
بناء وزارة المالية في دمشق- 1 شباط 2025 (عنب بلدي/أنس الخولي)
بناء وزارة المالية في دمشق- 1 شباط 2025 (عنب بلدي/أنس الخولي)
عنب بلدي – عمر علاء الدين
إثر سقوط النظام السوري السابق، في 8 من كانون الأول 2024، وما تلاه من خطوات تمثلت بإعلان تولي أحمد الشرع منصب الرئيس خلال المرحلة الانتقالية، والانفتاح الغربي والعربي على الإدارة الجديدة، تشتد الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ تصطدم خطة الإعمار والاستقرار بالعقوبات الغربية المفروضة على سوريا.
يرى خبراء اقتصاديون أن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية بات ضرورة ملحة، في ظل شح السيولة وضعف القدرة الشرائية عند السوريين، والدمار الذي شهده اقتصاد البلاد على مدار سنوات الحرب.
ورغم الرفع الجزئي، تشلّ العقوبات قدرة الدول العربية والصديقة على تقديم المساعدات المالية، إذ نقلت وكالة “رويترز”، في 26 من شباط الماضي، عن أربعة مصادر، أن “قطر تحجم عن تقديم الأموال لحكام سوريا الجدد من أجل زيادة رواتب القطاع العام، بسبب الغموض حول ما إذا كانت التحويلات ستمثل انتهاكًا للعقوبات الأمريكية، وهو ما يشكل حجر عثرة أمام الجهود الرامية لإنعاش الاقتصاد المتضرر من الحرب”.
وكانت الحكومة الانتقالية في سوريا، قد دعت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة رفع العقوبات، سواء على لسان رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أو على لسان وزير الخارجية، أسعد الشيباني.
في 6 من آذار الحالي، أعلنت الحكومة البريطانية إزالة 24 كيانًا سوريًا من العقوبات التي فرضتها على النظام السابق.
وشملت الإزالة البريطانية من لوائح العقوبات، مصرف سوريا المركزي وبنوكًا أخرى وشركات بترول، وفق قرار الحكومة الذي اطلعت عليه عنب بلدي.
وشمل قرار الإزالة من العقوبات، البنك التعاوني الزراعي، والمصرف التجاري السوري، والبنك المركزي السوري، ومصرف التوفير، إضافة إلى شركة “بانجيتس” الدولية المحدودة، والشركة السورية لتجارة النفط، وشركتين نفطيتين.
بدأ مسار رفع العقوبات من الإعفاء الجزئي الذي قدمته وزارة الخزانة الأمريكية، في 6 من كانون الثاني الماضي، بهدف “تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك توفير الخدمات العامة أو المساعدة الإنسانية”، ويمتد التعليق ستة أشهر من تاريخ إصدار القرار.
وتلاه تعليق أوروبي للعقوبات المفروضة على النظام السابق، شمل وفق ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، قطاعات الطاقة والنقل والمؤسسات المالية التي كانت أساسية للاستقرار المالي في البلاد.
في 27 من كانون الثاني الماضي، اتفق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على خارطة طريق لتخفيف العقوبات الأوروبية على سوريا.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بعد اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد في بروكسل، “في حين أننا نهدف إلى التحرك بسرعة، فإن رفع العقوبات يمكن أن يتراجع إذا تم اتخاذ خطوات خاطئة”.
وفي مؤتمر “باريس لدعم سوريا”، في 13 من شباط الماضي، أكدت الدول والأطراف المشاركة على “إعادة تقييم العقوبات الاقتصادية لاستهداف المسؤولين عن الانتهاكات دون الإضرار بالمدنيين، وتخصيص الأموال المجمدة لدعم العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار على أساس مبادئ الشفافية والإنصاف”.
الترخيص الذي قدمته الولايات المتحدة، في 6 من كانون الثاني الماضي، “ليس له أثر كبير على القطاع المصرفي”، بحسب رئيس مركز أبحاث “منتدى الاقتصاديين العرب”، سمير العيطة.
أشار العيطة في حديث لعنب بلدي، إلى أن الترخيص سمح فقط للمغتربين بتحويل حوالات فردية، دون رفع قانون “قيصر” للعقوبات الذي جرى تمديده إلى غاية 2029.
لا يجيز الترخيص الأمريكي تحويلات رؤوس أموال كبيرة إلى المصارف السورية، التي تمر حكمًا عبر المصرف المركزي”.
الدكتور سمير العيطة
رئيس “منتدى الاقتصاديين العرب”
وقال العيطة، إن رفع الاتحاد الأوروبي العقوبات عن المصرف المركزي لمدة سنة “قابل للتراجع عنه في أي وقت”، كما أن له شروطًا سياسية، مضيفًا أن الرفع جاء دون نص رسمي حتى الآن يوضح ما يشمل، إذ تشير بعض التصريحات عن رفع يخص فقط البنى المصرفية التحتية.
ويرى الخبير أن من غير المتوقع أن يتجاوز الرفع الأوروبي العقوبات الأمريكية.
وأضاف العيطة أن التعليق الجزئي في كلتا الحالتين (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) لن يكون له أثر كبير على قطاع المصارف السورية والمصارف المراسلة لها، والتي تحتاج إلى تعليق العقوبات لمدة أطول أو إلغائها لكي تعمل بشكل طبيعي.
لحصول الدولة السورية على الأموال من دول داعمة، يقترح العيطة إنشاء صندوق خارجي يقوم بـ”دفع ثمن المستوردات أو تسديد مستحقات الشركات التي ستصلح البنى التحتية أو تقوم بإعادة إعمار”.
وبينما يرى العيطة استحالة قدرة إيداع أي دولة مبلغًا ما في المصرف المركزي، لتمويل الدولة السورية لتسديد الأجور والاستثمارات في هذه المرحلة رغم الترخيص الأمريكي والرفع الجزئي الأوروبي، يرى الخبير المصرفي عامر شهدا أن رفع العقوبات الجزئي لا يعوق تحويل رؤوس الأموال الكبيرة إلى البلاد في حال أراد السوريون بالخارج الاستثمار في سوريا.
ووفقًا لشهدا، فقد سمح المصرف المركزي بتحويل مبالغ بالقطع الأجنبي، “كاش دون سقوف”.
وأشار شهدا في حديثه لعنب بلدي، إلى ضرورة تمكين مصرف سوريا المركزي نقديًا، خاصة في ظل شح الموارد والأرصدة.
ويواجه المصرف المركزي صعوبة في الدخول بعمليات تمويل، إلا إذا تلقى دعمًا من دول عربية كقطر أو السعودية أو الكويت بودائع نقدية، وبهذه الحالة سيتمكن المصرف من السيطرة على حركة الكتلة النقدية بالقطع الأجنبي والليرة السورية، بحسب شهدا.
تعتبر هيكلة المنظومة النقدية ضرورية لتحقيق الاستفادة القصوى من رفع العقوبات، بحسب الخبير عامر شهدا، لتمكين المصارف من تلبية متطلبات النهوض الصناعي والتجاري بسوريا.
يجب على المصرف المركزي السعي لإعطاء المصارف السورية دورها الحقيقي في استقبال الحوالات، وعدم اقتصار ذلك على مجموعة ضئيلة من الشركات المالية المرخصة.
عامر شهدا
خبير مصرفي
وطالب شهدا المصرف المركزي بالسعي لإعطاء المصارف السورية دورها الحقيقي في استقبال الحوالات، وعدم اقتصار ذلك على مجموعة ضئيلة من الشركات المالية المرخصة.
بينما أكد العيطة أن النهوض بالواقع الحالي بالبلاد يستلزم الرفع الكامل للعقوبات عن المصرف المركزي، مشددًا على وجوب “إيجاد آليات تخفف من الالتزام المفرط والتخوف من العقوبات التجارية والمالية الأخرى”.
ويرى العيطة أن هذا ممكن حال وجود رغبة حقيقية من الخارج في نهوض سوريا وتعافيها، لكنه يتطلب على الصعيد الداخلي، ضبط الواقع النقدي، فيما يخص المصارف والصرافة ووقف تفلت “الكاش”.
التحويل المالي إلى سوريا كان معقدًا وصعبًا في عهد النظام السابق وسيطرته على مفاصل الحياة الاقتصادية من جهة، والعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على البلاد.
معظم شركات التحويل في العالم، امتنعت عن إجراء أي عملية تحويل مالي إلى سوريا، بينما كان النظام السوري وأذرعه الاقتصادية يعتمدون على الدول المجاورة مثل لبنان، كوسيط لدخول وخروج الأموال من وإلى البلاد.
وكشف تحقيق لعنب بلدي، في 25 من شباط 2024، أن لبنان شكّل أحد منافذ تصريف الأموال وتخزينها، ولعب لبنان هذا الدور دون غيره من دول الجوار نظرًا إلى المعابر المفتوحة بين البلدين، وخطوط النقل الخاصة المتنقلة عبرها بشكل شبه يومي.
ولجأ بعض السوريين إلى إرسال الحوالات إلى مكاتب الصرافة المرخصة في سوريا، ومنها مكتب “الهرم” و”الفؤاد”، وشركة “ويسترن يونيون”.
فيما اعتمد القسم الأكبر من السوريين على مكاتب الصرافة غير الرسمية، التي اعتمدت سابقًا سعر الصرف المعلن بالسوق السوداء، على عكس المكاتب المرخصة التي تلتزم بالنشرة الصادرة عن المصرف المركزي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى