السوريون ينتظرون.. هل تفي الحكومة بوعود الكهرباء 

  • 2025/03/09
  • 9:07 م
محطة كهرباء دير علي بريف دمشق- شباط GETTY) 2025)

محطة كهرباء دير علي بريف دمشق- شباط GETTY) 2025)

جنى العيسى | علي درويش | حسن إبراهيم

يترقب السوريون، من مزارعين وصناعيين وتجار وموظفين أو حرفيين، تحسن وصول التيار الكهربائي، عقب سنوات من تقنين دفع بعضهم للتخلي عن مشاريعهم داخل البلاد، كما أجبر الملايين على التوقف عن عملهم اليومي في مختلف القطاعات ومن مختلف الشرائح.

يشكل ملف الكهرباء الحامل الرئيس لمشاريع إعادة بناء سوريا، وليس واضحًا مدى قدرة الحكومة المؤقتة الحالية على الإيفاء بالوعود التي أطلقتها في هذا المجال.

تولي الحكومة اهتمامًا بتأهيل قطاع الكهرباء، وهذا يتقاطع مع اهتمام عربي ودولي سواء بالمساعدة أو التمويل أو حجز مكان للاستثمار في هذا المجال، أبرزها تركيا والأردن وقطر وألمانيا، لكن محاولات الإقلاع تصطدم بعوامل أهمها العقوبات الأمريكية والغربية.

تشير التقديرات الأولية من مصادر الحكومة إلى الحاجة إلى نحو 40 مليار دولار لإصلاح هذا القطاع، وإلى خطة بناء تستغرق سنوات.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على واقع الكهرباء في مختلف المدن السورية، وإجراءات حكومة دمشق المؤقتة في هذا الإطار، وتناقش خططها وآليات تنفيذها، والعقبات التي تعترضها، ومدى نجاح تعهدات بعض الدول بتحسين القطاع، والحلول الممكنة على المدى القصير والبعيد.

البداية بالوعود

ما زالت معظم المناطق في سوريا تعاني انقطاع الكهرباء المديد، والاعتماد على بدائل مكلفة، ولا تتماشى مع الواقع المعيشي في البلاد.

وبعد مضي الفترة الموعودة لتلمس التحسن في واقع الكهرباء، بقيت الأمور على حالها، على المستوى العام، مع إجراءات جزئية تتعلق بعدالة التوزيع على قلّته على مستوى المدن أو المحافظات والأرياف.

في 14 من كانون الثاني الماضي، صرح وزير الكهرباء، عمر شقروق، أن توفير الكهرباء لفترة تتراوح بين 6 و8 ساعات يوميًا يحتاج إلى مدة تصل لشهرين، وهي فترة انتهت دون حدوث أي تحسن يُذكر، ما يشير إلى أن الخطوات الفعلية لتأهيل القطاع لم تبدأ بعد.

بحسب شقروق، فإن عودة مستوى توليد الكهرباء إلى ما قبل العام 2010 بحاجة إلى ثلاث سنوات، وهناك حاجة إلى 6500 ميغاواط لتوفير التيار الكهربائي على مدار 24 ساعة.

وأوضح أنه خلال العامين المقبلين سيكون قطاع الكهرباء في طور البناء، ويحتاج إلى 40 مليار دولار لإعادته إلى ما كان قبل 2010.

وهناك حاجة لثلاثة مليارات دولار للمواد التشغيلية والصيانة والتأهيل من أجل استمرار عمل الشبكة على واقعها الحالي، كما تحتاج البلاد إلى 10 مليارات دولار ضمن خطة إعادة البناء، ويقابل ذلك صعوبة في توفير التمويل.

ووعد الوزير بفتح الحكومة السورية باب مشاركة الاستثمارات الخاصة في قطاع الكهرباء والطاقة.

يتفاوت سعر “الأمبير” أسبوعيًا بين 85 و100 ألف ليرة سورية حسب ساعات التشغيل في ريف دمشق – 5 آذار 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

تحسّن متفاوت وتقنين عادل

عقب سقوط النظام المخلوع، في 8 من كانون الأول 2024، تحسّن وصول الكهرباء في بعض المدن السورية، وبقي على حاله في أخرى، وشهد تحسنًا متفاوتًا حتى في أحياء المدينة نفسها، فبرنامج التقنين غير ثابت، ويرتبط بقلة التوليد، وزيادة الحمولات المنزلية، وتداخل بعضها مع خطوط تغذي منشآت حيوية، وتهالك الشبكة والتعدي عليها.

في العاصمة دمشق، لم تطرأ زيادة على ساعات وصول الكهرباء، إنما بدأت حالة من توزيع “عادل” على بعض الأحياء، فتحسن وصولها بمناطق وتراجع في أخرى، وسط مطالب بتقنين عادل، وتحسين التغذية الكهربائية.

مراسل عنب بلدي في دمشق قال، إن الكهرباء كانت تأتي قبل سقوط النظام إلى حي المزة 8 ساعات يومًا، لكنها انخفضت لـ3 إلى 4 ساعات، وزاد وصولها في أحياء كانت تأتيها لساعتين فقط.

وأضاف أن المناطق التي كان يجري تغذيتها بـ”الخط الذهبي”، ولا تنقطع فيها الكهرباء كمنطقة قدسيا ومساكن “الحرس الجمهوري” ومناطق تمركز المسؤولين وشخصيات نافذة في حكومة النظام السابق، تم تنفيذ التقنين عليها، وتوفير الكهرباء وتوصيلها لأحياء أخرى.

المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، خالد أبو دي، قال لعنب بلدي، إن التراجع الملحوظ في التغذية الكهربائية بدمشق يعود إلى عدة عوامل، أبرزها

عدم إجراء صيانة دورية منتظمة للشبكات الكهربائية من قبل النظام السابق، إضافة إلى قلة توفر المواد الأولية اللازمة للصيانة، ما أدى إلى تقادم البنية التحتية وعدم قدرتها على تلبية الطلب المتزايد.

ومن الأسباب، تعرض مراكز التحويل للتخريب والسرقة من قبل ضعاف النفوس، مما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء عن المواطنين خارج أوقات التقنين، الأمر الذي يزيد من ساعات الانقطاع.

وذكر أبو دي أن ارتفاع الطلب على الكهرباء خلال فترات قدوم التيار الكهربائي، والحمل الزائد على مراكز التحويل يؤدي إلى حدوث أعطال، مما يؤثر على استقرار وصول الكهرباء.

وأضاف أن هناك تحديات اقتصادية ومالية، تعوق تحسين البنية التحتية وتوفير الكهرباء بشكل مستدام.

بدائل غير متوفرة للجميع

في محافظة اللاذقية، تحسّنت حالة الكهرباء منذ مطلع آذار الحالي، فصارت تصل أربع ساعات يوميًا بشكل غير منتظم، بعد أن كانت تأتي ساعتين فقط.

ويوجد في بعض الأحياء اشتراك بمولدات “الأمبيرات”، تصل فيها الكهرباء من 9 إلى 10 ساعات يوميًا تتخللها ساعات قطع، مقابل 100 ألف ليرة سورية أسبوعيًا على كل “أمبير”.

في ريف دمشق، قال محمد غنوم القاطن بمدينة مسرابا، إن الكهرباء تصل من ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا، دون أي تحسّن، وتغيب عن بعض الأحياء من يومين إلى ثلاثة، لأن الكوابل متهالكة.

وفق محمد، التيار ضعيف، وحتى لو وصلت الكهرباء فإنها تساعد على تشغيل الإنارة فقط، و”المنظِمات” غير قادرة على ضبط التيار، مضيفًا أن التمديدات عشوائية، ومشهد احتكاك كوابل الكهرباء وتناثر الشظايا بات معتادًا.

ولفت الشاب إلى أن مشتركي مولدات “الأمبيرات”، وعددهم قليل ويقتصر على ميسوري الحال، لا يستخدمون كوابل شبكات الكهرباء الرئيسة، لأنهم استغنوا عنها كليًا، ما يعكس فوضى التمديدات وضعف الشبكة.

في محافظة درعا، لا تزال الكهرباء تخضع لذات التقنين الذي كان يفرضه النظام السوري السابق، وهو أربع ساعات قطع مقابل ساعتي تشغيل في مدينة درعا، وخمس ساعات قطع مقابل وساعة ونصف تشغيل في ريف المحافظة.

وبحسب أهالٍ من مدينة درعا، فإن توزيع الكهرباء شهد تحسنًا في قوة التيار لأن النظام السابق كان يدعم في التغذية أحياء على حساب أخرى، خاصة تلك التي كان يسكنها ضباط النظام والمقار الأمنية، في حين بقي الريف على برنامج التقنين وضعف التيار والانقطاع المتكرر خلال فترة التشغيل.
ولا تتوفر في محافظة درعا مولدات لبيع “الأمبيرات”، إنما تتركز البدائل على الطاقة الشمسية أو البطاريات (المدخرات)، إذ يستخدم ميسورو الحال بطاريات “الليثيوم”، وهي بطاريات ذات استطاعة عالية، وسعرها من 1500 إلى 3000 دولار أمريكي، ولا بد من تغذيتها بألواح طاقة شمسية.

ويعتمد البعض على الطاقة الشمسية لشحن بطاريات ليست من نوعية “ليثيوم”، لكنها تتميز بسعرها المنخفض، إلا أن جودتها أقل.

بينما يعتمد البعض على البطارية (المدخرة) فقط، ويستغل فترة تشغيل التيار الكهربائي لشحنها.

أما في مدينة دير الزور، فالواقع الكهربائي “سيئ جدًا” وفق الأهالي، ويصل التيار من 20 إلى 30 دقيقة كل ست ساعات، والبدائل مكلفة ماليًا، إذ تبلغ تكلفة تركيب ألواح طاقة شمسية لتخديم المنزل نحو 500 دولار أمريكي (5 ملايين ليرة سورية)، ويندر وجود مولدات لبيع “الأمبيرات”.

الشمال مختلف

منذ سنوات، نشطت شركات لتزويد الشمال السوري بالكهرباء عبر الاستجرار من تركيا، ففي ريف حلب تعمل شركتا “AK Energy” و”STE Energy” بعد توقيع عقود مع المجالس المحلية، ودائمًا ما تثار الانتقادات والمطالب بمخالفتهما للعقود المبرمة، ورفع الأسعار على الأهالي.

في مدينة إدلب وريف حلب الغربي، نشطت شركة “Green energy”، وكان مديرها وزير الكهرباء الحالي، عمر شقروق، وأوصلت الكهرباء إلى المنازل والمحال، وتفرض على الكيلوواط المنزلي 0.132 سنت، والتجاري 0.152 سنت.

وتزود شركة “Green energy” مدينة إدلب وريفها بالكهرباء، على مدار 24 ساعة متواصلة، لكن في بعض الأحيان يحدث قطع لعدة أسباب إما تقنين (ليس بشكل يومي) لا يتجاوز الساعتين، أو بسبب عطل ما، وتنشر الشركة عبر معرفاتها أماكن العطل والوقت المتوقع لعودة التيار.

إلى جانب الشركات، لا تزال هناك شريحة واسعة من الأهالي يعتمدون على الطاقة الشمسية، التي باتت منتشرة على أسطح المنازل وقرب المخيمات، وفي الأراضي الزراعية.

بعد سقوط النظام، صار الشمال السوري بوابة لتصدير ألواح الطاقة الشمسية إلى باقي المحافظات، وزاد الطلب عليها بالجملة والمفرق، وفق تجار وأصحاب شركات قابلتهم عنب بلدي.

مؤيد هنداوي، صاحب محل لاستيراد وبيع ألواح الطاقة بالجملة شمالي إدلب، قال لعنب بلدي، إن سعر اللوح يتراوح بين 65 و83 دولارًا، مضيفًا أن نسبة البيع زادت بنسبة 20% منذ سقوط النظام، بينما قال بائع آخر إن المبيع ارتفع من 40 إلى 60%.

الصناعة أبرز الخاسرين

خلال شباط الماضي، أجرى الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، جولة على العديد من المراكز الصناعية في سوريا، موضحًا لعنب بلدي، أن سعر الكيلوواط الساعي من الكهرباء للصناعيين في حلب يبلغ 27 سنتًا أمريكيًا، وهو أعلى من دول الجوار، مثل مصر التي يباع الكيلوواط فيها للصناعيين بـ5 سنتات، وتركيا بـ8 سنتات، ومناطق شمال حلب وإدلب (مناطق المعارضة سابقاً) بـ12 سنتًا.

وتُعاني مدينة الشيخ نجار الصناعية التي تضم نحو 960 منشأة عاملة من نقص حاد في الإمداد الكهربائي، حيث تحتاج إلى 120 ميغاواطًا يوميًا، بينما لا يتجاوز التزويد الحالي 80 ميغاواطًا.

وأضاف قومان لعنب بلدي، أن من بين ما يمكن العمل عليه من قبل الحكومة الانتقالية في الفترة المقبلة لمعالجة المشكلات التي تواجه الصناعيين، إعادة هيكلة تسعير الكهرباء، أو تثبيت سعر الكهرباء بالدولار لفترة مؤقتة حتى استقرار سعر الصرف، مع تقديم دعم حكومي جزئي لتخفيض السعر إلى أقل من 12 سنتًا للكيلوواط.

ومن الإجراءات المقترحة، تبسيط آلية منح التراخيص وإنشاء نافذة خاصة في وزارة الكهرباء لترخيص مشاريع الطاقة الشمسية والرياح خلال 30 يومًا كحد أقصى، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال عبر تقديم حوافز ضريبية وإعفاءات لمدة 5 سنوات.

شبكات الكهرباء متشابكة ومتهالكة في ريف دمشق – 5 آذار 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

الحل في الاستثمارات.. كيف تحركت الحكومة؟

شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تصريحات وخطوات حكومية حول تأهيل قطاع الكهرباء، ونال هذا القطاع اهتمام دول مجاورة أعلنت جاهزيتها للاستثمار فيه، وبيع الكهرباء عبر الخطوط أو المولدات العائمة.

وحذر خبراء من أن أزمة الكهرباء في سوريا لن تُحل من خلال “حفنة” اتفاقيات شراء طاقة أو مولدات عائمة.

وفق تحليل اقتصادي نشرته مجلة “المجلة”، ذكرت رئيسة قسم التحول في مجال الطاقة بشركة “SRMG Think”، جيسيكا عبيد، أن هذه الصفقات قد تحدد المسار لسوق تبادل كهرباء إقليمية نشطة، خاصة في البيئات التي تشهد صراعات، منبهة في الوقت ذاته لاستخدام هذا القطاع وسيلة جديدة لتوسيع نفوذ أطراف مثل تركيا.

الطاقة المتجددة

تجري دراسة حلول طويلة الأمد مع الحكومة، أحدها مباحثات أجراها خبراء طاقة سوريون- أمريكيون مع وزارة الكهرباء، وعقد مؤتمر حول الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، في 9 من كانون الثاني الماضي.

المهندسة السورية المتخصصة في الطاقة البديلة سيرين حمشو، كانت أحد المشاركين في المباحثات مع وزارة الكهرباء والمؤتمر، قالت عبر حسابها في “فيس بوك”، إن بعض الخبراء زاروا وزارة الكهرباء التي طرحت خططًا على ثلاث مراحل، خطة الطوارئ، وهي إمدادات الكهرباء من الدول المجاورة (وهو ما يتم حاليًا).

وخطط متوسطة وخطط طويلة الأمد، يتم فيها إصلاح الشبكات وبناء محطات توليد جديدة، ومن المتوقع أن يتم تمديد ساعات الكهرباء ليصل لمعدل 4 ساعات باليوم قبل فصل الصيف، وبمعدل 8 ساعات قبل نهاية العام.

وأشارت حمشو إلى وجود ظروف مشجعة، لكن التحدي هو ضمانات الاستثمار، فتنفيذ مشاريع طاقة رياح متوسطة كمزرعة باستطاعة 100 ميغاواط يحتاج إلى استثمارات وسطية بقيمة 150 مليون دولار، هذه الاستثمارات إما تكون كبيرة (>500 مليون دولار) تتم عن طريق دول كقطر وتركيا أو عن طريق الاستثمارات الخاصة (وهو أمر مستبعد في المرحلة الحالية)، أو أن تكون استثمارات صغيرة (<100 مليون دولار) وهو ما تتوقع المهندسة سيرين حمشو حصوله.

في 26 من شباط الماضي، طرحت وزارة الكهرباء مشروعًا استثماريًا جديدًا في قطاع الطاقة المتجددة، ودعت الوزارة المستثمرين من ذوي الخبرة لتقديم عروضهم لتمويل وإنشاء محطة طاقة كهروضوئية (شمسية) بقدرة 100 ميغاواط في منطقة وديان الربيع– عقار 227 الرمدان بريف دمشق، وفق نظام بناء تشغيل تملك “بي أو أو” (BOO).

ويشمل المشروع إنشاء محطة تحويل كهربائية (GIS) بقدرة 230 كيلو فولت، إضافة إلى ربط المحطة بشبكة الكهرباء عبر خط هوائي عدرا 2 – تشرين (دخول وخروج)، مع كامل التجهيزات التي تضمن التشغيل والاستثمار الآمن.

“BOO” عقد البناء والتملك والتشغيل، وهو أن يقوم المستثمر بتصميم المشروع، وتمويله، وبنائه، ومن ثم تشغيله واستغلاله على أن يكون له الحق في بيع جزء من حقوقه دون إعادتها لمالك المشروع، أو قد ينتهي المشروع بانتهاء عمره الافتراضي.

وعود السفن والخطوط عبر الحدود

أبدت عدة دول جاهزيتها للمشاركة في الاستثمار بقطاع الكهرباء في سوريا، سواء عبر حلول سريعة متمثلة بالسفن العائمة، أو وصل خطوط الكهرباء عبر الحدود الموجودة أصلًا، أو توريد الفيول والغاز لمحطات التوليد.

وأحد الطروحات السريعة لتأمين الكهرباء هو استيرادها من دول جارة يوجد معها خطوط نقل طاقة، وهذا الأمر ينطبق على الأردن.

وزير الكهرباء، عمر شقروق،  قال أواخر كانون الأول 2024، إن إعادة الربط الكهربائي مع الأردن يحتاج إلى ستة أشهر من الصيانة للدخول في الخدمة بشكل كامل.

وكان وزير الصناعة والتجارة الأردني، يعرب القضاة، أكد أن الأردن جاهز لتزويد سوريا بالكهرباء من 250 إلى 300 ميغاواط بشكل مباشر، لكن ذلك يتوقف على جاهزية الجانب السوري.

أما بالنسبة لتركيا، فأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، في 9 من كانون الثاني الماضي، أن تركيا تزود سوريا بـ210 ميغاواط من الكهرباء يوميًا عبر سبع نقاط مختلفة، وأن هناك خططًا لزيارة حجم التزويد.

وقال بيرقدار، حينها، إن هناك إمكانية زيادة الإمدادات إلى 300 ميغاواط في شباط (الماضي)، وهناك خطط لتصدير 500 ميغاواط من الكهرباء إلى محافظة حلب خلال الأشهر الستة المقبلة.

وسبق أن قال وزير النقل والبنى التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، إن وزارته بدأت أعمال إعادة تأهيل خط “بيرجيك-حلب”، الذي يمكنه توفير 300 ميغاواط من الكهرباء لسوريا.

وأوضح أن تشغيل الخط بكامل طاقته سيؤدي إلى تزويد حوالي 150 ألف منزل بالكهرباء.

في 7 من كانون الثاني الماضي، صرح المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، خالد أبو دي، أن سفينتين لتوليد الطاقة الكهربائية من قطر وتركيا في طريقهما إلى سوريا، دون أن يعلن بعد عن بدء عملهما.

وذكر أن السفينتين تولدان 800 ميغاواط، وهو نصف ما يتم توليده حاليًا في سوريا، مشيرًا إلى أن حصة الفرد من الكهرباء ستزيد بما يقارب نسبة 50%.

بدوره، وعد رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، في 16 من كانون الثاني الماضي، باستمرار دعم بلاده الفني لإعادة تشغيل البنى التحتية، ورفع مستوى الكهرباء بأكثر من عشر مناطق في سوريا.

ألمانيا تدخل من “دير علي”

بعد موافقة دول الاتحاد الأوروبي، في 25 من شباط الماضي، على تعليق مجموعة من العقوبات المفروضة على سوريا، أعلن المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، أن القرار سيمكن شركة “سيمنز” الألمانية من إصلاح محطة “دير علي” الكهربائية، وأن بلاده نجحت في التوصل إلى تسوية مع الشركاء الأوروبيين، ما سمح بتعليق العقوبات على قطاعات الطاقة والنقل والتمويل.

وتعد محطة “دير علي” الحرارية، قرب مدينة الكسوة جنوب دمشق، بين أكبر محطات توليد الكهرباء في البلاد، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 ميغاواط.

تعمل المحطة باستخدام الغاز، مع إمكانية التحول إلى المازوت عند الحاجة.

 

محطة دير علي تستهلك حاليًا ما نسبته 140% من الاستهلاك المفترض، بسبب عدم عملها بكفء.

كرم شعار

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”

 

وفي 23‏ من كانون الثاني الماضي، زار وفد إيطالي برئاسة السفير ستيفانو رافانيان، وممثلون عن شركة “أنسالدو” الإيطالية للطاقة محطة “دير علي” الكهربائية في ريف دمشق، إذ أبدى الوفد استعداده للتعاون لتطوير قطاع الكهرباء في سوريا.

ولم تتضح حتى اللحظة طبيعة الخطوات التي ستتخذها الشركة، أو المدة الزمنية المفترضة لإصلاح المحطة.

شبكات الكهرباء متشابكة ومتهالكة في ريف دمشق – 5 آذار 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

العقوبات والتمويل يعرقلان

تعليقًا على تصريحات الحكومة أو الوعود التي قدمتها دول خارجية، أشار الأكاديمي والباحث الاقتصادي سنان حتاحت، إلى غياب وضوح طبيعة تعهدات دول الجوار بدعم قطاع الكهرباء في سوريا، إذ لا تزال تركيا تدرس إمكانية تحديث البنى التحتية، مشيرًا إلى أن انخراطها سابقًا مثلًا اقتصر على بيع الكهرباء المستجرة من الدول من خلال سوريا.

الحال نفسه ينطبق على الأردن أيضًا، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تكون خط عبور للغاز من خلال خط الغاز العربي.

فيما يتعلق بالوعود القطرية قال حتاحت لعنب بلدي، إنه يمكن أن يكون لها دور في إمداد الغاز، وهو الفيول الأساسي الذي تعمل عن طريقه محطات التوليد.

هناك نيات إيجابية من قبل دول مثل تركيا وقطر والأردن لدعم قطاع الكهرباء في سوريا، وفق ما أشار إليه الباحث في الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية أيمن الدسوقي، لكن الأمر مرهون بالعقوبات على سوريا من جهة، ومن يوفر التمويل اللازم لإنعاش قطاع الكهرباء من جهة أخرى.

وأضاف الدسوقي لعنب بلدي، أن هذه المعطيات تفسر عرقلة طروحات دعم قطاع الكهرباء في سوريا، لتتجه حكومة دمشق المؤقتة إلى طرح مشاريع استثمارية في قطاع الطاقة وفق نظام الاستثمار “بي أو أو” (BOO) الذي يعني “بناء، تملك، تشغيل”.

 

في المرحلة الحالية، ترى بعض الدول أن هناك إمكانية لأن يتغير وضع سوريا للأسوأ، وبالتالي قرار الاستثمار فيها لا يعد حصيفًا.

كرم شعار

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”

 

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، يرى أن نجاح المشاريع التي تنوي هذه الدول القيام بها يعتمد بالدرجة الأولى على قناعاتها بأن الوضع في سوريا متجه للأحسن وليس للأسوأ، وهي الصورة التي لمسها البعض عند سقوط النظام أو بعد ذلك بفترة قصيرة.

وأوضح شعار لعنب بلدي، أنه في المرحلة الحالية اليوم ترى بعض الدول أن هناك إمكانية لأن يتغير وضع سوريا للأسوأ، وبالتالي قرار الاستثمار فيها لا يعد حصيفًا، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية هنا ليست مضطرة لتحمل الأعباء بقدر ما يجب أن تكون معنية بالتنسيق مع هذه الأطراف، وتضع إطارًا ناظمًا لعملها يحقق المنفعة للطرفين.

ترتيب الأولويات والحلول

فاقمت السنوات الماضية الأوضاع الخدمية المرتبطة بالكهرباء إلى حد كبير في سوريا، حيث صار نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الدولة 15% مما كان عليه في عام 2010، وفق ما ذكرته دراسة بحثية أعدها الباحثان سنان حتاحت وكرم شعار في 2020.

خلال النزاع المسلح، تضررت البنية التحتية لتوليد الكهرباء ونقلها، إذ عمدت الأطراف المتنازعة إلى قصف محطات توليد الطاقة الكهربائية مباشرة، وتدمير أجزاء من شبكة النقل، واستهداف أنابيب الغاز.

ودمرت ثلاث محطات أساسية لتوليد الكهرباء في أوقات مختلفة، وشملت محطة حلب الحرارية، ومحطة زيزون في إدلب، ومحطة التيم في دير الزور.

وكانت الاستطاعة الاسمية لهذه المحطات مجتمعة تبلغ 1706 ميغاواط قبل الصراع، أي ما نسبته حوالي 18.25% من إجمالي الإنتاج الوطني، وفقًا للدراسة.

في المقابل، بقيت ثماني محطات في الخدمة من أصل 11 محطة تعمل بالوقود الأحفوري.

تدمير البنى التحتية لقطاع الكهرباء وضعف إمكانيات الحكومة في إعادة تأهيلها، فضلًا عن تعهدات الدول العديدة بترميم القطاع، يفتح الباب أمام التساؤلات حول مستقبل القطاع خلال الفترة القريبة والبعيدة في سوريا.

 

نشطت تجارة ألواح الطاقة الشمسية في إدلب وتصديرها إلى المحافظات السورية – 5 آذار 2025 (عنب بلدي/ محمد مصطو)

الصيانة والغاز

في ملف الكهرباء من المهم أن تنظر الحكومة بذكاء إلى تراتبية الأولويات، وفق ما أوضحه الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، مشيرًا إلى أن الأولوية القصوى حاليًا هي الحاجة لمصادر وحوامل طاقة أهمها الغاز لتشغيل العنفات الموجودة أساسًا، يلي ذلك إضافة محطات توليد جديدة أو صيانة محطات قديمة وفق تقييم الحكومة.

من خلال زيارته في شباط الماضي إلى محطة “دير علي” بريف دمشق، وهي أكبر محطة لتوليد الكهرباء في سوريا، قال كرم شعار، إنها تستهلك حاليًا ما نسبته 140% من الاستهلاك المفترض، بسبب عدم عملها بكفء، وبالتالي فهي تستهلك كميات مصادر طاقة أكبر بكثير مما يجب لإنتاج نفس الكمية من الكهرباء.

بناء على ذلك، يقترح الخبير كرم شعار ألا يكون طرح الحكومة في ملف الكهرباء اعتباطيًا ومبنيًا على الفرص المتاحة، وإنما يجب أن ينبع عن تقييم شامل للقطاع.

الباحث أيمن الدسوقي من جهته، يعتقد أن تحسين واقع الكهرباء يتطلب الاستثمار في الطاقات المتجددة، وربط المشاريع الصغيرة بنظام الشبكة الكهربائية المتاحة وفق آليات وإجراءات معينة لبيع الفائض عنها، كذلك البحث عن إمكانية الربط الكهربائي مع دول مجاورة وفق المتاح والممكن.

 

الاستثمارات ستكون مترددة في ظل العقوبات والوضع السياسي والأمني خلال المرحلة الانتقالية لسوريا.

أيمن الدسوقي

باحث في الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية

 

 

يحتاج قطاع الكهرباء إلى استثمارات كبيرة لكي يواكب الطلب المتنامي على الطاقة في سوريا سواء للاحتياجات المنزلية أو الصناعية، علمًا أن هذه الاستثمارات ستكون مترددة في ظل العقوبات والوضع السياسي والأمني خلال المرحلة الانتقالية لسوريا، وفق ما يرى الدسوقي، لذلك لا يتوقع تحسنًا في القطاع الكهربائي بالمدى القريب، وهو ما يفتح المجال أمام حلول جزئية من شأنها أن تعقد بنية قطاع الكهرباء مستقبلًا، بحسب رأيه.

 

خلال الأشهر المقبلة، قد تصل نسبة وصول التيار الكهربائي إلى ست ساعات في الـ24 ساعة، مع استمرار التقنين، بعد إجراء بعض التحديثات على محولات المدن الرئيسة، الأمر الذي سيخفف الحمولة ويحسن أداء الكهرباء.

سنان حتاحت

أكاديمي وباحث اقتصادي سوري

التحويل قبل التوليد

يرى الأكاديمي سنان حتاحت، أن المشكلة الأساسية في ملف الكهرباء هي ليست في التوليد، وإنما في التحويل، مشيرًا إلى أن المحولات قديمة وتحتاج الى تحديث ولا يمكن تحديثها دون توقيع عقود مع الشركات المصنعة لها وهي بمعظمها شركات ألمانية، الأمر الذي يتطلب التمويل ورفع العقوبات والتدخل الخارجي لدعم ذلك.

من الناحية التقنية، يجب أيضًا تحديث شبكة توزيع الكهرباء، إذ تتجاوز نسبة الهدم التقني فيها 50%، وكان قبل عام 2011 يعادل 30%، علمًا أن المعيار الإقليمي والدولي يتراوح بين 10 و15%.

يعتقد سنان حتاحت أنه خلال الأشهر المقبلة قد تصل نسبة وصول التيار الكهربائي إلى ست ساعات في الـ24 ساعة، مع استمرار التقنين، بعد إجراء بعض التحديثات على محولات المدن الرئيسة الأمر الذي سيخفف الحمولة ويحسن أداء الكهرباء، ولكن تبقى المشكلة الأساسية في البنية التحتية، بالإضافة إلى نقص الكميات الكافية من الفيول والغاز للوصول إلى كامل القدرة الاسمية للمحولات.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات