رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير خلال جولة داخل الأراضي السورية برفقة قائد القيادة الشمالية العسكرية وقائد الفرقة 210 وقادة أخرين- 9 من آذار 2025 (أفيخاي أدرعي)
سوريا.. على هوامش واشنطن وأولويات إسرائيل
لا تزال التحركات الإسرائيلية في جنوبي سوريا تميل إلى العدائية، رغم أن الإدارة السورية الجديدة حاولت مرارًا تقديم نفسها كجهة لا تشكل تهديدًا لأي بلد بمحيط الحدود السورية، إذ لا تزال الطائرات الإسرائيلية تنفذ ضربات في سوريا، تحت مبرر رفضها لوجود الجيش السوري في ثلاث محافظات سورية.
أحدث الضربات الجوية وقعت اليوم الخميس، 13 من آذار، واستهدفت مبنى في مشروع دمر بدمشق.
وقال مسؤول العلاقات الوطنية في “حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في سوريا، إسماعيل السنداوي، لعنب بلدي، إن الهجوم استهدف مبنى فارغًا تابعًا للحركة، ويعود لأمينها العام، زياد النخالة.
وكانت إسرائيل، استهدفت الاثنين 10 من آذار، مواقع متفرقة جنوبي سوريا، دون إعلان رسمي سوري عن طبيعة المواقع المستهدفة أو حجم الأضرار التي خلفتها الضربات.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، عبر “إكس”، إن طائرات حربية لسلاح الجو أغارت على مواقع في الجنوب السوري، استهدفت معدات عسكرية.
ولم تنحصر سياسة إسرائيل في سوريا باتجاه عسكري فقط، فرغم أن قواتها توغلت في الأراضي السورية منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، ظهرت مساع إسرائيل لدفع الولايات المتحدة نحو موقف عدائي من سوريا الجديدة أيضًا.
وفي 28 من شباط الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة (لم تسمّها) أن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولا مركزية”، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الساحل السوري لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.
المصادر قالت إن العلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا تعرضت لضغوط شديدة خلال حرب غزة، وأبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن أن “الحكام الإسلاميين الجدد” في سوريا الذين تدعمهم أنقرة يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل.
ولم يظهر أي موقف واضح من واشنطن حول هذه التسريبات، لكن غياب التعليق الأمريكي حول توجه واشنطن من سوريا، منذ تولي إدارة دونالد ترامب رئاسة البلاد في 20 من كانون الثاني الماضي، شكل تساؤلات عن احتمالية استجابة الولايات المتحدة لضغوط إسرائيل.
أين سوريا في أولويات واشنطن
حافظت الولايات المتحدة الامريكية منذ تولي الإدارة الجديد رئاسة البلاد، على خطابها باتجاه سوريا، مركزًا على الخطوط العريضة والعموميات، إذ صدرت تعليقات أمريكية حول وجود قوات واشنطن في سوريا، وأخرى متعلقة بالعمليات السياسية لم تحمل تغييرًا عمّا صدر عن الإدارة الأمريكية السابقة، إضافة لتعليقات هنا وهناك حول استهداف قياديين في فصائل جهادية على الأراضي السورية.
كل ما جاء على لسان الأمريكيين أوحى أن سوريا لا تحل متقدمة على سلم أولويات واشنطن، في وقت تتعلق فيه الإدارة السورية بآمال اقتناع إدارة دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، وتقدم تطمينات في هذا الخصوص.
يعتقد الباحث الزميل في “مؤسسة القرن” للأبحاث، آرون لوند، وهو أيضًا محلل لشؤون الشرق الأوسط في “وكالة أبحاث الدفاع السويدية”، أن سوريا تعتبر قضية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة، رغم وجود بعض المصالح لواشنطن هناك.
وقال آرون لوند، لعنب بلدي، إن مصالح واشنطن في سوريا تشمل دور وحماية القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا، ومحاولات تحديد موقع المواطنين الأمريكيين المفقودين، وخطر إحياء تنظيم “الدولة الإسلامية”، وربما مصير أي أسلحة كيميائية متبقية.
ورجح الباحث أن يهتم دونالد ترامب بسوريا فقط بقدر ما تصبح عاملًا لعلاقته بالآخرين، وتشمل قائمة القوى المهتمة بالمنطقة وتحكمها علاقات مع واشنطن، كإسرائيل وتركيا وإلى حد ما روسيا والأوروبيين.
وفسّر لوند نظرة واشنطن إلى سوريا، بأنه يمكن الاعتماد على الإسرائيليين والأتراك في أن يكون لديهم آراء قوية جدًا بشأن هذه المسألة.
وأضاف أن ترامب قد يأخذ في عين الاعتبار أيضًا وجهات نظر الملكيات العربية في الخليج، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، لكن درجة نفوذها ستعتمد على مقدار رأس المال السياسي الذي قد تكون على استعداد لإنفاقه للتأثير على سياسة الولايات المتحدة في سوريا.
ومع كل ما يحدث الآن، من غزة إلى الخليج، فإن سوريا ليست أولوية قصوى لأي دولة خليجية، علمًا أن القطريين قد يهتمون بهذا الملف أكثر من غيرهم، ولكن حتى الدوحة ستركز على التأثير في السياسة الأمريكية بشأن إيران وغزة، وعلى حماية نفسها ضد الضغوط.
وتقف معظم دول الخليج العربي، منها السعودية، الكويت، قطر، والإمارات، إلى جانب التغيير الحاصل في سوريا، إذ تدعم الحكومة السورية الجديدة بعد سنوات من العداء مع سوريا في عهد النظام السابق.
اليد الطولى لإسرائيل
تولي إدارة ترامب منذ قدومها للسلطة اهتمامًا بشأن غزة وإيران، أكبر من اهتمامه بما يجري في سوريا، ورجّح لوند أن يتخذ الأمريكيون موقفًا داعمًا لأي قرار تتخذه إسرائيل في سوريا عند أي توتر، كوسيلة للتحوّط من التوتر في تلك القضايا الأخرى.
واعتبر أن قرار إبقاء قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة خارج جنوب سوريا سيكون له “تأثير بالغ”، إذ لا تملك “هيئة تحرير الشام” نفوذًا كافيًا في الجنوب السوري، وقد يؤول ذلك لتحول تلك المنطقة بأكملها إلى قطاعات بحجم مدينة تديرها فصائل محلية.
وفي حال خرجت هذه المنطقة عن سلطة دمشق الأمنية والعسكرية، قد تتفاقم الأمور وتتحول إلى “فوضى عارمة وعنيفة” وفق ما يراه لوند، وهو ما قد يكون مزعجًا للغاية بالنسبة للأردن أيضًا، الذي يخشى الاضطرابات على الحدود،مثل عودة ظهور جماعات متطرفة أو انتشار التهريب.
لوند قال لعنب بلدي إن تفاقم الأمور على طول الحدود الأردنية، قد يمهد الطريق لمزيد من التدخل الأجنبي، مثل الأردن، أو حتى إسرائيل ودول أخرى.
الكثير من الأمور في سوريا والمنطقة غير مستقرة في هذه المرحلة، وأتخيل أن إسرائيل، مثل أي دولة أخرى، تُرتجل إلى حد كبير طريقًا للمضي قدمًا. ولكن سواء كانت خيارات إسرائيل السياسية عقلانية أم لا، فإنها ستكون أكثر أهمية بكثير من خيارات العديد من الحكومات الأخرى. فعلى عكس معظم دول المنطقة، تمتلك إسرائيل القوة العسكرية للمضي قدمًا.
الباحث آرون لوند
وتنتشر في جنوبي سوريا العديد من الفصائل العسكرية، وافق بعضها على الانضمام لوزارة الدفاع السورية، بينما تتمنع فصائل أخرى عن الاندماج، وينحدر معظمها من محافظة السويداء السورية التي يقطنها غالبة درزية.
ومنذ أسابيع، تحاول الحكومة الإسرائيلية تصوير تدخلها في سوريا على أنها تريد حماية دروز المنطقة الذين يشكلون امتدادًا لدروز إسرائيل، علمًا أن الأخيرة لم تتحرك حتى عندما دخل تنظيم “الدولة الإسلامية” للمنطقة عام 2018، وقتل المئات من أهلها.
ويرى لوند أن الزيادة في مناشدات إسرائيل للدروز تعكس “قرارًا استراتيجيًا”، لكن ليس من الواضح ما الذي يجري أو مدى جدية الإسرائيليين في هذا الشأن، ولربما يحاول نتنياه حشد الدعم له بين الدروز والأقليات الأخرى في سوريا ولبنان على المدى الطويل، دون التخطيط بالضرورة لأي مبادرات رئيسية على المدى القريب.
ولفت إلى أنه من الوارد وجود اعتقاد بالنسبة لإسرائيل أن سوريا ستتفكك وتضعف في غياب حكومة مركزية فعّالة، وفي هذه الحالة يأملون في بسط نفوذهم في جنوبي سوريا، لكن هذه التحركات قد تكون مجرد “بالون اختبار” في هذا الشأن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :