سوريا.. مواطنون يبيعون المدخرات لشراء البقاء

  • 2025/03/18
  • 11:14 ص
يقتصد الزبائن في شراء احتياجاتهم بسبب عدم قدرتهم لشراء الكميات التي يحتاجونها - 26 شباط 2025 (عنب بلدي)

يقتصد الزبائن في شراء احتياجاتهم بسبب عدم قدرتهم لشراء الكميات التي يحتاجونها - 26 شباط 2025 (عنب بلدي)

يلجأ الكثير من السوريين إلى بيع مدخراتهم من الدولار والذهب أو السيارات والبيوت، لتغطية نفقات كالغذاء والدواء ومستلزمات الأطفال والعائلة، بالتزامن مع تفشّي معدلات البطالة وفقدان العديد منهم مصدر دخله.

ووفق بيانات صادرة عن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي“، فإن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة عاطل عن العمل.

وأضاف البرنامج أن كل ثلاثة من كل أربعة أشخاص، يعتمدون على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية للصحة والتعليم وفقر الدخل والبطالة وانعدام الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والطاقة والإسكان.

بسب الفقر والحاجة

تذبذب دخل المواطن السوري، اليوم، دفع عدة عائلات إلى بيع أثاث منزلها، هذا ما قالته “أم أحمد”، لعنب بلدي، وهي سيدة أربعينية تقطن في حي التضامن بدمشق، إذ عرضت عبر مجموعة مخصصة لبيع الأدوات المستعملة صورًا لأثاث من منزلها بسعر زهيد يناسب الجميع.

واشتمل الأثاث على غاز أرضي وسرير خشبي لأحد أطفالها وغسالة نصف أوتوماتيك، معبّرة عن حزنها للإقدام على هذه الخطوة، لكن سوء الأحوال المادية والفقر وفقدان زوجها العمل دفعها لذلك.

كانت “أم أحمد” تعمل في شركة خاصة في قسم “التنظيف”، وبسبب سياسة الشركة في تقليص عدد الموظفين خسرت عملها، وهي أم لأربعة أطفال.

وبدوره حذر الباحث الاقتصادي محمد السلوم، من أن وصول الأزمة إلى مرحلة بيع الأثاث المنزلي، يعكس فقدان الأمل في تحسن الظروف الاقتصادية، إذ يبيع الناس كل ما يمكن بيعه لمجرد الاستمرار، وهذا مؤشر خطير على دخول المجتمع في مرحلة الفقر المدقع.

وحسب السلوم، يترتب على الأمر تداعيات اجتماعية مثل تفكك الأسر، وانتشار الجريمة، والاعتماد المتزايد على المساعدات والقروض ذات الفوائد المرتفعة، مما يخلق حلقة مفرغة من الفقر والديون.

تصريف الدولار

قلة فرص العمل، أجبرت العوائل المتعففة على تصريف مدخراتها في الوقت الذي ترتفع معدلات التضخم الاقتصادي بشكل كبير، في ظل تأرجح قيمة الليرة السورية أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية.

زينة طالبة جامعية كانت تعمل في شركة خاصة تتقاضى فيها راتبًا قدره 250 دولارًا، تساعد بـ 100 منه عائلتها المكونة من خمسة أفراد، اثنان منهم صغيران، أما الـ 100 الأخرى تشتري به ما تحتاج،

في حين كانت توفر 25 دولارًا أو 50 حسب استطاعتها كل شهر، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

لكن مع سقوط النظام، قرر أصحاب الشركة إغلاقها، ما أجبرها على بيع ما ادخرته خلال سنتين بسبب الحاجة لدفع إيجار البيت، في الوقت الذي جرى فيه أيضًا تخفيض راتب والدها في القطاع الخاص إلى النصف.

بدوره، خالد من سكان محافظة إدلب، قال إنه حصل على عمل في دمشق بعد شهرين من الانقطاع.

تمكن خالد من ادخار 800 دولار من عمله السابق، وبسبب قدومه إلى محافظة دمشق واحتياجه لتأمين إيجار السكن، وإعانته لعائلته في إدلب اضطر لتصريف 500 منها حتى الآن.

مدخرات تحولت إلى لقمة العيش

يرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم أن الوضع الحالي يعكس حالة تفكك اقتصادي واجتماعي خطيرة، إذ أصبحت المدخرات والممتلكات وسيلة وحيدة للبقاء بدلًا من أن تكون ضمانًا للمستقبل.

وقال إن هذه الظاهرة تنشأ عادة في بيئات الركود التضخمي، حيث ترتفع الأسعار بشكل كبير بينما تتآكل القدرة الشرائية للأسر، ما يدفع الأفراد إلى تسييل الأصول مثل الذهب، والعملات الأجنبية، والأراضي، وحتى المنازل، لتغطية النفقات الأساسية كالغذاء، والتعليم، والرعاية الصحية.

وأشار الباحث إلى أن الأزمة لم تعد تقتصر على الفقراء، بل امتدت إلى الطبقة المتوسطة التي كانت تعتمد على مدخراتها كشبكة أمان مالي، ومع استمرار استنزاف هذه المدخرات، تتقلص الطبقة الوسطى تدريجيًا، ما يؤدي إلى ازدياد معدلات الفقر المدقع.

أمان المستقبل يُباع بأبخس الأثمان

لجأ الكثير من السوريين إلى بيع مجوهراتهم ليتمكنوا من تأمين لقمة العيش، لا سيما الموظفين منهم الذين باتوا عاطلين عن العمل بعدما أقفلت شركاتهم أبوابها، في حين يشتري الأغنياء الذهب بسبب انخفاض سعره.

“أم يزن” سيدة تقطن في حي “المزة 86″، قالت لعنب بلدي إنها باعت “الحيلة والفتيلة” مما تملك من مصاغ ذهبي، مكون إسوارتين “عيار 18” وخاتم زواجها، واشترت بديلًا عنه خاتمًا مزيفًا (ذهب روسي) بعد منحها إجازة وتوقف عمل زوجها في القطاع الخاص.

وفي أثناء رصد عنب بلدي لمثل هذه الحالات، عرض صاحب تكسي بيته المكون من غرفتين وصالون في الشيخ سعد بحي المزة، عسى أن يؤمن فرصة للسفر.

أما علي مصطفى، موظف في القطاع العام، قال لعنب بلدي إنه قبل سقوط النظام اشترى سيارة مستعملة من نوع “دايو” بـ110 ملايبن ليرة وكان يشغلها في خدمة “يلا غو”، وبعد سقوط النظام هبطت أسعار السيارات بشكل كبير، وبسبب حاجته للمال باعها بـ50 مليون.

يرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم أن المدخرات هي آخر خطوط الدفاع في مواجهة الأزمات، وبيعها اليوم يعني فقدان أي فرصة لمواجهة تحديات المستقبل.

وأضاف أن المشكلة الكبرى تكمن في أن الذين يبيعون مدخراتهم اليوم لن يتمكنوا من تعويضها، مما يجعلهم أكثر ضعفًا أمام أي أزمة قادمة.

حين يصبح الادخار وقودًا للبقاء

الادخار في الظروف الطبيعية يُستخدم لتحقيق الأحلام مثل شراء منزل أو إنشاء مشروع خاص أو تأمين مستقبل الأبناء، لكن في الاقتصاد السوري اليوم، أصبح بيع هذه الأحلام الوسيلة الوحيدة للبقاء.

وأوضح الباحث محمد السلوم أن هذه الظاهرة تؤدي إلى نتائج كارثية على المدى الطويل، أبرزها:

  • تآكل الطبقة المتوسطة وزيادة معدلات الفقر، إذ لم تعد العائلات تمتلك شبكة أمان مالية، ما يجعلها أكثر عرضة للانزلاق إلى الفقر المدقع عند أي أزمة جديدة.
  • ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب على السلع الأساسية، مما يفاقم المشكلة، ويجبر المواطنين على بيع المزيد من الأصول، ما يخلق حلقة مفرغة من الانهيار الاقتصادي.
  • غياب أي مصدر مالي للطوارئ بعد نفاد المدخرات، مما يجعل الأسر عاجزة عن التعامل مع الأزمات المفاجئة مثل البطالة أو المرض.
  • التشرد وغياب الاستقرار السكني، إذ تلجأ بعض العائلات إلى بيع منازلها لتأمين لقمة العيش.
  • إضعاف فرص التعافي الاقتصادي، إذ يؤدي بيع الأصول الإنتاجية مثل الأراضي أو المحلات التجارية إلى فقدان أي إمكانية للعودة إلى النشاط الاقتصادي مستقبلًا.

حلول مقترحة

الحل يبدأ، بحسب الباحث، بتوحيد السعر تدريجيًا، وزيادة السيولة بشكل مدروس، وتحفيز الإنتاج، وتعزيز الشفافية في سوق الصرف.

ويؤدي استمرار هذه الأوضاع دون تدخلات حكومية جادة، إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، بحسب الباحث محمد السلوم، ما يستدعي تحركًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقى من الأمان المالي للمواطنين وإعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة تدعم الإنتاج بدلًا من الاستهلاك القائم على تسييل الأصول.

مقالات متعلقة

  1. لتردي الوضع الاقتصادي.. أهالٍ بريف دمشق يبيعون بعض مقتنياتهم
  2. "المركزي التركي" يتخذ خطوات جديدة لتعزيز الليرة التركية
  3. ما هدف النظام السوري من استثناءات التعامل بالدولار؟
  4. جمعية الصاغة: الذهب ارتفع في القامشلي بسبب "انتكاسات" الدولار

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية