الحرية وما بعد الإعلان الدستوري.. “الأصل الإباحة”
علي عيد
تضمّن باب “الحقوق والحريات”، وهو الباب الثاني من الإعلان الدستوري، 12 مادة (من المادة 12 وحتى 23).
في المادة 13 وردت 3 بنود، الأول بينها يقول: “تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”.
حرية الصحافة والحريات العامة، تعكس مدى التزام السلطة وخضوعها للشعب وإرادته، فهو صاحب المصلحة، وكل سلطة تكتسب مشروعيتها من تفويض الشعب.
مسألة حرية الصحافة في الإعلان الدستوري الذي جرى الإعلان عنه وتوقيعه في 13 من آذار الحالي، تختلف مضمونًا عما جاء في دستور 2012، بكلمتين هما “وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ”، إذ نصت المادة 43 منه، “تكفل اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ واﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼﻡ واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺘﻬﺎ وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ”.
بالعودة إلى نموذج ثار الجدل طويلًا حول كونه الأنسب، كلما طرحت قضية الدستور، وهو نموذج دستور 1950، أو ما يسمى “دستور الاستقلال”، بعد انقلاب سامي الحناوي.
تقول المادة 15 في “دستور الاستقلال”:
- الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون
- لا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها إلا وفقًا لأحكام القانون.
- يجوز في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ أن يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات والإذاعة رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني.
- ينظم القانون أسلوب المراقبة على موارد الصحف.
بالنظر إلى ما ورد في الإعلان الدستوري الجديد وما ورد في نموذجي دستوري 2012 و1950، يمكن ملاحظة أن الإعلام في سوريا بمرحلة دستور 2012 شهد أسوأ حقبة في تاريخ البلاد منذ تأسيسها، حتى ما قبل الاستقلال، على الرغم من أن النص الدستوري لم يتضمن أي تقييد على عكس دستور 1950، الذي استمر حتى عام 1958، والمفارقة أن تلك السنوات التي أعقبت إقرار ذلك الدستور هي الأفضل في تاريخ البلاد، لجهة الحريات العامة والحريات الصحفية.
أردت القول هنا إنه أيًا كان شكل الإعلان الدستوري أو الدستور الذي سيأتي لاحقًا بعده، فإن الأكثر أهمية هو التطبيق الفعلي لروحه ومواده.
في النهاية، ستكون هناك قواعد لتنظيم المهنة، ونصوص قانونية بخصوص أي مخالفات نشر، والمهم عدم وجود قوانين تحت القوانين الدستورية تقيّد الصحافة والصحفيين، والمهم أيضًا إلغاء التشريعات التي جرى اعتمادها خلال العقود الخمسة الماضية، والتي تضع الصحافة رهنًا للسلطة، كما تسمح بتوقيف الصحفيين وإيذائهم بسبب نشرهم محتوى لا يتوافق مع سياسات ومصالح السلطة، أو يكشف فسادها.
الأساس هو الفسح وليس المنع، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، هناك عشرة تعديلات على الدستور تسمى “وثيقة الحقوق” يظهر فيها معنى أن “الأصل في الأشياء الإباحة”، تم إقرارها عام 1791، والتعديل الأول الذي أصبح جزءًا أساسيًا وراسخًا حتى اليوم هو المتعلق بحرية العبادة والكلام، والصحافة وحق الاجتماع والمطالبة برفع الأجور، وجاء في النص: “لا يصدر الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلميًا، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف”.
يعكس احترام الدستور من قبل السلطة، قدر خضوعها لإرادة القانون والشعب، وهو ما يجعل دولة متحضرة وديمقراطية وأخرى متخلفة ودكتاتورية.
لم ألحظ كصحفي تقييدًا لحرية الكلمة، لكن هذا ليس حكمًا قطعيًا، فأي سلطة قد تلجأ لفسح المجال بانتظار إحكام سيطرتها، وهو ما يخشاه معظم العاملين في هذا القطاع.
لحظت ارتباكًا لدى السلطة التنفيذية المؤقتة، ممثلة بوزارة الإعلام، إذ ليس واضحًا كيف سيتم تنظيم عمل الصحافة وضمان حريتها، هل سيكون هناك مجلس إعلام، أم تبقى وزارة الإعلام، أم يتاح المجال أمام التنظيم الذاتي.
ولحظت إرباكًا يشير إلى رغبة سلطوية بالتحكم في القطاع، وذلك عبر قرار رئيس الوزراء المؤقت حلّ المؤتمر والمكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين، وتعيين مكتب مؤقت دون تبيان الأسباب المعلّلة أو الموجبة لاختيار أعضاء المكتب، وينسحب الأمر على الغموض في التأخر بإصدار الرخص الدائمة والتراخيص لوسائل الإعلام، أو إيقاف بعض المؤسسات دون إعلان واضح.
من الآن فصاعدًا، أنصح كل صحفي أن يضع في جيبه نسخة من الإعلان الدستوري، ليعرضها على أي جهة تعرقل عمله، وعندما لا تستجيب تلك الجهة، أنصحه بالاحتجاج بقوله تعالى “فبما نقضهم ميثاقهم”.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :