الأحداث الدامية في الساحل
لمى قنوت
على وقع جرائم القتل الطائفية الجماعية وهدر الكرامة الإنسانية وحرق الأرزاق في الساحل السوري، بعد كمائن واستهدافات غادرة شنتها مجموعات من “فلول” النظام البائد على قوى الأمن الداخلي أودت بحياة الكثير منهم، وهجمات على البنية التحتية المدنية كالمستشفيات في 6 من آذار الحالي، فقد فشلت الإدارة الانتقالية في حماية المدنيين ومنع إذلالهم، نساء ورجالًا، وهدمت جهودها الدبلوماسية أمام “المجتمع الدولي” حول قدرتها على إدارة بلد متنوع، بعد أن حاولت تصدير قدرتها “البراغماتية” على تغيير صورتها الأيديولوجية وماضي انتهاكاتها، ولا شك أن نهجها العسكري في الساحل الذي أفلت سعارًا طائفيًا من قبل فصائل محسوبة عليها، سيزيد من تفكك البلاد ويقوض السلم الأهلي وسيزيد من التدخل الخارجي، وسيبقي سيف العقوبات الاقتصادية مسلطًا على العنق السوري.
لقد كان إعلان النفير العام من منابر الجوامع وعبر قنوات “تلجرام”، وطلب المؤازرة من فصائل تضم جهاديين أجانب وفصائل ذات تاريخ معروف بالجرائم والانتهاكات ودخولهم إلى مدن الساحل خطأ جسيمًا أدى إلى قتل عائلات بأكملها، واقتحام المنازل بطريقة مرعبة مصحوبة بخطابات وممارسات طائفية شنيعة، أشاعت الذعر بين المدنيين وأطفالهم، وأبقت جثثًا لأيام على الطرقات، ودفعت الأهالي للهروب إلى الجبال والأحراش أو اللجوء إلى مطار “حميميم” أو الأراضي اللبنانية، وقطعت عدة مناطق من المواد الأولية، وهي ممارسات لم تُمحَ من ذاكرتنا أيام جرائم النظام البائد، وكان يفترض بالإدارة أن تتصرف بحكمة وضبط للنفس، وتخطط لتأمين ممرات آمنة لخروج المدنيين قبل أن تُدخل عناصر منضبطين مدربين كالذين شهدناهم في محافظة حلب مثلًا، خلال عملية “ردع العدوان”.
كما كان يفترض بالرئيس الشرع ألا يعترف بحصول “تجاوزات” فقط خلال كلمته التي ألقاها في 7 من آذار، بل إن المعالجات العادلة تبدأ بتسمية الأمور بمسمياتها والاعتراف بها كجرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو مطالب باعتذار علني من جميع الضحايا وأسرهم، بوصفه رئيسًا انتقاليًا للبلاد ومسؤولًا عن حماية الشعب، كل الشعب، وبوصف بعض مرتكبي الجرائم صوروا وبثوا فيديوهات جرائمهم عبر الإنترنت، ووثقتها منظمات سورية، فالاعتذار العلني هو شكل من أشكال جبر الضرر الرمزي، وقد فعلها رؤساء سابقون مثل رئيس سيراليون، حين قدّم في عام 2010 اعتذارًا رسميًا للنساء ضحايا النزاع المسلح، وطلب منهن الصفح باسم القوات المسلحة وتعهّد بحماية حقوقهن.
أما عن تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في 10 من آذار، ضمت كلًا من حسن صوفان وأنس عيروط وخالد الأحمد، فالأحمد كان مستشارًا لبشار الأسد من عام 2012 إلى 2018 في ملفات سياسية ودبلوماسية وأمنية، ومن الخطأ أن يحظى بعضوية لجنة مكلفة بالتواصل مع الأهالي في الساحل السوري وتقديم الدعم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم، وتعزيز الوحدة الوطنية، وهي مهام تحتاج إلى شخصيات محترمة ذات تاريخ نزيه، وكان مفترضًا أن تضم اللجنة أعضاء وعضوات من أسر الضحايا، وكان ضروريًا أيضًا أن يكون نصف أعضاء اللجنة من النساء، لقدرتهن على التواصل والاستماع إلى ناجيات ضمن مساحات مغلقة.
لقد أظهر هجوم “الفلول” على قوى الأمن العام فشلًا استخباراتيًا لدى الإدارة الانتقالية، حاولت ترميمه عبر تشكيل مجلس أمن قومي في 12 من آذار، ضم أربعة أعضاء يشغلون مناصب عليا في الإدارة الانتقالية، هم وزير الخارجية والدفاع والداخلية، بالإضافة إلى مدير الاستخبارات العامة، وكالعادة، فقد تم اختيارهم من الدائرة الضيقة لأحمد الشرع، أما المقاعد الثلاثة المتبقية فاثنان منها لاستشاريين يعينان وفقًا للكفاءة والخبرة، وهو عدد غير كافٍ للأفراد المتفرغين للعمل في المجلس قياسًا بالتحديات الأمنية، والمقعد السابع لتقني متخصص ذي صلة بمحضر الجلسة.
إن نهج العفو العشوائي غير الشفاف الذي انتهجته الإدارة الانتقالية في التعاطي مع مجرمي الحرب أو المشتبه بهم بعيدًا عن التحقيقات وإجراءات العدالة الانتقالية كان نهجًا خاطئًا، لأنه عزز غضب ناجين وناجيات من جرائم النظام البائد في وقت لا توجد فيه تحضيرات حقيقية وشفافة لمسار عدالة انتقالية تحولية شامل.
بيّنت سلوكيات الفصائل التي دخلت إلى الساحل عدم انضباطها وسوء خطابها التحريضي والطائفي وعدم أهليتها لدخول الجيش من جهة، وبيّنت عدم قدرة الشرع على ضبطها أو محدودية قدرته في أحسن الأحوال من جهة أخرى. أما بالنسبة للجهاديين الأجانب فقد كان خطأ إدخالهم إلى منطقة متنوعة مثل الساحل السوري لا يدركون الحساسيات الموجودة فيها، ويجب إخراجهم من الساحل وكافة المناطق الحساسة أولًا ومن سوريا ثانيًا، بعد محاسبة المتورطين منهم في جرائم القتل، بدل ضمهم للجيش.
وقد كان واضحًا أيضًا أن الفصائل لم يتم حلها ودمجها بشكل حقيقي، كما تحدث الشرع في “مؤتمر النصر”، وأن تحديات بناء جيش وطني حيادي، ضمن النهج الإقصائي للإدارة الانتقالية وعدم الاستفادة من خبرات الضباط المنشقين من الجيش، أو ممن لم يعلن انشقاقه وسُرّح قبل 2011 ولم يتورط في الدم السوري، لن يفضي إلى توطيد حكم الفرد والسيطرة على القطاع الأمني، بل سيؤدي إلى تفكك سوريا عبر بوابة تجدد النزاع واقتتال الفصائل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :