اتفاق “دمشق” و”قسد” يعد بتقليص العجز وجذب الاستثمارات

  • 2025/03/16
  • 5:27 م
راعي أغنام يمر بالقرب من حقل الرميلان النفطي في شمال شرق سوريا- آب 2024 (أ ف ب)

راعي أغنام يمر بالقرب من حقل الرميلان النفطي في شمال شرق سوريا- آب 2024 (أ ف ب)

عنب بلدي – جنى العيسى

الاتفاق الذي وصف بـ”التاريخي”، بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، حول دمج الأخيرة بمؤسسات الدولة السورية، يبشر، إن اكتمل، بانعكاسات إيجابية على مختلف الصعد، ربما أبرزها القطاع الاقتصادي، لما تضمه الجزيرة السورية من ثروات ومحاصيل استراتيجية، قد تعزز مصادر خزينة الدولة وتخفف فاتورة تأمين هذه المواد.

لم تتضح حتى الآن تفاصيل الاتفاق في الشأن الاقتصادي، إلا أن أحد بنود الاتفاق تضمن دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.

تشكّل الجزيرة السورية مركز ثقل اقتصادي، وتعد المنطقة الأكبر التي تضم حقولًا وآبارًا نفطية، إذ تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، إلى أن إنتاج سوريا من النفط بلغ عام 2011 نحو 385 ألف برميل يوميًا، كان يتم تكرير 238 ألف برميل منها محليًا، ويتم تصدير المتبقي منها بعائد سنوي قدره نحو 3 مليارات دولار تقريبًا، فيما تعاني سوريا حاليًا من أزمات في تأمين المواد النفطية وتستوردها بكميات لا تلبي الحاجة.

إلى جانب آبار النفط والغاز، تعد منطقة الجزيرة أرضًا زراعية خصبة لأهم المحاصيل الاستراتيجية، أبرزها القمح والشعير والقطن، وهي محاصيل تعرضت لخسارات كبيرة خلال السنوات الماضية، بعد أن كانت مصدرًا رئيسًا لملء خزينة الدولة.

نقلة مهمة

يمثل الاتفاق بين حكومة دمشق و”قسد”، في حال تطبيقه، نقلة مهمة ستنعكس على الاقتصاد السوري بما يتوفر في تلك المناطق من ثروات، وهذا سيدعم خزينة الدولة شبه الفارغة، أو على الأقل سد الاحتياج المحلي من المواد النفطية، وفق ما ذكره تقرير صادر عن مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نشر في 14 من آذار الحالي.

وأوضح التقرير أن فتح تلك المناطق على المناطق السورية الأخرى سيعزز الحركة التجارية ويخلق فرص عمل، ويسهم في تحسين الخدمات والمستوى المعيشي للسكان، وخاصة مشاريع الكهرباء والمياه، وكذلك سينعكس الأمر على إعادة الإعمار، فوحدة سوريا واستقرارها ستسهم في جذب رؤوس الأموال للاستثمارات، وستشجع الدول على البدء بمشاريع إعادة الإعمار، إذ يعتبر وجود حكومة مركزية عاملًا دافعًا للاستثمار والدعم.

إيرادات وخدمات وغذاء

تشير التقارير إلى أن مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” تضم حوالي 90% من الثروة النفطية و45% من الغاز الطبيعي في سوريا، إذ تسيطر على 43 من أصل 78 حقلًا نفطيًا، كذلك فهي تسيطر على أهم حقول النفط في سوريا مثل “الرميلان” و”السويدية” و”العمر” و”التنك”.

عودة حقول النفط والغاز الطبيعي إلى الحكومة السورية تعني زيادة إنتاج النفط والغاز، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض فاتورة الاستيراد، بحسب ما أكده الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور محمد الغريب لعنب بلدي.

وأضاف الغريب أن الإنتاج المحلي من النفط والغاز في هذه الحالة سيغطي نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، وهذا سيؤدي إلى تقليص العجز بالميزان التجاري في سوريا، وتخفيض المدفوعات بالقطع الأجنبي، ما يسهم في تحسن قيمة الليرة بشكل حقيقي.

 

عودة حقول الغاز الطبيعي ستسهم بتحسن واقع الكهرباء في سوريا، وهو ما سيدعم القطاع الصناعي بشكل أساسي ويسهم في عودة عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى تحسن الوضع المعيشي للمواطنين وتخفيض تكاليف الكهرباء التي يدفعها المواطن.

محمد الغريب

دكتور في الاقتصاد

من ناحية أخرى، يتوقع الدكتور محمد الغريب أن ترفد إيرادات النفط والغاز خزينة الدولة بإيرادات كبيرة، وبذلك ستتمكن الحكومة من زيادة قيمة الموازنة العامة للدولة، بحيث يتم زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار من جهة، والإنفاق على زيادة الرواتب من جهة أخرى، وهذا يعني تحسن الوضع المعيشي للمواطن السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على زيادة الإنفاق الاستهلاكي للمواطن وبالتالي تنشيط الأسواق والحركة التجارية.

حول الثروات الزراعية الموجودة شرقي البلاد، أشار محمد الغريب إلى أن منطقة الجزيرة تعتبر السلة الغذائية لسوريا، فهي تتضمن أهم المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح والقطن، إذ تنتج منطقة الجزيرة أكثر من مليوني طن من القمح سنويًا، وهو ما يعادل 55% من إنتاج سوريا من القمح، وكذلك تنتج أكثر من 500 ألف طن من القطن، وهو ما يعادل 78% من إنتاج البلاد.

ستسهم سيطرة الدولة على هذا الإنتاج الزراعي الاستراتيجي في توفير نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، ومستقبلًا يمكن تصدير الفائض من المحاصيل الزراعية، وهذا ما سيحقق وفرًا في القطع الأجنبي، ويساعد في تحسن قيمة الليرة السورية بشكل ملموس.

حول أولويات القطاعات الاقتصادية التي يجب العمل عليها شمال شرقي سوريا، يرى الدكتور محمد الغريب ضرورة دعم القطاع الزراعي من خلال إنشاء المشاريع الإنمائية الزراعية، ودعم المزارعين من خلال قروض التمويل الأصغر، وتوفير الاحتياجات الضرورية للمزارعين، وهذا بدوره سينعكس على تحسن الإنتاج الزراعي.

ويجب الالتفات إلى دعم مشاريع البنية التحتية في مناطق شمال شرقي سوريا، مثل الطرق والجسور والكهرباء وتوفير المياه لمختلف المناطق، وفي مرحلة لاحقة يجب أن يتم التوجه إلى دعم المشاريع الصناعية وقطاع الخدمات في المنطقة.

إمكانات تنتظر الاستغلال

في 2010، قدّرت دراسات دقيقة أجرتها المؤسسة العامة للنفط الاحتياطيات النفطية في سوريا بنحو27 مليار برميل من النفط و678 مليار متر مكعب من الغاز، دون حساب احتياطيات المناطق البحرية، ما يشير إلى إمكانات هائلة في هذا القطاع تنتظر الاستغلال، وفق ما يرى الخبير الجيولوجي المتخصص في اكتشاف النفط والغاز رياض النزال.

النزال أشار في مقال رأي نشر مطلع العام الحالي إلى حاجة ملحة لاستغلال كافة الموارد المتاحة لدعم جهود إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد، مركزًا بشكل رئيس على ضرورة تعافي قطاع النفط، لأنه يمثل أهم ركائز الاقتصاد السوري وأبرز روافده المستقبلية.

وأوضح رياض النزال، أنه لاستثمار احتياطيات النفط، يتطلب الأمر إعادة هيكلة شاملة للقطاع النفطي في سوريا، إذ يجب أن تبدأ هذه الجهود بتأهيل الحقول العاملة وإعادتها للإنتاج بشكل تدريجي، وفق خطة متكاملة تعتمد على الكوادر الوطنية المؤهلة.

كما ينبغي تشجيع عودة الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاع، مع ضرورة مراجعة شروط عقود الخدمة، بما يضمن تحقيق استثمار مستدام يعزز من إمكانيات القطاع ويضمن تنمية المجتمعات المحلية في المناطق التي تحتضن هذه المشاريع.

 

ينبغي إعطاء الأولوية لتشغيل حقول “السويدية” و”الرميلان” و”كرا تشوك” و”حمزة” و”اليوسفية” و”شرق خربت” في شمال شرقي سوريا، لجاهزيتها النسبية وإنتاجيتها العالية وارتباطها بمنشآت معالجة الغاز في محطة الغاز المرافق بـ”السويدية”، لتوليد الكهرباء والغاز المنزلي، و”محطة تل عدس” لمعالجة وضخ النفط.

بينما تحتاج حقول دير الزور الى جهد أكبر من إعادة تأهيل وتشغيل وربط الآبار المنتجة بمحطات التجميع من حقول “العمر” و”التيم” و”التنك” و”الورد” و”نيشان” و”أبو خشب”، وينطبق الأمر ذاته على حقول الغاز في المنطقة الوسطى، لارتباطها المباشر بمحطات توليد الكهرباء التي تغذي المدن والمناطق الصناعية.

رياض النزال

خبير جيولوجي

في السياق نفسه، يجب إدخال حقول جديدة في الإنتاج عبر تفعيل الحملات الاستكشافية لتقييم التراكيب الواعدة في محافظات الحسكة ودير الزور وحمص، التي أثبتت الدراسات والمسوحات الزلزالية وجود شواهد نفطية فيها قبل عام 2011، كما يجب التوسع في الاستكشاف ضمن المياه الاقتصادية السورية في البحر المتوسط.

مقالات متعلقة

  1. "قسد" توقّع عقدًا مع شركة أمريكية لتحديث حقول النفط
  2. أمريكا وحقل "العمر".. قاعدة عسكرية أم ثروة نفطية
  3. "التنك" ثاني أكبر حقل نفطي في سوريا يستأنف الإنتاج
  4. محاصيل زراعية في دير الزور بحاجة إلى قطرة من بحر النفط

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية