
استمرار أعمال إعادة ترميم السيف الدمشقي في ساحة الأمويين بدمشق- 26 شباط 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)
استمرار أعمال إعادة ترميم السيف الدمشقي في ساحة الأمويين بدمشق- 26 شباط 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)
عنب بلدي – حسام المحمود
“دمشق هي جنة الأرض، وهي فريدة الشام، ومعدن الفضل، وموئل العلم، ومجمع الفقهاء، ومحطّ رحال العرب ومتنزه العجم، وهي في البلاد كالياقوتة في الخاتم”، هكذا وصفها ياقوت الحموي في “معجم البلدان”، قبل أن تتعاقب على المدينة القرون، ويحكم البلاد نظام سياسي جثم على صدور السوريين لـ54 عامًا، غيّر فيها ملامح سوريا بالمجمل، ودمشق على وجه الخصوص.
29 عامًا في رصيد حافظ الأسد، و24 عامًا في رصيد ابنه بشار، كانت كفيلة بتغيير ملامح البلاد، على المستوى الجمالي والعمراني، وتغيير صورتها في عين الناظر أيضًا، فللأب والابن تاريخ مسجل في التعامل السلبي مع المدن والمناطق السورية، كحالة عمرانية وحضارية على الأقل، ففي عهد الأب دُمرت أحياء كاملة من مدينة حماة، وسط سوريا، ليدمر الابن مدنًا وحواضر أخرى على مساحات واسعة من سوريا.
ما أفلت من الدمار والبراميل في فترة حكم بشار الأسد، لاقى دمارًا من نوع آخر، الإهمال، إذ اعتبر الكاتب الفلسطيني السوري الراحل حسن سامي يوسف، أن “المدن لا تشيخ بتعاقب العصور، بل بتراكم الإهمال”، وهذا تحديدًا ما لاقته العاصمة السورية، التي لم تخطُ لتنافس تقدم وتطور العواصم العربية الجارة، ولم يكن تراثها وهويتها الجمالية بمأمن من الإهمال.
بعد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، سارعت المنظمات المحلية لإطلاق مبادرات فردية “على مستوى المنظمة الواحدة”، وجماعية “بين مجموعة منظمات” إلى جانب مبادرات الأهالي لتجميل الشوارع والمدن وتنظيفها، ومحاولة استعادة قبس من البريق الذي أطفأه تعامل النظام السابق مع العاصمة.
مبادرات كثيرة متتابعة منذ سقوط النظام، تصب تركيزها على المرافق الثقافية لدمشق ومدن أخرى، شقت طريقها بطرق رسمية وغير رسمية مؤخرًا، ومن أحدثها ترميم السيف الدمشقي، المعلم الثقافي الذي كتب في مديحه الشعراء، ويتصدر ساحة الأمويين، أمام دار “الأوبرا”، وقريب من مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
هذه المبادرة التي جاءت في شباط الماضي على يد مديرية الصيانة في دمشق، تضمنت تركيب ألواح زجاجية ملونة وطلاء السيف من الخارج، وانتهت بإضافة إضاءة تحيط بالسيف منحت المكان طابعًا حيويًا وحداثيًا صاخبًا، في الوقت الذي لا تزال به البلاد تغرق في عتمة جزئية رغم تحسن واقع التغذية الكهربائية مؤخرًا.
وإلى الشمال، في محافظة حلب، أثارت عملية ترميم ساحة سعد الله الجابري خلال الأيام الماضية، الجدل، بسبب إزالة تمثال “الشهداء” الذي صممه النحات السوري عبد الرحمن موقت.
الحملة التي أطلقتها محافظة حلب تحت عنوان “حلب رح ترجع أحلى”، بالتعاون مع الشركة السورية التركية القابضة، تنشد تجميل الساحة وتحسين إضاءتها وحدائقها العامة، لكنها قوبلت بانتقادات تتعلق بتشوية أو تغيير معالم المدينة التاريخية.
ومن هذه المبادرات، حملة “رجعنا يا شام”، التي أطلقها “الدفاع المدني السوري” في 18 من كانون الثاني الماضي، بالتعاون مع 36 مؤسسة ومنظمة سورية وفريقًا تطوعيًا وفعالية اقتصادية ومحلية وناشطين، وهدف الحملة إعادة الروح لمدينة دمشق عبر أعمال خدمية وتجميلية، وتعزيز روح التعاون والمبادرة والعمل التطوعي في المجتمعات السورية، وإظهار قدرة المجتمع المدني على التغيير الإيجابي، ورسالة محبة على أمل إعادة إعمار سوريا من جديد، وفق ما جاء في إعلان الحملة.
وشملت الحملة مواقع عدة في العاصمة ترتبط بهويتها الحضارية والثقافية والجمالية، منها دار “الأوبرا”، وساحة المرجة، ذات الرمزية التاريخية في سوريا، وحديقة “الجاحظ”، والساحة الخارجية للمسجد الأموي، ومجرى نهر بردى، الذي تغنّت به فيروز، وكتب في مديحه الشعراء.
القائمون على الحملة، قالوا في بيان إعلانها، “خلّفت سنوات الحرب آثارًا كارثية على السوريين وعلى البنية التحتية، إضافة إلى تداعيات خطيرة على المجتمع السوري، وفي ظل الظروف الصعبة التي تواجهها سوريا، تبرز المبادرات والأنشطة الخدمية والتطوعية كواحدة من أهم الوسائل لإحداث التغيير الإيجابي ومساعدة المجتمعات على تحسين الواقع الخدمي وتجميل وتنظيف المدن والأحياء”.
كارمن الخوري، شابة سورية مقيمة في دمشق، وصفت الحالة في دمشق، بأن يكون الشخص حبيس غرفة ملونة نابضة بالفن والرسومات، لكنها مظلمة، ولا يمكن رؤية جمالها دون ضوء، في إشارة إلى كم الخراب وانقطاع الخدمات في العاصمة، ما يجعل هذه المبادرات على جودتها وضرورتها وإيجابيتها غير ملموسة الأثر.
الشابة أوضحت لعنب بلدي أن هذه التفاصيل والجهود المكرّسة لتجميل العاصمة بحاجة لبيئة وظروف متكاملة، دون أن يلغي الواقع الحالي فحواها وهدفها المنشود، رغم ضعف الإمكانات المتاحة.
وقالت كارمن، “لا أستطيع أن أقول المثل الشعبي (بحصة تسند جرّة)، لأن الجرّة مفقودة أساسًا”.
من جهتها، ترى حسناء الغز أن الفعاليات التي تحدث سواء بصفة فردية أو عبر مبادرات منظمة، تمنح شعورًا بالتفاؤل والأمل بأن الشعب بدأ ينتبه لمسؤوليته تجاه بلده.
وبحسب رأيها، فهذه المبادرات ستنعكس إيجابًا على الحالة النفسية والاجتماعية، على اعتبار أن الأمور الإيجابية معدية، ما يعني ضرورة العمل على توعية الناس حتى تتحول هذه المبادرات إلى سلوك وعادة، ما يعود بالنفع على المجتمع والبلد ويساعد على تطورها والارتقاء بها.
“سوريا في الماضي كانت مجبولة على الفوضى والاستهتار، ومن الضروري وجود ما ينظم حياة الناس بكل تفاصيلها”، أضافت حسناء.
رغم تنوع المبادرات وامتدادها على مساحات واسعة، لتشمل حلب وحماة وحمص، وتنظيف ساحاتها العامة، ومرافقها الشهيرة، فإن التركيز الشعبي والرسمي في سوريا، منصب على الدعوة لرفع العقوبات عن سوريا، كفاتحة طريق نحو إعادة الإعمار، في ظل وجود آلاف المباني المدمرة بالكامل في مختلف المحافظات، ومنها دير الزور وحمص، وريف دمشق، وريف حماة، ومناطق في إدلب وأخرى في حلب، مع قتل كل مظاهر الحياة في مساحات واسعة، لم ينجُ من مبانيها ما يصلح حتى لإعادة الترميم أو التأهيل.
المهندس محمد مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” في سوريا، أوضح لعنب بلدي أن أي مبادرة أهلية أو مجتمعية مرحب بها، لكنها لا تتم بلا مرجعيات مؤسساتية وحوكمية، ومن الضروري وجود مراجعة وموافقة على العمل التطوعي وفق أسس ومعايير تضعها الجهات المسؤولة عن الصرح أو الموقع.
كما أن العمل التطوعي بلا مرجعية تتعلق بالأصول الأساسية لهذا المشروع عبث واجتهاد، فعند الذهاب لترميم السيف الدمشقي مثلًا، هناك جهات صاحبة قرار بالمشروع وشكله، سواء من التقنيين أو الفنيين أو التاريخيين، أو ما يتعلق بالتراث الموجود، ويجب أخذ رأيهم والحصول على موافقة خطية.
وفيما يتعلق بالمبادرات المرتبطة بالتراث، وأي نوع منه، سواء المادي أو العمراني أو التاريخي، فلكل جهة معايير مرجعية، تحدد أدوات وآليات الترميم، باعتبار هذه المواقع ليست أملاكًا فردية، بل وطنية، ولا يصح الترميم دون العودة إلى المرجعية المؤسساتية والحوكمية.
هناك مرجعيات يجب العودة إليها للحصول على موافقات خطية تتحمل مسؤوليتها الجهة المانحة للموافقة، سواء محافظة دمشق، أو مديرية الآثار، أو المركز الثقافي أو غيرها، حتى لا تكون هناك فوضى وتشويه للهوية العمرانية والتراثية والفكرية، وفق المهندس.
شربجي أشار إلى وجود منظمات تضع أفكارًا من باب إنساني لكن النتيجة غياب تنسيق مع الجهات الوصائية، وصاحب القرار ليس من يملك المال في هذا الإطار، بل من يملك هوية هذا المكان ومرجعيته، والمبادرات يجب أن تقوم على أساس تشاركي، حتى في تنظيف الشوارع، من خلال التنسيق مع البلدية والمحافظة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى