
عناصر من وزارة الدفاع السورية بمحيط قرية حوش السيد علي غربي حمص - 17 آذار 2025 (أسوشيتد برس)
عناصر من وزارة الدفاع السورية بمحيط قرية حوش السيد علي غربي حمص - 17 آذار 2025 (أسوشيتد برس)
عنب بلدي – موفق الخوجة
سلّطت الاشتباكات التي دارت بين قوات وزارة الدفاع بحكومة دمشق المؤقتة وعناصر مسلحين يرجح انتماؤهم لـ”حزب الله” اللبناني في قرى حوش السيد علي غربي حمص، الأضواء على ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، العالق منذ سنوات.
اندلعت اشتباكات في قرية حوش السيد علي بين الجانبين السوري واللبناني على خلفية مقتل ثلاثة عناصر من الجيش السوري، بعد اختطافهم وتصفيتهم داخل لبنان، في 16 من آذار الحالي.
الرواية اللبنانية اختلفت عن السورية، إذ قال الجيش اللبناني، إن مهربين سوريين قُتلوا على الحدود اللبنانية- السورية، ونُقلت جثثهم إلى الجانب السوري.
من جانبه، نفى “حزب الله” في بيان نقلته قناة “المنار” ضلوعه بالأحداث الدائرة على الحدود السورية- اللبنانية.
في اليوم التالي، تجددت الاشتباكات بعد طرد مقاتلي “حزب الله” من القرية، ثم هدأت بعد ساعات، وتوصّل الجيشان السوري واللبناني إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي 19 من آذار، تحدثت أوساط إعلامية لبنانية عن دخول الجيش اللبناني إلى قرية حوش السيد علي، إذ أعلن عن تسيير دوريات أمنية في المنطقة بتنسيق مع الجانب السوري.
التحركات اللبنانية أثارت التساؤلات حول آلية التنسيق بين الجانبين، وأعادت إلى الواجهة ملف ترسيم الحدود بين الطرفين.
تعتبر قرية حوش السيد علي المتاخمة للقصير بريف حمص وسط سوريا من القرى المتداخلة جغرافيًا وديموغرافيًا على الحدود السورية- اللبنانية.
سكان قرية حوش السيد علي والقرى المحيطة هم خليط من السوريين واللبنانيين، إلا أنها تعتبر جغرافيًا داخل الأراضي السورية، واستخدمت لسنوات طويلة ممرًا لعمليات تهريب من وإلى لبنان من خلال معابر غير شرعية.
كما استخدمها “حزب الله” ممرًا له بين سوريا ولبنان، حتى قصفها الطيران الإسرائيلي عدة مرات، بعد حربها على غزة في 7 من تشرين الأول 2023.
وتعتبر المنطقة حاضنة له، والعديد من سكانها يوالون أو يتبعون للحزب.
وتقع القرية ضمن قضاء الهرمل شرقي لبنان، التي تضم 32 بلدة لبنانية، وتتعامل الأوساط اللبنانية مع حوش السيد علي كواحدة من البلدات اللبنانية.
الباحث في مركز “حرمون للدراسات” نوار شعبان، يعتقد أن ترسيم الحدود مع الطرف اللبناني ضرورة أساسية ولكن ليست الأولوية، بسبب وجود إشكاليات أمنية لدى الطرفين.
ووفق حديث شعبان لعنب بلدي، فإن الأولوية لدى الجانبين، قبل البدء بالحديث بترسيم الحدود، هي تثبيت الاتفاق بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية لتأمين المنطقة، ومن ثم يتم الاتفاق على ترسيمها.
من جانبه، قال العقيد في وزارة الدفاع بحكومة دمشق المؤقتة عبد المنعم ضاهر، في تصريح سابق لعنب بلدي، إن مسؤول الارتباط في الجيش السوري نسّق وتواصل مع نظيره اللبناني لانسحاب الطرفين من قرية حوش السيد علي على الحدود مع لبنان.
واتفق الطرفان، وفق ضاهر، على ضمان عودة المدنيين إلى القرية دون وجود عسكري داخل المدينة، مع تمركزهما خارج حدود حوش السيد علي.
