عليها هناك كان وفاة والدها وأختها الكبيرة في حمص، وعدم قدرتها على حضور جنازتهما، بحسب قولها.
الدفعة الأخيرة من مهجري حي الوعر في حمص، وصلت إلى مخيم “زوغرة” في ريف جرابلس الغربي، في 22 من أيار 2017، بلغ عددها 201 عائلة، بعدد إجمالي بلغ 1003 أفراد.
أما “أم فواز” فعادت وعائلتها إلى مدينة القصير في ريف حمص، لكن مع خيامهم التي جهّزوها على بقايا منازلهم المدمّرة من قبل قوات نظام بشار الأسد، ليبدؤوا رحلة جديدة من المعاناة وسط الأنقاض وصعوبة العيش، بعد رحلة نزوح استمرت سنوات في مخيمات “عرسال” اللبنانية.
حال “أم فواز” كمئات آلاف العوائل، ينتظرون الأمل بالعودة والمسكن الآمن بعد سقوط نظام الأسد، يعيشون بين برد الخيام وحلم العودة لمنازلهم المدمرة في مدنهم الأصلية.
ورغم حضور شهر رمضان في حمص بعد سنوات من التهجير والخلاص من نظام الأسد، يشعر المتطوع في “الدفاع المدني السوري” رائد العبيد بغصة كبيرة، لأن منزله مدمّر ويصعب السكن فيه.
كان رائد يتمنى العودة بوضع مغاير، والاجتماع مع عائلته على مائدة الإفطار، لكن قوات الأسد المخلوع وحلفاءها دمّروا المدن والبلدات والمنازل بمعظم محافظات سوريا، ونسفوا أحلام السوريين بالمسكن والأمان.
رغم الظروف الصعبة، يبقى الأمل موجودًا بمستقبل يستطيع فيه السوريون إعادة إعمار كل الخراب والدمار، وفق رائد.
حمص أكبر المحافظات السورية مساحة، وتعد من بين الأكثر دمارًا في سوريا، ولا تتوفر إحصائيات حديثة عن حجم الضرر، لكن وفق أطلس نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب عام 2019، يوجد فيها 3082 مبنى مدمرًا كليًا، و5750 مدمرًا بشكل بالغ، و4946 بشكل جزئي، وبلغ مجموع المباني المتضررة 13778.
وعينت حكومة دمشق المؤقتة، عبد الرحمن الأعمى، محافظًا لحمص، وبدأت المؤسسات الحكومية بالعودة إلى عملها بشكل طبيعي تدريجيًا، بينما لا تزال الأحياء القديمة المدمّرة نعاني من عدم توفر الكهرباء في بعضها، وعدم توفر وصول المياه إليها، وعدم توفر خطوط الاتصالات الأرضية.
وأطلقت المحافظة حملة “حمص بلدنا”، هدفها إعادة الحياة للمدينة من جديد، وتضمنت عدة نشاطات، منها صيانة وتركيب إنارة للشوارع الحيوية في المدينة، وتأهيل حديقة الحمرا “دوار البطات”، وإزالة مخلفات الحرب.
وأجرت وزارة الداخلية في حكومة دمشق المؤقتة، بالتعاون مع “إدارة العمليات العسكرية”، عملية تمشيط واسعة في أحياء مدينة حمص، بحثًا عن مجرمي حرب ومتورطين في جرائم رفضوا تسليم سلاحهم ومراجعة مراكز التسوية.
واستهدفت الحملة مجرمي حرب وفارين من قبضة العدالة ومستودعات ذخيرة وأسلحة مخبأة، وجاءت بعد معلومات عن وجود عناصر من قوات النظام السابق في عدة مواقع بحمص، لم يسلموا سلاحهم بعد أسابيع من افتتاح مراكز تسوية منعًا للتصعيد.
وتخلل الحملة إطلاق نار كثيف في الهواء سبب ذعرًا للنساء والأطفال، بالإضافة إلى توقيف عدد من الأشخاص كلهم رجال وبينهم مدنيون، مع تسجيل انتهاكات تتعلق بمصادرة سيارات بصورة غير رسمية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى