بهار ديرك – الحسكة
“أحاول في بعض الأحيان تجنبها، ولكني أشعر بخمول مع صداع في الرأس وفقدان شهية“، يقول الشاب سيروان محمود، وهو واحد ممن أدمنوا على تناول عقار “الديكلون” في محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، ويقطن في مدينة القامشلي.
وثقت في الآونة الأخيرة في محافظة الحسكة حالات إدمان عديدة بين الرجال والنساء على بعض العقاقير الدوائية والمسكنات ذات المنشأ العصبي، رغم قرار من مديرية صحة النظام بمنع بيع الأدوية دون وصفة طبية.
ويأتي “الديكلون” (مضاد التهاب غير ستيروئيدي، يعمل على مكافحة الالتهابات وتسكين الآلام ويستخدم كخافض للحرارة)، على رأس العقاقير، إضافة إلى “التوغريتول”(يستخدم كمضاد للاختلاجات العصبية نوبات الصرع)، و”الليكسوتان”(مهدئ ومضاد للأرق).
الإدمان على “الديكلون“
ويضيف محمود في حديثه لعنب بلدي، أنه يتناول بشكل مفرط عقار “الديكلون”، إذ يتعاطى جرعة كل يومين بدون وصفة طبية ودون معاناته من آلام في جسمه.
أما مطيع الشهابي من القامشلي، فيشتري بشكل مستمر من الصيدليات علبة تحتوي على 100 أمبولة ديكلون، وأوضح لعنب بلدي “أفرغ أمبولة كل 12 ساعة وأشربها لأني لا أجد من يعطيني الإبرة في العضل”، مردفًا “يتعاطى مجموعة من رفاقي الدواء ذاته”.
روني مدحت، الشاب الثلاثيني من ريف الحسكة، قال لعنب بلدي إنه أصيب بداء الشقيقة (اضطراب عصبي مزمن يسبب ألمًا شديدًا في الرأس) منذ ستة أشهر، مشيرًا إلى أنه راجع طبيب الأمراض العصبية ووصف له كبسولات “دوميكون 7.5ملغ “.
ترك مدحت العلاج بعد تماثله للشفاء، ولكنه عاود تناوله بعد مروره بحالة اكتئاب وضغط نفسي غير مسبوق على حد وصفه، مردفًا “أتناول حاليًا الدواء ذاته بشكل يومي، ولأني لم أعد أستطيع الاستغناء عنه آخذ حبة كل صباح”.
ولم يقتصر الإدمان على الشباب، إذ تتناول الشابة الثلاثينية، نجوى حامد، حبوب “الليكسوتان” بدون وصفة طبية، واعتبرت حامد في حديثها لعنب بلدي أن العقار “يساعد في حالات الغضب والخوف والقلق”، مشيرةً إلى أنها تعاني من رعشة في الجسم وقلة تركيز وأحيانًا تفقد وعيها إذا لم تتناول العقار.
صحة النظام ترصد حالات إدمان
عنب بلدي تحدثت إلى العاملة في مكتب قبول المرضى بمشفى القامشلي الوطني، هيام رمضان، وأوضحت أن مديرية صحة الحسكة سجلت خلال الشهرين الماضين نحو 891 حالة إدمان لعقار “الديكلون”، كما أنها رصدت 564 حالة أخرى لإدمان على أدوية أخرى، مشيرةً إلى أن من بينهم 123 أنثى.
واعتمدت المديرية في رصدها على تقارير الأطباء والصيادلة في الحسكة، بحسب رمضان، التي أكدت “هناك أربع حالات في المشفى الوطني حاليًا يتلقون العلاج نتيجة الإفراط في تناول الديكلون، أحدهم خضع لعملية جراحية في المعدة مؤخرًا”.
مديرية الصحة تحاول الحد من الحالات
مديرية صحة الحسكة عممت قرارًا مطلع العام الحالي، منعت بموجبه بيع الأدوية لأي شخص بدون وصفة طبية مختومة من الطبيب، تحت طائلة المساءلة القانونية.
وأوضح المسؤول عن الرقابة الدوائية في المديرية، ماهر عبدالله، لعنب بلدي، أن “مدير الصحة محمد رشاد خلف، عمم القرار في محاولة منع مضاعفات الإفراط في تناول المسكنات”.
الصيدلانية مايا يعقوب، قالت إن 90% من الصيدليات في الحسكة وريفها، لا يلتزمون بالبيع على الوصفة الطبية، “بل يبيعون الدواء للمواطنين كسلعة تموينية”، مشيرةً أن ”عدم الالتزام بشرف المهنة، سبب في إدمان المرضى على المسكنات الدوائية”.
ويراجع المواطنون يوميًا صيدلية يعقوب، وقالت إنهم “يطلبون أدوية أعلم أن الإفراط بتناولها يضر بالصحة لذلك أرفض بيعها بدون وصفة على خلاف بقية زملائي الذين ضربوا بشرف الطب وقسم أبوقراط عرض الحائط”.
وأكدت الصيدلانية أن تقارير صحة النظام “غير صحيحة”، لافتةً إلى أنها تتابع الوضع وتقدر خطورته، “استمرار الوضع الحالي ينذر بخطر كبير وقد يودي بحياة المئات سنويًا”.
آثار سلبية ترافق تناول العقاقير
الاختصاصي بالأمراض الهضمية، الدكتور كوفان أحمد، اعتبر في حديثه لعنب بلدي أن “قرار مديرية صحة النظام لا يقدم في الموضوع ولا يؤخر، بسبب غياب الرقابة على الصيادلة و خضوع الحسكة لسلطة أطراف عسكرية متعددة”.
وأوضح أحمد أن تناول الإنسان بكثرة لعقار الديكلون، ينجم عنه نزيف في المعدة و ارتفاع الكرياتين كما أنه يؤثر على الكبد ويزيد من الخمائر، مشيرًا إلى أن “أغلب المدمنين عليه يصعب تجاوز مشكلتهم، لأن أذياته تبقى مرافقه للإنسان طول عمره”.
ويرى أهالي الحسكة أن محافظتهم إضافة إلى أنها تعتبر من المحافظات النائية في سوريا، فهي خرجت عن الخدمة الصحية عقب الثورة، ما سبب تفاقمًا ملحوظًا وانتشارًا للأمراض الوبائية، الأمر الذي أثر على الرقابة الصحية والدوائية، وما زاد الطين بلة هجرة الكوادر الطبية خارج البلاد.