
تعبيرية- وفد من أطباء سعوديين يجري عمليات جراحية في مستشفيات دمشق - شباط 2025 (عنب بلدي)
تعبيرية- وفد من أطباء سعوديين يجري عمليات جراحية في مستشفيات دمشق - شباط 2025 (عنب بلدي)
تواجه مستشفيات دمشق خطر انتشار الأوبئة والجراثيم بسبب فسخ عقود شركات التنظيف، التي كانت تتولى مسؤولية نظافة المنشآت الصحية لتأمين بيئة صحية وسليمة.
وأجرت عنب بلدي جولة في مستشفيات “المجتهد” و”الأطفال” و”الوطني الجامعي” لرصد الواقع الخدمي بها، وتبين أن معظم المشافي تعاني من تراجع خدمات التنظيف، إضافة لانتشار روائح كريهة في جميع الأقسام، علمًا أن جميعها ممتلئة بالمرضى والمرافقين لهم.
تعتبر البيئة النظيفة في المشافي أمرًا بالغ الأهمية لمنع انتشار الأمراض، ولكن مع تزايد الضغوط الاقتصادية وإعادة هيكلة الخدمات، يلوح في الأفق خطر تفاقم الأوضاع الصحية.
ويعاني القطاع الصحي في سوريا من تحديات كبيرة نتيجة عدة أسباب منها العقوبات الاقتصادية التي أدت إلى نقص التجهيزات والخدمات، وهجرة الكثير من الكوادر الطبية، ما أثر بشكل سلبي على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.
واستاء خالد سلوم، مريض في “المستشفى الوطني الجامعي”، خلال حديثه لعنب بلدي، من غياب النظافة في أروقة المستشفى، وأثر ذلك سلبًا على شعوره بالراحة والأمان.
من الصعب الشفاء في بيئة غير نظيفة، لأن الإهمال يهدد صحة المرضى وخصوصًا في المستشفيات، التي من المفترض أن تكون خالية من الملوثات، بحسب قول سلوم.
النظافة ليست مجرد مسألة شكلية، بل ترتبط بشكل مباشر بصحة المرضى وسلامتهم، وتؤثر التجارب السلبية كهذه على ثقة المواطنين بالمؤسسات الصحية وتدفعهم للبحث عن بدائل أخرى، ما يعكس أيضًا الفشل في تقديم الرعاية اللازمة في ظل الظروف الراهنة.
آية عيسى، ممرضة في أحد مستشفيات دمشق، قالت لعنب بلدي إن تراجع النظافة ينعكس بشكل سلبي على الأطباء والممرضين مثلما يؤثر على المرضى، وهذا ما يدفع العديد منهم إلى تنظيف أروقة المستشفى والأقسام بأنفسهم، ليضمنوا بيئة عمل صحية لهم وللمرضى، ريثما تعالج قضية شركات التنظيف.
وينعكس تراجع النظافة على جودة الرعاية المقدمة وعلى معنويات العاملين في القطاع الصحي، بحسب آية، ولذلك توجد حاجة ملحة إلى اتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه المشكلة.
بدوره، أوضح مدير “صحة دمشق“، محمد أكرم معتوق، لعنب بلدي، أن هناك أسبابًا متعددة أدت إلى إصدار قرار بفسخ عقود شركات التنظيف، وأهمها هو حجم الفساد الكبير الموجود بالعقود، إضافة إلى أن معظم الشركات التي كان يتم التعاقد معها لتنظيف المستشفيات لا تملك المواصفات المطلوبة، وهذا الحديث كان قبل سقوط النظام السابق.
معظم هذه الشركات كان لديها وسطاء يطلبون نسبًا من إتمام هذه العقود المبرمة بين الشركات والمستشفيات الحكومية، إضافة إلى أن هذه الشركات كانت توظف عمالًا لا يتمتعون بمواصفات جسدية وعقلية تسمح لهم العمل بهذا المجال، ونسبة كبيرة منهم من ذوي الإعاقة والأمراض المزمنة وكبار السن، وصغار السن (أي من هم تحت سن 18 عامًا القانوني الذي يسمح لهم بالعمل)، بحسب معتوق.
ويمثل توظيف أشخاص لا يمتلكون الكفاءة المطلوبة سلبية تؤثر على بيئة العمل والإنتاج، ويجب التوظيف بطريقة مسؤولة والالتزام بمعايير الجودة والتوظيف المناسبة.
وتابع مدير صحة دمشق أن العمال نتيجة الظروف المعيشية والحاجة للعمل يضطرون للعمل بشروط مجحفة بحقهم، بالمقابل فإن عملهم ليس جيدًا للمؤسسة الصحية، لأن العمل في القطاع الصحي يتطلب وجود مقدرة جسدية وعقلية، ولا يمكن وضع شخص من ذوي الإعاقة في مستشفى لديه يوميًا أكثر من حالة إسعاف، لأنه يعيق العمل ولا يقدم له الفائدة المطلوبة.
والقطاع الصحي هو الذي يبقى على أهبة الاستعداد طيلة الوقت ويقدم الخدمات دون توقف، ويتأثر بالأزمات والكوارث والحروب والحوادث الكبيرة، بحسب معتوق، فعند سقوط النظام استقبلت المستشفيات 500 إصابة برصاص طائش في ظروف صعبة جدًا.
تلعب شركات التنظيف المتخصصة في المؤسسات الصحية دورًا حيويًا في الحفاظ على بيئة صحية وآمنة للمرضى والعاملين، لأنها تقدم خدمات تنظيف متخصصة تتوافق مع المعايير الصحية.
وأشار مدير صحة دمشق، محمد معتوق، إلى أن شركات التنظيف تعتمد على موظفين يعملون بالأساس بالفئة الخامسة ضمن المشافي (أي مستخدمين)، فالشركات تتعاقد معهم وتمنحهم نصف راتب، وبالتالي يحصل هذا العامل على راتبين شهريين من المستشفى المتعاقد معه ومن شركة التنظيف، ويستغل أصحاب الشركات حاجة هؤلاء للعمل لفرض هذه الشروط.
ونشأت طبقة من الموظفين المعينين بالفئة الخامسة لا يريدون العمل، وتحولوا إلى العمل الإدراي أو إلى السمسرة والفساد، وهذا ما رتب عبئًا كبيرًا على المؤسسة، لأن هذا العامل لا يعمل وتدفع جميع المستحقات والخدمات له، وفق معتوق.
كما توجد ازدواجية في المستشفيات، إذ تمتلك موظفين بالفئة الخامسة (مستخدمين)، وفي ذات الوقت عقودًا لشركات تنظيف بمئات الملايين أو المليارات، ومع ذلك تغيب النظافة وسط ترهل كبير لا يمكن قبوله بالمؤسسات الصحية.
وبحسب مدير صحة دمشق، لم تفسخ عقود الموظفين من الفئة الخامسة، إلا من لا يتمتع بالقوة الجسدية والعقلية المناسبة لهذا العمل، فقد منح إجازة مأجورة لثلاثة أشهر.
إعادة الهيكلة هذه تجري في كل وزارات ومؤسسات الدولة، وليس فقط بالقطاع الصحي، وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أمر الموظفين الذين منحوا إجازات، لحين اختيار عمل مناسب لهم.
ويشهد القطاع الصحي هجرة الأطباء السوريين، الأمر الذي أدى إلى نقص كبير في كوادر المشافي، إضافة إلى نقص المستلزمات الطبية، ما أدى إلى توجه المرضى إلى المشافي الخاصة.
وأوضح معتوق أن المستشفيات الحكومية متهالكة، ويشمل ذلك كل شيء، بدءًا من الأجهزة إلى المستهلكات إلى المرافق العامة والأدوية والبينة التحتية، وصولًا للكادر الإداري، وقلة النظافة موجودة سابقًا وحاليًا، والفارق الوحيد أنه قبل سقوط النظام كان ذلك مترافقًا مع فساد أما اليوم لا يوجد فساد.
وأشار إلى أن الوضع الحالي لن يستمر على ما هو عليه، وأي إصلاح جديد سيقاوم من بعض الأشخاص الذين يمتلكون مصالح، ومن اعتاد على العمل المكتبي لسنوات طويلة، سيكون من الصعب عليه العودة إلى عمله الأساسي الذي وظف بناءً عليه.
وأضاف معتوق أن القرار لا رجعة عنه، وتم العمل على إحصائية لعدد المستَخدمين في المستشفيات وإلزامهم بالعمل وفق تعهد، وستفرض عليهم مراقبة ثم ترميم النقص، أي أن المستشفى الذي يحتاج 300 عامل ويوجد فيه 100 فقط سيستقدم عمال له من المشتشفيات التي تملك فائضًا.
والعمال الذين لا يتقبلون أن يعملوا وفق عقودهم، سيخسرون العمل وتفسخ عقودهم، فهذا العمل ليس معيبًا لأنه يكسب من خلال الرزق الحلال، وفق تعبير معتوق.
وحول المدة الزمنية المحددة لمعالجة هذه المشكلة، لفت معتوق إلى أن هذا الأمر متفاوت، ويعود لكفاءة مدير المستشفى وتطبيقه للقرار الوزاري، فبعض المستشفيات نفذت القرار وانعكس ذلك على النظافة بشكل واضح، وهناك صلاحيات كاملة لكل مدراء المستشفيات لترميم النقص.
وحول إبرام عقود مع شركات تنظيف آخرى، أوضح مدير “صحة دمشق” أنه عندما تكون هناك شركات تنظيف حقيقية، كالموجودة في البلدان الأخرى، سيجري التعاقد معها، أما في ظل وجود شركات وهمية فاسدة حاليًا، ليست لديها مقومات، ولا تملك عمالًا يقدمون الخدمات بكفاءة عالية، فلن تكون هناك أي عقود جديدة.
وبالانتقال إلى الموظفين الذين هم بإجازة مدفوعة لمدة ثلاثة أشهر، ذكر معتوق أن لكل مستشفى احتياج معين لها، وذلك وفق المقاييس العالمية، واختارت لجنة من إدارة كل مستشفى العمال بناء على معايير خاصة بها، وبناء عليه وضعت قائمة بأسماء العمال الفائضين عن العمل، وسيجري تقييم أداء المؤسسة خلال هذه الفترة، وعند ظهور خلل سيرمم من القائمة.
وبعد استقرار عمل المؤسسات الصحية وتقييم الأداء وترميم النقص، يوجد حلان للفائض من العمال، الأول استقدامهم من قبل مؤسسات أو مراكز صحية جديدة توضع في الخدمة، والثاني استيعابهم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي تتكفل بإيجاد عمل مناسب لهم.
“لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الموجودين في سوريا”، وفق ما أشار إليه سابقًا معاون القائم بأعمال وزارة الصحة، الدكتور حسين الخطيب، مبررًا ذلك بوجود عدد كبير من المغادرين من سوريا أو العائدين حديثًا.
ووفق ما قاله الخطيب، لعنب بلدي، “بالعموم يوجد نقص بعدد الأطباء في بعض الاختصاصات، وعلى وجه الخصوص اختصاص التخدير والطب الشرعي والطوارئ وطب الأسرة”.
ولتغطية النقص، تعمل الوزارة على فتح باب التعاقد مع الأطباء، الذين يرغبون في العمل مع الوزارة لتعويض هذه الاختصاصات.
بدوره، قال نقيب أطباء سوريا، الدكتور مالك عطوي، لعنب بلدي، إن عدد الأطباء الكلي في سوريا بحدود 45 ألف طبيب، وخارج البلد أكثر من 10 آلاف.
أما الاختصاصات الأكثر نقصًا فهي: التخدير والإنعاش، التشريح المرضي، والطب الشرعي، وتصل نسبة النقص في قسم التخدير لأكثر من 75%، بحسب الدكتور عطوي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى