نظرة في الإعلان الدستوري

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

مع طغيان سياسة الاستئثار بالسلطة التي اتبعتها الإدارة الانتقالية في دمشق، واستبعاد التشاور مع التيارات المدنية والتكتلات السياسية، وتعليق عمل الأحزاب لحين صدور قانون ينظم عملها، شكلت مشهدية توقيع الإعلان الدستوري من قبل رئيس الجمهورية للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أبعادًا رمزية، حين توسط الشرع طاولة ضمت اللجنة القانونية المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري وأخرى على يمينه بدت وكأنها “هيئة شرعية/فقهية” ضمت كلًا من د. مظهر الويس أحد أبرز شرعيي “هيئة تحرير الشام”، وهو الحاضر الدائم في العديد من المناسبات واللقاءات، مثل “مؤتمر النصر” والاجتماع مع اللجنة التحضرية للحوار الوطني ولجنة صياغة الإعلان الدستوري، وضمت أيضًا أحد أبرز شرعيي “الهيئة” عبد الرحيم عطون المعروف سابقًا بـ”أبوعبد الله الشامي“، وحسن الدغيم مدير التوجيه المعنوي في “الجيش الحر” ثم في “الجيش الوطني” والمتحدث باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، ومصطفى موسى رئيس مجلس الشورى العام السابق في إدلب وعضو اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، والشيخ أسامة الرفاعي رئيس “المجلس الإسلامي السوري”، وعضو مجلس أمنائه محمد أبو الخير شكري.

وبدت هذه المشهدية الأدائية الشعبوية وكأنها موجهة لقواعد الفصائل التي انضوت تحت عملية “ردع العدوان”، لتوحي أن هذه الإدارة ما زالت على نهجها السابق، وقد تكون أيضًا موجهة لعموم مؤيدي الشرع بأنه يوازن بين الجانب الفقهي لدولة إسلامية وبين “الجانب القانوني للدولة الحديثة” المطلوب لرفع العقوبات، غير أن اللجنة القانونية المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري كانت قاصرة بتمثيل تنوع المجتمعات السورية والأصوات المتنوعة فطغت عليها صبغة اللون الواحد، وبالتالي فإن رمزيات هذا المشهد انعكست قلقًا على الحقوقيين والسياسيين والمُسيّسين، نساء وجالًا، ناهيك بإشكاليات نص الإعلان الدستوري.

كرس الإعلان الدستوري حكمًا أوتوقراطيًا، فحصر السلطات بيد الرئيس الانتقالي، فهو يشكل لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب (المادة 24)، ويعيّن ثلث أعضاء مجلس الشعب، وتقوم اللجنة العليا التي شكلها الرئيس بتشكيل هيئات فرعية لانتخاب ثلثي أعضاء المجلس، ولم تحدد المادة “26” الآلية التي يمكن فيها التجديد لمجلس الشعب، المحددة ولايته بـ30 شهرًا، ومن المتوقع أن يقوم الرئيس بمهام رئيس الوزراء، بعد عدم التنصيص على المنصب في الإعلان، وحصرت مهام السلطة التنفيذية بالرئيس ووزرائه (المادة 31)، وهو قائد أعلى للجيش (المادة 32)، ويحق للرئيس اقتراح القوانين (المادة 39)، وهو الذي يعيّن أعضاء المحكمة الدستورية العليا (المادة  47-2)، ولم تُحَصّن المحكمة ضد تدخلات السلطة التنفيذية، ولم تُنظم آليات عملها واختصاصها، كما لم تحدد المادة “49”، التي نصت على إحداث هيئة للعدالة الانتقالية، الآلية والجهة التي ستقوم بتشكيلها، وبالتالي فالرئيس سيقوم بتسمية أعضائها وعضواتها، ولم يذكر النص الآلية التي سيُكتب فيها الدستور الدائم للبلاد، بعد أن حدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، وهي مدة طويلة كافية لترسيخ حكم أوتوقراطي كبنية تعيد إنتاج الاستبداد، وخاصة مع القيود على الحقوق والحريات التي أجازها نص المادة “23” تحت عنوان “حماية النظام العام” و”حماية الآداب العامة”، والتي عادة ما تستخدمها الأنظمة ذريعة للقمع والاضطهاد.

إن سيرورة عمل الإدارة في دمشق توحي بأنها غير معنية حاليًا بطلب غالبية الحقوقيين والسياسيين والمُسيّسين، نساء ورجالًا، في الدعوة لمؤتمر وطني، يكون بمنزلة “جمعية تأسيسية” تنجم عنها لجنة لكتابة الدستور الدائم للبلاد.

بعض التناقض بين النصوص الدستورية في محورين:

فصل السلطات

رغم أن الإعلان الدستوري نص على فصل السلطات (المادة 2)، فإنه نص مفرغ من معناه مع منح سلطات مطلقة للرئيس الانتقالي في متنه، وبضمنها تعيين أعضاء وعضوات المحكمة الدستورية العليا، كما أشرت أعلاه، وحجب الإعلان أي نص لمساءلة ومحاسبة الرئيس.

حقوق النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن

نص الإعلان الدستوري على إقامة نظام سياسي قائم على الحرية والكرامة (المادة 2)، وأن “المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق الواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب” (المادة 10)، وأن الدولة تصون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتكفلها، كما ورد في المادة “12” التي اعتبرت أن المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صدّقت عليها سوريا جزء لا يتجزأ من الإعلان، وأن الدولة تكفل “الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف” (المادة 21 -2)، لكن الإعلان الدستوري، وإن استمد واستوحى قواعد الحكم الدستوري من روح الدساتير السابقة ولا سيما دستور عام 1950، كما جاء في مقدمته، فإنه اختار الصيغة الأكثر تشددًا فيما يتعلق بمصدر التشريع في (المادة 1 – 3) التي نصت في الشق الثاني منها على أن “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع”، وهو نفس النص الوارد في دستور 1950، بينما خلا دستور عام 2012 ودستور 1973 من أل التعريف في كلمة “المصدر”، في حين، إذا عدنا إلى دستور 1928 المؤلف من 115 مادة، فإننا لا نرى أثرًا لمرجعية التشريع، بينما نصت المادة “15” منه على صيغة عامة ضمنت فيها الدولة “للأهلين على اختلاف مللهم احترام المصالح الدينية والأحوال الشخصية”.

ومرجعية التشريع سواء بصيغتها الحالية المتشددة أو دون أل التعريف، تنعكس على حقوق النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن، فحتى مع القانون رقم “4” الصادر في عام 2019 لتعديل “قانون الأحوال الشخصية لعام 1953 وتعديلاته”، لم يطُل التعديل بنية القانون التمييزية ضد النساء في القوامة والولاية والوصاية المُؤسِسة لمواطنية منقوصة، وحافظ التعديل على اعتبار شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل (المادة 12-1)، واستمر بإتاحة الطلاق التعسفي بإرادة منفردة للرجل، وقيد حق الزوج والزوجة بإضافة بنود إلى عقد الزواج إذا خالفت الشرع (المادة 14-1)، وحافظ على منح القاضي الحق بتزويج قاصرين وقاصرات بعد إكمال الـ15 إذا أرادا الزواج، وتبين له “صدق دعواهما واحتمال جسميهما” (المادة رقم 18). وبغض النظر عن الاشتباك النسوي مع مفهوم النفقة والبنية الرأسمالية للنظام الأبوي بالعموم، فإن القانون يعاقب المرأة بحرمانها من النفقة إن تحكمت بجسدها و”منعت نفسها من الزوج”، وبذلك يعزز إجبارها بالإكراه ولا يعترف بالاغتصاب الزوجي، ويكرس ولاية الزوج عليها وكأنها قاصر لا تمتلك الأهلية القانونية، وذلك بحسب ما ورد في المادة “73”.

والتمييز لا يقع على المسلمات فقط، بل يطول النساء في جميع قوانين الأحوال الشخصية للجماعات الدينية، ويمتد التمييز أيضًا ضد النساء بتنوعاتهن والرجال غير المسلمين في حصر الحق بالترشح لرئاسة الجمهورية بالمسلمين من الذكور فقط (المادة 3).

عزز الإعلان الدستوري ومشهدية التوقيع عليه الخشية من تجدد الاستبداد بأيديولوجيا سلفية معسكرة، ولا تزال الإدارة في دمشق منغلقة على ذاتها، وتتوجس من التعددية السياسية ولا تتلقف استحقاقات المرحلة الحساسة التي تتطلب مشاركة جميع الأطراف السياسية قي بناء دولة القانون والمؤسسات، والقائمة على الحرية والعدالة والمواطنة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة