تعا تفرج
كلام حق يراد به باطل
خطيب بدلة
يقول لك زيد من الناس: كلامك حق، يراد به باطل. هذا الـ”زيد”، يعطيك إيحاء بأنه فهمان (دَحِي)، يعرف الحق، ويعرف الباطل، وعنده، فوق ذلك، مقدرة عجيبة على التمييز بينهما! زيد، للأمانة، مثل عبيد، الذي يريد أن يفسر لك سبب تخلفنا، فيقول لك: إنه الجهل.
أصبحتُ، وأنا في خريف العمر، من هواة التساؤل، ولذلك تراني أسارع لسؤال الأخ عبيد: الجهل بشو؟ فينطلق لسانه، مثل ماكينة مزيتة، ليسرد علي مجموعة من المحفوظات، والأفكار البالية، ليقنعني بأنه، مثل زيد، فهمان (دَحي)، وأنا أصاب بالإحباط، إذ أكتشف أن الجهل بالمعلومات التي يسردها عبيد، خير من العلم بها!
الكلام نفسه، ينطبق على موضوع التعليم، في بلادنا المنكوبة. تتحدث تقارير “صادمة”، عن أن نسبة كبيرة من الأطفال، الذين ولدوا خلال السنوات الماضية، أصبحوا بلا تعليم. وهذا أمر مؤسف، من حيث المبدأ، ولكنني سأتوقف عند سؤال كبير، هو: ماذا نعلمهم؟ وأنا لا أزعم أنني أمتلك جوابًا لهذا السؤال، دون غيري من الناس، ولكننا، أنا وغيري من الناس، نعرف أن الدول العظمى تقدمت بالعلوم الدنيوية، بعدما فصلت الدين عن الدولة، ووضعت قوانين تنظم حياة مواطنيها، وتمنع رجال الدين من محاربة العلم، كأن يقول أحدهم، مثلًا: الفلسفة كفر، والفيزياء حرام، والكيمياء رجس من عمل الشيطان فاجتنبوها، أو يطالب بمحاكمة عالم فلك، اكتشف كوكبًا جديدًا في إحدى المجرات، ويرغمه على الاعتذار، والإقرار بأن الأرض مسطحة، والنجوم تزين السماء، وترجم الشياطين.
إذا أردنا، نحن السوريين، أن نتطور، مثل غيرنا من شعوب الأرض، يجدر بنا أن نعيد للعلوم الدنيوية أهميتها، ونعتمدها ضمن دستور الدولة، وقوانينها، وهنا، سأوضح لحضراتكم، أن دراسة علوم الدين، متاحة لجميع الناس، باعتبارها شأنًا شخصيًا، ولكن، حينما يتطلب الأمر إقرارها في مناهج التعليم، فيجب أن نتوخى الحذر، ونركز على النصوص التي تدعو إلى التعايش بين الناس، والعمل، والمحبة، والإحسان، ونتجنب النصوص التي نزلت في مناسبات قتالية، فيؤدي التشبع بها إلى الاقتتال بين أبناء الوطن.
قيل لقاضٍ بريطاني: يجب عليك أن تحكم بالعدل. فقال: أنا أحكم بالقانون، والجدير بكم، أن تضعوا قوانين عادلة، لكي أستطيع، أنا القاضي، أن أكون عادلًا. هذا المثال، يأخذنا إلى ما يجري في بلادنا هذه الأيام، وخاصة بعد الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في الساحل، إثر العملية التي قامت بها جماعات مسلحة، استهدفت عناصر تابعة لقوات الأمن. رئيس السلطة المؤقتة، شكل لجنة لتقصي الحقائق، وقال إن الأشخاص الذين ارتكبوا تجاوزات، سيخضعون لمحاكمات عادلة، ولحكم القانون.
مرة أخرى، تلح علي عادة طرح الأسئلة، فأبدأ بالسؤال عن الجهة التي يمكن أن تجري محاكمات عادلة. هل تستطيعون، بالفعل، تشكيل محكمة، من خارج السلطة الحالية، وتقبلون بأحكامها؟ أم سيتولى الأمر وزير العدل الحالي؟ وأثني بالسؤال، عن القانون الذي سيخضع له هؤلاء المتجاوزون، هل هو القانون السوري الذي كان ساري المفعول أيام حكم بشار الأسد؟ هل تعترفون بذلك القانون؟ لماذا، إذن، ألغيتم المحاكم، وأحللتم مكانها المحاكم الشرعية؟!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :