عن مسودة الإعلان الدستوري المسربة

  • 2025/03/09
  • 7:55 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

بعد ساعة من إعلان تكليف أحمد الشرع، رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، لجنة سباعية من أجل صياغة مسودة الإعلان الدستوري في 2 من آذار 2025، نشرت عدة مواقع وجرائد إلكترونية مسودة الإعلان، المؤلف من 43 مادة، في خطوة يُعتقد أنها جس لنبض الرأي العام، وخاصة أن المسودة المسربة تجاوزت الغاية من الإعلان الدستوري بوصفه مؤقتًا وجسرًا بين مرحلتين، مرحلة النظام الشمولي الدموي ومرحلة بناء دولة ذات نظام ديمقراطي، تعددي، حيادي تجاه جميع المكونات وأيديولوجياتهم، فتعدت نصوصه على قضايا يجب أن تكون في الدستور الدائم للبلاد، كتحديد مرجعية التشريع ومصدره، وكرست المسودة سلطة الفرد المطلقة واعتماد سياسة التعيين، وتضمنت لغوًا يرجح استخدامه لتقييد حرية التعبير والرأي والإعلام، وتجاهلت ذكر الديمقراطية، والمواطنة، واعتماد لغة خاطبت الرجال دون النساء.

وبقراءة لمشهدية تكليف لجنة الصياغة، والمسودة المسربة عن الإعلان الدستوري، إن صحت، يمكننا رصد بعض النقاط:

بعد حل “هيئة تحرير الشام”، كما صرح الشرع، يُفترض بالإدارة الجديدة أن توضح للشعب السوري عن منصب ومهام د. مظهر الويس، الذي شارك في اجتماع الشرع مع اللجنة السباعية المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري، وشارك أيضًا في اجتماع الشرع مع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في 12 من شباط الماضي، وقد كان الويس رئيس الهيئة الشرعية والمتحدث الرسمي باسم مجلس شورى المجاهدين بالمنطقة الشرقية، وبعد تأسيس “هيئة تحرير الشام” في 28 من كانون الثاني 2017، أصبح أحد الشرعيين البارزين فيها، وشغل مناصب في وزارة العدل لحكومة “الإنقاذ” التابعة لـ”الهيئة”، كترؤسه للمجلس الأعلى للقضاء، ومسؤول الإدارة العامة للتوجيه الشرعي في “الهيئة”.

منحت المسودة المسربة سلطة مطلقة للشرع، فهو رئيس للجمهورية، ويعيّن مجلس الشعب لدورة واحدة مدتها عامان (المادة 20)، وقائد أعلى للجيش والقوات المسلحة (المادة 27)، وله الحق في اعتراض القوانين التي تصدر عن المجلس بقرار معلل خلال شهر من تاريخ ورودها إلى مجلس الشعب لإعادة النظر فيها (المادة 33)، ويملك الشرع منح العفو الخاص (المادة 34)، كما تغافلت المسودة المسربة عن الكيفية التي سيتشكل فيها المجلس الأعلى للقضاء.

كرست المسودة سياسية التعيين عوضًا عن الانتخاب، وحق الشعب في انتخاب ممثليه بمجلس الشعب، نساء ورجالًا، بدل الدعوة لمؤتمر عام يكون منصة واسعة، تشاركية وتضمينية شفافة، لإجراء مشاورات وحوارات مفتوحة تخرج بقرارات وتوصيات توافقية حول الطرق والوسائل المثلى لانتخاب أعضاء وعضوات المجلس، بطريقة لا تقصي أصوات اللاجئين واللاجئات، أو أن يقوم المؤتمر الوطني بانتخاب أعضاء المجلس.

كررت نصوص المسودة التناقض بين النصوص من جهة، والتمييز ضد النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن، وضد غير المسلمين، نساء ورجالًا، من جهة أخرى:

لقد نصت “المادة 2” على أن “دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع…” وقد ورد هذا النص في دستور 1950، في حين أن دستور 2012 خلا من أل التعريف في كلمة “المصدر”.

أما “المادة 7” من المسودة المسربة، والتي تنص على: “الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقًا لعقائدهم وشريعتهم الخاصة…” فهي موجودة في دستور 1950 ودستور 2012 في “المادة 3”.

لقد كرست المواد الثلاث التمييز ضد النساء، وانسحب التمييز والإقصاء على غير المسلمين من خلال حصر الحق في الترشح لمنصب الجمهورية بالمسلمين، وهنا يبرز التناقض بين نصوص المسودة المسربة من الإعلان الدستوري مع “المادة 9” والتي نصت على مبدأ تكافؤ الفرص، وبأن القانون يكفل “تحقيق المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة والعمل والتعليم”، وتتناقض أيضًا مع “المادة 17” التي تنص على التزام الدولة بحفظ المكانة الاجتماعية للمرأة، “وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز”.

وتعتبر هذه التناقضات سمة مزمنة في التشريع السوري، وموجودة في دستور 1950، و1973، و2012، وهي استعصاء تاريخي في بناء دساتير تحترم وتلتزم بحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن بشكل خاص، وتمنع التمييز والعنف ضدهن، وتتجاهل حقوقهن ورغباتهن في بناء تشريعات تعبر عن مواطنيتهن الكاملة غير المنقوصة.

نصت “المادة 3” على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، والأصح ألا يغفل الإعلان الدستوري المؤقت، والدستور الدائم لاحقًا، عن تعدد اللغات القومية في البلاد، والتنصيص القانوني على وجود لغتين رسميتين، العربية والكردية، وأن ينص الدستور الدائم على دور الدولة في إحياء وحماية اللغات المهددة بالاندثار، كاللغة الآرامية والآشورية.

برزت العبارات الفضفاضة، والتي يُخشى أن تُستخدم لتقييد حرية الرأي والتعبير والإعلام، كعبارة “النظام العام” كما وردت في “المادة 13″، والتي تنص على أن الدولة تضمن تلك الحريات، وتُمارس وفقًا لقانون ينظمها “بما يضمن النظام العام واحترام حقوق الآخرين”.

وتنص “المادة 14” على أن الدولة تحترم حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب، وعلى أن لجنة ستُشكل لإعداد قانون الأحزاب، وفَرَضَ نص المادة على تعليق “نشاط وتشكيل الأحزاب حتى يُنظم ذلك بقانون”، وهو يدل على الخشية من التعددية السياسية، وعلى قمع الأحزاب من ممارسة أدوارها، وعلى تجريد السياسيين والناشطين، نساء ورجالًا، من حقهم بتمثيل أحزابهم، في وقت مفصلي من تاريخ سوريا تحتاج فيه إلى كل جهود من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات، وأن يكون فيها مفهوم الأكثرية والأقلية ذا معنى سياسي، بناء على صندوق الانتخابات.

وتبرز الفهلوة في تفريغ المعاني في “المادة 15” التي تنص على: “تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفق المواثيق والأعراف الإنسانية”، بدل استخدام “وفق المواثيق والاتفاقيات الدولية”.

إن حق إصدار العفو من قبل مجلس الشعب المعيّن الوارد في “المادة 25″، ومن رئيس انتقالي غير منتخب، كما نصت “المادة 34″، هو أمر مرفوض ضد مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتي كرست لعقود ثقافة الإفلات من العقاب، ويجب معالجتها ضمن مسار عدالة انتقالية تحولية.

وأخيرًا، يجب أن يتضمن الإعلان الدستوري مدة المرحلة الانتقالية، وصلاحيات الحكومة الانتقالية والمؤسسات، وعلى أهمية عقد مؤتمر وطني يكون بمثابة “جمعية تأسيسية”، قرارتها ملزمة، تؤسس لعقد اجتماعي جديد، وينجم عنها هيئة لإعداد دستور دائم للبلاد وهيئة للعدالة الانتقالية، كما يجب ألا يغفل الإعلان الدستوري المؤقت عن أن الرئيس، أينما ورد ذكره في النص، هو رئيس للمرحلة الانتقالية وأن الحكومة هي حكومة انتقالية.

مقالات متعلقة

  1. موسكو تسلّم واشنطن مسودة "دستور جديد" لسوريا
  2. تشكيل لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري في سوريا
  3. "الحياة" تنشر مسودة إجابات المعارضة على أسئلة دي ميستورا
  4. معركة الدستور السوري

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي