صورة مسجد وبجانبه شجرة الميلاد في ساحة السيلان بالزبداني 18 شباط 2025( عنب بلدي ـ عمر علاء الدين)
المدينة التي أقضّت مضجع نظام الأسد
الزبداني.. قصة الصمود والعودة
عنب بلدي – عمر علاء الدين
“كنا فقط 500 مقاتل فقط في الزبداني، صمدنا بوجه سبعة آلاف جندي من النظام، والمئات من مقاتلي (حزب الله)، كما صمد 25 ألف شخص تحت حصار مطبق في مضايا، حتى أكلوا ورق الشجر ولحم القطط”.
بهذه الكلمات استعاد “محمد علي” (اسم مستعار لأسباب أمنية) ذكرياته في القتال ضد قوات النظام في الزبداني، إذ كان مقاتلًا سابقًا في فصيل “أحرار الشام”، ويشغل حاليًا رتبة نقيب في وزارة الدفاع السورية.
وبعد عودته من إدلب إلى الزبداني، فوجئ محمد بحجم الدمار، فهو لم يرَ معالم المدينة المدمرة خلال المعارك فيها، خصوصًا أنها وصلت في آواخر عام 2016 إلى نطاق ضيق قطره كيلومتران.
الرئيس السابق للمجلس المحلي في الزبداني، جميل التيناوي، روى لعنب بلدي قصة الثورة في الزبداني وبدايتها، وما مارسه النظام السابق من قتل منظم، حتى إنه يكشف للمرة الأولى عن أن النظام ضرب الزبداني بغاز الكلور السام في 28 و29 من آب 2015.
بينما سرد المهندس محمد درويش، قصة تهجيره الأول من الزبداني إلى بلودان، ثم مرة أخرى إلى بلدة مضايا في أوائل تموز 2015، حتى نيسان 2017، واضطر جزء من الأهالي خلال ذلك الحصار لبيع ممتلكاتهم لقاء كيلوغرامات من الأرز أو البرغل، وفضّل درويش بعدها الخروج إلى الشمال السوري.
وفي نيسان 2017، خرجت آخر دفعة من المقاتلين والمدنيين المهجرين إلى الشمال السوري، وفق ما يُعرف بـ”اتفاق المدن الأربع” أو “اتفاق الزبداني ومضاياـ كفريا والفوعة”.
عودة إلى 2011-2012
خرجت أول مظاهرة بالزبداني في 24 من نيسان 2011 من مسجد “الجسر الكبير”، وكان المتظاهرون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وفق ما قاله الرئيس السابق للمجلس المحلي في الزبداني، جميل التيناوي.
وأضاف أن الأمر تطور بعد تصدي النظام للمظاهرات بالرصاص بالمظاهرة الثانية في 25 من نيسان 2011، وسقوط أول قتيل بنيران النظام، الشاب حسين زليخة، وتتالت هجمات النظام على المتظاهرين الذين أصبحوا بالآلاف، ووصلت إلى حدّ استخدام قذائف الهاون وقذائف الـ”BMB” على الأحياء السكنية، وفي تموز 2011، حاصر النظام الزبداني.
المقاتلون حاولوا تنظيم أنفسهم في إطار مسلح، ومع نهاية كانون الأول 2011، بدأ العمل المسلح بشكل رسمي في الزبداني.
“محمد علي”، المقاتل السابق في فصيل “أحرار الشام” قال لعنب بلدي، بعد اندلاع المظاهرات المطالبة بالحرية “شاهدنا ما ارتكبه النظام المخلوع من جرائم وانتهاكات بحق المدنيين والمتظاهرين وقصفه للمنازل الآمنة والمنازل ودور العبادة، وكان الصمت مرفوضاً وخيار الدفاع عن النفس هو الأرجح لدى قادة الثورة وعموم الناس”.
بحسب محمد علي، فإن تتالي الأحداث مع نهاية 2011، بداية من القصف العشوائي على المنازل، ثم نزوح بعض الأهالي جراء القصف، ثم قيام “الشبيحة” بحملات دهم واعتقال وسرقة، كانت مؤشرات على “توغل عسكري كبير في المدينة، وكانت حملة شباط”.
“لو وجه النظام تلك الأرتال نحو إسرائيل بدلًا من الزبداني لسلمت نفسي فورًا”.
“محمد علي”
مقاتل سابق في فصيل “أحرار الشام” بالزبداني
حملة شباط.. حين يصبح القتل أثرًا جانبيًا
شارك نحو 3 آلاف جندي من قوات النظام، و50 دبابة “تي-72” ومدرعات، و9 قطع مدفعية و300 مقاتل من “حزب الله” اللبناني، في حصار الزبداني، بحسب المقاتل “محمد علي”.
وقال “محمد”، إن الكهرباء والاتصالات قُطعت، ومع أذان الفجر من يوم الجمعة 13 من كانون الأول 2012 بدأ القصف.
وأضاف، “تساءلنا، هل سيحاصر النظام المدينة بكل هذه الأرتال”، ليكمل ساخرًا، “لو وجه النظام تلك الأرتال نحو إسرائيل لسلمت نفسي فورًا”.
وبعد أن هدد الثوار بقطع المياه عن دمشق وضرب خطوط إمداد الكهرباء إلى لبنان إذا لم ينسحب جيش النظام من المدينة، وبعد صد ورد، “توصلنا مع النظام لاتفاق تم توقيعه في 17 من كانون الأول من العام نفسه”، إلا النظام خرقه في 3 من شباط بقصف مكثف لم يسبق له مثيل، وفق ما قاله “محمد علي”.
استمرت حملة شباط 11 يومًا، وأدت إلى مقتل أكثر من 100 مدني، وإصابة 150 آخرين، ونزوح 200 عائلة، وتضرر أكثر من 435 منزلًا بين دمار كامل وجزئي، بينما خسر النظام 21 دبابة و15 آلية عسكرية 54 جنديًا.
انسحاب كيفي.. هجرة وتهجير
انتهت هذه المعركة بانسحاب “الجيش الحر” من المدينة حقنًا للدماء، بعد العنف الذي مارسه النظام بحق المدنيين للضغط على المقاتلين، مقابل وقف النار، وبعد دخول جيش النظام إلى المدينة، فر أهالي الزبداني من منازلهم إلى القرى المجاورة، لأن الاستهداف والقصف لم يتوقف كما زعم النظام.
يروي المهندس محمد درويش (39 عامًا) بعضًا من الذي عاشه في بلدة بلودان بعد نزوحه من الزبداني قائلاً، “هربتُ بعائلتي إلى بلودان على أمل النجاة من القصف، ولكن العذاب ليس أن تبقى تحت القصف بقدر ما أن تشاهده من علو 1500 متر يطول منزلك وكل ذكرياتك حين تحرقها قذائف ظننت يومًا ما أنها ستوجه إلى الجولان المحتل”.
وأضاف محمد أنه بين 2012 و2016، “كنا يوميًا على موعد مع المداهمات والاعتقالات، لكن ما لم نكن نتوقعه أن يتم تهجيرنا قسرًا إلى بلدة مضايا”.
نحو 25 ألف شخص، جرى تهجيرهم إلى مضايا، في أوائل حزيران 2015، دون ماء ولا كهرباء، وقطع عنهم إمدادات الطعام، في محاولة من النظام و”حزب الله” لاستعادة الزبداني بأي طريقة، بعد أن فشلت كل محاولات الضغط العسكري (الغارات الجوية، البراميل المتفجرة، القصف المدفعي) في القضاء على مجموعة مقاتلين بسلاح فردي، كما قال المقاتل السابق في فصيل “أحرار الشام”.
إنسانيًا، كانت تسجل في مضايا 3 حالات وفاة يوميًا بسبب الجوع في الأيام الخمسة الأولى من عام 2016.
أشار “محمد علي” الذي هجره النظام مع عائلته من بلودان إلى مضايا إلى أنهم تناولوا أشياء لم يكونوا يتخيلون تناولها نظرًا لوصول سعر كيلو الأرز إلى 100 دولار داخل مضايا، وكيلو السكر إلى 70 دولارًا.
واستطاع المجلس المحلي في الزبداني توثيق مقتل أكثر من 100 شخص جراء الجوع في حصار مضايا، من أصل كثيرين لم يتسنَّ للمجلس توثيق وفاتهم لشدة الحصار وغياب أي قدرة على التواصل مع الداخل المحاصر.
وثيقة صادرة عن مجلس مدينة الزبداني توضح الأوضاع الإنسانية في مضايا والزبداني 30 آب 2016 ( تعديل عنب بلدي)
المعركة الكبرى والكلور
امتدادًا للمعارك والمناوشات التي كانت تدور بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة في الزبداني، من 2012 وحتى 2015، وما رافقها من استهداف ممنهج للمدنيين من قبل النظام، كان النظام يحضر للمعركة الكبرى الفاصلة.
قال الرئيس السابق للمجلس المحلي في الزبداني، جميل التيناوي، إن النظام في الفترة التي سبقت المعركة حشد قواته بأكثر من دائرة حول المنطقة.
وبدأ النظام السوري برفقة “حزب الله” حملة على الجبل الغربي للمدينة، و”كانت معركة طويلة استشهد فيها من خيرة الشباب”، كما حاول النظام التقدم من منطقة “الشلاح” المحاذية لأطراف المدينة، بحسب التيناوي.
وتابع، في 2 من تموز 2015، بدأت المعركة العسكرية على الأرض، ووثق المجلس المحلي في الزبداني استهداف النظام للمدينة بـ5200 برميل متفجر، و2000 صاروخ من الطائرات الحربية، و40 صاروخ “RDX” (صواريخ تحمل خراطيم متفجرة يصل طولها إلى 200 متر يمكن أن تدمر حيًا سكنيًا بأكمله)، و1800 صاروخ باليستي، و100 ألف قذيفة من المدافع والدبابات.
كما كشف التيناوي أن النظام السوري السابق استمر على مدار يومين كاملين (28 و29 من آب 2015)، بضرب المدينة ببراميل مملوءة بغاز “الكلور” السام، وتعرض المقاتلون لحالات اختناق، دون أن تسجل أي حالة وفاة.
حصار.. صمود.. اتفاق
يروي “محمد علي” المقاتل السابق في فصيل “أحرار الشام” أحداث المعركة التي استمرت 86 يومًا قائلًا، “بعد صمود طويل خسرنا الجبل الغربي، وانسحبنا إلى داخل المدينة، لعدم تكافؤ القوة العسكرية”.
وقال إن النظام سيطر على أطراف المدينة، لكنه لم يستطع التقدم خطوة واحدة في قلب المدينة، إذ “أوقعت القناصة المنتشرة في محاور عدة قتلى في صفوف النظام و(حزب الله)”.
“في نهاية المطاف حوصرنا في نطاق ضيق بقطر كيلومترين، وثابرنا على القتال رغم الجوع الشديد، والذخيرة القليلة”، بحسب “محمد علي”.
ومع بداية أيلول 2015، توقفت المعركة العسكرية وفق اتفاق (الزبداني مضاياـ كفريا والفوعة)، ومع دخول الوفد الأممي ودخول المساعدات قررت فصائل المعارضة في الزبداني وقف القتال والخروج للشمال السوري على دفعات.
“اتفاق المدن الأربع”
نفى الرئيس السابق للمجلس المحلي في الزبداني، جميل التيناوي، و”أبو فجر الشامي”، الذي شارك في مفاوضات “الزبداني ومضاياـ كفريا والفوعة” أن يكون من بنود الاتفاق ما ينص على بند التغيير الديموغرافي أو القبول بتوطين سكان الفوعة في الزبداني، وفق ما أشيع آنذاك.
الشامي قال لعنب بلدي، إن جميع الدعوات التي ناهضت الاتفاق كانت فقط للمزاودة على أهالي الزبداني، بينما الأهالي محاصرون تحت وطأة النار والقصف والجوع دون أن ينصرهم أحد.
كما نفى الشامي ما أشيع آنذاك عن علاقة قضية الرهائن القطريين بالاتفاق الذي جرى في الزبداني، وأن الوسيط القطري لم يضغط على المفاوضين أبدًا، بل كان متعاونًا وقدم الكثير من التسهيلات، بحسب ما قاله الشامي.
في سياق متصل، أكد التيناوي أن اتفاق وقف إطلاق النار في الزبداني كان جزءًا من الاتفاق الذي جرى بين “جيش الفتح” والإيرانيين، وكان للزبداني 3 بنود فقط من أصل 23 بندًا.
وتم الاتفاق في 24 من أيلول 2015، وخرجت أول دفعة من الجرحى إلى الشمال السوري، بحيث تخرج دفعة من الزبداني ودفعة من محاصري الفوعة، وأكد التيناوي أن آخر دفعة خرجت كان عددها 156 شخصًا فقط، وخرجت في 20 من نيسان 2017.
الاتفاق بين “حركة أحرار الشام” و”جيش الفتح” من جهة والمفاوضين الإيرانيين من جهة برعاية تركية، دخل حيز التنفيذ في 22 من أيلول 2015، وفشل مرارًا وأعيد استئناف العمل فيه.
ونصت بنوده على “وقف إطلاق النار بين الطرفين ثم هدنة لمدة 6 أشهر، تشمل مدن وبلدات الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة وإدلب وبنش وطعوم”.
ونص أيضًا على إخراج كل المسلحين والراغبين من المدنيين من منطقة الزبداني باتجاه إدلب حصرًا، مقابل خروج عشرة آلاف شخص من الفوعة وكفريا من الأطفال دون سن الـ18 ومن النساء والمسنين فوق الـ50، بالإضافة إلى الجرحى، وإطلاق النظام سراح 325 امرأة و125 طفلًا من السجون والمعتقلات.
وبعد فشل أول اتفاق، عادت قطر أواخر آذار 2017 لترعى الاتفاق الذي حضره ممثلون إيرانيون وموفدان عن “حركة أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام”.
الزبداني الآن
بعد سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، عاد مقاتلو الزبداني، الذين شاركوا في عملية “ردع العدوان” تحت اسم “اللواء 77″، بقيادة محمد زيتون المعروف بـ “أبو عدنان الزبداني”.
وشارك “اللواء 77” في معركة “ردع العدوان” التي قادتها “هيئة تحرير الشام” سابقًا، وأدت إلى إسقاط النظام السوري في نهاية الأمر، وحاليًا يعمل اللواء على الاندماج في وزارة الدفاع السورية، كما قرر في “مؤتمر النصر“، الذي أعلن انتصار الثورة السورية في 29 من كانون الثاني الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :