
وزيرالكهرباء في حكومة دمشق المؤقتة عمر شقروق أثناء زيارة تفقدية إلى محطة توليد بانياس-21 كانون الاول 2024(وزارة الكهرباء)
وزيرالكهرباء في حكومة دمشق المؤقتة عمر شقروق أثناء زيارة تفقدية إلى محطة توليد بانياس-21 كانون الاول 2024(وزارة الكهرباء)
عنب بلدي – نوران السمان
في خطوة تعكس دعمها الجدّي لسوريا، أطلقت دولة قطر، في 13 من آذار الحالي، مبادرة لتزويد البلاد بالغاز الطبيعي عبر الأردن، للمساهمة في توليد الطاقة الكهربائية، وفق اتفاقية تشمل صندوق قطر للتنمية ووزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يشرف على التنفيذ الفني للمشروع.
ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن قطر ستسهم بدعم قطاع الطاقة في سوريا عبر توفير مليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، وسيسهم الغاز القطري في ذلك بتوليد 400 ميغاواط من الكهرباء، ما يؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية وزيادتها بمعدل ساعتين إلى أربع ساعات يوميًا، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على الحياة اليومية للمواطنين ودعم القطاعات الحيوية في سوريا.
وبحسب وزير النفط والثروة المعدنية السوري، غياث دياب، تأتي هذه المبادرة في وقت تواجه فيه سوريا نقصًا حادًا في إنتاج الكهرباء بسبب شح الغاز والفيول، في وقت أوضح الجانب الأردني الذي يمر عبره الغاز أن الاتفاقية قصيرة المدى.
ويؤثر نقص الكهرباء سلبًا على حياة المواطنين، ويعرقل جهود الحكومة في تحسين البنية التحتية للطاقة وخلق بيئة استثمارية مشجعة، بحسب الوزير.
وأضاف دياب، في 14 من آذار، أن المبادرة تمثل دعمًا مهمًا لمواجهة تحديات قطاع الطاقة، وتعزز قدرة سوريا على تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
التصريحات القطرية بشأن تزويد سوريا بالكهرباء، جاءت تنفيذًا لتوجيهات أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بتقديم إمدادات الطاقة بالكهرباء إلى سوريا.
تلتها تصريحات من المدير العام لصندوق قطر للتنمية، فهد بن حمد السليطي، قال فيها، إن هذه الخطوة “محورية نحو تلبية احتياجات الشعب السوري من الكهرباء”، وتعكس التزامًا مشتركًا بين جميع الأطراف للعمل من أجل مصلحة المنطقة.
بدوره، قال القائم بأعمال السفارة القطرية في سوريا، خليفة عبد الله آل محمود، خلال وجوده في محطة “دير علي”، في 14 من آذار، إن الكهرباء ستبدأ بالمرور عبر المحطة في مرحلتها الأولى، على أن يتم رفع الإنتاج تدريجيًا وتوزيعه على محافظات دمشق وريفها وحمص ودرعا ودير الزور والقنيطرة وحلب.
من جهته، قال وزير الكهرباء في حكومة دمشق المؤقتة، عمر شقروق، إن محطة “دير علي” هي المستقبل الأولي لخط الغاز العربي من الأردن، ولكن يمكن تشغيل باقي المحطات من خلاله، لكون شبكة الغاز مربوطة ببعضها.
وأوضح أن كمية الغاز الواردة، رغم أهميتها، تمثل “جزءًا بسيطًا” من احتياجات سوريا البالغة 6500 ميغاواط، لكنها ستسهم في زيادة التغذية اليومية بنحو ساعتين إضافيتين، مع توقعات بمزيد من التحسن مع نهاية شهر رمضان.
وتعاني سوريا من نقص حاد في الكهرباء، حيث لا تتوفر الكهرباء الحكومية إلا لساعتين أو ثلاث ساعات يوميًا في معظم المناطق.
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يلعب دورًا رئيسًا في المبادرة، فأكد نائبه في سوريا، محمد مضوي، أن البرنامج يعمل بالتنسيق مع وزارة الكهرباء السورية ومركز “الطاقة المتجددة” في القاهرة لوضع خطة استراتيجية لتطوير قطاع الكهرباء في البلاد.
وتتمثل مساهمة الأمم المتحدة في تقديم الدعم المالي والفني لوزارة الكهرباء والشركة السورية للغاز، إضافة إلى المساعدة في صيانة الخط الغاز العربي داخل الأراضي السورية، إذا حدث أي طارئ يستدعي التدخل، وفق مضوي.
انطلق مشروع خط الغاز العربي مع بداية الألفية الثالثة، عبر مد أنابيب من مصر نحو الأردن ثم سوريا، على أن يصل المشروع إلى تركيا ومنها يتم تصدير الغاز إلى أوروبا، إلا أن المشروع توقف عند سوريا قبل إتمامه، وتعطلت معظم المشاريع المشاركة فيه منذ أن دخلت المنطقة العربية في حالة من عدم الاستقرار بعد 2010.
وفي 2 من كانون الأول 2024، أي قبل سقوط النظام السابق، كان وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، محمود عصمت، صرح أن بلاده تدرس تصدير الكهرباء إلى سوريا عبر الأردن وفق شروط.
وقال عصمت في تصريح لوكالة “الشرق“، إن هذا المشروع يبقى رهن استقرار الظروف الأمنية والسياسية في دمشق، وفق تعبيره.
المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أكد خلال تصريحات له على قناة “الجزيرة” أن هذه المبادرة تأتي بعد زيارة أمير قطر إلى دمشق، وتهدف بشكل أساسي للوقوف إلى جانب احتياجات الشعب السوري، ودعم البنية التحتية السورية، مع التركيز على تعزيز الشبكة الكهربائية.
كما أشار إلى أن هذه الخطوة تسهم في:
1. تحقيق فرصة جديدة للاقتصاد المحلي من خلال تحسين استقرار إمدادات الكهرباء، وهو ما تحتاج إليه القطاعات الصناعية والاقتصادية.
2. دعم الخدمات الحيوية الذي سيكون له أثر على الخدمات الرئيسة من المستشفيات والمدارس ومحطات المياه وغيرها، بما يعزز حالة الاستقرار وحالة السلم الاجتماعي المرتبطة بوجود مثل هذه الخدمات الأساسية.
3. المساهمة في إعادة بناء الدولة من خلال توفير الطاقة اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة.
كما ذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن هذه المبادرة تعكس التزام دولة قطر الراسخ بدعم الشعب السوري، ليس فقط في الجوانب الإنسانية والإغاثية، ولكن أيضًا في المساهمة في جهود التعافي وإعادة الإعمار، بما يضمن وصول الخدمات الأساسية وتحقيق مستقبل أفضل للجميع.
وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني، صالح الخرابشة، أعلن، في 13 من آذار، أن الاتفاقية تتضمن استخدام سفينة “التغييز” العائمة في ميناء العقبة لاستقبال الغاز المسال، وتحويله وضخه إلى سوريا عبر خط الغاز العربي.
وأشار إلى أن الاتفاق ليس “عقدًا تجاريًا” بقدر ما هو “مساعدة للأشقاء في سوريا”، مؤكدًا أنه يهدف إلى تزويد السوريين بجزء من احتياجاتهم من الغاز الطبيعي لتشغيل واحدة من محطات الطاقة الكهربائية الموجودة جنوبي سوريا، في إشارة منه إلى محطة “دير علي” الحرارية.
تعتبر محطة “دير علي” الحرارية، قرب مدينة الكسوة جنوب دمشق، من بين أكبر محطات توليد الكهرباء في البلاد، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 ميغاواط.
وتعمل المحطة باستخدام الغاز، مع إمكانية التحول إلى المازوت عند الضرورة، ووفق الخطة الحالية، سيتم توجيه إمدادات الغاز القطري إلى هذه المحطة لرفع كفاءتها وتعزيز قدرتها التشغيلية.
في 24 من شباط، قال المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، إن تعليق العقوبات على سوريا سيمهد الطريق لشركة “سيمنز” لإصلاح محطة “دير علي” الكهربائية، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل بداية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة خلال حكم الأسد.
“سيمنز” هي شركة رائدة في مجال التكنولوجيا مقرها الرئيس في ميونيخ بألمانيا، تركز على الصناعة والبنية التحتية والنقل والرعاية الصحية.
وزير الطاقة الأردني لفت إلى أن الاتفاقية “قصيرة المدى”، وتنتهي في 30 من نيسان المقبل، لتزويد السوريين بجزء من حاجتهم للغاز، مضيفًا أن الاتفاق الذي أطلقته قطر، في 13 من آذار، لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن، كان مخصصًا لتزويد معبر “نصيب” السوري الذي يقابله معبر “جابر” من الطرف الأردني، وليس للاستخدامات الأخرى، نظرًا إلى حاجة شبكة الكهرباء السورية لإعادة التأهيل.
يرى الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أن المبادرة القطرية “مهمة”، وهي رسالة على حرص الأخيرة على استقرار سوريا.
وتمهد هذه المبادرة الطريق أمام خطوات مستقبلية، كالحصول على استثناءات أمريكية أوسع وتشجيع الشركات الأجنبية على دخول السوق السورية، لا سيما في قطاع الكهرباء، وفق ما ذكره الباحث السوري لعنب بلدي.
كما أشار إلى أن الاتفاقية المتعددة الأطراف (قطر، الأردن، الأمم المتحدة) حظيت بضوء أخضر أمريكي، ما يعكس مرونة في الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري، وربما يكون مؤشرًا على إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي في المستقبل.
وقال مسؤول أمريكي لـ”رويترز”، في 13 من آذار، إن صفقة الغاز القطري إلى سوريا، حصلت على موافقة من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، دون أن يوضح كيف تم التواصل بهذا الشأن.
بدوره، ذكر دبلوماسي غربي مطلع على خطة الغاز القطري، أن الخطوة القطرية تأتي في إطار جهود الدوحة لمتابعة الدعم السياسي من دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر بمساعدة ملموسة لدعم الإدارة السورية الجديدة.
وأضاف الدبلوماسي، “إنهم حريصون للغاية على تقديم شيء ما في النهاية، حتى لو لم يحدث ذلك فرقًا كبيرًا”.
ووصف الدسوقي الاتفاق بأنه “بالون اختبار”، مشيرًا إلى أن مدته المحدودة تعكس طبيعته التجريبية.
ويرى أن استمرارية الاتفاقية مرتبطة “باشتراطات معينة داخلية وخارجية على العهد الجديد، والتي يبدو أنها تسير وفق مقاربة خطوة بخطوة”، بما في ذلك التوجهات الإقليمية والدولية نحو استقرار سوريا، ومنع تحولها إلى بؤرة لعدم الاستقرار أو ملاذ للتنظيمات الإرهابية.
وذكر الدسوقي لعنب بلدي أن قطر حاولت سابقًا توفير دعم مالي للحكومة السورية لدفع رواتب موظفي الدولة، إضافة إلى دراسة مشاريع توليد الطاقة عبر سفن عائمة بدعم قطري- تركي، إلا أن العقوبات الأمريكية وعدم تبلور سياسة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه سوريا، شكّلا عائقًا أمام تنفيذ هذه المشاريع.
الصحفي الاقتصادي سمير الطويل، أوضح لعنب بلدي أنه قبل عام 2011، كان قطاع الكهرباء في سوريا قادرًا على تغطية حوالي 90% من احتياجات البلاد، رغم الحاجة المستمرة إلى صيانة المحطات، وتأمين موارد تشغيلها من الفيول والغاز الطبيعي.
ولم تكن التحديات التي واجهها القطاع آنذاك بمستوى الصعوبات الحالية، حيث أدت الحرب إلى إنهاك البنية التحتية الكهربائية وخروج العديد من محطات التوليد عن الخدمة، وفق الطويل.
وقال الطويل لعنب بلدي، إن تحسين واقع الكهرباء في سوريا يتطلب معالجة شاملة تشمل رفع العقوبات، وإصلاح المحطات المتضررة، وإنشاء محطات جديدة قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، لإرجاع الوضع بنسبة 40 إلى 50% مما كان عليه قبل عام 2011.
كما أشار إلى إمكانية إشراك القطاع الخاص في إعادة تأهيل البنية التحتية الكهربائية، من خلال الخصخصة الجزئية أو جذب الاستثمارات الدولية، لضمان استدامة هذه الجهود وتحقيق نمو اقتصادي متوازن.
ويبقى تحسين قطاع الكهرباء ضرورة ملحة لضمان الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في سوريا، بحسب الصحفي الاقتصادي الطويل.
وذكر أن أحد الحلول المؤقتة التي تم اللجوء إليها سابقًا كان مشروع الغاز العربي، الذي وفر الغاز الطبيعي لمحطات الطاقة عبر مصر والأردن.
وشهدت المنظومة الكهربائية في سوريا أضرارًا قدّرت بأكثر من 50% منذ 2011، نتج عنها نقص في القدرة الإنتاجية، والتي تقدر حاليا بـ30% (3000 ميغاواط) من حجم التوليد الأساسي في سوريا، والذي كان يصل إلى 9000 آلاف ميغاواط، وفقًا لمركز “جسور للدراسات”.
وبلغت نسبة الطاقة المفقودة حوالي 26%، مع وصول انقطاع التيار الكهربائي إلى 43 يومًا في السنة قبل عام 2011.
وفي عام 2021، وصل التقنين إلى 10 ساعات لكل ساعة ونصف من الكهرباء في مدينة حلب ثاني أهم المدن السورية، بينما سجلت العاصمة دمشق 5 ساعات انقطاع لكل ساعة من الكهرباء، وفقًا لتقرير بحثي للمعهد الجامعي الأوروبي (EUI).
ولحقت الأضرار بالبنية التحتية للكهرباء في ظل الصراع في سوريا، جراء الإهمال والسرقة والتخريب والقصف.
ويوجد في سوريا 14 محطة لتوليد الكهرباء، 11 منها تعمل على الوقود الأحفوري، و3 على الطاقة المائية، وأقدم محطة قيد التشغيل منذ 1973 هي سد “الطبقة” بريف الرقة الغربي.
ودمرت محطة “حلب” الحرارية في 2015، ومحطة “زيزون” في إدلب عام 2016، ومحطة “التيم” في دير الزور عام 2017، وهي محطات أساسية لتوليد الكهرباء، وبلغت الاستطاعة الاسمية لهذه المحطات مجتمعة 1706 ميغاواط، أي حوالي 18.25% من إجمالي الإنتاج في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى