تشرف مديرية التربية في حلب، التي تأسست قبل عامين تقريبًا ويعمل فيها 200 موظف بين إداري وفني، على المدارس في المدينة والريف وعددها حوالي 600 مدرسة، تقدم التعليم لحوالي 170 ألف طالب، وتتبع مناهج أقرتها وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.
ويوجد في حلب المدينة 1400 معلم ومعلمة، 12% منهم يحملون الشهادة الإعدادية كمحصل علمي.
ويعد واقع القطاع التعليمي في المدينة والريف أفضل بكثير مقارنة مع بقية المناطق، كدرايا في ريف دمشق والأحياء والبلدات المحاصرة، لجهة توفر المستلزمات التعليمية والكوادر وسخاء الداعمين، لكن المديرية تعاني من صعوبات عديدة، أبرزها عدم “توفر الكتب” بالقدر الكافي، كما يقول مدير التربية في حلب، محمد مصطفى، لعنب بلدي، “الوزارة تطبع أقل من 30% من حاجة الطلاب والمدارس الفعلية، كما أن تدوير الكتب المدرسية المسترجعة من الطلاب مع نهاية كل فصل دراسي في حدودها الدنيا بسبب الهجرة والنزوح”.
ويتفاوت توفر الكتب بين مرحلة تعليمية وأخرى بسبب تفاوت عدد الطلاب خلال هذه المراحل، ويتم توفيرها بالتعاون مع هيئة علم والحكومة المؤقتة ومؤسسة السنكري للأعمال الإنسانية.
ويشكل طلاب الحلقة الأولى 80% من إجمالي عدد الطلاب، ويشكل الطلاب من الصف الخامس حتى التاسع حوالي 15% من عدد الطلاب، فيما يشكل طلاب المرحلة الثانوية النسبة الأقل بحدود 5%.
كيف تتسرب الكوادر التعليمية؟
خلال السنوات الأربع الماضية كان أغلب العاملين في الحقل التعليمي في حلب وريفها يعملون بشكل تطوعي، إلا من يتم دعمه مباشرة من قبل المنظمات، ونسبتهم بحدود 30%، كما يقول مصطفى.
في حين أن النسبة الأكبر من المدرسين يعملون بشكل تطوعي (دون أجر)، إذ من الممكن أن تتجاور مدرستان، الأولى يحصل المدرسون فيها على 300 دولار شهريًا، والأخرى لا يحصل مدرسوها على شيء، “وهو ما خلق مشكلة للكوادر التي بدأت تتسرب”، وهذا كان عاملًا أساسيًا في تسرب الكوادر ليس فقط من حلب بل من مختلف المناطق المحررة.
يقول أحد المواطنين من حلب لعنب بلدي “كل مؤسسة تعليمية لها منهاج محدد خاص بها، كما أن سياسات التعليم لا تتبع لمديرية التعليم أو مجلس المحافظة بل للمنظمة.. التنسيق غير كاف بين المعنيين لإيجاد سياسة جيدة”.
ويقول مواطن آخر “تلعب المنظمات دورًا في تشتيت التعليم، عبر اختلاف المناهج واختلاف سياسات التعليم، وكذلك عبر دعم عدة جهات على حساب جهات أخرى وعدم اتباع المركزية في توجيه الدعم”.
ولمدير تربية حلب رأي في دور المنظمات في جذب الكفاءات تحت إغراءات الرواتب، ما خلق حالة من عدم اليقين والاستقرار بين صفوف المعلمين، “كان للمنظمات دور كبير في جذب الكفاءات وإبعادهم عن الأعمال التطوعية، وهذا شيء لا يمكن إيقافه بسبب حاجة المواطنين للأمان وديمومة العمل والمردود المادي الأكبر، لكن النتيجة كانت القضاء على الكفاءات المتطوعة”.
منحة مالية توفّر الرواتب للمدرسين في حلب
يبدو أن وضع الكوادر التعليمية في حلب وريفها خلال الأسابيع الأخيرة يسير للأفضل بعد سنوات عجاف شهدت شحًا في الدعم، وغيابًا لمركزية القرار، وتسربًا كبيرًا للطلاب، بالتوازي مع حملات النظام العسكرية “الشرسة”. وقد أدى توقف إطلاق النار وتوفر منحة لمشروع “إدارة” من منظمة “كيمونكس” إلى توفير معاشات لجميع مدرسي المحافظة أينما وجدوا، بحيث لا يوجد الآن أي معلم أو معلمة دون أجر بحد أدنى 100 دولار وحد أعلى 300 دولار حسب مؤهلاته العلمية، كما يقول مدير التربية في حلب.
يقول وزير التربية والتعليم، عماد برق، إن المشروع يستهدف 12 ألف معلم في حلب وإدلب وريف دمشق.
التربية تجري فحصًا معياريًا لتطوير أداء المدرسين
بعد حصول مديرية التربية في حلب على المنحة المالية، قررت النهوض بالواقع التعليمي عبر إخضاع المدرسين ذوي الكفاءات المتواضعة إلى فحص معياري يثبت أن المدرس يملك مؤهلات تخوله الاستمرار بالتدريس، فخضع نحو خمسة آلاف معلم ومستخدَم وإداري للاختبار، وبحسب مدير التربية “كان لهذا الاختبار دور كبير في تحسين جودة التعليم”.
ونتيجة لذلك عاد جزء كبير من الكفاءات التي هجرت حقل التعليم إلى التجارة والزراعة، ويوجد حاليًا في حلب سبعة آلاف معلم ومعلمة، ويتفاوت معدل توفر المعلمين بين منطقة وأخرى، ففي الوقت الذي تشهد فيه مناطق المدينة والريف الشرقي شحًا في الكوادر، تتوفر في الريف الغربي والشمالي بشكل أكبر.
ولدى المقارنة بين مناطق المعارضة والنظام حاليًا في توفر الموارد البشرية اللازمة للنهوض بالعملية التعليمية أو على الأقل المحافظة على استمرارها، يتضح أن هناك شحًا كبيرًا في توفر المدرسين في مناطق المعارضة، مقابل ازدحام وبطالة مقنعة في مدارس النظام، التي تشرف عليها المعارضة (في المناطق المحررة)، فتلك المدارس “تقدر حاجتها الفعلية بحدود عشرة معلمين ويتوفر فيها 100 معلم بنسبة فائض تقدر 70%”.
تعليم من أجل شراء السلاح
يؤكد مدير التربية في حلب أنه ماتزال توجد في مناطق سيطرة المعارضة مدارس تديرها وزارة التربية في حكومة النظام، ولكن بإشراف مديرية التربية الحرة في حلب، ويتقاضى الموظفون والمدرسون رواتبهم من حكومة النظام، أي أنهم مايزالون على ملاك حكومة النظام، ويبلغ معدل وسطي راتب المدرّس بحدود 50 دولار. لكن هذه الحالة لن تستمر، وفق ما أكد مصطفى، والمرحلة المقبلة ستشهد تغييرًا لهذا الواقع، بحيث تصبح كل المدارس في المدينة والريف تحت إدارة مديرية التربية في حلب، وسيتم إخراج النظام منها، عبر عدة خطوات، أوضحها بقوله “سنقدم للمدرسين عرضًا للانضمام إلى مديريتنا والتعليم في مدارسنا، بحيث نتولى إدارة هذه المدارس ونشرف عليها أيضًا”.
وحول إمكانية نجاح هذه الخطوة، وفي حال قرر النظام سحب المدرسين إلى مناطقه، على غرار ما فعل في مناطق الإدارة الذاتية بعد أن فرضت الإدارة التعليم باللغة الكردية، قال مدير التربية “لا يتجرأ النظام على فعل ذلك، حكومته تحصل على أموال من المنظمات الدولية والأمم المتحدة بحجة أنها ماتزال تحتفظ بالكوادر التدريسية في المناطق الخارجة عن سيطرتها وتمنحها مستحقاتها، وتحصل على حوالي 800 دولار شهريًا لكل مدرس كراتب شهري، لكن في الحقيقة لا يمنح النظام المعلم إلا 50 دولارًا ويذهب الباقي لشراء السلاح”، مشيرًا إلى أن “سحب المدرسين من مناطق المعارضة يخرج هذه الحجة من يد وزارة التربية التابعة للنظام، ويمنع الأموال عنها ويضر بسمعة النظام دوليًا”.
مدارس حلب: من الفوضى ومناهج تنظيم “الدولة” إلى مديرية التربية الحالية
في بداية مرحلة التحرير عمت الفوضى كافة المناطق المحررة، وكثرت عمليات النهب التي لم تسلم منها المدارس.
وبدأت محاولات فردية تهتم بالتعليم، وحاول بعض الناشطين إعادة تأهيل المدارس حيث تمكنوا من دخول بعضها كتلك التي كانت موجودة على خطوط المواجهات وفي مرمى القناصة، مما أبعد يد الفوضى والنهب عنها. في تلك الفترة، وتحديدًا في بداية 2013، ظهرت صراعات على المناهج التعليمية، بسبب دخول فصائل عسكرية تحمل فكرًا غريبًا ومنها تنظيم الدولة.
في هذه الفترة بدأت تظهر المنظمات الداعمة للمدارس، وصارت كل منظمة أو مؤسسة تفرض أنظمتها الخاصة، وهذا خلف آثارًا سلبية بالرغم من إيجابيته.
هنا بدأت تظهر الحاجة لنظام تعليمي موحد، وانطلقت عدة مبادرات، مثل تجمع المعلمين، ونقابة المعلمين، ولكنها جميعًا باءت بالفشل.
مع بداية عام 2014 دخلت حلب مرحلة القصف بالبراميل، ما أدى إلى هجرة نسبة كبيرة من سكان المناطق المحررة، وخسرت حينها المدينة الكثير من الكفاءات بمن فيها الكوادر التعليمية.
