
إفطار جماعي في منطقة القابون بدمشق- 5 آذار 2025 (عنب بلدي/أحمد مسلماني)
إفطار جماعي في منطقة القابون بدمشق- 5 آذار 2025 (عنب بلدي/أحمد مسلماني)
عنب بلدي – نوران السمان
“على الرغم من كل الدمار، الفرحة أنستنا كل شيء. منذ 15 عامًا لم نشعر بفرحة حقيقية كهذه”.
بهذه الكلمات عبّر خالد ليلى، من أهالي القابون بدمشق، عن مشاعره خلال إفطار جماعي أُقيم بين أنقاض منازل حيه المدمر، في لحظة وصفها بأنها “فرحة لأهل البلد”، جمعتهم رغم التهجير والخراب الذي أصاب الحي.
وعلى الرغم من آثار الدمار التي لا تزال شاهدة على سنوات الحرب والقصف الذي طال منطقة القابون كغيرها من المناطق، أصر الأهالي على إحياء أجواء رمضان.
عبد المعين الهبول، قائد فريق “قابوني” التطوعي، أوضح لعنب بلدي أن الهدف من المبادرة لم يكن مجرد تقديم وجبة إفطار، بل إعادة الألفة بين أبناء الحي الذين تفرقوا في بقاع مختلفة، بعضهم في دول الجوار وآخرون في مناطق الشمال السوري.
وأضاف أن الإفطار أقيم بجوار الجامع الكبير في القابون، وسط حي تعرض لدمار يقدّر بـ80% من مبانيه.
“نتمنى أن يعود الأهالي، لكن للأسف لا توجد بيوت كثيرة صالحة للسكن، حاولنا من خلال هذا الإفطار أن نجمع الإخوة على مائدة واحدة بعدما تفرّقوا”، قال الهبول.
وضمت مائدة الإفطار حوالي 1000 شخص من سكان القابون والعائدين إليها، وجاءت بمبادرة من فرق تطوعية محلية بالتعاون مع مؤسسة “الفتح للإغاثة الإنسانية”، وتحت إشراف السفارة التركية في دمشق.
ورغم صعوبة المشهد، فإن الفرحة بالإفطار الجماعي غلبت على وجوه الحاضرين. “أم محمد”، إحدى الحاضرات، عبرت عن مشاعرها لعنب بلدي قائلة، “اختلطت مشاعر الفرح بالحزن، لكننا جئنا لنرى بعضنا ونتذكر أيامنا الجميلة، رغم كل شيء، نحن سعداء بأننا تخلصنا من النظام الذي دمرنا وهجّر أبناءنا”.
ويُعد حي القابون من أوائل الأحياء التي انخرطت في الثورة السورية منذ 15 من آذار 2011، وكان شاهدًا على أحداث مفصلية، منها مجزرة القابون التي قتل فيها 90 شخصًا، ثم حصار المنطقة من قبل النظام السوري السابق بين عامي 2012 و2017، ما أدى إلى دمار واسع في بنيته التحتية ونزوح سكانه.
شهد الإفطار حضورًا دبلوماسيًا، حيث أعرب القائم بالأعمال المؤقت للسفارة التركية في دمشق، برهان كور أوغلو، لعنب بلدي، عن أسفه لحجم الدمار الذي لحق بالقابون، مشبهًا إياه بمدينة داريا والغوطة.
وقال، “نحن هنا لدعم السوريين، وسنعمل على تحسين الظروف، بدءًا من بناء المدارس وتأمين الخدمات الأساسية”.
وأشار إلى وجود خطط عديدة يتم العمل عليها بالتعاون مع السلطات السورية الجديدة، مضيفًا، “الدولتان معًا ستسهمان في إعادة إعمار سوريا، لكن هذه العملية تحتاج إلى جهود دولية مكثفة، نحن كدولة جارة، لنا تاريخ طويل مع الشعب السوري، وسنظل هنا بكل مؤسساتنا”.
من جهته، قال نائب رئيس مؤسسة “الفتح للإغاثة الإنسانية”، يوسف إسلام يشيل، إن المؤسسة مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين منذ عام 2011، مشيرًا إلى أن تنظيم الإفطار الجماعي جاء في إطار جهود إعادة الأمل إلى السوريين المتضررين.
وأضاف أن هذه الفعالية تأتي استكمالًا لأنشطة سابقة نُظمت في منطقة مخيم “اليرموك”، معربًا عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في تحسين أوضاع السكان.
وفي حديثه للصحافة، نقل كور أوغلو عن أحد الأهالي قوله، إن حي القابون كان يومًا ما أشبه بحدائق الجنة، لكنه الآن تحول إلى أنقاض.
وأضاف أن العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعرقل جهود الاستثمار والتنمية، مؤكدًا أن رفعها سيسرع من عملية إعادة الإعمار.
لم يكن حي القابون المنطقة الوحيدة التي شهدت موائد إفطار وسط الدمار، ففي معرة النعمان بريف إدلب، اجتمع حوالي 500 شخص على مأدبة إفطار جماعية، في محاولة لإعادة الحياة إلى مدينة عانت من التهجير والدمار.
كما أقيمت فعاليات مشابهة في مناطق أخرى، منها في محافظة حلب.
إلى جانب موائد الإفطار الجماعية، شهدت سوريا مظاهر رمضانية أخرى، منها “المسحراتية” الذين يجوبون الشوارع دون الحاجة إلى تصاريح أمنية، ودون التعرض للحواجز الأمنية كما في السابق، بالإضافة إلى إقامة صلاة التراويح في جوامع سوريا لأول مرة دون الأسد.
أوضحت بيانات معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب في عام 2019، أن الدمار في المناطق المحيطة بدمشق هائل، حيث بلغ عدد المباني المتضررة في الغوطة الشرقية وحدها 34136 مبنى، بينما في مخيم “اليرموك” والحجر الأسود وصل العدد إلى 5489 مبنى متضررًا.
أما مدينة الزبداني فقد تضرر فيها 3364 مبنى.
وعن الوعود الحكومية لتحسين الوضع في حي القابون، أكد محافظ دمشق، محمد ماهر مروان، في زيارته الأخيرة للحي، أن إعادة تأهيل الحي وتحسين أوضاع سكانه ستكون أولوية ضمن خطة العمل الحكومية لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي 19 من كانون الثاني الماضي، زار محافظ دمشق حي القابون، والتقى بأهالي الحي هناك.
ووفقًا لما نقله المكتب الإعلامي لمحافظة دمشق، فإن مروان شدّد على أن “الجهود مستمرة لتوفير الخدمات الأساسية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، مع التركيز على تسهيل عودة الأهالي إلى منازلهم وتهيئة البيئة المناسبة للحياة الكريمة”.
وفي 23 من كانون الثاني، بدأت محافظة دمشق، بالتعاون مع مديرياتها المختصة والدفاع المدني، عمليات إزالة الأنقاض من شوارع حي القابون لتهيئة أي عملية نحو إعادة الإعمار، ضمن إطار حملة “رجعنا يا شام”.
ورغم الدمار الذي شهده حي القابون، حاول سكانه إعادة إحياء أجواء رمضان عبر موائد الإفطار الجماعية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى