“الأعمال العدائية” تُستأنف مجددًا عقب توقفٍ خجول

  • 2016/04/17
  • 2:18 ص

مسجد الإيمان في بلدة النشابية في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، عقب تعرضها لغارات من طيران النظام، الثلاثاء 13 نيسان( AFP)

عبادة كوجان- عنب بلدي

لم تدم اتفاقية الهدنة الروسيةالأمريكية في سوريا طويلًا، رغم عقد الآمال عليها من السوريين على جانبي الصراع، فكان الحديث يوم تطبيقها عن بدء السعي لحلول عملية حقيقية، تنهي مسيرة خمس سنوات من القتل والتهجير، لتتكشف رويدًاعوراتهذا الاتفاق، فلا النظام وحلفاؤه مؤهلين لخوض العملية السياسة، ولا نية للأمم المتحدة والدول النافذة لإيقافشلال الدم“.

في المقابل، سعت بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة، وغير المشمولة بالاتفاق أصلًا، إلى استثمار التهدئة عسكريًا، لتحشد طاقاتها وتخلق ظروفًا لمواجهات جديدة ضد النظام وحلفائه، حاولت من خلالها تعزيز وجودها في مناطق ستكون القبلة المحتملة لأي تصعيد يلي انهيار الهدنة.

اختلف السوريون والمعنيون بالقرار الروسي- الأمريكي على مسمى الاتفاق بين الطرفين أواخر شباط الماضي، فأطلق عليه “وقف أعمال عدائية” على المستويين الإعلامي والسياسي، في حين اعتبره العسكر “استراحة محارب”، بينما نظر إليه منكوبو الصراع على أنه “هدنة مؤقتة” تقيهم شر الحرب المعقدة.

ورغم أن “التهدئة” عادت على السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالأمان النسبي خلال نحو أسبوعين من سريانها، ولا سيما في ست مناطق سورية رئيسية (درعا، دمشق، حمص، حماة، إدلب، حلب)، إلا أن الخروقات المتكررة والمتصاعدة منذ اليوم الأول حملت في طياتها تهديدًا جديًا بانهيارها المفاجئ في أي لحظة.

قوات الأسد والميليشيات الرديفة، كانت الفاعل الأكبر في تنفيذ الخروقات، التي أتت تصاعدية بشكل مدروس، فاستثمرت الأيام الأولى بتمهيد مدفعي متقطع على بعض ضواحي العاصمة دمشق، كالغوطة الشرقية والغربية، ليتطور أداؤها إلى غارات على مناطق تشهد وجودًا لجبهة النصرة (غير المشمولة بالاتفاق)، ولا سيما في ريف إدلب الغربي، رافقها محاولات تقدم في الغوطة الشرقية وجنوب حلب، اعتبرها محللون عسكريون أنها “جسّ نبض” للفصائل هناك.

وتطورت الخروقات منذ منتصف آذار الماضي، لتصبح عصية على الرصد والإحصاء، فدخل ريف حمص الشمالي في دائرة القصف المركز، إلى جانب معارك ومواجهات عنيفة كان جنوب حلب وشمال اللاذقية مسرحًا لها. وتقول فصائل المعارضة إنها أطلقت معاركها هناك ردًا على الخروقات المتكررة، في حين رآها البعض أنها خطة مدروسة من جبهة النصرة وبعض الفصائل “الجهادية” لإيقاف العمل باتفاق “التهدئة” وإرغام فصائل الجيش الحر على العودة إلى ساحات المعارك.

خلال نيسان الحالي، توسعت دائرة المواجهات والغارات وكأن اتفاقًا لم يكن، فمعظم الساسة والعسكر يرون أن المواجهات المندلعة شمال وجنوب حلب، ما هي إلا بداية لمعركة كبرى ستشهدها المحافظة الشمالية، كما أن المعارك عادت إلى أرياف حماة وحمص، مترافقة بغارات جوية وقصف متكرر ألقى بظلاله على مدينتي حلب ودوما أيضًا. ورغم إقرار الدول المعنية والأمم المتحدة بسريان الاتفاق حتى اليوم، إلا أنه بات فعليًا حبرًا على ورق.

رياءدولي وتجاهل لانهيار الاتفاق

لم تكن عبثية تصريحات رئيس حكومة النظام، وائل الحلقي، حين أقرّ لوسائل إعلام روسية قبل أسبوع، بالتحضير لعملية عسكرية مشتركة بين النظام وموسكو بهدف “استعادة حلب”، لكنها بدت غير متناغمة مع الإعلام الروسي الرسمي، والذي بادر على عجالة لنفي هذه “التسريبات”، كيلا تستثمرها الولايات المتحدة لصالحها، وتلقي باللائمة على الكرملين بانهيار “الهدنة”.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن الحلقي قوله “نحن مع شركائنا الروس نحضر لعملية لتحرير حلب، والتصدي لكل الجماعات المسلحة غير القانونية، التي لم تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار أو تخرقه”، ليؤكد عضو المجلس الأعلى بالبرلمان الروسي، ديمتري سابلين حديث الحلقي بالقول “الطيران الروسي سيدعم عملية الهجوم البري للجيش السوري”، قبل نفي “الكرملين” ما سبق.

التحضيرات الإيرانية لمعركة حلب، وزجها صراحة بفرقة “كوماندوس” من الجيش الإيراني (اللواء 65) مؤخرًا، إلى جانب السعي مجددًا للتمدد جنوب المحافظة بغطاء جوي روسي، وبدء العملية البرية في منطقة حندرات قبل أيام، يعني انهيارًا صريحًا لـ “وقف الأعمال العدائية” في ثاني كبرى المحافظات السورية، وقوبل بتصريحات أمريكية لا ترقى لمرتبة الإدانة.

وقال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إن هناك “حاجة ماسة” لأن يتوقف النظام السوري عن انتهاك وقف إطلاق النار في سوريا، داعيًا في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الجمعة 15 نيسان، إلى إلزام الأسد بوقف “الأعمال القتالية”، وأن بلاده ستعمل مع المعارضة لتتصرف بالمثل. لتتزامن هذه المواقف مع تصريح أكثر وضوحًا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية، حين أكد أن هناك “مخاوف كبيرة حيال التهديدات المتواصلة لوقف الأعمال القتالية في سوريا، والحاجة الملحة إلى أن يوقف الأسد انتهاكاته لوقف إطلاق النار”.

موسكو، ألقت مجددًا باللائمة على فصائل المعارضة واتهمتهم بالسعي إلى “تقويض الهدنة”، وجاء ذلك على لسان عدد من مسؤوليها في مناسبات عدة خلال الشهر الحالي، واتهمت وزارة الدفاع الروسية، 13 نيسان الجاري، جبهة النصرة وحركة أحرار الشام باستهداف مواقع لقوات الأسد في حلب وحمص واللاذقية، متجاهلة بشكل كامل الحشودات العسكرية لحليفها جنوب وشمال حلب، ومحاولته المتكررة اقتحام منطقة المرج في الغوطة الشرقية، إلى جانب غارات استهدفت مؤخرًا أحياءً مكتظة بالمدنيين في أحياء حلب “المحررة”.

من جهتها غرّدت الأمم المتحدة خارج السرب، مشيدة باستمرار “التهدئة” ونجاحها، رغم بعض الخروقات، وقال المتحدث الرسمي باسمها، فرحان حق، إن “الهدنة، ورغم الخروقات في بعض المدن السورية، ماتزال صامدة”، وتزامنت تصريحات حق، الثلاثاء 13 نيسان، مع إشادة مجلس الأمن الدولي بالاتفاق، وتسهيله دخول القوافل الإغاثية إلى المدن والبلدات المحاصرة.

المدير الإقليمي لبرنامج “الغذاء العالمي”، التابع للأمم المتحدة، ماثيو هولينجوورث، أعرب عن أمله في استمرار اتفاق وقف إطلاق النار “الهش”، لأنه “أعطى الناس أكثر بكثير من مجرد التمكن من التسوق والحصول على المساعدة.. منحهم الأمل”، محذرًا أنه في حال فشل وقف إطلاق النار “سيكون علينا البحث عن طرق أخرى للوصول إلى الناس، ولكن ذلك سيكون أصعب وأصعب للتفاوض”.

على عينك يا تاجر

لم يدخل الغذاء حتى اللحظة إلى داريا المحاصرة، غرب دمشق، رغم هدوء جبهاتها وتوقف القصف عليها، ورغم مناشدات أطفالها ونسائها ومجلسها المحلي، كذلك فإن حي الوعر في مدينة حمص يشهد إخفاقًا للهدنة المتفق عليها مطلع العام الجاري، ليرزح مجددًا تحت الحصار، بينما تبدو الأوضاع أكثر سوداوية في سهل الزبداني، حيث يجرّف حزب الله الأراضي الزراعية ويفجّر المنازل الخاوية، لتأسيس قاعدة عسكرية هناك، في وقت يستمر الموت تحت وطأة الجوع في مضايا المجاورة.

التهجير الذي طال العرب والتركمان في ريف اللاذقية الشمالي، استمر خلال “الهدنة” أيضًا، وآلاف المدنيين في أحياء دير الزور المحاصرة من قبل تنظيم “الدولة”  مازالوا ينتظرون مظلات الـ UN التي ضلّت طريقها إليهم أكثر من مرة.

ومايزال المجتمع الدولي يدّعي سريان “وقف الأعمال العدائية” في سوريا، ويتفاخر بوصول المساعدات الإغاثية إلى المناطق المحاصرة، ويتغنى بفرضيات “الحل السلمي” من بوابة جنيف، في وقت يتهيأ فيه الأسد لإلقاء كلمة مرتقبة أمام أعضاء برلمانه الجديد في دمشق، ويحشد مع حلفائه لمعركة كبرى على أبواب حلب، كل ذلك “على عينك يا تاجر”.

أرقام وإحصائيات:

  • لقي 623 مدنيًا مصرعهم خلال آذار 2016، 382 مدنيًا قضوا على يد قوات الأسد، بينهم 74 طفلًا و48 سيدة، في حين قتل الطيران الروسي 13 مدنيًا في الفترة ذاتها، بينهم ثلاث سيدات وطفل.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان

  • سجّل نحو 900 خرق لاتفاق “وقف الأعمال العدائية”، خلال الفترة الممتدة بين 27 شباط- 25 آذار 2016، شملت الأعمال القتالية والاعتقالات وعمليات إعاقة دخول المساعدات في تسع محافظات سورية، نفذّت معظمها قوات الأسد والطيران الروسي.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان

  • تعرض 517 مواطنًا سوريًا للاعتقال خلال آذار الماضي، 447 شخصًا اعتقلتهم قوات الأسد والأجهزة الأمنية التابعة للنظام، والآخرون اعتقلوا من قبل وحدات حماية الشعب (الكردية)، وتنظيم “الدولة”، وباقي فصائل المعارضة.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان

مقالات متعلقة

سياسة

المزيد من سياسة