مر نحو أسبوعين على هجمات فلول النظام السابق التي استهدفت عناصر “إدارة الأمن العام” ووزارة الدفاع، ما تسبب بموجة عنف في الساحل السوري.
ورغم إعلان وزارة الدفاع نهاية عملياتها العسكرية، فإن الكمائن وهجمات الفلول لم تتوقف وسط تراجع حدتها نتيجة الاستنفار والعمليات الأمنية.
الهجمات على القوى الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السورية ليست وليدة أحداث الساحل التي بلغت ذروتها بين 6 و8 من آذار الحالي، لكن هجوم 6 من آذار كان الأوسع والأشمل.
وبعد أيام من سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، بدأت دوريات ومجموعات “إدارة الأمن العام” بالتعرض لهجمات وكمائن في مناطق الساحل وريفي حمص وحماة.
هل من هجمات كبيرة
تساعد الطبيعة الوعرة في المنطقة فلول النظام في تنفيذ هذه الهجمات، حيث توجد جبال ووديان وكهوف يمكن الاختباء بها وإخفاء الأسلحة، إلى جانب الأشجار التي توفر غطاء طبيعيًا لتحركاتهم.
وأوضح الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان أن هجمات الساحل ستستمر وتتكرر في الفترة المقبلة لكنها لن تكون بنفس حجم هجوم 6 من آذار، الذي كان مخططًا لتحقيق مكاسب، وهو ما فشل به.
وأضاف شعبان لعنب بلدي أن ملف الساحل ما زال مفتوحًا، وصد الهجوم لا يعني أنه نهاية الخطر بشكل أساسي، “على العكس، يمكن أن يتحول الأمر إلى هجمات عشوائية مستنزفة هنا وهناك”، وهذه الهجمات منهكة للقوات الحكومية خاصة إذا حدث هجمات متزامنة عبر الحدود اللبنانية أو في مناطق أخرى.
وطالما أن الخطر قائم يجب التعامل معه من ناحية الأمنية وتستمر الملاحقات، وفق شعبان.
ذئاب منفردة
تلجأ التنظيمات المسلحة بمختلف إيديولوجياتها إلى توجيه ضربات عسكرية ضد خصومها، عبر مجموعات صغيرة لا يزيد عددها عن خمسة عناصر، وباستخدام أسلحة خفيفة وعبوات ناسفة، هذه الخلايا يطلق عليها مصطلح “الذئاب المنفردة”.
برعت في هذه العمليات خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، ونجحت في توجيه ضربات خاطفة في عمق مناطق سيطرة خصومه سواء في سوريا أو العراق.
ويرى شعبان، أن خيار تحول فلول النظام إلى تنفيذ هجمات ذئاب منفردة أو خلايا نائمة هو المتاح حاليًا، والضربات التي ينفذها عناصر الفلول حاليًا عبر نصب كمائن على الطرق وقرب الجسور والفرار بسرعة يؤكد أنهم انتقلوا إلى مرحلة أخرى.
اقرأ أيضًا: ما خطر اختفاء ضباط النظام السابق في سوريا
بداية الهجمات
الهجمات على القوى الأمنية والعسكرية من قبل فلول النظام السابق بدأت بعد أيام من سقوط نظام الأسد، ووصلت إلى مرحلة أسر عناصر من “إدارة الأمن العام”.
في 14 من كانون الأول 2024، أي بعد ستة أيام فقط من سقوط النظام، قتل ثلاثة عناصر من “إدارة العمليات العسكرية” وأصيب آخرون بكمين مسلح بريف اللاذقية.
وقتل 14 عنصرًا من وزارة الداخلية وأصيب 10 آخرون، إثر تعرضهم لكمين من قبل فلول النظام السابق في قرية خربة معيزة بريف طرطوس، في 26 من كانون الأول 2024.
وأسرت مجموعة مسلحة تابعة لفلول النظام السابق سبعة عناصر من “إدارة الأمن العام” خلال تنفيذ حملة أمنية في جبلة، بتاريخ 14 من كانون الثاني الماضي.
حينها استنفرت الإدارة القوات الأمنية والعسكرية واستخدمت الطيران المسير والمروحي في ملاحقة الفلول، واستطاعت تحرير عناصرها وقتل قائد في مجموعات فلول النظام، وهو بسام حسام الدين قائد ميليشيا “أسود الجبل”.
هجمات الفلول مستمرة لكن وتيرتها تراجعت بعد أحداث الساحل الأخيرة، وما رافقها من حملات أمنية.
ولتقليل من خطر هذه الهجمات، يجب على الإدارة العسكرية والأمنية في حكومة دمشق، اتباع عدة إجراءات وفق شعبان هي:
- تعزيز القوة الاستخباراتية لجلب المعلومات.
- تعزيز التواصل مع وجهاء المناطق.
- الاستمرار بالحملات الأمنية ومحاولة تحييد الحاضنة الشعبية بشكل أساسي، لأن الفلول سيعتمدون على زج الطائفية وتصعيد المشهد الطائفي في المنطقة وهي إحدى أدواتهم حاليًا.
هجوم الساحل
في 6 من آذار، هاجمت مجموعات من فلول النظام السابق نقاطًا وحواجز لـ”إدارة الأمن العام” وقطعًا عسكرية تتبع لوزارة الدفاع، ولم تسلم المستشفيات وحتى سيارات المدنيين من هذا الهجوم.
حوصر خلال الهجمات عناصر من وزارة الدفاع و”إدارة الأمن العام” وسقط العشرات منهم إلى جانب مقتل مدنيين، وقوبل ذلك بإرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لإيقاف الهجوم وفك الحصار، ورافق التعزيزات توجه مجموعات عسكرية إلى المنطقة دون تنسيق واضح مع وزارة الدفاع أو الأمن العام.
الاشتباكات احتدت بين الطرفين، واستطاعت أخيرًا القوات الحكومية السيطرة على الموقف، لكن أدت العمليات العسكرية إلى مقتل مدنيين.
الرئيس الشرع حمّل فلول النظام السابق من “الفرقة الرابعة” التي كان يقودها ماهر الأسد، ودولة أجنبية متحالفة معهم (لم يسمِّها)، مسؤولية سفك الدماء في الساحل السوري، لإثارة الاضطرابات وخلق فتنة طائفية، مع الإقرار بحدوث عمليات انتقام تلت ذلك.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت مقتل 803 أشخاص في الفترة ما بين 6 و10 من آذار، في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
وسجلت الشبكة مقتل 172 عنصرًا على الأقل من القوات الأمنية والشرطية والعسكرية (قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع)، و211 مدنيًا بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد، والتي هاجمت أيضًا ستة مستشفيات في طرطوس واللاذقية.
كما وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصًا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح على يد القوى المسلحة المشاركة في العمليات العسكرية (الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة التي تتبع شكليًا لوزارة الدفاع).
الرئيس الشرع شكل في 9 من آذار لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق، مهامها الكشف عن الفاعلين في عمليات قتل المدنيين خلال العمليات العسكرية، إلى جانب مهام أخرى، لكن هذه اللجنة من المتوقع أن تواجه عوائق في عملها.
اقرأ أيضًا: لجنة التحقيق بأحداث الساحل تواجه تحديات الوقت وحماية الأدلة