الإعلان الدستوري.. جدل حول الهوية وصلاحيات الرئيس

  • 2025/03/16
  • 1:03 م
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يوقع على مسودة الإعلان الدستوري - 13 من آذار 2025 (سانا)

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يوقع على مسودة الإعلان الدستوري - 13 من آذار 2025 (سانا)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

لاقت مسودة الإعلان الدستوري التي تسلمها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 من آذار الحالي، موجة انتقادات، تبعتها محاولات توضيح لبعض البنود، في حين تركز الجدل حول بنود يراها مراقبون أنها تمهيد لصلاحيات مطلقة بيد رئيس الجمهورية.

الإعلان أثار جدلًا واسعًا، خصوصًا في شمال شرقي سوريا، إذ اعتبر كل من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) و”الإدارة الذاتية” وحتى منافسهما التقليدي “المجلس الوطني الكردي” أن الدستور المقترح لم يعترف بحقوق المكونات السورية، ومنها المكون الكردي.

وعلى الجانب الآخر، وقف قانونيون سوريون عند البنود المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، إذ لم توضح بنود المسودة صلاحيات الرئيس بدقة، أو آليات مساءلته إن أخطأ، أو حتى مساءلة الوزراء، إلى جانب الجزئية التي تتحدث عن تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) السوري من قبل الرئيس.

ومر الجدل الحاصل حول مسودة الإعلان على هوية الدولة، التي تركتها اللجنة كما وردت في الدستور السابق، جمهورية عربية، يحكمها رئيس مسلم، تستمد قانونها من الشريعة الإسلامية.

الرئيس يعيّن من يسائله

عقب ساعات على الإعلان عن مسودة الإعلان الدستوري، قال المتحدث باسم لجنة صياغة المسودة، عبد الحميد العواك، خلال مؤتمر صحفي، إن اللجنة اختارت نظامًا سياسيًا يعتمد الفصل التام بين السلطات.

وأضاف العواك أن النظام السياسي المقترح في مسودة الإعلان الدستوري يساعد على إدارة المرحلة الانتقالية، لافتًا إلى أن مجلس الشعب لا يملك صلاحية مساءلة الرئيس، كما أن الرئيس لا يملك صلاحية إقالة أو مساءلة أعضاء مجلس الشعب.

من جانبها، قالت العضو في اللجنة ريعان كحيلان، خلال المؤتمر الصحفي نفسه، إنه ضمن النظام السياسي الرئاسي القائم على الفصل الجامد بين السلطات، لا يسأل الرئيس أمام مجلس الشعب، لكن الرئيس سيشكل لجنة دستورية عليا من ذوي الكفاءات العلمية، وستكون هذه اللجنة هي المعنية بمساءلة رئيس الجمهورية.

ولفتت إلى أنه وفق خصائص النظام الرئاسي، تعتبر هذه اللجنة غير معنية بعمل مجلس الشعب، كما أن المجلس غير معني بعملها.

القانوني السوري غزوان قرنفل قال، إن التركيز الشديد للسلطة بيد الرئيس الذي يتولى الإدارة التنفيذية للبلاد دون أن يكون مسؤولًا عن أفعاله، ودون إمكانية استجوابه أو مساءلته بوصفه رئيسًا للسلطة التنفيذية، يعتبر انتقادًا قائمًا.

وأضاف أن التبرير أو التفسير الذي قدمه أعضاء اللجنة، بأنهم اعتمدوا النظام الرئاسي وهذا النظام لا يتيح مساءلة الرئيس، هو تبرير غير دقيق، معتبرًا أن هذه التبريرات تخالف الواقع والحقائق الدستورية في العالم.

اللجنة المعِدّة لمسودة الإعلان الدستوري قالت إن هذا النظام متبع في العديد من الدول ذات النظام الرئاسي ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن قرنفل قال إن المثال لا يعكس الواقع، ففي أمريكا يعتبر الرئيس مسؤولًا عن أعمال إدارته ويُسأل من قبل “الكونجرس” إن أخطأ.

وتابع قرنفل أن “الكونجرس” يملك في حالات معيّنة إمكانية عزل الرئيس من منصبه مثل حالة شروع “الكونجرس” بعزل الرئيس نيكسون على خلفية فضيحة “ووترغيت”، ما اضطر نيكسون للتعجل بالاستقالة تجنبًا للعزل، وأيضًا حالة كلينتون عندما أقسم يمينًا كاذبًا ليغطي على فضيحته الجنسية مع مونيكا لوينسكي، ما اضطره للاعتراف بأنه كذب وقدم اعتذارًا للأمة لاحقًا.

ولفت القانوني السوري إلى أنه في الحالة السورية، الرئيس ليس فقط محصنًا من المساءلة والعزل، بل هو من يعيّن أعضاء المحكمة الدستورية، وهو من يعيّن أعضاء مجلس الشعب، وهذا المجلس لا يملك صلاحية أن يستدعي الرئيس بصفته رئيس السلطة التنفيذية، لمساءلته عن قضايا تتعلق بسلوك أو قرارات تصدر عن إدارته، كما لا يملك حتى صلاحية مساءلة الوزراء.

وأضاف، “نحن بهذا الإعلان نصنع فرعون”، وفق تعبيره.

حاولت عنب بلدي مرارًا التواصل مع أعضاء في لجنة إعداد مسودة الدستور، ومتحدثها الرسمي، للوقوف عند النقاط التي لقيت انتقادات، لكنها لم تتلقَّ ردًا على الأسئلة حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

وحددت المسودة مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ.

وينص الإعلان على أهمية القضاة وأحكامهم واستقلاليتهم، وترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب.

وكان الشرع أصدر قرارًا، في 2 من آذار الحالي، بتشكيل لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري في سوريا، وضمت اللجنة كلًا من: عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلخي، أحمد قربي، بهية مارديني.

هوية الدولة والرئيس

ورد في المادة الأولى من الإعلان الدستوري اسم الجمهورية العربية السورية، في تعريف هوية الدولة، بينما جاءت المادة الثالثة في ثلاث نقاط، أولاها تعيد ما ورد في دساتير سابقة، أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، والفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع، بينما أقرت المادة الرابعة أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلاد.

المادة العاشرة أيضًا ذكرت أن المواطنين السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.

وذكرت المادة الـ15 من الإعلان، أن العمل حق للمواطن وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

القانوني السوري غزوان قرنفل لفت خلال حديثه لعنب بلدي إلى وجود تناقض بين البنود، إذ لا يمكن اعتبار المواطنين متساوين أمام القانون السوري في الحقوق والواجبات، في حين يشترط أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا.

وقال قرنفل، إن “دين رئيس الدولة يناقض مبدأي المواطنة المتساوية، ومبدأ تكافؤ الفرص في تولي الوظيفة العامة وينسفهما”.

وأضاف أن الدستور ليس فقط نصوصًا حقوقية جامدة، إنما يجب أن يكون مساحة تلاقٍ وطني، ونطاقًا جامعًا للسوريين، وليس محورًا للتنافر والخلاف والانقسام الوطني، وفق تعبيره.

انتقادات باتجاهين

حملت الانتقادات التي وجهت للإعلان الدستوري أكثر من نمط ظاهر، منها ما خلط بين طبيعة الإعلان الدستوري وبين الدساتير الدائمة، وطالب بالمزيد من المواد الدستورية والكثير من التفاصيل، بينما تركز قسم آخر على قضايا رئيسة، منها قضايا معقدة ذات صلة بالهوية مثل اسم الدولة، ودين الرئيس، وعلاقة الدين بالدولة، وفق ما قاله الباحث القانوني في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، لعنب بلدي.

واعتبر العبد الله أن اللجنة التي عملت على إعداد مسودة الإعلان الدستوري، ركزت “بشكل منطقي” على التوافقات السابقة في سوريا وخاصة دستور 1950 الذي فردت له مكانة خاصة، كما أضافت نصوصًا تكفل التنوع وتظهر ضمانات ثقافية ولغوية للسوريين، كما في المادة السابعة من الباب الأول.

وركزت المادة السابعة على إحقاق التعايش والاستقرار المجتمعي، وحفظ السلم الأهلي، ومنع أشكال الفتنة، كما كفلت المادة نفسها التنوع الثقافي للمجتمع بجميع مكوناته، إلى جانب الحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.

وطال قسم من الانتقادات تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي في سوريا، وهي قضية جوهرية تتعدد فيها الآراء بين من يخشى من نشوء استبداد جديد وبين من يرى ذلك ضرورة عملية وواقعية، ويقدم أمثلة دولية عديدة عن نجاح هذا النظام في دول ديمقراطية كالولايات المتحدة، وفق الباحث.

واعتبر العبد الله أن من الضروري في إطار هذه الانتقادات ملاحظة جانبين اثنين، الأول طبيعي ضمن نظام الحكم الرئاسي، وهو حصر الصلاحيات التنفيذية بيد الرئيس لعدم وجود رئيس وزراء، أما الثانية فهي عدم وجود نص صريح لتولي رئيس الجمهورية لرئاسة مجلس القضاء الأعلى وهذه نقطة إيجابية لاستقلال السلطة القضائية.

ولفت إلى أن استمرار النص على تعيين رئيس الجمهورية لأعضاء المحكمة الدستورية يمثل مراوحة في المكان، وكان يمكن أيضًا التقدم نحو استقلالها، كأن يصبح الأعضاء منتخبين من البرلمان، وكذلك عدم وجود أي نص يمنح الرئيس سلطة تشريعية كما جرت العادة في دساتير سابقة، حيث يقتصر دوره على تقديم مقترحات القوانين وهذا أمر طبيعي.

رفض كردي

غداة توقيع مسودة الإعلان الدستوري، أصدرت أطراف سورية مواقف منها، إذ أعلن “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) رفضه للإعلان الدستوري، وقال إن موقفه امتداد لرفض “مؤتمر الحوار الوطني”، معتبرًا أن كل ما يُبنى على نتائج هذا المؤتمر “سيبقى قاصرًا عن معالجة القضية الوطنية”.

وقال “مسد”، وهو المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقي سوريا، في بيان له، إن الإعلان الدستوري “يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما يقيّد العمل السياسي ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطل مسار التحول الديمقراطي”.

المجلس الوطني الكردي“، وهو أحد أقطاب السياسة الكردية شمال شرقي سوريا، أبدى من جانبه رفضه للإعلان الدستوري.

وقال عضو الأمانة العامة لـ”المجلس”، شلال كدو، لشبكة “رووداو“، إن الإعلان الدستوري “كتب بعقلية تقوم على أمة واحدة ودين واحد”، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد.

وطالب كدو باتخاذ بعض الإجراءات لإصلاح الإعلان، بحيث “يضمن حقوق جميع القوميات والمكونات في البلاد، لأن خمس سنوات ليست مدة قصيرة لإدارة بلد”.

من جانبها، قالت “الإدارة الذاتية“، إن الوثيقة الجديدة “تضم بنودًا ونمطًا تقليديًا يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة من قبل حكومة البعث”.

وأضافت أن الإعلان يتنافى مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، ووصفته بأنه “تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية”.

مقالات متعلقة

  1. سوريا.. رفض كردي وترحيب أممي بالإعلان الدستوري
  2. ما أبرز مواد الإعلان الدستوري في سوريا
  3. عن مسودة الإعلان الدستوري المسربة
  4. الإعلان الدستوري يجرم تمجيد الأسد.. ما العقوبات؟

سوريا

المزيد من سوريا