جريدة “المدن” اللبنانية قالت إن اجتماعًا عسكريًا جرى بين الجانبين السوري واللبناني وعرض فيه الأخير وثائق تثبت لبنانية القرية، وبعد أخذ ورد، أقر الجانب السوري واستمهل الجانب اللبناني 24 ساعة للخروج من البلدة.
تواصلت عنب بلدي مع وزارة الدفاع للاستفسار حول ما أوردته “المدن”، ولم تتلقَّ ردًا حتى لحظة تحرير التقرير.
مسؤول العلاقات الصحفية بمديرية الإعلام في حمص، عبد الرحمن جوخدار، وهو المسؤول عن التواصل بين وسائل الإعلام وممثلي الحكومة في المنطقة، أشار في رد مقتضب لعنب بلدي إلى أنه “لا توجد مشكلة ترسيم حدود بين الجانبين”.
من جانبه، قال الباحث في مركز “حرمون” نوار شعبان، إن ترسيم الحدود هو أمر بديهي بين أي دولتين لحفظ الأمن، ولكن في الحالة التي نتكلم عنها، هي جغرافيا غابت عنها الحدود لسنين سبقت الثورة السورية.
وأضاف أن ملف ترسيم الحدود مصلحة أساسية ولكن يعوقه الوضع الأمني، لذلك يجب الانتهاء من هذه المعضلة، التي لا يمكن التعامل معها على مبدأ رد الفعل، وهذا يؤدي إلى استنزاف للمؤسسة العسكرية السورية، وفق شعبان.
توجد عشرات النقاط على طول الحدود السورية- اللبنانية، البالغ طولها نحو 375 كيلومترًا، والمتداخلة بينها ضمن الأراضي السورية واللبنانية، الكثير من هذه النقاط في محافظة حمص، وفي القصير تحديدًا.
ولطالما استخدمت هذه المناطق المتداخلة في عمليات التهريب بين الجانبين، إذ تسكنها عشائر لبنانية من المكون الشيعي، وكانت خارج سلطة النظام السوري السابق وترتبط هذه العشائر بقرابة مع السكان السوريين.
كما ترتبط هذه العشائر أيضًا بـ”حزب الله” بناء على ولاءات طائفية، واستخدمت مناطقها لإنشاء معابر غير شرعية وسميت بأسماء هذه العشائر، سعت الدولة اللبنانية إلى إغلاقها مرارًا.
كما توجد بعض النقاط اللبنانية داخل الأراضي السورية في منطقة القلمون جنوبي سوريا مع عرسال اللبنانية مثل قرية الطفيل اللبنانية التي تقع ضمن الجغرافيا السورية، والتي استخدمها أيضًا “حزب الله”، منطقة عسكرية وانطلق منها نحو الأراضي السورية، لحربه ضد فصائل المعارضة إلى جانب النظام السابق.
ولطالما طالب لبنان عبر سنوات طويلة النظام السابق بترسيم الحدود، إلا أن الأخير كان يماطل، ويتهرب أحيانًا.
الجدل الحاصل بين لبنان وسوريا حول الحدود المشتركة وبعض النقاط المختلف عليها قديم، يعود جذره بشكل أساسي إلى قضية مزارع شبعا المختلف عليها لبنانيًا وسوريًا والتي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
الخلاف دفع مجلس الأمن إلى إصدار القرار “1680” الذي جاء مكملًا لقرار أممي سابق، حمل الرقم “1559” والقاضي بانسحاب كل القوى الأجنبية غير اللبنانية من لبنان، وحل سلاح الميليشيات، في إشارة إلى “حزب الله”.
الاشتباكات التي جرت في حوش السيد علي نشطت النقاش حول العودة إلى القرار “1680”، الذي يطالب في نصوصه بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان.
من جانب آخر، أشار القانوني اللبناني الدكتور طارق شندب إلى أن الاشتباكات التي جرت مؤخرًا تدخل ضمن المناطق السورية التي تم طرد “حزب الله” منها، والتي استولى عليها بعض العشائر لفترة من الزمن وبقوة الأمر الواقع، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية وقوى الأمن التابع لها أعادت المنطقة التي كانت معقلًا لصناعة وتجارة المخدرات.
واعتبر في حديثه لعنب لبلدي، أن الحدود واضحة بين البلدين، ولم يتكلم أحد عن هذا الموضوع، ولكن هي تبريرات للموقف من بعض الجهات، موضحًا أن مسألة ترسيم الحدود يمكن أن تتم عبر اتفاقيات ثنائية أو تدخل من الأمم المتحدة، ويرجح أن هناك اتفاقًا بين الجانبين ينهي هذا الأمر.
قرار مجلس الأمن “1680”
يشجع بشدة حكومة سـوريا علـى الاسـتجابة بـشكل إيجـابي للطلـب الـذي قدمته حكومة لبنان تماشيًا مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الحوار الوطني اللبناني، بتحديد حدودهما المشتركة، وخاصة في المناطق التي تعتبر فيهـا الحدود غير مؤكدة أو محل نزاع، وإقامة علاقات وتمثيل دبلوماسي كاملين.
ويلاحظ أن من شأن هذه التدابير أن تشكل خطوة مهمة نحو تأكيد سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي وتحسين العلاقات بين البلدين، مما يسهم بشكل إيجابي في تحقيـق الاستقرار بالمنطقة، ويحث الطرفين على بذل الجهود من خلال مزيد مـن الحوار الثنائي سعيًا لبلوغ تلك الغاية، على أن يوضع في الاعتبار أن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول وإنشاء بعثات دبلوماسية دائمة أمران يحدثان بالاتفاق المتبادل.
صدر عن مجلس الأمن في 17 من أيار 2006
القانوني اللبناني شندب، قال إن القرار “1680” يتحدث عن نزع السلاح لأنه يستند إلى القرار “1559”، لافتًا إلى أن قرارات الأمم المتحدة تكون متعلقة بالقرارات التي تسبقها، وهو في صلبه يتحدث عن تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا وموضوع السيادة.
وأضاف أن موضوع السيادة يتعلق بترسيم الحدود الذي كان مطروحًا سابقًا وارتبط حينها بمزارع شبعا، الذي كان النظام السوري السابق يعتبرها ضمن الأراضي السورية، ولم يكن يتعلق بمنطقة البقاع.
وكانت حينها، وفق شندب، كنوع من “المماحكة” بين النظام السوري وإسرائيل.
ولفت إلى أن “1680” تحدث حينها عن منع إدخال السلاح إلى الميليشيات في لبنان من قبل الدولة السورية، إذ إن القرار يحل الإشكالية بشكل جذري، مشيرًا إلى وجود عناصر “حزب الله” في تلك المنطقة.
تواصلت الإدارة السورية الجديدة، منذ تسلمها بعد سقوط النظام السابق، مع نظيرتها اللبنانية وتحدثتا بمسألة الحدود في أكثر من مناسبة.
وفي الاتصال الأول بين الجانبين، تحدث الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق، نجيب ميقاتي، عن ضرورة ضبط أمن الحدود بين لبنان وسوريا.
وجاء ذلك باتصال هاتفي، عقب توتر شهدته الحدود بين سوريا ولبنان، أوائل كانون الثاني الماضي، على خلفية تبادل للاشتباكات على الجانبين السوري واللبناني في منطقة سرغايا وبلدة معربون في لبنان.
كما ناقش الرئيس السوري، الشرع، ونظيره اللبناني، جوزيف عون، مسألة ضبط الحدود، خلال لقائهما في مؤتمر “القمة العربية الطارئ” الذي عقد في 5 من آذار الحالي.
ومنذ بداية سيطرتها على مفاصل الحكم في سوريا، تحاول الإدارة السورية ضبط حدودها مع لبنان، في محاولة لإنهاء ملف تهريب المخدرات الذي كان سائدًا في عهد الرئيس المخلوع، بشار الأسد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى