انطباعات.. نادٍ مغلق يدير الإعلام في سوريا
علي عيد
لا أدري إن كان مناسبًا الحديث اليوم عن التشاركية في إدارة النشاط الصحفي في سوريا الجديدة، من باب أن ما يجري هو نهج متعمّد في مرحلة إدارة الرئيس أحمد الشرع، أم حالة طبيعية تحصل في الدول التي تشهد هذا النوع من الانتقال التاريخي بين مرحلتين متضادّتين سياسيًا وفكريًا وحتى عقائديًا.
كما يخطر لي، كانطباع شخصي، أن ما يحصل هو مشهد “سريالي” تتسبب فيه خلطة إدارية غير مفهومة، علاقة العهد الجديد فيها جزئية والباقي هو اجتهادات حسبما اتَّفَق.
وإذ يجري الاعتماد بشكل رئيس على كوادر رافقت حكومة “الإنقاذ” أو كانت حولها جغرافيًا حتى تاريخ 8 من كانون الأول 2024، فإن هذا ليس مناسبة للانتقاص من أحد ولا المكان القادم منه، بل باب نقاش علينا أن نفتحه مبكرًا، كي لا تتراكم أخطاء أو انطباعات سلبية ثم تصعب مداواتها، وكذلك لكي تعرف الصحافة على أي أرض تقف، والصحفيون من أي ماء يشربون.
عبرت مرارًا عن سعادتي وزملاء كثر بأخلاق تلك الكوادر الإدارية، وتعززت قناعتنا بأنهم مجدّون ومخلصون لعملهم، مع ما نرصده من شهادات من زملاء في الإعلام السوري المنفي سابقًا أو حتى الإعلام العربي وكذلك الغربي.
ودون أن تطغى هذه المشاعر على ما هو مطلوب أساسًا في هذه المهمة، تسود اليوم مخاوف من أن هناك ما يشبه “النادي المغلق”، يجري فيه ضم المخلصين حسب “فلتر” يديره عدد قليل من الناس، ثم يجري الفرز داخل النادي بحسب معايير لا ترتبط بالخبرة، وأن مثل هذا النهج قد يؤثر مستقبلًا في عمل الوزارة والمؤسسات وحتى الحريات العامة، لأنه يؤسس لحالة استقطاب ستنسحب على كل ما يتعلق بقطاع الإعلام.
الوظائف الإدارية للصحفي هي “تاج من الشوك”، وذلك لا يلغي أهميتها وضرورة الاهتمام ببناء كوادرها، لأنهم سيؤثرون في مستقبل الرأي والحريات والسلطة الرابعة في البلاد.
أخشى أن جميع الوزارات تشهد أو قد تشهد التباسًا في تعيين إداراتها على وجه الخصوص خلال الفترة الحالية، وكأننا في سباق تثبيت أرجل على الأرض، وانتزاع حصص مستحقة، وإن صحّ ذلك فإن حكومة الكفاءات القادمة لن تستطيع التقدم شبرًا واحدًا قبل معالجة تشوه الهياكل الإدارية، وأن حربًا من المظلوميات ستشتعل بين الإدارات والحكومة خلال الفترة المقبلة.
بعد نحو شهر من سقوط نظام الأسد، التقيت عددًا لا بأس به من الإداريين القادمين إلى وزارة الإعلام والمؤسسات الصحفية، وسألت بعضهم عن استراتيجيتهم وعن الطريقة التي جرى بناء الهيكل الجديد للإدارة والإداريين في الوزارة، فتلقيت إجابة من أحدهم بأنه تم جمع كل من له علاقة ببيئة العمل الصحفي في إدلب وريفها، وطلب منهم أن يختاروا وزيرًا ليدير وزارة الإعلام والمؤسسات الصحفية لفترة ثلاثة أشهر.
إداري آخر ذكر أن نقاشات مغلقة تجري حول إلغاء الوزارة، وموضوع الترخيص لإنشاء وسائل الإعلام سيكون من مهمة مجلس الإعلام الوطني، لأنهم، حاليًا، لا يعرفون كيف يرخصون، وينتظرون قوانين جديدة، فيما سمعت أشياء أخرى من هنا وهناك.
موظف آخر ذكر أنه لا يرغب بالاستمرار في وظيفة إدارية، لكنه محرج بعد أن طلب منه البقاء للمساعدة في الإمساك بالوضع لحين تشكيل حكومة جديدة، وهو ينتظر انتهاء المهلة حتى يعود إلى شغفه في ممارسة مهنة الصحافة.
ينقل كثير من الصحفيين شعورهم بالخيبة مما يصفونه بحالة الإنكار والخوف الذي يتملك تلك الإدارات، وكأن الدولة الجديدة تتمنّع على أبنائها قلقًا من الاختراق، وهذا عيب فيها وببنيتها وليس عيبًا في من يحاول إسنادها ممن لم يعيشوا تجربة إدلب لكنهم عاشوا تجارب أخرى قد تكون أقسى وأصعب أو أكثر تطورًا.
كي أكون منصفًا، تلقيت دعوة دافئة “غير رسمية” من أكثر من شخص للمساهمة، وعرضت بنفس الوقت المساعدة المجانية “دون منيّة” ولا وظيفة، وربما فعل مثلي آخرون، لكن المسافة تجري مباعدتها دون أسباب مفهومة.
أن أكتب هذا وأول من يقرأه هم المسؤولون في وزارة الإعلام السورية، هو خطوة أولى في تطبيق البند رقم “1” من المادة “13” في الإعلان الدستوري، ونصها “تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”.. وهذا يعني أن للحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :