“العين بصيرة واليد قصيرة”، بهذه الكلمات عبّرت الأربعينية لطيفة عن عدم قدرتها على تأمين جميع متطلبات عائلتها في مدينة إدلب خلال شهر رمضان، الذي بدأ في 1 من آذار الحالي، واقتصادها في بعض الاحتياجات.
واشتكت السيدة من قلة المردود أمام قائمة المستلزمات من احتياجات سحور وإفطار وإيجار منزل وكهرباء وغاز وغيرها من الأساسيات التي ارتفعت أسعارها كالعادة مع دخول شهر رمضان، بحسب تعبيرها.
تعمل لطيفة من مطبخ منزلها بإعداد أصناف من المأكولات كورق العنب، والكبب بأنواعها، والمناسف، والمعجنات وغيرها بحسب التوصيات، لتعيل أولادها بعد وفاة زوجها منذ ما يقارب العامين.
تتشابه حالة لطيفة مع عدة عائلات قابلتها عنب بلدي، وبعد جولة في أسواق مدينة إدلب، كان هناك ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع بشكل عام، وللخضراوات النصيب الأكبر باعتبارها الأكثر طلبًا في هذا الشهر.
غلاء واقتصاد في الشراء
وفق رصد عنب بلدي، وصل سعر الكيلوغرام من البندورة إلى 25 ليرة تركية، والخيار إلى 45 ليرة تركية، والخس إلى 20 ليرة تركية، والبصل إلى 15 ليرة تركية، وحزمة البقدونس بـ10 ليرات.
بات طبق “الفتوش” من الرفاهيات، وفق تعبير زاهر، الذي كان يجول في سوق الخضراوات بحثًا عن أرخص الأسعار لتتماشى مع قدرته الشرائية، وتلبي احتياجات عائلته المؤلفة من ثمانية أفراد.
غياث العمر (32 عامًا) عامل في محل لبيع المواد الغذائية في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه يتقاضى في الأسبوع 1500 ليرة تركية، وتزيد في مواسم رمضان والأعياد إلى 1800 ليرة، فيشتري ما يلزمه من احتياجات.
وأضاف أنه يتجاهل في كثير من الأحيان طلبات أولاده الذين يشتهون الحلويات و”المعروك” في رمضان، ويقتصد في إعداد وجبة الإفطار، ليحضر بدلًا منها بعض ما يريدون.
وتباع قطعة “المعروك” متوسطة الحجم بـ25 ليرة تركية، وقد تزيد بحسب الحشوات، أما كيلو الكنافة وهي الأكثر مبيعًا في رمضان فبلغ 140 ليرة تركية.
وعن أسعار المواد التموينية، قال غياث، إن سعر كيلو السكر بلغ 30 ليرة تركية، والأرز المصري 35 ليرة، والعدس المجروش 35 ليرة تركية، وليتر الزيت النباتي 65 ليرة تركية، مضيفًا أن الأسعار ارتفعت بمقدار 15% عما كانت عليه قبل شهر.
ورغم وجود ازدحام في أسواق مدينة إدلب خلال أيام رمضان الأولى، فإن الإقبال على الشراء يقتصر على الحاجات الأساسية، كالمواد التموينية ومستلزمات السحور، وذلك بحسب عبد الغني صاحب محل لبيع المواد الغذائية.
أما العصائر والمشروبات الرمضانية فتراجع البيع ونسبة الإقبال عليها مقارنة مع السنوات الماضية، بسبب برودة الطقس وارتفاع سعرها، حيث بلغ سعر الليتر من مشروب العرق سوس والتمر الهندي والجلاب 25 ليرة تركية، في حين كان سعره في رمضان الماضي 15 ليرة تركية.
وتوجد الكثير من العائلات المهجرة سابقًا من أرياف إدلب الجنوبية والشرقية، يقتصدون في مصروفهم لهذا الموسم الرمضاني، بغية توفير بعض المال لإصلاح أو إعادة تأهيل أراضيهم أو منازلهم المدمرة بفعل انتهاكات قوات النظام السابق فيها.
قدرة شرائية منخفضة
لا تزال الليرة التركية هي العملة المتداولة في الشمال السوري إلى جانب الدولار الأمريكي، ويقتصر التعامل بالليرة السورية على الوافدين القادمين من المحافظات الأخرى.
ومع تدني قيمة الليرة التركية ارتفعت الأسعار، وبالمقابل تحسنت الليرة السورية فانخفضت الأسعار في المحافظات السورية المحررة حديثًا، فكان هناك نوع من التذمر من بعض الأهالي عن سبب تفاوت الأسعار.
نجمة عبد الغني، باحثة وعضو في نقابة الاقتصاديين في حلب، قالت لعنب بلدي، إن القدرة الشرائية في المنطقة تتأثر بقلة فرص العمل المتاحة، وعدم وجود قرارات رسمية تحدّد سقفًا أدنى للأجور، بينما ترتفع أجور العاملين في منظمات المجتمع المدني فقط، والذين يتقاضون رواتبهم بالدولار وهم نسبة قليلة مقارنة مع النسبة العظمى لساكني مناطق الشمال السورية ممن لا وظائف لهم ولا أعمال.
ومع زيادة الطلب على المنتجات والسلع بشكل عام وخصوصًا مع توافد السوريين من مختلف المحافظات الأخرى إلى مناطق الشمال السوري، وارتفاع تكاليف النقل والرسوم الجمركية التي فرضتها “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية”، أثر ذلك على القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق الشمال السورية، وفق الباحثة.
وأضافت أن عدم وجود دخل ثابت ولو كان قليلًا للسكان في مناطق الشمال السوري مقارنة مع المناطق الأخرى (والتي يعتبر معظم سكانها لهم أعمال ثابتة في أحد القطاعات العامة أو الخاصة أو الإنسانية)، أدى إلى ارتفاع الأسعار في الشمال السوري وانخفاضها في باقي المحافظات.
وحل رمضان هذا العام في ظروف معيشية واقتصادية صعبة على عموم الجغرافيا السورية، إذ تقدر الأمم المتحدة أن 16.7 مليون شخص في مختلف أنحاء سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.