اتفاق يحلحل عقدة “قسد”.. هل يستمر

  • 2025/03/16
  • 12:39 م
الرئيس السوري أحمد الشرع خلال توقيع الاتفاق مع مظلوم عبدي على اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية- 10 من آذار 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

الرئيس السوري أحمد الشرع خلال توقيع الاتفاق مع مظلوم عبدي على اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية- 10 من آذار 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

شكّل توقيع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مجاورًا لتوقيع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، على اتفاق حمل ثمانية بنود، بداية حل لعقدة شمال شرقي سوريا التي كانت الشغل الشاغل للحكومة السورية منذ وصولها إلى دمشق في كانون الأول 2024.

وبينما لم تبدُ بنود الاتفاق واضحة من الناحية العملية، وركزت على العموميات، جاء في البند الأخير أن لجانًا تعمل من الطرفين على تطبيق البنود، خلال مدة زمنية أقصاها نهاية العام الحالي، تاركة توضيح هذه البنود لتسريب هنا وتحليل هناك.

تصريحات تيارات “قسد” السياسية في “الإدارة الذاتية” و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، عززت حالة الضبابية المحيطة بالاتفاق، إذ جاءت متناقضة عمّا خرج للعلن رسميًا.

“قسد”.. تناقض بين العسكر والساسة

في أول تعليق له على الاتفاق التاريخي باندماج “قسد” تحت راية وزارة الدفاع السورية، كتب قائد “قسد”، مظلوم عبدي، عبر حسابه في “إكس“، في 11 من آذار الحالي، “في هذه الفترة الحساسة، نعمل معًا لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار. نحن ملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق تطلعاتهم في السلام والكرامة. نعتبر هذا الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار”.

وذكر عبدي أيضًا في لقاء مع مجلة “المجلة” السعودية، أن أحمد الشرع هو رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، وأن “التأخير في موضوع التهنئة” للرئيس الشرع حصل بسبب “عدم حضورنا” حفل “يوم النصر” الذي جرى فيه تنصيب الشرع رئيسًا، في 29 من كانون الثاني الماضي.

وفي وقت ركز فيه عبدي على الحالة الإيجابية التي أعقبت الاتفاق مع دمشق، كان لجناحي “قسد” السياسيين رأي آخر، إذ قالت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، إلهام أحمد، عبر “إكس”، إن “الاتفاق بين قواتنا (قسد) والإدارة الانتقالية السورية يأتي في سياق الأحداث المؤلمة التي يشهدها أهلنا في الساحل، وهو خطوة تهدف إلى إيقافها، وإيقاف كامل العمليات العسكرية على الأرض السورية”.

وأضافت، “نأمل أن يمهد هذا الاتفاق الطريق لمصالحة وطنية شاملة، ومسار عدالة انتقالية حقيقي، يضمن إشراك الكرد وجميع المكونات الأخرى في العملية السياسية، ويحقق العودة الآمنة للمهجرين والمغتربين”.

من جانبه، قال “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) عبر بيان عقب الإعلان عن الاتفاق، “إننا في (مجلس سوريا الديمقراطية) إذ نبارك هذا الاتفاق كخطوة نحو الحل السياسي، نؤكد أن نجاحه مرهون بمدى التزام جميع الأطراف بروح التغيير الحقيقي، والعمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادة شعبها، وتحقق طموحاته، وتكون جزءًا من العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان”.

ولم يفوّت “مسد” فرصة التذكير بأحد الخلافات الجذرية التي كانت عثرة أمام التوصل لتوافق، وهو مطالب “قسد” بسوريا لامركزية، وهو ما كانت ترفضه دمشق على الدوام.

الاتفاق المعلن بين الأطراف حديثًا لم يتطرق إلى هذه الجزئية، وجاء في أحد بنوده أن مؤسسات “الإدارة الذاتية” الخدمية والمدنية، ومؤسسات “قسد” العسكرية والأمنية، ستنضم لدمشق.

“مسد” قال في بيانه، إن “سوريا لكل السوريين، دولة ديمقراطية تعددية لامركزية، تليق بتضحيات شعبها، وتأخذ مكانتها الحضارية والإنسانية بين الأمم”.

بدفع أمريكي

في 12 من آذار الحالي، أي بعد مرور ساعات على تقيع اتفاق “قسد”- دمشق، نقلت وكالة “رويترز” عن ستة مصادر (لم تسمّها) قولها، إن الولايات المتحدة شجّعت حلفاءها في “قسد” على التوصل إلى اتفاق مع الحكومة في دمشق في وقت يسود فيه عدم اليقين بشأن مستقبل القوات الأمريكية المنتشرة هناك.

وقال ثلاثة مسؤولين أمريكيين للوكالة، إن الولايات المتحدة شجعت “قسد” على التحرك نحو اتفاق لحل وضعها في سوريا الجديدة، وهي محور المحادثات متعددة المسارات التي بدأت بعد الإطاحة ببشار الأسد.

وقال مصدر استخباراتي إقليمي كبير، إن “الولايات المتحدة لعبت دورًا حاسما للغاية”، وفق “رويترز”.

وتوقع المصدر الاستخباراتي، ودبلوماسي مقيم في دمشق، أن يخفف الاتفاق الضغط العسكري التركي على “قسد”، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المدرج على لوائح الإرهاب لديها.

ورغم مرور يومين على توقيع الاتفاق، لحظة تحرير هذا التقرير، لا تزال العمليات العسكرية مستمرة بين فصائل انضمت للجيش السوري مؤخرًا (الجيش الوطني السوري)، وكانت مدعومة من تركيا سابقًا، وفق بيان نشرته “قسد” أعلنت خلاله عن تصعيد عسكري قائم شرقي محافظة حلب السورية.

“رويترز” نقلت أيضًا عن مسؤول دفاعي أمريكي، أن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، ساعد في دفع “قسد” نحو الاتفاق.

وقبيل الإعلان عن الاتفاق بساعات، أعلنت “سينتكوم” أن قائدها الجنرال مايكل كوريلا زار شمال شرقي سوريا، والتقى قادة عسكريين أمريكيين، إضافة إلى قادة “قسد”، في ثاني زيارة من نوعها خلال أقل من شهرين.

جاء ذلك ضمن جولة في المنطقة خلال الفترة بين 5 و8 من آذار الحالي، شملت أيضًا إسرائيل والأردن والسعودية، وفق “سينتكوم”.

اتفاق “تاريخي يُحسب للطرفين”

شكّل الاتفاق بين “قسد” ودمشق نقلة نوعية في سياق الأحداث القائمة في سوريا، ووصفه الباحث في شؤون فواعل ما دون الدولة بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، بـ”اتفاق تاريخي يحسب لكل من الرئيس أحمد الشرع، وقائد (قسد) مظلوم عبدي”.

وأضاف شيخ علي لعنب بلدي أن الشرع أعاد بإعلان الاتفاق مركزية دمشق في حل القضايا الداخلية، خصوصًا أن الملف كان يعرف بأنه قضية شائكة تحمل في طياتها تشابك مصالح أطراف محلية مع أخرى إقليمية ودولية.

ولفت إلى أن بنود الاتفاق لا تزال غير واضحة، لكن الأهم فيما حصل أن الأطراف توصلت لاتفاق معلن دون النقاشات التي كانت تجري بعيدًا عن الضوء، وكانت تُعرقَل من جانب أطراف أجنبية.

شيخ علي قال إن رسالة أوجلان التي أُطلقت حديثًا للمطالبة بحل حزب “العمال الكردستاني” وإلقاء سلاحه، أسهمت إيجابًا بحل ملف “قسد” في سوريا، عبر تحييد العناصر الأجانب من “العمال”، الذين كانوا يهيمنون على قرار “قسد”، ويعرقلون مسار الحوار.

وسبق أن اشترط حزب “العمال الكردستاني” (PKK) أن تحظى “قسد” بدور قيادي في سوريا، للموافقة على مغادرة الأراضي السورية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في “الحزب” (لم تسمّه)، منتصف كانون الثاني الماضي، قوله إن “العمال” سيوافق على مغادرة شمال شرقي سوريا إذا احتفظت “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة بدور قيادي.

من جانبه، أرجع الخبير في شؤون المتعاقدين الحكوميين، والعامل سابقًا مع التحالف الدولي لمحاربة “تنظيم الدولة” في سوريا، مزاحم السلوم، تضارب التصريحات بين “قسد” و”الإدارة الذاتية” إلى وجود تيارات داخل سلطات شمال شرقي سوريا.

وقال السلوم، إن التسوية التي انخرط فيها عبدي مع دمشق ترجع لعدة أسباب، أبرزها أن “العمال الكردستاني” يعيش حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من سوريا.

وأضاف لعنب بلدي أن مظلوم عبدي لا يريد أن يخرج من المعادلة دون مكاسب، فتلاقت مصلحته مع مصلحة دمشق.

جناحان في “قسد”

لا تعتبر المرة الأولى التي تتضارب فيها التصريحات الخارجة من شمال شرقي سوريا، إذ رُصدت هذه الحالة سابقًا مع المواجهات العسكرية التي شهدتها محافظة دير الزور بين “قسد” ومكونات عشائرية من أبناء المحافظة نفسها.

ورُبط هذا التضاد في التصريحات حينها، بخلاف بالموقف تجاه التطورات الحاصلة حينذاك في دير الزور، بين تيار مقرب من الولايات المتحدة يقوده مظلوم عبدي، وبين حزب “العمال الكردستاني” الذي يملك نفوذًا على نطاق واسع في شمال شرقي سوريا، حتى إن خبراء رجحوا أن نفوذ “العمال” يفوق قدرة عبدي على التأثير في المنطقة.

مزاحم السلوم قال في حديثه لعنب بلدي، إن الموقف المضاد الصادر عن “قسد” و”الإدارة الذاتية” تجاه الاتفاق مع دمشق، ومن ضمنه ربط إلهام أحمد الاتفاق بأحداث الساحل السوري، يعود لتأثير الجناح الذي يقوده ألدار خليل في شمال شرقي سوريا.

وأضاف أن تيار ألدار خليل يُعتبر النقطة المحورية التي تربط بين بافل طالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) وجميل بايق (حزب العمال الكردستاني)، وهو ذو تأثير كبير في أروقة “قسد”.

ولفت إلى أن مظلوم عبدي تلقى تهديدات بالاغتيال من قبل “العمال الكردستاني”، عندما حاول الدفع باتجاه اتفاق سلام، ينتهي بإزالة قادة “الحزب” من شمال شرقي سوريا، وفق معلومات اطلع عليها السلوم.

وأضاف أن تصريحات إلهام أحمد مؤخرًا لا توجه رسالة إلى الرأي العام وحسب، إنما إلى ضباط نظام الأسد المخلوع، الذين يعملون من/عبر المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد”، بالتعاون مع حزب “العمال”، الذي ينسق بدوره مع “الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات العراقية المدعومة من إيران.

وخلال الأسبوع الماضي، انفجرت أعمال عنف في الساحل السوري، بدأت بمحاولة مجموعات تدين بالولاء لنظام الأسد المخلوع، السيطرة على مساحات من الساحل، وأطلقت الحكومة السورية عمليات عسكرية ضد المجموعات الموالية للنظام السابق في المنطقة، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى.

مهم من حيث التوقيت

تعقيبًا على اتفاق الشرع- عبدي، قال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” ساشا العلو، عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك”، إنه جاء في ظرف مهم من ناحية التوقيت والسياق الأمني، “واضح بالعموم، غامض في التفاصيل، حذر في التطبيق، مُعطِّل لموجة عنف مُحتملة، وربما مؤجِّل لها، غير مفاجئ بالنسبة للمعطيات السياسية والعسكرية على الأرض”.

وفي إطار مفاوضات الطرفين التي انطلقت منذ سقوط النظام، أشار الباحث إلى ورقة بحثية نشرها في مركز “عمران” منتصف شباط الماضي، حول الموقف التفاوضي والسيناريوهات المحتملة، وعلى رأسها نجاح المفاوضات واحتمالية دمج القوات بين الجانبين.

ورأت الورقة حينها أنه بقدر ما يبدو سيناريو نجاح المفاوضات “شاقًا ومعقدًا”، قد يكون المَخرج الأمثل لمختلف الأطراف، وذلك لما قد يؤمنه من تجنيب المنطقة سيناريوهات أسوأ، على رأسها المواجهة العسكرية، وما قد يتلوها من ارتدادات أمنية، سياسية، اجتماعية، إنسانية، تبدو الأطراف المحلية بغنى عنها خلال الظروف الحالية.

وأضافت أنه في حال نجاح سيناريو التوافق، من المتوقع أن يتضمن اتفاقًا أوليًا حول مسائل عدة، منها انسحاب “قسد” من المناطق والمحافظات ذات الغالبية العربية (دير الزور، الرقة)، وانتشار قوات دمشق مكانها، إضافة إلى دمج “قسد” من المحليين السوريين عربًا وكردًا ضمن صفوف وزارة الدفاع وفق آليات متفق عليها من الطرفين، ومنح بعض قادة “قسد” رتبًا عسكرية في الجيش، ومغادرة القيادات الأجنبية للأراضي السورية.

مقالات متعلقة

  1. تياران داخل "قسد".. أمريكا والمكتسبات يمنعان الصدام
  2. الحوار الكردي- الكردي تفشله معركة "تقاسم السلطة"
  3. عشائر الشرق.. مؤشرات على أدوار مقبلة
  4. عقدة شمال شرقي سوريا بانتظار الحل

سوريا

المزيد من سوريا