في تلك المرحلة انتقلت المدارس إلى الأقبية أو الشقق السكنية بسبب استهداف النظام بشكل مقصود للمنشآت التعليمية، ومع هذه المرحلة بدأ يتبلور وجود مديرية التربية مع إمكانيات بسيطة.
المنظمات ترفض خطة لدعم الأسر ماديًا
تشكو مديرية التربية في حلب من الأوضاع الاقتصادية للأهالي وتصفها بـ “الصعبة” وتعتبرها العامل الأساسي لمنع الأهالي من إرسال أولادهم للمدارس، وتبلغ نسبة التسرب في الحلقة التعليمية الأولى حوالي 20%، وتقفز لأكثر من 80% في مرحلة التعليم الثانوي، بسبب “انصراف الطلاب للعمل”.
يقول مدير التربية “يبدأ الأطفال من الصف الخامس الابتدائي بالتحوّل إلى سوق العمل، حتى لا يكاد يتوفر في الشعبة الواحدة خمسة طلاب، ويتركز التسرب بشكل رئيسي في حلب المدينة، أما الوضع في الأرياف فهو أفضل”.
وفي تفسيره لحاجة الأهالي المادية وتأثير ذلك على التعليم خلال الحرب، يقول مدير التربية إنه بعد خمس سنوات من الصراع، حل بالمواطنين قحط شديد وارتفعت مستويات العوز، ما دعاهم للاتكال على أولادهم من أجل الحصول على المال والطعام، وهذا أبعدهم عن مقاعد الدراسة.
لكن مديرية التربية اقترحت على المنظات، لمواجهة هذه الظاهرة، دعم الأهالي مباشرة بالمبالغ المالية لتغنيهم عن تشغيل أولادهم، لكن “للأسف جوبهت طلباتنا بالرفض ونأمل أن يتحقق شيء من هذا في المستقبل”، يقول مدير التربية في حلب.
استشراء الفساد الإداري
يشيد مدير التربية في حلب بالجهود التي تبذلها الحكومة السورية المؤقتة، ممثلة بوزراة التربية والتعليم، في سعيها لتطوير عمل المديرية وقطاع التعليم في المنطاق المحررة ككل، ويؤكد أن للوزارة دورًا كبيرًا في ذلك، وكانت بمثابة “رأس الهرم” الإداري، وصوت المديرية أمام الداعمين والمجتمع الدولي.
ويقول إن المديرية التي تأسست “من الصفر” وعملت على تأسيس بنية لهيكل إداري يقع على عاتقه تنظيم قطاع التعليم في حلب وريفها، و”سيكون لها دور أساسي في استلام زمام الأمور بعد نجاح الثورة، وستتولى الأمور بشكل كامل، نظرًا لما يميزها عن قرينتها في حكومة النظام، حيث الفساد الإداري والبطالة المقنعة وانعدام المحاسبة والمساءلة”.
ما تزال بعض مناطق المعارضة السورية تحتفظ بمدارس يديرها النظام السوري، وتشرف هي عليها، والرابط الوحيد بين هذه المدارس والنظام السوري هو الراتب الشهري الذي يتقاضاه المعلمون من مؤسسات النظام (أي أنهم مايزالون على ملاك النظام) في عدد من مناطق إدلب وحلب وحماة وغيرها.
لا يمكن لهؤلاء المدرسون الانفكاك عن النظام في تلك المدارس، لعدم توفر البديل المادي في مؤسسات ومديريات التربية التابعة للمعارضة، لكن أكثر من مدير تربية في وزارة التربية التابعة للمعارضة أكد أن هذا الوضع سيتغير مع توفر الأموال، بحيث تشرف المعارضة على هذه المدارس وتديرها أيضًا، ما يعني رحيل النظام ومناهجه نهائيًا عن تلك المناطق.
تابع قراءة الملف الموسع: سوريا المحررة.. مقاعد مهجورة ومدارس في الأقبية والكهوف.
إدلب وحلب.. النصيب الأكبر من المدارس المدمرة.
النظام يشتري الأسلحة برواتب المعلمين في حلب.
الإدارة الذاتية و”تكريد” التعليم.
إدارة وتشغيل أول جامعة في حلب بعد الثورة.
بعد حلب.. تأسيس جامعة في إدلب.
السعودية تموّل برنامج “لأتعلم” بـ 17 مليون دولار.
بسبب الدمار.. تحويل البيوت في حمص إلى مدارس.
ثلاث مرجعيات تتحكم بالعملية التعليمية في إدلب.
النظام والمعارضة يتقاسمان المدارس والطلاب في حماة.
غوطتا دمشق.. القصف والجوع يُفقدان التلاميذ تركيزهم.
نقص “شديد” في توفر الكتاب المدرسي في درعا ووزارة التربية المؤقتة تنفي.
توزيع عشرة ملايين كتاب مدرسي في المناطق المحررة.
خبيرة تربوية تتنبأ بمستقبل “أسود” للتعليم في المناطق المحررة.
لقراءة الملف كاملًا: سوريا المحررة.. مقاعد مهجورة ومدارس في الأقبية والكهوف.