
احتفال بعدي الثورة السورية الـ14 في ساحة الأمويين بدمشق 15 آذار 2025( عنب بلدي/ عمر علاء الدين)
احتفال بعدي الثورة السورية الـ14 في ساحة الأمويين بدمشق 15 آذار 2025( عنب بلدي/ عمر علاء الدين)
عنب بلدي – موفق الخوجة
تحل الذكرى السنوية الـ14 للثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011 والتي اعتقد كثيرون، حتى من أبنائها، أنها لن تؤتي أكلها وتتخلص من النظام السوري الذي ثارت عليه، إلا أنها أسقطته، بعد سنين من فقد الأمل، عقب عملية عسكرية ديناميكية سريعة استمرت لـ11 يومًا، وكانت صادمة للعالم بأسره بسرعة إنجازها، حتى للذين خططوا لها.
وبعد إسقاط النظام، تثار التساؤلات، هل انتهت الثورة وتحققت مطالب الثوار التي خرجوا من أجلها، وسقط على دربها مئات الآلاف من القتلى.
وعانت سوريا على مدى أكثر من 54 عامًا من حكم دكتاتوري تحت سلطة الأسدين، حافظ وبشار، ليأتي ما سمي بالربيع العربي الذي انطلق من تونس أواخر عام 2010، ويشعل محمد البوعزيزي بجسده النار احتجاجًا على الأوضاع المعيشية وطلبًا للكرامة، فأشعل معه نيران الثورة التي تفجرت هناك، وامتدت لتشمل العديد من الدول العربية، وتصل نيرانها إلى سوريا في ربيع آذار.
البداية في ساحة الحريقة قرب سوق الحميدية، يصرخ سوريون، في منتصف شباط 2011، “الشعب السوري ما بينذل” احتجاجًا على شرطي مرور أهان أحد السوريين بالشتائم.
ورغم أنها لم تعتبر البداية لانطلاق ثورة السوريين، فإنها كانت الصرخات الأولى التي تعبّر عن غضب الشارع في تلك الفترة التي تنذر بانفجار قريب، حتى أعلن سوريون عن انطلاقها من سوق الحميدية في 15 من آذار من العام نفسه، وهو التاريخ الذي يستذكره السوريون في كل عام.
وفي 18 من آذار 2011، خرجت أولى المظاهرات في يوم الجمعة، اليوم الذي اتخذه السوريون أسبوعيًا منطلقًا لمظاهراتهم والتي امتدت بالشكل السلمي إلى أشهر عديدة دون أن يكون السلاح حاضرًا من طرف الثورة، وفي ذلك اليوم، سقط أول قتيلين على هذا الدرب في مدينة درعا جنوبي سوريا، هما حسام عياش ومحمود الجوابرة، لتتواصل بعدها سلسلة القتل من النظام السوري بحق مناهضيه في الشوارع.
ونتيجة لاستمرار القتل من قبل النظام السوري للمتظاهرين، انشق ضباط وعناصر عن النظام، وكان أولهم مجندين من “الحرس الجمهوري”، ثم برز المقدم حسين الهرموش، الذي شكّل ما عرف حينها بـ”حركة الضباط الأحرار”، أول تشكيل عسكري للثورة السورية، ثم “الجيش السوري الحر”، الذي تحول إلى فصائل وجماعات متعددة الاتجاهات والولاءات.
وعزا كثيرون تعدد الكيانات العسكرية الموالية للثورة من منشقين ومدنيين إلى عدم اجتماعهم تحت راية قيادة واحدة، والذي أسهم فيه المال السياسي والأجندات الخارجية التي تحكمت ببعض هذه الفصائل، ودخول عناصر أجانب كان لكثير منهم غايات بعيدة عن المطالب التي خرجت لأجلها الثورة، ما أسهم بعزلة دولية وألصق تهم الإرهاب ببعض هذه التشكيلات، فضلًا عن الاقتتال الداخلي الذي عانت منه الثورة طوال السنوات الماضية.
توسعت المناطق “المحررة” من قبضة النظام حتى بلغت ذروتها منتصف 2013، ثم انحسرت بعد ذلك العام نتيجة عوامل عديدة، أهمها التدخل الإيراني واستجلاب النظام فصائل ذات بعد طائفي، حتى كان الدخول الروسي على خط المواجهة العسكرية، آخر أيلول 2015، فارقًا على خرائط السيطرة.
وخلال هذه الأعوام، تعامل النظام السابق مع هذه المناطق بسياسة “الأرض المحروقة”، فتوجهت نحوها المدفعيات والصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة، وقصفها بالكيماوي موقعًا ما أسماها ناشطون “مجازر بلا دماء”، في أكثر من منطقة سورية، أبرزها الغوطة في دمشق وخان شيخون في إدلب وخان العسل في حلب.
ونتيجة لتقطّع أوصال المناطق التي تسيطر عليها المعارضة عن بعضها، جراء التعامل العنيف وسياسات التهجير والحصار، عمد النظام إلى إجراء تسويات، وأخرج المقاتلين المعارضين وعوائلهم بالباصات الخضراء إلى الشمال السوري، وكانت ذروتها عام 2018، حتى أصبحت محافظة إدلب وأرياف حلب الشمالية مستقرًا لهذه العوائل، وحاضنة للفصائل.
وبعد عام 2018، ذهب النظام إلى عملية عسكرية واسعة، هدفت إلى إنهاء وجود المعارضة شمالي سوريا، بمساندة واضحة من روسيا وإيران، ما دفع الجارة الشمالية تركيا إلى التدخل لعدة عوامل، منها التخوف من موجات لجوء كبيرة.
وتفاوضت أنقرة مع موسكو وخرج حينها ما سمي باتفاقات “خفض لتصعيد” التي رمت إلى إنهاء العمليات العسكرية، ونشر نقاط مراقبة على خطوط التماس بين الطرفين.
ورغم ما شابها من اختراقات، انخفضت نسبة العمليات العسكرية بشكل كبير بعد العام 2020، ما أسهم في تأسيس أرضية حوكمية للمعارضة السورية، نشأت عنها بنية تحتية، وكوّنت نواة الحكومة الحالية بدمشق.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات على توقف المعارك بشكل شبه نهائي وفقدان الأمل بأي تحرك على الأرض، استيقظ السوريون مجددًا على وقعها فجر 27 من تشرين الثاني 2024، لتعلن “إدارة العمليات العسكرية” وهي كيان نشأ لحظتها، عن إطلاق معركة “ردع العدوان”، وكانت باكورة أعمالها في ريف حلب الغربي لتشمل خلال أيام قليلة كامل الحدود الإدارية لإدلب والجزء الأكبر من محافظة حلب.
وفي تلك الأثناء دارت الأحاديث حول قدرة المعارضة على المحافظة على المناطق التي اكتسبتها حديثًا وعن رد فعل النظام العنيف المعهود، إلا أن “إدارة العمليات العسكرية” كانت خطتها أبعد مما تصوره السوريون، فامتدت المعارك نحو حماة ثم حمص للوصول إلى العاصمة دمشق، في 8 من كانون الأول 2024، ليعلن السوريون انتصار الثورة السورية على حكم آل الأسد بعد 54 عامًا.
يحتفل السوريون بمختلف الساحات في سوريا بالذكرى السنوية للثورة، لأول مرة بعد سقوط الأسد.
المحلل السياسي حسن النيفي قال لعنب بلدي، إن ذكرى الثورة تطل هذه السنة بحضور مميز باعتبار أن الهدف الأساسي لها المتمثل بإسقاط رأس النظام بشار الأسد تحقق.
وأضاف أن هذا لا يعني أن العمل يجب أن يتوقف، أو أن أهداف الثورة تحققت بالمطلق، لافتًا إلى أنها (الثورة) تعني فعل الهدم، إلا أنها تعني في قسم كبير منها فعل البناء.
الباحث والأكاديمي الدكتور عبد المنعم زين الدين، وهو أحد المنسقين بين فصائل المعارضة سابقًا، قال إن الثورة قامت نتيجة الظلم والقهر الذي مورس بحق الشعب السوري من قبل النظام السابق.
وكان من أهم أهدافها إسقاط “العصابة” للتخلص من عهد “الإجرام والظلم والقهر والإبادة والاستبداد” والانتقال بسوريا إلى عهد يسوده الحرية والكرامة والقانون.
وأضاف في حديثه لعنب بلدي أن الذي تحقق من هذه الأهداف، سقوط نظام الأسد، وهو ما اعتبره إنجازًا يحسب للشعب السوري بكل فئاته التي خاضت معركة التحرير.
الهدف الثاني للثورة، بحسب زين الدين، هو الوصول بسوريا إلى دولة الحرية والعدل والكرامة والمواطنة والقانون، وهذا ما يعني أن الدولة تدخل مرحلة جديدة من تأسيس وبناء.
ويساعد في بناء هذه العملية كل شرائح المجتمع السوري ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وفق تعبير زين الدين، وعلى رأسهم الذين “آمنوا بالتغيير وضحوا من أجله”، من أبناء الثورة والذين ينبغي تفعيلهم والإفادة منهم بكل مفاصل الدولة.
مصطلح “الثورة” يعني الخروج عن الوضع الراهن وتغييره، باندفاع يحركه عدم الرضا، والتطلع نحو الأفضل، وذلك لتحقيق مطالب، وتغيير نظام الحكم، وفق تعريف مركز “عمران للدراسات“.
وبحسب مقال لـ”عمران”، مرت الثورة السورية بعدة تصنيفات، فكانت في طورها الأول، ثورة شعبية، لتنتقل بعد العنف المفرط إلى ثورة عسكرية، وبعد دخول جهات غير سورية بدأت الثورة بالتبلور تجاه حركة مقاومة وطنية ضد محتل.
وبعد أيام قليلة من سقوط النظام، أشار الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في حديث أمام ناشطين عرب، إلى أن سياسة الإدارة السورية الجديدة تتجه نحو التوجه من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة.
وبحسب “عمران”، يحتاج الانتقال من الحالة الثورية إلى فكر الدولة إلى مجموعة الخطوات والآليات، إذ إن هناك فارقًا كبيرًا بين الثائر الذي تحكمه أيديولوجيا الثورة، ورجل الدولة الذي لا بد أن يحكمه الواقع ويتحلى بقدرة قراءته والاشتقاق منه والتحرك ببراغماتية عالية عبر هوامشه المتاحة.
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي النيفي أن الانتقال إلى عقلية الدولة لا تعني التخلي بشكل كامل عن الفكر الثوري، وإنما التحصن بشطر كبير بأفكار الثورة البناءة، إذ لا تعني دائمًا الهدم والدخول في الفوضى.
يثبت تاريخ الثورات دائمًا أن من يتطلع لبناء دولة عليه تقديم الكثير من التنازلات والتعامل بنوع من البراغماتية وأخذ المصلحة العامة بعين الاعتبار وليس الآنية.
حسن النيفي
محلل سياسي
وأتى تصريح الشرع بوقت مبكر عقب سقوط النظام السابق، وهو يعني بذلك أن جزءًا من أهداف الثورة قد تحقق ويبقى الجزء الآخر، وفق النيفي.
ويعتقد النيفي أن ما يعنيه الشرع، يعود إلى أن الثورة فيها الكثير من ردود الفعل من الهدم، والسلوكيات التي تعتمد على التفكير الآني والمصالح التكتيكية التي لها صلة بالثورة، لكن بعدما تحقق هذا الهدف يجب أن ينتقل الوعي السوري إلى طور آخر وهو البناء.
وطور البناء يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع المواطنين، فليس كل السوريين ثائرين، والذين لم يشاركوا في الثورة أيضًا لهم حقوق ومصالح، أضاف النيفي.
وقال إن الثورة منجز وطني عام لجميع السوريين، داعيًا الإدارة السورية الجديدة للأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع السوريين الذين من حقهم جميعًا المشاركة بصياغة مستقبلهم وفق تطلعاتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى