نساء سوريا في المخيمات: معاناة متفاقمة ومستمرة

  • 2025/03/08
  • 12:13 م
أطفال ونساء في مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا - تموز 2024 (AFP)

أطفال ونساء في مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا - تموز 2024 (AFP)

حتى بعد سقوط نظام الأسد، لا زالت نساء سوريا تدفع ثمن الصراع الذي امتد لأربعة عشر عاماً. خاصة اللاجئات منهن يعانين من داخل المخيمات أقسى أنواع الظلم والحرمان في ظل انخفاض المساعدات وانعدام أبسط اساسيات العيش.

افتقار السوريين الذين يعيشون في المخيمات داخل سوريا أو خارجها إلى فرص العمل والتعليم أمر مفروغ منه، ومع ذلك يكافح العديد منهم لتأمين لقمة العيش، وحتى النساء السوريات يسعينَ لمساعدة بلدهن وأهلها بالرغم من حاجتهن الماسّة للمساعدة، ومن هذا المنطلق تعمل بعض النساء السوريات في مخيمات شمال شرق سوريا في أعمال تطوعية ومبادرات مجتمع مدني لتقديم العون لمن يحتاجه.

فمثلاً، تعمل 75 امرأة سورية أرملة في تحضير الطعام خلال شهر رمضان، وتوزيع حوالي 20 ألف وجبة طعام يومياً وطيلة شهر رمضان على الأسر المحتاجة والأطفال الأيتام بإدارة جمعية الإحسان الخيرية وفريقها التطوعي.

وبالطبع تبادر منظمات المجتمع المدني لمساعدة السوريين القاطنين في الخيام والذين يعانون من انعدام الأمن وعدم توفر فرص التعليم والعمل، عبر تمكين النساء والأطفال بينما تحاول أخرى تلبية احتياجاتهم الأساسية.

وتخص في ذلك النساء اللواتي لديهن متطلبات واحتياجات أخرى خاصة، وبالرغم من وجود العديد من المبادرات والمساعدات الإنسانية إلا أنها غير كافية لتغطية النقص الذي تعاني منه النساء في المخيمات.

معاناة خاصة ومضاعفة

وفق تقرير صادر عن وحدة تنسيق الدعم (ACD)، فمن بين أكثر من مليوني نازح، تشكّل النساء ما نسبته 35 بالمئة من النازحين في مخيمات شمال غرب سوريا وحدها.

وفي تقرير أجراه الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عام 2022 تبين أن النساء في المخيمات يفتقرن للرعاية الصحية اللازمة، فيوجد نقص واضح في الخدمات الطبية والأدوية، وارتفاع أسعارها إن وجدت، بالإضافة إلى نقص في الكوادر الطبية المتخصصة.

وعن احتياجات النظافة الشخصية تخبر مياسا أحمد DW، وهي ناشطة في حقوق الإنسان وضحايا الاختفاء القسري، وتعيش في أحد مخيمات الشمال السوري، بأن بعض المنظمات توفر حقيبة أو سلة نسائية تحتوي على بعض منتجات العناية الشخصية الخاصة بالنساء، ولكنها منتجات بسيطة جداً وغير كافية وقد تكون بلا قيمة أحياناً، ولا يتم توزيعها على النساء في المخيمات إلا مرة أو مرتين خلال سنوات، أي أن النساء لا يحصلن على أبسط منتجات العناية الشخصية.

وتضيف مياسا: “لا يوجد في المخيمات مكان مناسب للاستحمام أو تسخين المياه وغسل الملابس ونشرها، كما أخبرتني إحدى النساء بأنها كلما أرادت أن تستحم تشعر بأن المخيم بأكمله يعلم بأنها استحمت”.

وهو ما أكدّه عبد الرحيم الخطاب، رائد أعمال سوري ألماني وناشط سياسي ومدافع عن حقوق الإنسان، فحدث الخطاب DW عن زيارته الأخيرة لمخيمات الشمال السوري، فقال: “أصعب ما رأيته هو اضطرار النساء إلى الانتظار حتى حلول المساء للذهاب إلى الحمامات العامة بسبب الخجل الذي يشعرن به من الذهاب إلى الحمام على مرأى الناس خلال النهار”.

وقال خطاب إن النساء يجبرنَ على الاصطفاف بالدور للحصول على سلة إغاثة بقيمة بضع دولارات من أجل الاستمرار بالحياة وخاصة مع انعدام فرص العمل، وترك الناس لأملاكها وبيوتها والهرب إلى المخيمات في الشمال السوري، وأضاف: “المعاناة في المخيمات كبيرة جداً، فلا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، بالإضافة إلى المعاناة من الحرارة الشديدة في أيام الصيف، وشدّة البرودة في الشتاء، كما أن الخيام غير معزولة وغير صالحة للحياة والمرافق الأساسية والصحية منعدمة”.

أما عن التحديات التي تواجه النساء في المخيمات فهي تحديات من كافة الأنواع، أولها تحديات أمنية تتمثل بضيق المساحات الآمنة، فأغلب الخيام مصنوعة من الأقمشة والمنطقة غير محاطة بأسوار وفق شهادة مياسا أحمد.

أما عن التحديات الاقتصادية، فتقول مياسا: “المخيمات مقبرة للأحلام، لا تتوفر فيها أي فرص عمل أو تعليم، وبالتالي ينتشر الفقر بشكل كبير هنا، حتى أنه لا تتوفر لدينا فسحة صغيرة للزراعة”.

ما يزيد من أعباء ساكني المخيمات ويحدّ من فرص عملهم أو تعليمهم صعوبة الاتصال والتواصل، فالمخيمات موجودة بأماكن نائية بعيدة عن كل شي، وبحسب مياسا تضطر بعض النساء لقطع مسافات طويلة جداً حتى تصل إلى مراكز الخدمات مثل المدارس، ومراكز التعليم والتدريب، والمراكز الصحية.

وتضيف مياسا: “هذه الصعوبات تخلق مشاكل أخرى أكبر، وهي صعوبة في تعليم الفتيات، وبالتالي يتم تزويجهن بسن صغيرة”.

والمعاناة لا تنتهِ هنا، فمن أبرز ما تعانيه النساء في المخيمات التحرّش، خصوصاً في الخيام المصنوعة من الأقمشة حيث الإضاءة ضعيفة ولا وجود لكاميرات مراقبة أو ما شابه وفق مياسا، وأضافت: “تخاف النساء من الإفصاح عن التحرش الذي تتعرض له بسبب خوفها من الوصمة الاجتماعية”.

أما النساء الأرامل فيعانين من نوع خاص من المعاناة، فيعشنّ في مخيمات خاصة تسمى “مخيمات الأرامل”. فبالإضافة لمعاناتهن من انعدام الأمن والمرافق وصعوبة الحياة، فإنهن يُحرمنَ أيضا من رؤية أبنائهن وأقاربهن.

تقول مياسا أحمد لـ DW: “لا تستطيع المرأة في مخيم الأرامل استقبال ابنها أو أخيها إلا بإذن، ولا يُسمح لهن البقاء خارج المخيم بعد الساعة الخامسة عصراً، وعندما يصبح عمر ابنها 13 عاماً عليها أن تفارقه، فيخرج من المخيم إلى مخيم آخر، هذه المخيمات أشبه بسجن كبير”.

نقص في التمويل

حتى المساعدات التي يحصل عليها سكان المخيمات لم تعدّ كافية لتلبية أبسط احتياجاتهم، فمنذ عام 2025 عبرت 475 شاحنة مساعدات من ست وكالات تابعة للأمم المتحدة من تركيا إلى سوريا، وهو ما يفوق المساعدات التي قُدمت بنفس الفترة من العام المضي بخمس مرات، ومع ذلك فإنها غير كافية وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وهناك نقص كبير في التمويل، فحتى شهر مارس/ آذار الحالي لم يتم تأمين سوى 10 بالمئة من 1.2 مليار دولار المطلوبة لتغطية احتياجات المخيمات السورية.

وعن ما ينقص من مساعدات للنساء في المخيمات، يوضح الخطاب لـ DW: “ينقص النساء في المخيمات كل شيء، ينقصهن العيش الكريم، وهنّ بأمس الحاجة لكل أشكال الدعم، الدعم المادي والمعنوي، وأشدد على الدعم المادي لتأمين متطلبات الحياة”.

حتى الدعم النفسي التي تحصل عليه النساء ليس كافياً، فتصف مياسا أحمد خدمات الدعم النفسي بأنها رديئة بسبب الافتقار إلى الكوادر المتخصصة وللخبرة الكافية، وتأتي بشكل عشوائي وغير منتظم. وتضيف مياسا: “لا تذهب لجلسات الدعم النفسي إلا قلة قليلة من النساء، بسبب الخوف من نظرة ساكني المخيم لهنّ عند الذهاب لمثل هذه الجلسات، ولا توجد خدمات معالجة أو جلسات فردية للنساء”، ولا تتوفر خدمات لذوي الإعاقة أو الحالات الخاصة مثل ذوي المفقودين أو الناجيات من الاعتقال بحسب مياسا.

تقول مياسا: “حالي كحال الكثير من الناس هنا، مجبرين على البقاء في المخيمات؛ لأن بيوتنا هدمت بشكل كلي، ونحن غير قادرات على إعادة إعمارها، خاصة النساء اللواتي يعلنَ أسرهنّ، كحالي أنا، زوجة لمختفي قسري منذ أكثر من 13 عاماً، أعيل أطفالي وأعلمهم لوحدي”.

محاولات إيجاد حلول لسكان المخيمات التي يقطنها السوريون بداخل سوريا أو خارجها ما زالت مستمرة، ولكن يبدو أنها لم تؤتِ ثمارها بعد.

فقد أعلنت في وقت سابق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا عن خطتها لإفراغ المخيمات التي تشرف عليها، وعلى رأسها مخيم الهول وروج والعريشة والمحمودلي، وذلك بحلول نهاية العام الحالي 2025 بالتنسيق مع الأمم المتحدة وفقا لما أوردته وكالة فرانس برس.

ولكن يبدو أن الوضع يراوح مكانه، وهو ما أكده الخطاب لـ DW، قائلا: “لدي ثقة بنواياهم الصادقة عن هدم آخر خيمة في سوريا بنهاية عام 2025، ولكن حتى يومنا هذا لا يوجد أي فعل حقيقي على أرض الواقع”، علما أن دولا عربية أعربت مسبقا عن نيتها في دعم إعادة إعمار سوريا وإعادة النازحين واللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم.

يضاف إلى كل هذا، غياب المساعي لكسح الألغام المدفونة تحت الأرض، والتي أزهقت أرواح الكثيرين بحسب الخطاب. يذكر أنه ومنذ بداية الصراع في سوريا عام 2011، هُجّر نحو 14 مليون سوري من البلاد، ونزح أكثر من 7.2 مليون آخرين بالداخل. 70 بالمئة منهم يعيشون تحت فقر مدقع وهم بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.

ووفق آخر تقرير أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 27 فبراير/ شباط عام 2025، ارتفع معدل خط الفقر ليشمل 90 بالمائة من سكان سوريا.

وحتى بعد سقوط نظام الأسد، لم يترك إلا قلة قليلة لا يتجاوز عددهم 100 ألف شخص منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هذه المخيمات في حين بقي معظم النازحين هناك رغم حاجتهم لأبسط مقومات الحياة.

مقالات متعلقة

  1. إطلاق سراح ممول هولندي لنساء في تنظيم "الدولة" بشروط
  2. اليابان تقدم نصف مليون دولار للأطفال في مخيم الهول
  3. الزواج في "الهول".. تذكرة للخروج من المخيم
  4. إدلب.. الإعاقة تفاقم معاناة النساء في مخيمات النزوح

مجتمع

المزيد من مجتمع