تعا تفرج
فخري البارودي الشجاع
خطيب بدلة
سيرة الزعيم السوري، فخري البارودي (1877-1966)، تشبه سيرة إبراهيم هنانو، فقد أراد أن يسافر إلى فرنسا، لكي يدرس الهندسة الزراعية، ولكنه كان وحيدًا لوالده الثري، محمود بيك، الذي أسرف في الاعتناء به، إلى درجة أنه خصص له فريقًا من المربين، والطهاة، والفراشين، فكان طبيعيًا أن يرفض فراقه، ولكنه سافر خلسة، وبدأ الدراسة في جامعة “مونبلييه”، وبعد سنة قطع عنه والده الخرجية، ومنع زوجته من مده بالمال سرًا، فاضطر لأن يعود.
فخري بيك البارودي رجل حاد الذكاء، ممتلئ بالحياة، والإبداع، ذو شهية مفتوحة على العلوم والمعارف، لذلك خرج بنتيجة غريبة، أوجزها لأبناء جيله بقوله: تعلم يا فتى، فالجهل عار! قال هذا في مجتمع لا يعرف من العار سوى ما تسببه المرأة لذويها، إذا ما خرجت عن تعاليم العائلة، والمجتمع المحافظ.
وجد فخري بيك، في نفسه، حب الشعر، والموسيقا، والميل إلى الصحافة، وسرعان ما بدأ بإصدار صحيفة ساخرة، أسماها “حط بالخرج”، كان يحررها باللهجة المحكية، ويكتب فيها رباعيات، تأتي المقاطع الثلاثة الأولى منها على قافية، والمقطع الرابع على قافية مغايرة، ففي حثه على تعليم المرأة، كتب: الأم من غير مدارسْ. ابنها بيصفي حارسْ. يا أما بيطلع سايسْ. يا أما بيعمل نشالْ.
وأما عن تحريره أوراق صحيفته بالعامية الشامية، فهو دليل آخر على شجاعته النادرة، في مواجهة طبائع أهل زمانه، الذين كانوا يعتبرون الكتابة بالعامية خيانة للغة العربية، وللعلم، فإن فخري البارودي، بهذا، سبق أهل مصر الذين غامروا في مجال الكتابة باللهجة المصرية، وبالأخص الكاتب يوسف إدريس، الذي كانت له قصص بالعامية من ألفها إلى يائها.
وكان البارودي رجل أفكار وأعمال، في الوقت ذاته، فقد قاده ولعُه بالموسيقا إلى أنه أسس، مع المحامي أحمد عزت، النادي الموسيقي الشرقي، الذي غير اسمه، بعد الجلاء، فأصبح يعرف باسم “المعهد الموسيقي”، ومقره في سوق ساروجا الأثري، وقد تعاقد مع معلمة من النمسا، لتدريس العزف على البيانو والكمان، وجاء بالمحامي نجاة قصاب حسن لإدارة المشروع.. ومما يرويه الأستاذ نجاة، في كتابه “جيل الشجاعة”، أن جدلًا دار في إحدى سهرات المعهد، عن أولوية المفتاح الموسيقي “دو”، على المفتاح “فا”، وكان أحد الحاضرين يخاصمه بالرأي، ويلح على أن مفتاح “فا” هو الأصل، وبعد انتهاء السهرة، خرج الجميع، وكان ذلك الرجل قد ذهب إلى الحمام، وعندما أراد الخروج وجد الباب مقفولًا، وبعد حوالي ساعة، اتصل بمنزل فخري البارودي، وأخبره أن حارس المعهد أقفل الباب، ونسيه في الداخل، ورجاه أن يرسل إليه مفتاح المعهد لكي يخرج، فقال له: يا تَرَسْ خلي مفتاح “فا” ينفعك!
كان فخري بيك البارودي من مؤسسي الإذاعة السورية، في سنة 1947، وكان، قبل ذلك، قد احتضن موهبة الشاب الحلبي، صباح أبو قوس، وتولى تعليمه الموسيقا، ودعاه للمشاركة في افتتاح الإذاعة، ليغني “يا جارحة قلبي” التي أبدعها سامي الصيداوي، ثم غنتها نجاح سلام، وللتذكير فإن صباح أبو قوس أصبح يعرف باسم صباح فخري، نسبة لفخري البارودي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :