سوريون يحاولون التكيف مع التحديات الاقتصادية

انتشار البسطات في منطقة جسر الرئيس بدمشق 9 شباط 2025 (عنب بلدي_عمر علاء الدين)

camera icon"بسطات" في منطقة جسر الحرية بدمشق - 9 شباط 2025 (عنب بلدي/عمر علاء الدين)

tag icon ع ع ع

فرضت الظروف الاقتصادية الصعبة واقعًا جديدًا على السوريين، حيث شهدت البلاد تحديات معيشية متزايدة أثرت على مختلف شرائح المجتمع. ومع تراجع الأوضاع المالية، باتت كثير من الأسر تواجه أعباء غير مسبوقة تتطلب حلولًا بديلة.

ودفع الوضع الاقتصادي المتردي وغلاء الأسعار والبطالة التي زادت مع حالات فصل موظفين من عدة قطاعات حكومية، كثيرين إلى البحث عن مصادر دخل جديدة.

وتراوحت الحالات التي رصدتها عنب بلدي بين مفصولين من عملهم اضطروا للجوء إلى مهن جديدة، ومتضررين تغيرت مصادر دخلهم.

بيع الحطب

في سوق مدينة صحنايا بريف دمشق، يبيع مزيد الآغا (50 عامًا) حطب أشجار الزيتون والسنديان للتدفئة.

بعد تسريحه من عمله كموظف في البلدية، اعتمد مزيد في مصدر رزقه على جمع خشب الزيتون في مناطق أحراش زراعة الزيتون، ويعتمد على عدد من تجار الخشب لتزويده بحطب السنديان.

وقال مزيد لعنب بلدي، “حاولت أن أحول قرار إحالتي إلى التقاعد المبكر بسبب فائض الموظفين في البلدية إلى حافز للتفكير بمصدر رزق فوري من أجل إعالة عائلتي”.

ويبلغ سعر كيلو حطب الزيتون 3000 ليرة سورية (0.33 دولار)، وكيلو حطب السنديان 12 ألف ليرة سورية (1.2 دولار)

وأضاف مزيد أن أجرته اليومية لا تعادل 100 ألف ليرة سورية (10 دولارات)، ولا تكفيه لشراء الحاجيات في مستوياتها الدنيا، إذ ينتظر حتى المساء من أجل شراء ما تبقى من خضراوات في السوق يكون سعرها رخيصًا لانخفاض جودتها.

ويلجأ بعض سكان الأرياف السورية إلى تقطيع الحطب وإحراقه في حفر كبيرة ثم غمره في التراب لبضعة أيام، ليتحول إلى فحم طبيعي يصلح للتوزيع على أصحاب المطاعم مقابل 12 ألفًا للكيلوغرام، وفق مزيد.

وأصدرت حكومة دمشق المؤقتة عددًا من قرارات الفصل بحق بعض الموظفين، بينما منح آخرون إجازات مدتها ثلاثة أشهر مدفوعة الأجر، ضمن إجراءات إعادة هيكلة القطاع العام في سوريا.

“بسطات” بالة

“وجدت نفسي خارج عملي بين يوم وليلة، فقررت العمل على بسطة لبيع ثياب البالة”، قال الشاب محمود الصالح (28 عامًا) لعنب بلدي.

وكان محمود سابقًا يعمل في شركة لتوزيع المواد الغذائية، هاجر صاحبها خارج البلاد بعدما تمت سرقتها من قبل مجهولين في يوم سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024.

ويقف محمود على طريق الحلبوني عند التكية السلمانية في دمشق ليبيع ألبسة “البالة”.

وبحسب محمود، فإن مصدر ألبسة “البالة” تصل إلى العاصمة عن طريق تركيا إدلب ثم إلى دمشق.

وتباع “البالة” في “بسطات” أحياء العاصمة دمشق، وأبرزها البرامكة، والفحامة، والمزة- الشيخ سعد، وشارع الثورة.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي في وقت سابق، فإن أسعار ملابس البالة للأطفال تبدأ من 2000 ليرة سورية للقطعة الواحدة، بينما أسعار الملابس المخصصة لفئة الشباب أو الفتيات تبدأ من 10000 ليرة سورية، وتتفاوت الأسعار بين “بسطة” وأخرى بحسب جودة كل قطعة.

ويعادل سعر صرف الدولار 10700 ليرة سورية في السوق السوداء، بينما رفع المصرف المركزي سعر الصرف الرسمي إلى 13200 ليرة.

بيع المساعدات

بجانب فرع توزيع مساعدات “أنروا” في منطقة أشرفية صحنايا بريف دمشق، تتعالى الأصوات لبيع المساعدات الغذائية، حيث يتسلم الناس صناديق المساعدات وتبيعها فورًا.

“لست بحاجة إلى مواد تموينية لا نستهلكها بشكل يومي كالعدس والحمص، أبيعها لأصحاب البسطات بسعر 100 ألف ليرة سورية لكل صندوق، لأستطيع شراء مواد استهلاكية كالخضار”، بحسب ما قاله حسن الصوان أحد مستلمي المساعدات الإغاثية، لعنب بلدي.

وفي سوق “داريا” بمنطقة جديدة عرطوز بريف دمشق، تضع الشابة نور الحمصي (18 عامًا) “بسطة” صغيرة لبيع المساعدات، وازداد وضع عائلتها سوءًا بعدما توقف والدها عن العمل في “كشك” على مفرق جديدة عرطوز.

“أحاول إعالة أهلي منذ عامين على هذه البسطة، الوضع اليوم أسوأ، الأسعار انخفضت ولكن لا يوجد مال للشراء”، قالت نور لعنب بلدي.

وتشتري نور صناديق المساعدات من أشخاص على أبواب فروع الهلال الأحمر و”أونروا” لتوزيع المساعدات.

تكيف تدريجي

قال الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” الدكتور طلال مصطفى، في حديث لعنب بلدي، إن السوريين أظهروا تكيفًا تدريجيًا مع الأزمة المعيشية، إذ زادت الأعمال والمشاريع الصغيرة وخاصة في الأرياف، لتأمين الحد الأدنى من المستلزمات الضرورية.

كما أن توسع شبكة الاقتصاد المحلي بالاعتماد على مبادلات مالية محلية وتوظيف رؤوس أموال بسيطة، يمكن أن يحل جزءًا من المشكلة.

وحول المسرحين من وظائفهم في القطاع العام، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد سلوم أنه يمكنهم أن يشكلوا جزءًا أساسيًا من عملية إعادة الإعمار التي ستكون حتمية في مرحلة ما بعد الاستقرار، إذ يمتلكون فرصة للاستفادة من تعويضاتهم وتوجيهها نحو استثمارات صغيرة أو مشروعات ريادية تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

ويمكن أن تسهم مهاراتهم المكتسبة في العمل الحكومي، مع التدريب أو التحسين المستمر، في الانتقال إلى مجالات أخرى مثل الزراعة، التجارة الصغيرة، أو تقديم الخدمات.

الاقتصاد السوري بحاجة ماسة إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على القطاع العام فقط، ولا بد من تطوير مشروعات القطاع الخاص، خصوصًا في مجالات مثل الزراعة والتصنيع، التي من شأنها أن توفر فرص عمل جديدة وتسهم في تخفيف البطالة، وفق ما قاله سلوم لعنب بلدي.

وأضاف أن الفرصة الحقيقية لتحسين الواقع المعيشي تكمن في الاستعداد لهذا التغيير من خلال التحول التدريجي إلى قطاعات جديدة تعتمد على مهارات السوق الحرة، مثل التكنولوجيا، والتجارة الإلكترونية، والاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ستشجع على خلق فرص عمل جديدة.

حراك عمالي يحتج على قرارات التسريح في سوريا

وعود بمشاريع

حول المهن التي خلقها الواقع المعيشي وارتفاع معدلات البطالة في سوريا، أوضح معاون وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة دمشق المؤقتة، إبراهيم الإبراهيم، في وقت سابق، لعنب بلدي، أن الوزارة تعمل على تطوير مراكز التنمية الريفية بهدف تدريب العائلات على مهن تساعدها في تحقيق الاكتفاء الذاتي.

تولي الوزارة اهتمامًا خاصًا بالمشاريع الصغيرة والمستدامة التي تمكّن العائلات من الاعتماد على نفسها اقتصاديًا، بالإضافة إلى ذلك، يتم السعي لتأمين فرص عمل للعاطلين من خلال التعاون مع مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الخاص والمشترك، إلى جانب تقديم برامج تدريب مهني تغطي مختلف الاختصاصات لتأهيل الأفراد لسوق العمل، بحسب إبراهيم.

%75 بحاجة إلى مساعدة

أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرًا، في 20 من شباط الماضي، قال إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة عاطل عن العمل.

ولفت إلى أن 75% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، تشمل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف والأمن الغذائي والمياه والطاقة والمأوى.

وأشار إلى أن إنتاج الطاقة في البلاد انخفض بنسبة 80% وتضرر 70% من محطات توليد الكهرباء، ما أدى إلى انخفاض قدرة الشبكة الوطنية بنسبة 75%.

تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أشار إلى أن ما بين 40 و50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا لا يذهبون إلى المدرسة، وأنه دُمر أو تضرر بشكل شديد نحو ثلث الوحدات السكنية خلال سنوات النزاع، ما ترك 5.7 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى دعم في مجال الإيواء. وفي ظل المعطيات السابقة،

أكد تقرير الأمم المتحدة، أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى 55 عامًا للوصول إلى مستوياته قبل الحرب إذا استمر النمو الحالي عند 1.3%.

وحذر التقرير الأممي من استمرار حالة النمو البطيء التي تعيشها سوريا (1.3 سنويًا) في الوقت الحالي، مؤكدًا أن حصول ذلك سيجعل من المدة اللازمة لتعافي الاقتصاد تمتد أكثر من نصف قرن.

في العام الذي سبق اندلاع الحرب، بحسب التوصيف الأممي، كان الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 62 مليار دولار، وكان لديها معدل نمو يتجاوز 5% على مدار الخمس سنوات السابقة، أما حاليًا فيبلغ الناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف ذلك، بحسب الأمم المتحدة.

كما أن سوريا تأثرت أيضًا من حيث التنمية البشرية، حيث تراجعت 40 عامًا في متوسط العمر المتوقع، ومستويات التعليم، ودخل الفرد.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة