مواطنون ينتظرون أمام فرع المصرف التجاري السوري فرع مدينة حلب (صحيفة الجماهير)
متخصصون يقترحون حلولًا إسعافية
صعوبات أمام مشروع عربي أوروبي لهيكلة المصارف
عنب بلدي – جنى العيسى
يتجه اتحاد المصارف العربية لإطلاق مشروعه المتعلق بإعادة هيكلة وتأهيل قطاع المصارف في سوريا، بشراكة أوروبية، وضمن برنامج عمل محدد يمتد لنحو ثلاث سنوات.
البرنامج الذي لم يعلن عن بدء العمل به بعد، سيشمل تطوير البنية التحتية للقطاع المصرفي وتدريب وتأهيل الكوادر المصرفية بالتعاون مع البنك المركزي الألماني، بحسب ما أعلنه أمين عام اتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، في 15 من شباط الماضي.
فتوح أشار في تصريح لصحيفة “الاقتصادية” السعودية، حينها، إلى أن المشروع يواجه تحديات عديدة، أبرزها العقوبات الغربية التي لا تزال مفروضة على مصرف سوريا المركزي، مؤكدًا في الوقت نفسه وجود خطط جادة لتنفيذ المشروع، ووجود تواصل مستمر مع مسؤولي البنك المركزي السوري لبحث سبل التنفيذ.
لتوضيح طبيعة الشراكة الأوروبية التي أشار إليها أمين عام اتحاد المصارف العربية، وما الذي ستقدمه في هذا الإطار، وما الدول الأوروبية التي ستكون حاضرة في هذا المشروع، تواصلت عنب بلدي عبر البريد الإلكتروني مع اتحاد المصارف، إلا أنها لم تتلقَّ ردًا حتى ساعة نشر التقرير.
اتحاد المصارف العربية (UAB) هو منظمة مسؤولة عن تعزيز التعاون بين البنوك العربية وتنمية الأعمال المالية العربية وتعزيز الدور التمويلي للمصارف العربية في العالم العربي، يقع مقره الرئيس في بيروت، ولديه ثلاثة مكاتب إقليمية رئيسة في مصر والسودان والأردن.
إعادة هيكلة ودمج
حول طبيعة ما يمكن أن يقدمه المشروع الذي يتبناه اتحاد المصارف العربية بشراكة أوروبية، قال الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إنها قد تكون على شكل مساعدة في إعادة هيكلة البنوك السورية، في ظل وجود خلل كبير في النظام المصرفي ككل.
وأضاف شعبو لعنب بلدي، أنه يوجد في سوريا العديد من البنوك التجارية والزراعية والصناعية، لكن معظمها غير فعال، ما يفرض الحاجة لإعادة هيكلتها ودمجها ببنك واحد.
تعمل هذه المصارف حاليًا على إعطاء قروض صغيرة، فيما تفرض حاجة البلاد المدمرة اليوم وجود قروض استثمارية تغطي مشاريع البنى التحتية ومشاريع تعزز انتعاش الاقتصاد.
ويمكن أن يشمل هذا المشروع، وفق ما يرى شعبو، تكبير حجم رأس مال البنوك الخاصة، وهذا مشروع يحتاج إلى دعم كبير، فضلًا عن إتمام بعض التدريبات المصرفية للكوادر من شأنها تدعيم سرية العمل المصرفي وإدارة المخاطر.
الأستاذ والمحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة “غازي عينتاب” التركية صلاح الدين الجاسم، اعتبر أن هذه الشراكة يمكن أن تكون استراتيجية قائمة على تبادل الخبرات والتكنولوجيا والدعم المالي، ويجب أن تتضمن عدة محاور منها:
- الدعم التقني والتكنولوجي، من خلال نقل أحدث التقنيات المصرفية، مثل الذكاء الاصطناعي في إدارة المخاطر، وتقنيات “البلوكشين” لضمان الأمان والشفافية في المعاملات المصرفية.
- تحديث أنظمة الحوكمة والامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفق المعايير الأوروبية.
- توفير برامج تدريب مكثفة للكوادر المصرفية السورية، تشمل التكنولوجيا المالية، إدارة المخاطر، الامتثال المالي، والتسويق المصرفي الرقمي. وإيفاد خبراء أوروبيين لتقديم الدعم الفني والإداري داخل المصارف السورية.
فيما يتعلق بالدعم الاستثماري والمالي، بحسب شعبو، يجب أن يضمن المشروع توفير ضمانات أو تسهيلات ائتمانية لتشجيع الاستثمارات في القطاع المصرفي السوري، فضلًا عن تعزيز الشراكات بين البنوك السورية والأوروبية لتحسين الثقة الدولية في القطاع المالي السوري، بالإضافة إلى تحديث القوانين المصرفية في سوريا لتتوافق مع المعايير الدولية، مما يسهل عمليات التعاون المالي مع أوروبا.
يتكون القطاع المالي والمصرفي في سوريا من المصارف العاملة ومصارف التمويل الأصغر ومؤسسات الصرافة، وجميعها تخضع لرقابة مصرف سوريا المركزي.
وتوجد ستة مصارف عامة، أبرزها “التجاري” و”العقاري” و”الصناعي” و”الزراعي التعاوني”، إلى جانب 11 مصرفًا خاصًا تقليديًا، وثلاثة مصارف إسلامية خاصة.
يدعم “إدارة الأصول المتعثرة”
تركة ثقيلة ورثتها الحكومة الحالية من النظام المخلوع في ملف المصارف، وقال أمين عام اتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، إن الأزمة المصرفية التي تعانيها سوريا منذ عشرات السنين أدت إلى تضخم الديون المتعثرة وتراجع قيمة الليرة السورية بشكل كبير.
وأشار فتوح في هذا السياق، إلى ضرورة وجود استراتيجيات فعالة لمعالجة الديون عبر إنشاء شركات متخصصة في إدارة الأصول المتعثرة، وهو نموذج استخدمته دول أخرى منها الولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا وأيرلندا بعد أزمات مالية ومصرفية تعرضت لها في أوقات سابقة.
فتوح أشار إلى أنه في السياق السوري، يمكن أن يكون أحد الحلول المحتملة تخصيص جزء من الديون غير القابلة للتحصيل لشركات “إدارة الأصول المتعثرة”، الأمر الذي سيساعد المصارف السورية على تقليص آثار الأزمة المالية.
ويحتاج القطاع المصرفي السوري إلى تعزيز رأس المال لتمكينه من تحمل المخاطر المتزايدة مع التوجه إلى خصخصة المصارف العامة تدريجيًا لتحسين الكفاءة وزيادة الثقة.
الأصول المتعثرة هي الأصول التي لم تعد تؤدي أداء جيدًا أو تدر إيرادات كما ينبغي، غالبًا ما يتم بيع هذه الأصول بسعر مخفض عن قيمتها الأصلية.
يمكن أن تتخذ الأصول المتعثرة أشكالًا عديدة، بما في ذلك العقارات والأسهم والسندات، وحتى الشركات بأكملها، وغالبًا ما تكون الأصول المتعثرة نتيجة لضائقة مالية أو إفلاس أو مشكلات مالية أخرى.
الدكتور فراس شعبو، ذكر أن إنشاء شركات الأصول المتعثرة يحتاج إلى إطار قانوني مرن في سوريا، فضلًا عن كفاءات متخصصة وتمويل كافٍ، مؤكدًا وجود الكثير من القروض المتعثرة في سوريا التي تتطلب إعادة هيكلتها.
ويمكن الاعتماد، وفق ما يرى شعبو، على تسيير الأصول عبر مصادرة أصول معينة أو بيع أصول غير عاملة لزيادة إيرادات البنوك.
في السياق السوري، يحتاج القيام بهذه الإجراءات إلى دعم فني من جهات خارجية سواء عربية أو أوروبية، فضلًا عن ضمان الامتثال للمعايير الدولية، سواء في كيفية منح القروض، أو إعداد وسائل ما يسمى “الجدار الائتماني” للعميل لخفض مخاطر التعثر المصرفي قدر المستطاع.
ويجب، وفق ما يرى الدكتور في العلوم المالية والمصرفية، إنشاء هيئة رقابية مصرفية قوية مع تدريب الكوادر على معايير مصرفية متقدمة وقوانين وتشريعات خاصة بالعمل المصرفي.
ويتفق صلاح الدين الجاسم مع شعبو، في أن إنشاء شركات متخصصة بإدارة الأصول يعد حلًا عمليًا لمعالجة مشكلة الديون المتعثرة في سوريا، لكنه يتطلب بيئة قانونية وإدارية مناسبة تشمل إطارًا قانونيًا يتيح نقل الأصول وإعادة هيكلتها وبيعها وفق قواعد شفافة، إضافة إلى فرق متخصصة في التقييم المالي وإعادة الهيكلة والاستثمار، فضلًا عن تمويل كافٍ من الحكومة أو المستثمرين المحليين والدوليين، واستخدام تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة لتقييم المخاطر وإدارة الأصول بكفاءة.
ومع ذلك، تواجه سوريا تحديات في هذا المجال، وفق ما يرى صلاح الدين الجاسم، إذ يحتاج الإطار القانوني إلى تطوير كبير لغياب التشريعات الواضحة، كما أن الكوادر البشرية بحاجة إلى تدريب مكثف، فضلًا عن ضعف البنية التحتية التقنية والاتصالات ونقص السيولة في المصارف.
ورغم هذه التحديات، يمكن لهذه الشركات أن تسهم بشكل فعال في حل مشكلة الديون عبر إزالة الديون المتعثرة من ميزانيات البنوك، مما يحسن السيولة والقدرة على الإقراض، إضافة إلى إعادة تشغيل الأصول المتوقفة مثل المصانع والعقارات المهملة وتحويلها إلى مشاريع منتجة، مما يعزز الثقة في القطاع المصرفي ويجذب الاستثمارات الخارجية.
قطاع متهالك.. بناء ثقة
تعد ثقافة التعاملات البنكية في سوريا “شبه غائبة”، بسبب القوانين المفروضة منها تحديد سقف سحب يومي محدد من جهة، وتدهور قيمة الليرة من جهة أخرى، ما يعني خسارة قيمة المال في حال الاحتفاظ به في البنوك مع استمرار انخفاض قيمة الليرة.
كما تعتبر بعض التعاملات الإلكترونية في هذا السياق غير متاحة، نتيجة لغياب البنية التحتية والبرمجية، وسط مشكلات شبه يومية يعانيها المقيمون في سوريا تتعلق بضعف وصول الكهرباء والإنترنت.
يرى فراس شعبو، أن مدة المشروع المحددة بثلاث سنوات غير كافية لتحقيق تحسن في القطاع، إلا أنه يمكن خلال هذه الفترة تحقيق تقدم ملموس من ناحية خلق ثقة الناس بالتعاملات البنكية، بالإضافة إلى إصدار قوانين تضمن تحقيق استقرار مالي في البلاد.
وتابع أن أي مشروع في قطاع المصارف سيبقى دون قيمة حقيقة وأثر فعلي، ما لم ترفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات المفروضة على كيانات ومؤسسات القطاع المصرفي في سوريا.
وبحسب ما ذكره تقرير صادر عن مركز “مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط”، سيكون للقطاع المصرفي في سوريا دور كبير في فترة إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي، سواء كوسيلة لتوجيه الأموال الأجنبية أو لتسهيل التجارة، أو كمصدر للتمويل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :