وزير التربية: لم أتقاض راتبًا منذ ثمانية أشهر ولست راضيًا عن واقع التعليم.
“التربية والتعليم” أول وزارة في الحكومة المؤقتة تنتقل للداخل السوري.
النظام يشتري الأسلحة برواتب المعلمين في حلب.
الإدارة الذاتية تسعى إلى “تكريد” التعليم في مناطقها.
ستة ملايين طفل سوري في عمر التعليم أغلبهم في المرحلة الابتدائية.
المنظمات الداعمة للتعليم تقضي على مفهوم العمل التطوعي.
ألفا طالب في جامعة حلب وخطط لإطلاق برامج “الدراسات العليا”.
عنب بلدي – فريق التحقيقات:
بين طرقات وعرة، وركام منازل مهدمة، وعلى أنقاض ما تبقى من هياكل لمدن وأحياء، يسير أطفال سوريا، في المناطق المحررة من سيطرة النظام السوري، كل صباح إلى أقبية وكهوف وخيم، وبيوت مستأجرة فوق الأرض وتحتها، من أجل التعلم. حرمتهم ظروف الصراع ارتياد المدارس الطبيعية، والتي تحولت إلى أهداف “مشروعة” لطيران النظام السوري، فخرج القسم الأكبر منها عن الخدمة، أو تحولت إلى دور إيواء لإسكان العائلات النازحة، التي هدم القصف بيوتها.
تبدلت خارطة التعليم في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية، فما كان من إقبال على المدارس ولهفة الأهالي على تعليم أطفالهم، قبل الثورة، تبدد اليوم وتراجع، وانتهى في بعض المناطق، بعدما حوّل النظام المناطق الخارجة عن سيطرته إلى ساحات صراع جعلت مستويات الإقبال على التعليم لأبناء هذه المناطق في حدودها الدنيا، وجعلت مخرجات العملية التعليمية دون المستويات العالمية، وتراجعت مستويات التعليم بنسبة 97%، وبات حوالي ثلاثة ملايين طفل سوري بحاجة “ماسة” إلى التعليم، وفق تقديرات منظمة “يونيسيف”.
كثيرة هي الأسباب التي تمنع الأطفال السوريين من الالتحاق في المدارس، على رأسها القصف الشديد للبنية التحتية التعليمية، وما خلفه من دمار واسع، والأوضاع الاقتصادية الصعبة للأهالي مع انعدام فرص العمل وتراجع القدرة الشرائية لليرة، فضلًا عن تراجع الاهتمام بالتعليم، فالرغبة بالحياة وعدم “الموت جوعًا” يمنعان الأهالي عن إرسال الأولاد للمدارس، ويدفعهم للاعتماد عليهم في الأعمال، وهو ما أصبح أمرًا أساسيًا بعد فقدان رب الأسرة، من أجل استمرار الحياة في الداخل وفي دول اللجوء المجاورة. وأمام هذا الواقع باتت سوريا تستوعب جيلًا من الأميين لم يرتادوا المدارس، وخسرت البلاد ثلاثة عقود من التنمية البشرية، وفق تقريراللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الإسكوا (ومقرها بيروت)، وارتفعت نسبة البطالة إلى 70%، بعد أن كانت 8٪ قبل الصراع، كما احتلت سوريا المرتبة 118 في معدلات التنمية البشرية للعام 2014 وفق تقرير للأمم المتحدة.
لكن يقابل هذه الصورة السوداء، صور أخرى مشرقة تمحو بعضًا من القتامة، فثمة أشخاص ومؤسسات، نتناولهم في هذا التحقيق، أخذوا على عاتقهم تغيير الواقع وعدم الركون لمجريات الصراع الذي يؤدي إلى نشر الجهل والأمية ويحول دون انتشار العلم، وحاولوا قدر استطاعتهم المضي باستمرار عجلة التعليم، فالثورة السورية والقائمون على فعالياتها في المناطق التي التقيناهم فيها، أكدوا على أن “التنوير” هو السبب الأساسي لخروج الثورة، وأن نشر الحرية والديموقراطية من المسلّمات، فكيف لا نلقي بالًا لقطاع التعليم؟ فخرجت إنجازات يمكن أن توصف بـ “النوعية”، مقارنة مع ما تمر به هذه المناطق وما تعانيه من صعوبات، فنشأت مديريات للتربية بإشراف من وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، ووجدت المنظمات الداعمة، وأدخلت بعض المنظمات نظام التعليم عن بعد (E-learning)، وانطلقت عجلة التعليم العالي في المناطق المحررة، حتى سبقت التعليم الأساسي (الإلزامي).
وللمرة الأولى يعلن رسميًا عن انتقال وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة من تركيا إلى داخل سوريا، إذ افتتحت الوزارة في دارة عزة بريف حلب، وبدأ كادرها، وعلى رأسهم الوزير عماد برق، العمل من الداخل، وقد لاقت هذه الخطوة مباركة كبيرة من الحاضنة الشعبية في المناطق المحررة، كما يقول مواطنون وعاملون في القطاع التربوي، وكان للوزارة عدد من الإنجازات، أبرزها ابتعاث عشرة طلاب إلى فرنسا حصلوا على شهاداتهم من قبل الحكومة المؤقتة، إضافة إلى استيعاب ألفي طالب في الكليات الجامعية في المناطق المحررة، وضم خمسة آلاف طالب في معاهد إعداد المدرسين.
الهدنة تدفع الوضع التعليمي للأمام
بعد الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، ودخول هدنة “وقف الأعمال العدائية” حيز التنفيذ، تنفس القائمون على قطاع التعليم في المناطق المحررة الصعداء، أملًا بتحسن الواقع التعليمي، وهو ما حصل فعلًا، وفق ما قاله معلمون وطلاب لعنب بلدي، لكن تبعات الحرب والآثار النفسية بدت بوضوح في سلوك الأطفال، وهو ما فرض تحديًا جديدًا يتطلب المزيد من الدعم.
يقول مدير مدرسة “اقرأ وارقَ” في داريا، حسين أبو خليل، “ساعدت هدنة وقف إطلاق النار كثيرًا في تحسين العملية التعليمية، استطعنا العودة الى المدارس حيث الإضاءة والتهوية، وقد لوحظ تحسن الطلاب صحيًا، وزاد تركيزهم خلال الحصص التعليمية، كما أصبح بإمكاننا إدراج دروس للرياضة، ونشاطات أخرى كانت متوقفة خوفًا من القصف العنيف”.
ويقول أحد طلاب الصف الخامس في مدرسة “الرائدة” في حي الوعر المحاصر بحمص “الهدنة ساعدتنا في الذهاب إلى المدارس، لكننا نعاني من صعوبة المنهاج نظرًا لظروف الحرب التي نعيشها، والذهاب إلى المدرسة في غاية الخطورة، لأن الطريق مرصودة من قبل القناصين”.
بدوره، الطالب في المرحلة الثانوية بالغوطة الشرقية، عبدالله عبود، أثنى على نتائج الهدنة، وقال “كان القصف يؤثر كثيرًا على تركيزنا ويشغل بالنا، أما الآن وبعد الهدنة شعرنا بالراحة واكتسبنا الكثير من الشعور بالطمأنينة والأمان”.
ويقول مسؤول مكتب التعليم في مجلس محافظة حماة، همام الشامي، إن العمل على تجاوز المشاكل النفسية للأطفال قائم على اجتهاد المعلمين، “وليس بين أيدينا الآن الإمكانيات لوضع خطة عامة شاملة ضمن برنامج يضعه المختصون، لتجاوز الأزمات النفسية التي يعيشها أبناؤنا، ونرى أن حل هذه المشكلة يكون بجعل المدارس في مناطق آمنة وتحت الأرض أو في كهوف، ولدينا عدة أمثلة عن مدرسة في مغارة وأخرى تم حفر ملجأ تحت الأرض لها”.
إدلب وحلب.. النصيب الأكبر من المدارس المدمرة
تقدر وزارة التربية في حكومة النظام السوري أضرار القطاع التربوي بحدود 235 مليار ليرة سورية، مع وجود خمسة آلاف مدرسة متضررة منذ بداية الأزمة، ووجود حوالي 17486مدرسة تستوعب حاليًا أربعة ملايين و250 ألف طالب، وبحسب الوزارة “كانت المدارس الواقعة ضمن المناطق الساخنة أكثر عرضة للتدمير”، إذ بلغت ذروتها في محافظة إدلب، بحدود 772 مدرسة، تلتها حلب 301 مدرسة، فيما تستخدم 1889 مدرسة كمراكز لإيواء النازحين، وبلغت قيمة أضرار القطاع التربوي ما يقارب 170 مليار ليرة سورية.
وتذكر الوزارة، أنه “رغم التحديات استمرت العملية التربوية حتى في المناطق غير الآمنة، حيث بلغت نسبة الدوام في المدارس 70% للطلبة و92% للأطر التدريسية والإدارية”.
وكانت حكومة النظام خصصت حوالي 10% من الميزانية الحكومية العامة للعام 2016 لتوفير مستلزمات التعليم بمن فيهم “الطلبة النازحون” المهجرون، وتمكنت الوزارة من طباعة 75 مليون نسخة كتاب لمرحلة التعليم الأساسي.
تراجع كفاءات المعلمين التدريسية
تمتنع أم عبد الله (اسم مستعار) من ريف إدلب عن إرسال أولادها (ولد وبنت) إلى المدرسة منذ عام تقريبًا، خوفًا عليهما من القصف العنيف، الذي يسمع صداه بوضوح في المناطق المجاورة لبلدتها، فقررت إبقاءهما بعيدًا عن مقاعد الدراسة، لكنها لا تكتفي باعتبار العنف والخوف على الأولاد هو السبب الرئيسي لعدم إرسالهما إلى المدرسة، بل بسبب “نقص الخبرات” و”نقص الكتب” وتراجع مستوى المعلمين أيضًا، فقد غادر البلدة من كان يوصف بأنه أهم مدرس أو “أفضل أستاذ”، كما تقول، وهؤلاء إما هاجروا إلى خارج سوريا أو نزحوا إلى مناطق سيطرة النظام، حيث الأمان النسبي بعيدًا عن البراميل المتفجرة، ما ترك مصير أطفال البلدة معلقًا بيد من يرغب بالتعليم دون النظر إلى مستواه الأكاديمي أو تحصيله العلمي، فالمهم الآن أن تبقى أبواب المدرسة مفتوحة وأن يستمر توافد الطلاب.
لكن هذه الحالة التي تعيشها مؤسسات ومدارس التعليم، لجهة ندرة الكوادر وضعف أدائها، لا تعيشها مؤسسات التعليم العالي، التي بدأت تنتشر وتنطلق في مناطق المعارضة بعد تأسيس جامعة حلب وإدارة التعليم العالي في إدلب. ويؤكد عميد كلية الطب البيطري في إدلب، جمعة عمر، أن “لا مشكلة لإدارة الجامعة في تأمين الكوادر، وهناك العديد من الزملاء أعضاء الهيئة التدريسية جاهزون للالتحاق بجامعة إدلب عندما يوجد حاجة لهم”.
وبحسب آراء مواطنين وشهادات لمدرسين ومديري التربية، فإن ضعف أداء المدرسين كان عاملًا سلبيًا في أداء المؤسسات التعليمية وفي استقطاب اهتمام الأهالي بإرسال أولادهم إلى المدارس، كحال أبو أحمد، أحد سكان حي المشهد في حلب، إذ لم يعد يذهب ابنه إلى المدرسة بسبب كبر سنه وعدم توفر صفوف لمرحلته العمرية، ما يجعله محرجًا في حال قرر الانضمام لأقرانه في شعبة واحدة، ويكتفي بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، عله يلحق ابنه في المدرسة بعد انتهاء الأزمة، مشيرًا إلى تدني مستويات المدرسين وعدم امتلاكهم للخبرة الكافية التي تؤهلهم للتعليم.
انتشار التعليم في الكهوف والأقبية
حلت الكهوف والأقبية مكان المدارس والحصص الدراسية بسبب القصف والأعمال القتالية، وأصبح عدد لا بأس به من الطلاب في المناطق المحررة يقضون نهارهم تحت الأرض وبعيدًا عن التهوية والشمس من أجل الاستمرار بالتعلم، وكان لمدينة داريا في ريف دمشق وبعض مناطق ريف إدلب نصيب كبير من هذه التجربة خلال السنوات الماضية، ومع ذلك لم تكن مخرجات العملية التعليمية بالمرضية، حسب ما يقول أهالي عدد من الطلاب، لأسباب عديدة، أبرزها انعدام الشروط الصحية الأساسية لمساعدة الطالب على الفهم والاستيعاب، والتوتر الدائم، والخوف.
يقول وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، عماد برق، لعنب بلدي، إن هناك عددًا كبيرًا من الأطفال يتعلمون في الأقبية، في حلب والغوطة الشرقية وريف حمص، وهناك قسم من الأطفال يتعلمون في الكهوف بريف إدلب بسبب القصف العنيف، ويشير الوزير إلى أنه ورغم ذلك يستمر النظام باستهدافهم حيث يوجدون.
في داريا، يعاني التعليم من صعوبات “جمة”، تكبّله وتحول دون تحقيق قفزات مهمة، أسوة ببقية المناطق السورية، وذلك بسبب الحصار المفروض على المدينة منذ 13 تشرين الثاني 2012، وشراسة حملة البراميل والقصف العشوائي، وما كان أمام الأهالي خلال مرحلة القصف المستمر بالبراميل إلا تجهيز الأقبية وتدعيمها بالسواتر الترابية خوفًا من شظايا القذائف، وأدى هذا لإغلاق جميع منافذ التهوية، ما انعكس سلبًا على الاستيعاب.
وبخصوص السعي لتوفير التدفئة والإضاءة، هناك قصص أخرى يمكن أن تروى عن هذه الحاجات، فقد عمدت الإدارة إلى توفير الأخشاب والحطب من البساتين، وهو ما ضاعف المعاناة نتيجة انتشار الدخان في الأقبية، وتسبب بحالات ضيق تنفس للطلاب. ويقول الأستاذ حسين، مدير مدرسة “اقرأ وارقَ” في داريا، “تعتمد إدارة المدرسة في إضاءة الأقبية على البطاريات و(اللدات) ويحتاج شحنها إلى الوقود الذي ارتفع سعره أضعافًا، ما تسبب بأضرار وأمراض لعدد من الطلاب، في ظل ندرة الأطباء الموجودين في المدينة وبالذات أطباء العيون”.
كما يعاني طلاب المدينة المحاصرة من نقص القرطاسية، وعدم توفر الكتب والدفاتر والأقلام على اختلاف أنواعها، ولم يبق أمام الطلاب إلا اللجوء إلى مخلفات المكتبات وإلى جمع ما تبقى في المنازل من دفاتر وقرطاسية، وإذا ما توفرت هذه المستلزمات يغيب الطالب ويمتنع عن الالتحاق بمقاعد الدراسة بسبب الوضع المعيشي وصعوبة توفير الحاجات اليومية واضطرار الأهالي إلى تشغيل أولادهم، كما يقول مدير المدرسة.
وتعد حالة الطفل فادي حماد (11 عامًا) من مئات حالات الأطفال في المدينة، الذين لا يلقون بالًا للتعليم، ويعملون بجمع المواد البلاستيكية وبيعها، فهو يذهب للعمل كل يوم لتأمين حاجات أهله اليومية وسط ظروف معيشية صعبة جدًا.
800 ألف طالب في عهدة وزارة التربية والتعليم
يبدي وزير التربية عدم رضاه الكامل عن سير العملية التعلمية في المناطق المحررة، فهي بحاجة مزيد من الجهود، ويقدم الوزير أرقامًا تبدو صادمة عن واقع الطلاب والمدرسين في المناطق التي تشرف عليها وزارته، فإضافة إلى شح الدعم المادي وانقطاعه تمامًا من الحكومة، والذي تسبب بغياب الرواتب عن الكوادر الإدارية الأساسية والوزراء، هناك مشكلات متعلقة باستمرار تسرب الطلاب. يقول الوزير “الدعم المادي شبه معدوم، ولم أتقاضَ راتبي منذ الشهر الثامن (آب) الماضي”.
يشير الوزير إلى وجود 100 ألف طالب جامعي في المناطق المحررة منقطع عن التعليم، وهناك 50 ألف طالب حاصل على الثانوية العامة ويحتاج لإكمال التعليم الجامعي.
ولفت إلى أن الوزارة تشرف على 800 ألف طالب على مقاعد الدراسة، وأن هناك أكثر من مليون طفل خارج العملية التعليمية. وقدر نسبة التسرب من المدارس في المناطق المحررة بـ50%.
تخطط وزارة التربية المؤقتة لافتتاح كليات في درعا والقنيطرة.
افتتحت الوزارة كليات للطب البشري والمعلوماتية برسوم رمزية.
تستعد الوزارة لافتتاح مكتب ارتباط في العراق لمتابعة الطلاب السوريين وعددهم 150 ألف طالب.
حلب: أعلى نسبة تسرب للطلاب في سوريا
النظام يشتري الأسلحة برواتب المعلمين في حلب
تشرف مديرية التربية في حلب، التي تأسست قبل عامين تقريبًا ويعمل فيها 200 موظف بين إداري وفني، على المدارس في المدينة والريف وعددها حوالي 600 مدرسة، تقدم التعليم لحوالي 170 ألف طالب، وتتبع مناهج أقرتها وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.
ويوجد في حلب المدينة 1400 معلم ومعلمة، 12% منهم يحملون الشهادة الإعدادية كمحصل علمي.
ويعد واقع القطاع التعليمي في المدينة والريف أفضل بكثير مقارنة مع بقية المناطق، كدرايا في ريف دمشق والأحياء والبلدات المحاصرة، لجهة توفر المستلزمات التعليمية والكوادر وسخاء الداعمين، لكن المديرية تعاني من صعوبات عديدة، أبرزها عدم “توفر الكتب” بالقدر الكافي، كما يقول مدير التربية في حلب، محمد مصطفى، لعنب بلدي، “الوزارة تطبع أقل من 30% من حاجة الطلاب والمدارس الفعلية، كما أن تدوير الكتب المدرسية المسترجعة من الطلاب مع نهاية كل فصل دراسي في حدودها الدنيا بسبب الهجرة والنزوح”.
ويتفاوت توفر الكتب بين مرحلة تعليمية وأخرى بسبب تفاوت عدد الطلاب خلال هذه المراحل، ويتم توفيرها بالتعاون مع هيئة علم والحكومة المؤقتة ومؤسسة السنكري للأعمال الإنسانية.
ويشكل طلاب الحلقة الأولى 80% من إجمالي عدد الطلاب، ويشكل الطلاب من الصف الخامس حتى التاسع حوالي 15% من عدد الطلاب، فيما يشكل طلاب المرحلة الثانوية النسبة الأقل بحدود 5%.
كيف تتسرب الكوادر التعليمية؟
خلال السنوات الأربع الماضية كان أغلب العاملين في الحقل التعليمي في حلب وريفها يعملون بشكل تطوعي، إلا من يتم دعمه مباشرة من قبل المنظمات، ونسبتهم بحدود 30%، كما يقول مصطفى.
في حين أن النسبة الأكبر من المدرسين يعملون بشكل تطوعي (دون أجر)، إذ من الممكن أن تتجاور مدرستان، الأولى يحصل المدرسون فيها على 300 دولار شهريًا، والأخرى لا يحصل مدرسوها على شيء، “وهو ما خلق مشكلة للكوادر التي بدأت تتسرب”، وهذا كان عاملًا أساسيًا في تسرب الكوادر ليس فقط من حلب بل من مختلف المناطق المحررة.
يقول أحد المواطنين من حلب لعنب بلدي “كل مؤسسة تعليمية لها منهاج محدد خاص بها، كما أن سياسات التعليم لا تتبع لمديرية التعليم أو مجلس المحافظة بل للمنظمة.. التنسيق غير كاف بين المعنيين لإيجاد سياسة جيدة”.
ويقول مواطن آخر “تلعب المنظمات دورًا في تشتيت التعليم، عبر اختلاف المناهج واختلاف سياسات التعليم، وكذلك عبر دعم عدة جهات على حساب جهات أخرى وعدم اتباع المركزية في توجيه الدعم”.
ولمدير تربية حلب رأي في دور المنظمات في جذب الكفاءات تحت إغراءات الرواتب، ما خلق حالة من عدم اليقين والاستقرار بين صفوف المعلمين، “كان للمنظمات دور كبير في جذب الكفاءات وإبعادهم عن الأعمال التطوعية، وهذا شيء لا يمكن إيقافه بسبب حاجة المواطنين للأمان وديمومة العمل والمردود المادي الأكبر، لكن النتيجة كانت القضاء على الكفاءات المتطوعة”.
منحة مالية توفّر الرواتب للمدرسين في حلب
يبدو أن وضع الكوادر التعليمية في حلب وريفها خلال الأسابيع الأخيرة يسير للأفضل بعد سنوات عجاف شهدت شحًا في الدعم، وغيابًا لمركزية القرار، وتسربًا كبيرًا للطلاب، بالتوازي مع حملات النظام العسكرية “الشرسة”. وقد أدى توقف إطلاق النار وتوفر منحة لمشروع “إدارة” من منظمة “كيمونكس” إلى توفير معاشات لجميع مدرسي المحافظة أينما وجدوا، بحيث لا يوجد الآن أي معلم أو معلمة دون أجر بحد أدنى 100 دولار وحد أعلى 300 دولار حسب مؤهلاته العلمية، كما يقول مدير التربية في حلب.
يقول وزير التربية والتعليم، عماد برق، إن المشروع يستهدف 12 ألف معلم في حلب وإدلب وريف دمشق.
التربية تجري فحصًا معياريًا لتطوير أداء المدرسين
بعد حصول مديرية التربية في حلب على المنحة المالية، قررت النهوض بالواقع التعليمي عبر إخضاع المدرسين ذوي الكفاءات المتواضعة إلى فحص معياري يثبت أن المدرس يملك مؤهلات تخوله الاستمرار بالتدريس، فخضع نحو خمسة آلاف معلم ومستخدَم وإداري للاختبار، وبحسب مدير التربية “كان لهذا الاختبار دور كبير في تحسين جودة التعليم”.
ونتيجة لذلك عاد جزء كبير من الكفاءات التي هجرت حقل التعليم إلى التجارة والزراعة، ويوجد حاليًا في حلب سبعة آلاف معلم ومعلمة، ويتفاوت معدل توفر المعلمين بين منطقة وأخرى، ففي الوقت الذي تشهد فيه مناطق المدينة والريف الشرقي شحًا في الكوادر، تتوفر في الريف الغربي والشمالي بشكل أكبر.
ولدى المقارنة بين مناطق المعارضة والنظام حاليًا في توفر الموارد البشرية اللازمة للنهوض بالعملية التعليمية أو على الأقل المحافظة على استمرارها، يتضح أن هناك شحًا كبيرًا في توفر المدرسين في مناطق المعارضة، مقابل ازدحام وبطالة مقنعة في مدارس النظام، التي تشرف عليها المعارضة (في المناطق المحررة)، فتلك المدارس “تقدر حاجتها الفعلية بحدود عشرة معلمين ويتوفر فيها 100 معلم بنسبة فائض تقدر 70%”.
تعليم من أجل شراء السلاح
يؤكد مدير التربية في حلب أنه ماتزال توجد في مناطق سيطرة المعارضة مدارس تديرها وزارة التربية في حكومة النظام، ولكن بإشراف مديرية التربية الحرة في حلب، ويتقاضى الموظفون والمدرسون رواتبهم من حكومة النظام، أي أنهم مايزالون على ملاك حكومة النظام، ويبلغ معدل وسطي راتب المدرّس بحدود 50 دولار. لكن هذه الحالة لن تستمر، وفق ما أكد مصطفى، والمرحلة المقبلة ستشهد تغييرًا لهذا الواقع، بحيث تصبح كل المدارس في المدينة والريف تحت إدارة مديرية التربية في حلب، وسيتم إخراج النظام منها، عبر عدة خطوات، أوضحها بقوله “سنقدم للمدرسين عرضًا للانضمام إلى مديريتنا والتعليم في مدارسنا، بحيث نتولى إدارة هذه المدارس ونشرف عليها أيضًا”.
وحول إمكانية نجاح هذه الخطوة، وفي حال قرر النظام سحب المدرسين إلى مناطقه، على غرار ما فعل في مناطق الإدارة الذاتية بعد أن فرضت الإدارة التعليم باللغة الكردية، قال مدير التربية “لا يتجرأ النظام على فعل ذلك، حكومته تحصل على أموال من المنظمات الدولية والأمم المتحدة بحجة أنها ماتزال تحتفظ بالكوادر التدريسية في المناطق الخارجة عن سيطرتها وتمنحها مستحقاتها، وتحصل على حوالي 800 دولار شهريًا لكل مدرس كراتب شهري، لكن في الحقيقة لا يمنح النظام المعلم إلا 50 دولارًا ويذهب الباقي لشراء السلاح”، مشيرًا إلى أن “سحب المدرسين من مناطق المعارضة يخرج هذه الحجة من يد وزارة التربية التابعة للنظام، ويمنع الأموال عنها ويضر بسمعة النظام دوليًا”.
مدارس حلب.. من الفوضى ومناهج تنظيم “الدولة” إلى مديرية التربية الحالية
في بداية مرحلة التحرير عمت الفوضى كافة المناطق المحررة، وكثرت عمليات النهب التي لم تسلم منها المدارس.
وبدأت محاولات فردية تهتم بالتعليم، وحاول بعض الناشطين إعادة تأهيل المدارس حيث تمكنوا من دخول بعضها كتلك التي كانت موجودة على خطوط المواجهات وفي مرمى القناصة، مما أبعد يد الفوضى والنهب عنها. في تلك الفترة، وتحديدًا في بداية 2013، ظهرت صراعات على المناهج التعليمية، بسبب دخول فصائل عسكرية تحمل فكرًا غريبًا ومنها تنظيم الدولة.
في هذه الفترة بدأت تظهر المنظمات الداعمة للمدارس، وصارت كل منظمة أو مؤسسة تفرض أنظمتها الخاصة، وهذا خلف آثارًا سلبية بالرغم من إيجابيته.
هنا بدأت تظهر الحاجة لنظام تعليمي موحد، وانطلقت عدة مبادرات، مثل تجمع المعلمين، ونقابة المعلمين، ولكنها جميعًا باءت بالفشل.
مع بداية عام 2014 دخلت حلب مرحلة القصف بالبراميل، ما أدى إلى هجرة نسبة كبيرة من سكان المناطق المحررة، وخسرت حينها المدينة الكثير من الكفاءات بمن فيها الكوادر التعليمية.
في تلك المرحلة انتقلت المدارس إلى الأقبية أو الشقق السكنية بسبب استهداف النظام بشكل مقصود للمنشآت التعليمية، ومع هذه المرحلة بدأ يتبلور وجود مديرية التربية مع إمكانيات بسيطة.
المنظمات ترفض خطة لدعم الأسر ماديًا
تشكو مديرية التربية في حلب من الأوضاع الاقتصادية للأهالي وتصفها بـ “الصعبة” وتعتبرها العامل الأساسي لمنع الأهالي من إرسال أولادهم للمدارس، وتبلغ نسبة التسرب في الحلقة التعليمية الأولى حوالي 20%، وتقفز لأكثر من 80% في مرحلة التعليم الثانوي، بسبب “انصراف الطلاب للعمل”.
يقول مدير التربية “يبدأ الأطفال من الصف الخامس الابتدائي بالتحوّل إلى سوق العمل، حتى لا يكاد يتوفر في الشعبة الواحدة خمسة طلاب، ويتركز التسرب بشكل رئيسي في حلب المدينة، أما الوضع في الأرياف فهو أفضل”.
وفي تفسيره لحاجة الأهالي المادية وتأثير ذلك على التعليم خلال الحرب، يقول مدير التربية إنه بعد خمس سنوات من الصراع، حل بالمواطنين قحط شديد وارتفعت مستويات العوز، ما دعاهم للاتكال على أولادهم من أجل الحصول على المال والطعام، وهذا أبعدهم عن مقاعد الدراسة.
لكن مديرية التربية اقترحت على المنظات، لمواجهة هذه الظاهرة، دعم الأهالي مباشرة بالمبالغ المالية لتغنيهم عن تشغيل أولادهم، لكن “للأسف جوبهت طلباتنا بالرفض ونأمل أن يتحقق شيء من هذا في المستقبل”، يقول مدير التربية في حلب.
استشراء الفساد الإداري
يشيد مدير التربية في حلب بالجهود التي تبذلها الحكومة السورية المؤقتة، ممثلة بوزراة التربية والتعليم، في سعيها لتطوير عمل المديرية وقطاع التعليم في المنطاق المحررة ككل، ويؤكد أن للوزارة دورًا كبيرًا في ذلك، وكانت بمثابة “رأس الهرم” الإداري، وصوت المديرية أمام الداعمين والمجتمع الدولي.
ويقول إن المديرية التي تأسست “من الصفر” وعملت على تأسيس بنية لهيكل إداري يقع على عاتقه تنظيم قطاع التعليم في حلب وريفها، و”سيكون لها دور أساسي في استلام زمام الأمور بعد نجاح الثورة، وستتولى الأمور بشكل كامل، نظرًا لما يميزها عن قرينتها في حكومة النظام، حيث الفساد الإداري والبطالة المقنعة وانعدام المحاسبة والمساءلة”.
ما تزال بعض مناطق المعارضة السورية تحتفظ بمدارس يديرها النظام السوري، وتشرف هي عليها، والرابط الوحيد بين هذه المدارس والنظام السوري هو الراتب الشهري الذي يتقاضاه المعلمون من مؤسسات النظام (أي أنهم مايزالون على ملاك النظام) في عدد من مناطق إدلب وحلب وحماة وغيرها.
لا يمكن لهؤلاء المدرسون الانفكاك عن النظام في تلك المدارس، لعدم توفر البديل المادي في مؤسسات ومديريات التربية التابعة للمعارضة، لكن أكثر من مدير تربية في وزارة التربية التابعة للمعارضة أكد أن هذا الوضع سيتغير مع توفر الأموال، بحيث تشرف المعارضة على هذه المدارس وتديرها أيضًا، ما يعني رحيل النظام ومناهجه نهائيًا عن تلك المناطق.
الإدارة الذاتية و”تكريد” التعليم
صراع إرداة وأيديولوجيا، تلك التي تشهدها مناطق الإدراة الذاتية وما تبقى من مناطق يسيطر عليها النظام شمال وغرب سوريا، بين النظام السوري والقوى الكردية، أبرزها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، الذي يعمل على نشر مناهج تعليمية خاصة، وباللغة الكردية، في مسعى منه إلى “تكريد” التعليم كما يقول مهتمون وناشطون في المجال التعليمي.
فقد إدرجت الإدارة الذاتية مع بداية الموسم الدراسي الحالي منهاجًا جديدًا، ومنعت التدريس بالمنهاج الصادر عن مديرية تربية النظام في محافظة الحسكة، إذ ألغت منهاج النظام السوري بعد أن درّب حزب الاتحاد عددًا من الكوادر التدريسية، ما حدا بالنظام إلى التهديد بإغلاق المدراس التي تفرض فيها اللغة الكردية وسحب الكوادر التدريسية إلى مناطق تخضع فيها العملية التعليمية إلى سيطرته.
ترى هيئة التعليم في الإدارة الذاتية أن من حق الطلاب السوريين الأكراد التعلم بلغتهم الأم، ويرى النظام أن التعليم باللغة العربية ووفق المنهاج الذي وضعه يجب أن يبقى، وبين الطرفين يضيع مستقبل آلاف الأطفال، الذين يهدد الحرمان من التعليم مستقبلهم.
النهج الذي يحاول الحزب والإدارة اتباعه في التعليم لم يلق صدًى عند كثير من الأهالي في مناطق الإدارة الذاتية، لأنه يهدف إلى “أدلجة” التعليم وفرض رؤى فلسفية وقومية، دون النظر إلى النتائج العلمية، كما يقول مواطنون، وهو ما دفع بالأهالي للخروج في مظاهرات تطالب بإيقاف هذه المناهج وإبقاء الكوادر، خوفًا من فقدان آلاف الطلبة لحقوقهم في التعلم وعدم الاعتراف بشهاداتهم مستقبلًا.
مناهج النظام أو سحب الكوادر التعليمية
عند فرض المنهاج باللغة الكردية في أي مدرسة تتبع لوزارة التربية في حكومة النظام، يسارع النظام إلى سحب الكوادر التدريسية ونقلها إلى مناطق أخرى يسيطر عليها أو يدير مدارسها، وما جرى بداية العام الحالي في الحسكة، عندما سحبت وزارة التربية كوادر تدريسية في 49 مدرسة فرضت فيها المناهج الكردية، يعد مثالًا على استمرار صراع الطرفين من أجل فرض مناهج التعليم.
وكحل وسط يلجأ الأهالي المعترضون على هذه الآلية والحريصون على تعليم أبنائهم لإيفادهم إلى مدارس خاصة، علها تكون حلًا وسطًا يضمن العلم بالحد المقبول خلال الحرب.
لماذا يمتنع الأهالي عن تعليم أولادهم؟
ويرى عدد من المواطنين أن تعليم الطلاب باللغة الكردية مهمة بالغة الصعوبة، نظرًا لما سيلاقيه الطلاب من عقبات في الفهم والاستيعاب، كونهم نشأوا على المناهج العربية.
ويمكن القول إن مناطق الإدارة الذاتية، تنقسم إلى ثلاثة قطاعات تعليمية، تزيد “تشظي” قطاع التعليم في تلك المناطق. فالنظام السوري يدير جميع المدارس الخاضعة لسيطرته، سواء في القامشلي أو الحسكة، ما عدا المدارس الخاصة. ومدارس خاضعة لسيطرة القوات الكردية تديرها هيئة التعليم التابعة للإدارة الذاتية. وهناك مدراس خاصة تتبع لمنظمات مجتمع مدني.
ويرفض عدد من المواطنين إرسال أولادهم إلى مدارس الإدارة الذاتية لأن “معالم الدراسة فيها لحد هذه اللحظة غير واضحة ولأن الكادر التدريسي غير مهيأ ولا يحمل المدرسون شهادات علمية متخصصة”، كما يقول مواطنون من القامشلي.
وبناء على ذلك “هناك تخبط ملحوظ في جميع المدارس وعلى اختلاف الجهات التي تتبع لها، ما يجعل الطلاب غير راغبين في إكمال تعليمهم، ويحفز الأهالي على إخراجهم من المدراس حتى تتضح الصورة أكثر”.
سباق في تل أبيض
يبدو التزاحم على فرض المناهج التعليمية من الجهات التي تسيطر على الأرض جليًا في مدينة تل أبيض، بعد إخراج تنظيم “الدولة” منها، فقد تسابقت الإدارة الذاتية ووزارة التربية في النظام إلى الإعلان عن افتتاح مدارس في تلك المنطقة، وقد أعلن وزير التربية في حكومة النظام، هزوان الوز، افتتاح 100 مدرسة بعد افتتاح 42 مدرسة في ريف حلب الشرقي استقبلت نحو تسعة آلاف تلميذ وطالب بعد انقطاع دام اكثر من ثلاث سنوات، وعلى الفور أرسلت الوزارة دفعات من الكتب المدرسية للمباشرة بتعليم الطلاب.
في المقابل، سعت إدارة التعليم في الإدارة الذاتية إلى فرض المنهاج الجديد، في ظل غياب الجهات الرسمية ممثلة بالنظام السوري، إذ تم فرض منهاج كامل باللغة الكردية من الصف الأول حتى الخامس، أما في منهاج الصفوف التالية (من السادس وحتى الثالث الثانوي) فتم فقط استبدال كتاب التربية القومية الاشتراكية بكتاب “الأمة الديموقراطية”.
يقول باور محمد، أحد المشرفين على سير عملية التعليم في بلدة الدرباسية، الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، إن “العملية التربوية التي تشرف عليها هيئة التعليم في المنطقة جيدة قياسًا بالتجربة الحديثة، واستطاعت في فترة قصيرة التماشي مع الواقع”.
ويشير محمد إلى أن ضعف الأجور التي يتقاضاها المدرس، والتي تعادل 75 دولار، من أهم العقبات التي تواجه المدرسين، لذلك تشهد هذه المناطق هجرة ملحوظة للكوادر التدريسية، “بعدما ضاقت بهم سبل العيش”.
من جهته، الدكتور عثمان عبد الله (مواطن)، يقول “إن معالم الخطة التعليمية التي طرحتها هيئة التعليم في الإدارة الذاتية غير واضحة لحد الآن، وتفتقر لمناهج التعليم الحديثة، فلا يوجد كتاب لتعليم اللغة الإنكليزية ضمن المناهج، لذلك قررت في بداية الموسم الدراسي عدم إرسال أولادي الثلاثة إلى المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية وفضلت إرسالهم إلى مدارس خاصة، رغم التكاليف السنوية الباهظة”.
إدارة وتشغيل أول جامعة في حلب بعد الثورة
بعد انقطاع آلاف الطلاب عن المدراس والجامعات منذ انطلاق الثورة، بسبب النزوح أو الملاحقة الأمنية، باتت الحاجة ملحة للكفاءات بعد خسارة الكثير منها وعدم توفر البدائل، لا سيما في المجالات النادرة التي تتطلبها الحاجة تحت ظروف الحرب. من هذا المنطلق جاءت فكرة إدارة وتشغيل جامعة في المناطق المحررة، وأصبحت هاجس الكثيرين ممن انشقوا عن جامعات النظام والتحقوا بالثورة.
بدأ التفكير بإنشاء الجامعة منذ ثلاث سنوات، وتبلورت فكرة “جامعة حلب الحرة” من التنسيق بين التجمع الوطني الحر، ومجلس الأكاديميين السوريين، الذي يضم رئيس جامعة حلب الحرة الحالي، حسن جبران، وعددًا من المتخصصين.
وقال جبران إن سبب اختيار هذه الجامعة تحديدًا يعود لرمزيتها في الثورة، ولأنها كانت نقطة انطلاق لتظاهرات حلب السلمية، إضافة إلى أنها جامعة عريقة تأسست عام 1958، وحازت على اعتراف دولي، “في حين أن تأسيس جامعة جديدة يحتاج كودًا وتسجيلًا عالميًا، والاعتراف بها دون أوراق معتمدة، أمر صعب ويحتاج غطاءً سياسيًا”.
وأشرفت على إدارة وتشغيل الجامعة لجنة علمية بالتنسيق مع الحكومة السورية المؤقتة، التي أعطتها “غطاءً قانونيًا”، وجهود أكاديميين سوريين وعدد من المغتربين السورين الداعمين لهذا المشروع.
واعتمدت إدارة جامعة حلب على ثلاثة معايير لتحديد الكليات وحاجتها وهي: أن تكون متوفرة في جامعة حلب التي يديرها النظام (لأن المناهج التي اعتمدت هي نفسها مناهج جامعة حلب)، ومتوافقة مع السوق (حسب احتياج الوضع الراهن في سوريا)، إضافة إلى رغبة الطلاب، وعليه تم إغلاق عدد من الكليات بسبب تجاهل الطلاب التسجيل فيها.
التخطيط لافتتاح مراكز أبحاث في جامعة حلب لتأمين التمويل
بدأ الدوام في كليات جامعة حلب في منتصف كانون الأول الماضي كتقويم جامعي استثنائي لهذه السنة، لأنها كانت السنة الأولى، ما سبب التأخر في بدء الدوام في الجامعة، وانتهت فحوصات الفصل الدراسي الأول في الثاني من نيسان الجاري، في حين ستبدأ السنة المقبلة في أيلول وتنتهي في حزيران.
يؤكد جبران أن لدى الجامعة الدعم المادي الذي يضمن استمرارية العمل بفضل المغتربين السوريين، “نحن ندرس موضوع الاستدامة من مواردنا الذاتية، بحيث ندرس تأسيس مراكز دراسات وأبحاث، ومخابر تحليل، ومراكز تأهيل وتدريب، بحيث تكون مأجورة للمنظمات، إضافة إلى أقساط الطلاب”.
ويدرس حاليًا في جامعة حلب ما يقارب ألفي طالب وطالبة، في عشر كليات، تضم كلية الطب البشري التي تحتوي وحدها على 245 طالبًا، إضافة إلى كليات الهندسة الكهربائية والهندسة المعلوماتية، والاقتصاد وإدارة الأعمال، والتربية، والآداب بفرعي (اللغة العربية واللغة الإنكليزية)، إضافة إلى خمسة معاهد وثلاث شعب للكليات الموجودة (أي فرع آخر لفرع موجود).
ويضيف جبران في هذا الصدد “ننوي افتتاح فروع جديدة إذا تحققت معايير عدة، من توفر الموازنة وتوفر الأماكن الملائمة، والكادر التدريسي، إضافة إلى تحقق رغبة الطلاب واحتياج السوق المحلي”.
ويعقب “أصدرنا مؤخرًا قرارين مهمين، يتعلقان بمتابعة الطلاب المنقطعين عن التعليم، يضمان برنامجًا لإكمال الدراسة، وآخر لطلاب الدراسات العليا في كل الفروع”.
ثلاثة أسباب ستدفع للاعتراف الدولي بالجامعة
يرى رئيس الجامعة أن الاعتراف الذاتي بالجامعة “كافٍ”، كونه ينطلق من ثلاث نقاط، الأولى هي الاعتراف الشخصي بالمنتج الذي يقدمونه، ما يشجع السوريين على البقاء، ويجعلهم فاعلين في إعادة إعمار سوريا.
النقطة الثانية: تعتمد على قوة المناهج، والكوادر، ووسائل المعرفة والتدريس المتوفرة، وهي شروط أولية للاعتراف العلمي، أما النقطة الثالثة فهي توفر أرضية للدراسة والبحث العلمي، والتزام بالمعايير الدولية، وبحسب جبران، فإن “الاعتراف سيأتي لاحقًا، في ظل اجتماع العناصر السابقة، ما سيوفر اعتمادية مقنعة” على حد وصفه.
وبحسب قوله فإن الاعتراف بالجامعة يجب أن يكون روتينيًا لدى الدول التي اعترفت أساسًا بشهادات الثانوية العامة التي أصدرها الائتلاف، ويضيف “لدينا حاليًا طلاب يحملون شهادات بكالوريا خُتمت من وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة، ويدرسون بجامعات في أمريكا وألمانيا وتركيا وفرنسا والسودان”، لافتًا إلى أن الاعتراف لا يأتي إلا بعد تخريج أول دفعة، “وبالرغم من ذلك بدأنا بالسعي له من الآن”.
بعد حلب.. تأسيس جامعة في إدلب
الحال التي يعيشها قطاع التعليم في المرحلة ما قبل الجامعية، ينسحب على التعليم العالي، لجهة تنوع المؤسسات العلمية ومرجعياتها وغياب جسم إداري واحد يجمع الكليات والهيئات التعليمية في المناطق المحررة رغم وجود وزارة للتعليم في الحكومة السورية المؤقتة.
ففي مدينة حلب جامعة تتبع للحكومة السورية المؤقتة، وبجوارها في مدينة إدلب إدارة للتعليم العالي يتفرع عنها عدد من الكيات والمعاهد في المدينة، لكن الطرفين لا يلتقيان في أي مشروع بينهما، ولا يشتركان في تعاون قد يصب في صالح العملية التعليمية لاعتبارات عديدة، منها “استئثار جامعة حلب التابعة للحكومة المؤقتة بقرار التعليم، واعتبار نفسها هي صاحبة القرار الأول والأخير” كما يقول أحد كوادر جامعة إدلب لعنب بلدي، لكن وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة عماد برق، يؤكد على أن الطرفين يتبادلان الكوادر التعليمية في إشارة منه على نوع من التعاون بين الجامعتين.
ويقول عميد كلية الطب البيطري في إدارة التعليم العالي بإدلب، جمعة عمر، “تأكدنا أن الحكومة المؤقتة تسير في مشروعها الخاص للتعليم العالي ولا تريد أن تشارك أحدًا في رؤيتها وأيديولوجيتها للتعليم العالي”، مشيرًا إلى أنه التقى وزير التعليم العالي لبحث نقاط من أجل التعاون، لكن الاجتماع “لم يثمر حتى بتشكيل لجنة لوضع هذه النقاط من أجل العمل عليها في مرحلة مقبلة”.
يعتقد عمر أن الحكومة المؤقتة تنظر إلى نفسها على أنها هي “صاحبة الحق” في قيادة التعليم العالي، من خلال جامعة حلب في المناطق المحررة، والتي تتوزع كلياتها بمختلف المناطق في سوريا، من درعا حتى حلب، ولا يتجاوز عدد طلابها عدد الطلاب في المعهد الطبي في جامعة إدلب، “على الرغم من أن إدارة التعليم العالي في إدلب هي إدارة مستقلة ولا يتدخل جيش الفتح نهائيًا في عملها، ما عدا العلاقة الإدارية مع إدارة المدينة، إلا أن الإخوة في الحكومة المؤقتة ينظرون إلى جامعة إدلب على أنها جامعة عسكرية وليست مدنية”.
لكن وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، ينفي أن تكون رؤية الوزارة لجامعة إدلب بهذا الشكل، ويؤكد على ضرورة التعاون والاندماج لما فيه مصلحة العملية التعليمية، ولفت إلى ضرورة أن تكون جامعة إدلب فرعًا من جامعة حلب كما كانت من قبل، نظرًا لصعوبات ربما قد تواجهها في حال قررت الاستقلالية لجهة الاعتمادية.
يوجد حاليًا في المناطق المحررة مؤسستان للتعليم العالي، الأولى هي إدارة للتعليم العالي في إدلب، وتتركز جميع كلياتها ضمن المدينة، ويبلغ عدد طلابها نحو خمسة آلاف طالب وطالبة بمختلف الاختصاصات وهي تتبع لإدارة مدينة إدلب، والثانية: جامعة حلب في المناطق المحررة ومقرها دارة عزة وتتوزع كلياتها من الشمال إلى الجنوب السوري ويبلغ عدد طلابها نحو (500) طالب وطالبة وهي تتبع للحكومة المؤقتة، وفق عمر.
جامعة إدلب ترفض الدعم “المشروط”
تتسم البنية التحتية اللازمة لإطلاق مؤسسات التعليم العالي في المناطق المحررة بالجودة، ويتميز هذا القطاع رغم حداثة عهده، بتوفر الكوادر ورغبتها بتأسيس جامعات ومعاهد تخرّج كوادر تعليمية تساعد في نهضة التعليم ما دون المرحلة الجامعية.
يقول الدكتور عمر إن مرحلة التعليم الجامعي تحتاج إلى إمكانيات مختلفة عن تلك التي يتطلبها التعليم ما قبل الجامعي، مركزًا على عنصرين: المعلم الأكاديمي، والأبنية ومستلزاماتها. ويضيف الدكتور “العنصر البشري (الدكتور الأكاديمي) كان متوفرًا قبل تحرير مدينة إدلب بشكل قليل، وبعد تحرير المدينة فضّل عدد من الأكاديميين ممن كانوا يعملون في كليات إدلب البقاء في كلياتهم والمحافظة على وثائق الطلبة، وهذا ما شكل نواة العمل لانطلاق جامعة إدلب، حيث توفرت الأبنية التي كانت سابقًا كليات في المدينة، وكذلك أعضاء الهيئة التدريسية من حملة شهادة الدكتوراه”.
خلق تحرير مدينة إدلب حافزًا لدى العديد من المتخصصين والأساتذة الجامعيين من حملة شهادة الدكتوراه لترك عملهم في الجامعات السورية المختلفة والالتحاق بجامعة إدلب، ولاقت الجامعة إقبالًا كبيرًا، “نعتبر أن تسجيل نحو خمسة آلاف طالب في كليات جامعة إدلب هو رقم جيد إلا أننا نتطلع إلى استيعاب جميع أبنائنا الطلبة لما لهذا الموضوع من أهمية”.
وينتظر العديد من الطلبة انقضاء العام الأول في جامعة إدلب حتى يتمكنوا من تقييم التجربة، وذلك بسبب كثرة التجارب الفاشلة التي مروا بها، سواء مع الجامعات الخاصة أو التي أنشأتها قوى الثورة المختلفة في الخارج. ويرى الدكتور عمر “أن العقبة الرئيسية أمام التحاق الطالب بالجامعة هو العبء المالي في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، وغياب أي دعم لمشاريع التعليم العالي”، مشيرًا إلى أن الدعم الذي تم تقديمه لبعض الجهات في التعليم العالي كان “دعمًا سياسيًا”، وهو دعم ترفضه جامعة إدلب حفاظًا على مكانتها واحترامًا لكون التعليم العالي “عامل تجميع وليس تفرقة”، وأن صراع الأيديولوجيات لا يجب أن يجد مكانًا له في التعليم العالي، على حد قول الدكتور.
الجامعة تسعى لتأسيس مديرية للمطبوعات
وضعت إدارة جامعة إدلب لنفسها عددًا من الثوابت منذ تأسيسها، يؤكد عليها جمعة بقوله “لا يجوز أن تكون الجامعة وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، والخطط والمناهج لا علاقة لها بالنظام المجرم، إذ إن الخطط المعتمدة في الجامعات السورية وضعت من قبل لجان مختصة، ولذلك يجب اختيار الأنسب من بين هذه الخطط وتطبيقها في جامعة إدلب، وعدم قبول الدعم المالي المشروط وقبول فقط التبرعات والهبات التي تكون غير مشروطة ولا ترتبط بجهات سياسية”.
واعتبر عمر أن “الطالب هو محور العملية التعليمية ويكون عمل الجامعة واستمراريتها مرتبطًا بالطالب، ولذلك تم اختيار أن يدفع الطالب الأقساط حتى تكون الجامعة مستقلة تمامًا عن أي نوع من الضغوط”، مشيرًا إلى أنه يتم العمل حاليًا على تأسيس مديرية للمطبوعات حتى يتم تأمين الكتب الجامعية وبأسعار مناسبة.
السعودية تموّل برنامج “لأتعلم” بـ 17 مليون دولار
يعد برنامج “لأتعلم” المخصص لدعم التعليم للعام الدراسي 2014-2015، والذي تنفذه وحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف السوري، من أكبر البرامج الداعمة لقطاع التعليم في المناطق المحررة، إذ وفر البرنامج المواد اللازمة لاستمرار العملية التعليمية، ومنها الألبسة الشتوية للطلاب، والقرطاسية، والحقائب، وغيرها بالإضافة لحملة خاصة بدعم المدرسين، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة ومديريات التربية التابعة لها.
وتبلغ قيمة المواد المقدمة من خلال برنامج “لأتعلم” حوالي 17 مليون دولار أمريكي، مُوِّلَ بالكامل من قبل المملكة العربية السعودية.
وعملت مديريات التربية في المحافظات على توزيع المواد للطلاب في المدراس، حيث بلغ عدد المدارس التي استفادت من برنامج “لأتعلم” 762 مدرسة، موزعة على أربع محافظات هي حلب (299 مدرسة) وحماة (191 مدرسة)، وإدلب (229 مدرسة)، وأخيرًا اللاذقية (43 مدرسة).
واستفاد من البرنامج أكثر من 237 ألف طالب، وحوالي ثمانية آلاف مدرس، إذ وزّعت 237212 حقيبة مدرسية، ومساعدات بلغت قيمتها 456873 دولارًا أمريكيًا، تضمّنت سللًا غذائية متكاملة وأخرى صحية للمدرسات.
بسبب الدمار..
تحويل البيوت في حمص إلى مدارس
العام الماضي، كان سنة “ازدهار” التعليم في حمص وريفها، حيث تم إطلاق عدد كبير من المشاريع، رغم الصعوبات التي أحاطت بظروف إطلاقها بسبب القتال والقصف العنيف على الريف الشمالي، إذ خرج عدد كبير من المدارس عن الخدمة بعد أن سوّيت بالأرض، وتعذر ترمميمها. فتم تحويل عدد كبير من البيوت إلى مدارس، بجهود شخصية وإشراف منظمات داعمة، ساعدت على استئجار هذه العقارات وحولتها إلى مدارس، وأخذ 250 معلمًا ومعلمة في المناطق المحررة على عاتقهم إحداث نقلة نوعية في قطاع التعليم بعد توفر الدعم اللازم، والذي ساعد على تأمين الحقيبة المدرسية لنحو 30 ألف طالب وطالبة بمعدل تنفيذ 60% من إجمالي مناطق الريف والمدينة.
وعمل مجلس محافظة حمص على إيجاد حلول لمشكلة نقص الكتاب المدرسي عبر توفير ماكينات طباعة وإدخالها إلى الريف المحاصر وكذلك إلى حي الوعر، ما ساهم بحل المشكلات الناجمة عن نقص الكتب وتوفيرها لحوالي 51 ألف طالب في الحي والريف الشمالي.
وبحسب مدير مكتب التعليم في مجلس المحافظة، زكريا المولية، بقي تسرب الطلاب من المدارس من أهم العقبات التي تواجه العاملين في المجال التعليمي، ويعود ذلك إلى خوف الأهالي على أولادهم، وليس لأي عامل آخر كالفقر أو الحاجة المادية عكس بقية المناطق الأخرى.
يؤكد المولية أن أغلب جهود إطلاق عجلة العملية التعليمية ودفعها في حمص وريفها تمت من قبل منظمات ومتبرعين، ولم يكن للحكومة المؤقتة دور في تقديم “الدعم المادي”، وتقتصر العلاقة بين الطرفين حاليًا على “الختم” والتوقيع على الشهادات. ويؤكد المولية أن العلاقة مع الحكومة المؤقتة تقتصر على التوقيع على الشهادات فقط، “نبقي معهم على شعرة معاوية فقط”.
ويشير وزير التربية عماد برق، إلى أن المعاهد والفروع التي تأسست في حمص تتبع لجامعة حلب، وتشرف عليها الوزارة مباشرة، وتم تمويلها من منظمات وداعمين، وكان للوزارة دور كبير في ذلك.
ثلاثة معاهد في حي الوعر المحاصر والإقبال “كبير”
يبدو أن التعليم العالي يسير بوتيرة أسرع، حيث تشهد مناطق الرستن وتلبيسة افتتاح معاهد تتبع لجامعة حلب، كان آخرها المعهد الطبي المتوسط والعالي، كما تم افتتاح معهد إعداد المدرسين في الحولة والرستن وحي الوعر، وذلك من أجل رفد قطاع التعليم الابتدائي والإعدادي بالكفاءات التعليمية، وبسبب انقطاع الكثير من الطلاب عن التعليم نتيجة وجودهم في حي الوعر المحاصر وعدم تمكنهم من الذهاب إلى الجامعات في مناطق سيطرة النظام سواء بحلب أو دمشق.
يقول هاني الشيخ، وهو المدير الإداري في المعهد المتوسط في حي الوعر، “خلقت ظروف الحصار والحرب أزمة حقيقية في قطاع التعليم العالي للشباب بين عمر 18 و23، فمنهم من لم يحصل أساسًا على شهادة الثانوية العامة، ومنهم من اضطر للانقطاع عن التعليم العالي مع بداية الثورة، وكانت هذه الأسباب دافعًا كبيرًا لافتتاح عدة معاهد في حي الوعر بحمص تتبع لجامعة حلب”، مشيرًا إلى أن المعاهد ومنذ افتتاحها لاقت إقبالًا شديدًا، “يداوم 180 طالبًا وطالبة في هذه المعاهد، وبدأنا الدوام في نهاية تشرين الأول 2015، وافتتحنا حتى الآن ثلاثة معاهد، الأول لإعداد المدرسين، والثاني معهد طبي، والثالث معهد تقانة الحاسوب”.
التعليم الإلزامي.. وضع “كارثي” ومدارس تكتظ بالنازحين
في المقابل، يعتبر وضع التعليم الإلزامي بمراحله الثلاث “كارثيًا” بالمقارنة مع وضعه سابقًا، سواء قبل الحصار في حي الوعر، أو قبل القصف والأعمال القتالية في الريف الشمالي، فالمدارس تمتلئ بالنازحين، وقد بدأت مؤخرًا عملية إفراغها منهم، وإعادة الطلاب إليها، ليبدأ الوضع بالتحسن، وفق وصف أحد المدرّسين في الحي.
يعتبر المدرّس، محمد المبارك، أن التحسّن بالعملية التعليمية كان “نسبيًا”، إذ “لم تتحقق نتائج إيجابية كبيرة، لا سيما في مجال الشهادتين الإعدادية والثانوية، وكانت أعداد الطلاب الناجحين محدودة”.
ويضيف “لم ينل عدد من طلاب الشهادة الثانوية علامات تؤهلهم لدخول فروع متميزة في التعليم العالي والجامعات، وكذلك الوضع بالنسبة لطلاب الصف التاسع، إذ اقتصر عدد من التحق بالصف الأول الثانوي (العاشر) على 43 طالبًا في حي الوعر”.
وينقسم التعليم في حي الوعر إلى قسمين، الأول: تعليم حكومي يتبع لمؤسسات النظام، ويعتبر المدرّس وضعه جيد من حيث التزام المعلمين، إلا أن عدد الحصص الدراسية قليل، مشيرًا إلى توفر الكتب بالحد الأدنى.
أما القسم الثاني: فهو التعليم الخاص، وهو يلتزم أيضًا بمنهاج حكومة النظام، ولكنه يعاني من “الشرذمة” إذ لا يتبع لإشراف جهة واحدة، وفق رأي المدرّس.
وانعكست الهدنة الأخيرة بشكل إيجابي على واقع القطاع التعليمي في الحي، فبدأ الطلاب يرتادون المدارس بأجواء من الطمأنينة، قطعها استهداف الحي المحاصر منذ أسبوعبن تقريبًا بصاروخ أرض- أرض، “ولاحظنا تلكؤًا مجددًا في الذهاب إلى المدرسة”، كما يقول المبارك.
ثلاث مرجعيات تتحكم بالعملية التعليمية في إدلب
لا تسير العملية التعليمية في المناطق المحررة، وخاصة في إدلب وريفها، بشكل دائم كما هو مخطط لها حسب الخطة الموضوعة من إدارة المدارس، وذلك “بسبب عدم الاستقرار في بعض المناطق”.
تشهد كثير من البلدات والقرى المتاخمة لمناطق الاشتباكات انقطاعًا متكررًا للعملية التعليمية، وأحيانًا بشكل دائم، كما تشهد المناطق البعيدة عن خطوط الجبهات انقطاعًا مستمرًا للتعليم وغيابًا للطلاب عن المدارس بسبب القصف المتواصل، والذي يؤدي إلى إغلاق المدارس لفترات محددة، ريثما يهدأ طيران النظام، أما في المناطق التي لا تتعرض للقصف فـ “لا تسير العملية التعليمية بشكل جيد بسبب تضارب المناهج التعليمية، وغياب الجهة الواحدة المخولة إصدار القرارات المختصة بالعملية التربوية”، كما يقول عبد الحميد أبو عروبة، مدرس اللغة العربية في إحدى مدارس محافظة إدلب. ويرى أن في بعض المناطق عدة مرجعيات تعليمية، منها وزارة التربية التابعة للائتلاف، والمكاتب التعليمية التابعة لجيش الفتح، وبعض المدارس التابعة لوزارة التربية في حكومة النظام، والتي تدير هذه المدارس رغم وجودها في مناطق سيطرة المعارضة.
أبرز المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم في إدلب وريفها:
غياب المنهج التعليمي الموحّد والمعتمد للتدريس.
كثرة الأيام التي تغلق فيها المدارس بسبب تهديد القصف الجوي للنظام.
تشتت أذهان الطلاب وعدم استيفاء المواد والمعارف المطلوب تعليمها.
غياب جهة رسمية تعتمد بشكل دائم أجور ورواتب المدرسين وموظفي المدارس.
كثرة تدخلات الجهات العسكرية بالعملية التعليمية.
المضاعفات النفسية للحرب على الطلاب.
الأطفال يحلمون بحمل السلاح
تنعكس حالة الحرب التي تمر بها سوريا عمومًا، ويعيشها الطالب السوري في المناطق المحررة على إقباله على الدراسة بشكل “سلبي”، فنجد الكثير من الطلاب “لا يجدون أي جدوى من التعليم، وتكون أحلامهم متمثلة في حمل السلاح تقليدًا لإخوتهم أو أقاربهم أو جيرانهم”، وفق أبو عروبة.
ويساعد مناخ عدم الاستقرار نتيجة النزوح، بالإضافة إلى فقد الطالب لأحد أفراد عائلته، وعادة ما يكون هو المعيل مع كل المنعكسات السلبية، على عدم استقراره النفسي وسلوكه العدواني ولا مبالاته.
وحول الطريقة التي يتعامل بها المدرّس أبو عروبة مع الطلاب حيال هذه الظروف الصعبة، فإنه يملك العديد من الأدوات التي تساعده على الاستمرار بمهنة التعليم رغم كل ما يمر به من صعوبات، يقول “لمواجهة صعوبات التعليم اللوجستية، كثيرًا ما أضطر إلى تكثيف المادة العلمية، وأحيانًا إضافة ساعات عند إمكانية ذلك، لمحاولة سد النقص الحاصل عن الانقطاع المتواصل”.
جيش الفتح يفرض اللباس الشرعي
تبدي إحدى طالبات الصف الثامن، في مدارس مدينة إدلب، عدم الرضا عن الحالة التي وصل إليها التعليم في المنطقة، بعد إخراج النظام السوري من المدينة، وتوقف الأعمال القتالية بعد الهدنة، وبالرغم من أن العملية التعليمية والدوام في المدارس أصبح أفضل، وبدأ بعض الطلاب والمعلمين يلتزمون بالدوام اليومي نظرًا للأمان وعدم الخوف من القصف، على حد قولها، إلا أن هناك الكثير من الصعوبات التي يعيشها الطلاب، منها “عدم الاهتمام بالدراسة، وعدم وجود معلمين مؤهلين للتدريس، وعدم توفر الكتب والأدوات الدراسية، كالحاسوب وأدوات الاختبار في الفيزياء، وكذلك عدم قبول الشهادات الصادرة عن جيش الفتح لدى مؤسسات النظام أو حول العالم”.
ومن الصعوبات التي تواجه الطلاب في إدلب أيضًا “عدم القدرة على الدراسة في مدارس النظام، إضافة إلى أن الأسلوب السلبي الذي يستخدمه جيش الفتح في فرض اللباس الشرعي على الطالبات”، مشيرةً إلى أن أسلوب الجيش “جعلهن ينظرن للتعليم بشكل سلبي”.
وطالبت الطالبة في الوقت نفسه بـ “بتوفير مرشد نفسي في المدرسة لتحليل المشاكل النفسية لدى الطلاب، وإقامة دورات خاصة لتأهيل المدرسين”.
طيران النظام يستهدف 400 طالب بالقنابل العنقودية في تفتناز
تعد مدرسة أم الشهداء في بلدة تفتناز من أهم المؤسسات التعليمية المتبقية في المنطقة، (430 طالبًا و40 مدرّسًا ومدرّسة)، وتقدم منهاجًا تعليميًا أعدته هيئة “علم”، ومديرية التربية السابقة، وفق ما يقول مدير المدرسة، عبدالله غزال.
خلال المرحلة السابقة خسرت المدرسة عددًا من كوادرها التعليمية تحت القصف العنيف على المنطقة، والذي استهدف المدرسة مباشرة، فقد تعرضت لغارتين، وسقطت أربع قنابل عنقودية، وأصيب وقتها المدير.
يرى غزال أن فقدان الأمان هو أهم العوامل التي تؤثر على سير العملية التعليمية، لأنه يخلق حالة من التوتر والتشتت لدى الطلاب، ما يؤثر على التحصيل العملي، لكن المدرسة لا تملك إلا توعية الطلبة وتقديم الخطط للتصرف في الحالات الطارئة، كما تحاول تفعيل “الإنذار المبكر” وتعمل على إقناع الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدارس، بمساعدة خطباء المساجد بعد أن ارتفعت نسبة التسرب بسبب المخاطر الأمنية.
يقول غزال “النظام حرمنا من كل شيء.. لا يوجد رواتب، نحن نعلّم الطلاب بوجود الدعم وبعدمه، مهما كانت الظروف التي نعيشها”.
مدارس بلا أبواب
أما مهند غزال، وهو مدرس لغة عربية في المدرسة نفسها، فيقول إن مدراس تفتناز تعاني من نقص الكتب في المرحلة الإعدادية، ويتم الاعتماد على كتب سابقة قديمة ومستعملة وخاصة مواد اللغة العربية والرياضيات.
كما تعاني المدارس من نقص في الوسائل التعليمية والخدمية، “لا أبواب ولا نوافذ، ولا تدفئة في المدارس.. كنا نتعاون بين المدرسين والطلاب لجمع أموال لشراء الوقود من أجل التدفئة لأن هناك صعوبة في تأمين الخدمات اللوجستية”.
“التعلّم عن بعد” سلاح الطلاب لمواجهة قصف النظام في إدلب
افتتحت مؤسسة “أورينت للاعمال الإنسانية” العام 2013 أول مدرسة في مدينة الريحانية التركية بدعم من الحكومة التركية، ومنذ تلك الفترة اكتسبت المؤسسة خبرة في الحقل التعليمي، وأصبح لديها كوادر وخبرة “كبيرة” ستعمل على نقلها للداخل السوري عبر مشروع جديد لافتتاح ثلاث مدارس تستوعب 300 طالب في كل مدرسة، وفق ما أكده أنس السيد عيسى، المسؤول في مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية.
وللمرة الأولى، أدخلت مؤسسة أورينت نموذج تعليم جديد هو التعليم الإلكتروني (E- learning)، بالاعتماد على منهاج الحكومة المؤقتة، حيث تم توزيع 250 جهاز آيباد على الطلاب السوريين في الريحانية، وهناك خطة لإدخال 400 جهاز آخر إلى إدلب، كما أدخلت المنظمة لأول مرة ما يعرف بـ “الصحة النفسية للأطفال” من أجل إخضاعهم للعلاج من تبعات الحرب التي عاشوها، “ففي بلدة الريحانية يوجد مركز للعلاج النفسي للأطفال، وسيكون له دور في الداخل وسينعكس إيجابًا على المدراس”.
وبحسب عيسى “يعتبر نظام التعليم الإلكتروني أفضل البدائل للطلاب بسبب أعمال القصف التي تستهدف المدارس، وعبر الجهاز يصبح التعلم عن بعد وخاصة في ظل النظام التفاعلي”.
وتستوعب مدرسة الريحانية حاليًا نحو 700 طالب تتوفر لهم الخدمات المجانية من كتب ومواصلات وغيرها، وستقوم “أورينت” بتأمين نفس الشيء في إدلب، وتسعى المؤسسة إلى تطبيق نفس التجرية في المناطق المحاصرة، يقول السيد عيسى “نحن الآن نجمع المعلومات لكن تواجهنا مشكلة إدخال الأجهزة إلى تلك المناطق”.
إطلاق مشروع لتأهيل وتطوير أكثر من خمسة آلاف مدرّس
وفق الأرقام المتوفرة فإن هناك، ومنذ سنتين، حوالي 200 ألف طالب سوري خارج المدارس في تركيا، وتخطط “أورينت” لافتتاح مدرسة أخرى في منطقة اسكندرون، إذ تشير الأرقام المتوفرة لدى المنظمة إلى أن ولاية هاتاي تستوعب 386 ألف سوري، 20% منهم طلاب، 80% منهم يجب أن يلتحقوا بالمدارس، فقط 50% ملتحق فعليًا، وبحسب السيد عيسى “ستعمل أورينت على مشروع تدريب مدرسين لاعتمادهم في الداخل على أن يتم تدريب 1200 مدرس لمدة 30 ساعة، وخلال مرحلة ثانية سيتم تدريب حوالي خمسة آلاف مدرس”، مشيرًا إلى أن “الكوادر التعليمية في الداخل موجودة لكن تحتاج إلى تدريب وإعادة تأهيل”.
النظام والمعارضة يتقاسمان المدارس والطلاب في حماة
ينقسم قطاع التعليم في محافظة حماة إلى شقين، مدارس تابعة للنظام وأخرى للمعارضة، وفي كل قسم يتم تدريس منهاج مستقل، ورغم عدم الاختلاف الكبير بين المنهاجين، إلا أن أهم ما يميز تلك المحافظة هو “استمرار التعليم وعلى وقع الحرب”.
أحمد عرعور، مدير التربية في حماة، قال إن “هناك مدارس تابعة للنظام وأخرى للمعارضة (حرة) بمنهاج معدل من قبل هيئة علم، وأقرته الحكومة المؤقتة، ولا يوجد اختلاف كبير بين المنهاجين، فقط تم إخراج البعث وما يرمز لحقبة الأسد من الكتب بحيث لا يلحظ الطالب فرقًا إذا انتقل بين المدارس التابعة للنظام والمعارضة”، مشيرًا إلى أن أمور التعليم مستقرة رغم أن القطاع شهد نسبة كبيرة من الضرر نتيجة خروج عدد كبير من المدارس عن الخدمة، وتهجير الناس من القرى بشكل كامل، وخلف هذا الواقع عددًا كبيرًا من الأطفال دون تعليم وذلك للسنة الرابعة على التوالي في أرياف حماة وإدلب.
وهذا العام تم افتتاح مدرسة لطلاب الصف الأول في منطقة تل الشيح، وتم إدخال أعداد من الطلاب “لكن وجدنا أن عددًا كبيرًا من الأطفال أعمارهم كبيرة لذلك قمنا بنقلهم إلى مستوى جديد خلال أول شهرين”، وفق ما يقول عرعور.
منظمات داعمة تبحث عن “اسم وسمعة” فقط
تشرف مديرية تربية حماة الحرة، التي تأسست في العام 2013، على حوالي 15ألف طالب، أغلبهم في الحلقة التعليمية بين الصفين الأول والرابع الابتدائي، وقد أجرت المديرية حتى الآن امتحانين لشهادات الإعدادية والثانوية العامة، بعدما خضع لكل امتحان نحو ألف طالب. وتستعد بداية الصيف المقبل لافتتاح مدرسة في حماة للقيام بأنشطة صيفية للطلاب ومساعدتهم على التعلم.
رغم وجود بعض الداعمين للمديرية، وعددهم قليل، إلا أن أغلب الجهود التي تقوم بها “تطوعية”، وحول سبب ذلك يقول عرعور “لا يهم الداعمين هل تعلّم الأطفال أم لا، يهمهم إطلاق مشاريع في مناطق آمنة تتصف بنسبة عالية من الديمومة لكي يصنعوا اسمًا.. أما المشاريع في المناطق الساخنة لا تصنع لهم اسمًا”. ويلفت عرعور إلى أن دعم الحكومة المؤقتة “شبه معدوم” بسبب عدم وجود رغبة دولية بإنجاحها.
دمار كبير يقوّض فوائد الهدنة
على غرار كثير من المدن السورية، تعاني حماة وريفها من تدمير “ممنهج” للمدارس، فقد خرج عدد كبير منها عن الخدمة، وهذا بحد ذاته أكبر تحد يواجه العاملين في الحقل التعليمي في المحافظة، لذلك لم يلحظ مدير التربية في المدينة أي تغيير إثر الهدنة بين النظام والمعارضة، وقال “لا يمكن القول إن هناك مناطق آمنة أو مدارس مفعّلة، لأن أغلب المدارس مهدّمة ووجود الهدنة لا يعني إعادة الإعمار.. هناك مدارس في مناطق شهدت نزوحًا جماعيًا مثل اللطامنة ومورك”.
ويشير عرعور ألى أن هناك مشكلة كبيرة في توفر الكوادر بسبب قلة الدعم، فالمدرّس يحصل على نصف الأجر ويبحث عن عمل آخر ليتمكن من تأمين مصاريف عائلته، يقول “أغلب العمل في المدارس تطوعي، لذلك نجد أن مهنة التعليم تشهد تسربًا للكوادر بسبب سعي المدرسين للبحث عن مهنة أخرى، وإضافة للعامل المادي هناك محفزات الهجرة خارج الحدود أو العمل مع منظمات في مدارس على الحدود حيث الراتب الأفضل ونسبة الأمان الأعلى”.
غياب المنهجية التربوية الشاملة في عموم المناطق المحررة
إن العملية التعليمية في الداخل السوري تشهد اضطرابًا وتعقيدًا شديدين بين مناطق شبه آمنة ومناطق قريبة من خطوط المواجهة مع النظام السوري، وبين مخيمات الحدود ومخيمات الداخل، وبين مدارس مازال المعلمون فيها يتقاضون أجورهم من النظام، وبين أخرى تطوعية، وبين أخرى مكفولة من جهة ما، حتى المدارس المكفولة يختلف سير العمل التربوي فيها حسب الإدارة العامة للجهة الداعمة.
لهذه الأسباب يعتقد همام الشامي، مسؤول مكتب التعليم في مجلس محافظة حماة، أنه من الصعب إعطاء تقييم عام للوضع سوى أنه لا تضبطه عملية تربوية تعليمية شاملة وطنية محلية، وبالتالي سيكون هناك كثير من المناطق المحرومة من التعليم وكثير من الطلاب يتسربون من المدارس، وكثير من المدارس المكفولة ينقصها المتابعة.
ويقول “بصراحة المنهاج السوري المعدّل والمطبوع والموزع منه للمدارس في المناطق المحررة بحاجة إلى إعادة تنقيح وتعديل في كثير من مواده العلمية، وهذا ملخص ما سمعته من كثير من المعلمين ذوي الخبرة، ممن مارسوا التعليم في المدارس الحرة، بمختلف الاختصاصات ومختلف المراحل”. فضلًا عن الحاجة الماسة لكثير من المستلزمات التعليمية كالألواح والمقاعد والقرطاسية وغير ذلك مما يحتاجه القطاع في المناطق المحررة.
ويضيف “في حماة كثير من المعلمين يمارسون العمل التعليمي تطوعًا، ما يجعل العملية التعليمية في خطر، إذ إن المعلم عاجلًا أم آجلًا سيبحث عن لقمة عيشه تاركًا التعليم، ما لم تتكفل جهة ما براتبه، وكثير منهم على استعداد للتطوع لكنهم بحاجة في مخيمات الداخل للخيم والألواح والمقاعد، ليباشروا العمل التعليمي التطوعي”.
غوطتا دمشق.. القصف والجوع يُفقدان التلاميذ تركيزهم
في بدايات تحرير الغوطة من سيطرة النظام، كان العمل في مجال التعليم متفرقًا، كل منطقة تعمل على حدة مع منظمات تدعم هذا المجال، فمثلًا في دوما كان هناك ثلاثة مراكز تعليمية تشرف عليها مؤسسة وجدت سابقًا، هي مؤسسة “اقرأ” التعليمية، بينما في معظم مناطق الغوطة الأخرى كانت العملية التعليمية متوقفة بسبب المعارك.
عندما تحررت الغوطة بالكامل، بدأ تطوير العمل التعليمي، ويتحدث في هذا السياق عن هذه المرحلة، مدير التربية والتعليم في ريف دمشق، عدنان سليك، قائلًا “أنشأنا مجمع التربية والتعليم في الغوطة الشرقية في شباط 2013، وفي الوقت الذي بدأنا فيه بالتفكير بإجراء امتحانات موحدة لكافة مناطق الغوطة، تشكلت الهيئة الوطنية للتربية والتعليم التابعة للائتلاف بشكل مباشر، حيث لم تكن حينها قد تشكلت الحكومة المؤقتة بعد”.
وأضاف “أصبح هناك إجماع على إجراء فحوصات موحدة لكافة المناطق المحررة، وتم ذلك في شهر آب 2013”.
في تلك الفترة اتفق العاملون بمجال التعليم على إقرار المناهج السورية ذاتها، مع تنقيحها وحذف كل ما يتعلق بعائلة الأسد وتاريخها، وفق سليك.
وفي أواخر 2013 تشكلت الحكومة السورية المؤقتة، وأعلنت تشكيل وزارة التربية والتعليم، وبدأ وزيرها الأول، محيي الدين بنانة، بالإشراف على تشكيل مديريات التربية، يقول سليك “في تلك الفترة أوكلت إلي مهمة مدير التربية في ريف دمشق”.
كانت انطلاقة مديرية التربية في ريف دمشق في العام الدراسي 2014-2015 حيث حددت امتحانات موحدة باسمها، أما العمل الحقيقي للمديرية فيعتبر سليك أنه “بدأ في عام 2015-2016 حيث تولت المديرية الإشراف على المدارس بشكل مباشر”.
استهداف لتجمعات الطلاب خلال الحصص الدراسية
يتهم سليك النظام السوري والطيران الروسي باستهداف المدارس بشكل مباشر ومتعمد، ويقول “كان الطيران يستهدف المدارس في أوقات الدوام، ويقصف القاعات والصفوف، وكان يتقصد وقت انصراف الطلاب من المدرسة ليستهدفهم بالقصف على أبواب المدارس، ما تسبب بحالات استشهاد كبيرة، وبتر في الأطراف”.
ونتيجة لذلك توقفت الكثير من المدارس عن العمل كليًا، وفي هذا الصدد يوضح سليك “لدينا في الغوطة ما لا يقل عن 175 مدرسة، يعمل منها حاليًا 135-150 مدرسة، والباقي متوقف عن الخدمة بسبب الدمار الكلي”، ويضيف “حتى المدارس الفاعلة، تعرضت الطوابق العلوية في معظمها للدمار”.
استغلال الهدنة لزيادة ساعات الدوام في المدارس
ترى ريم دوماني، معلمة مرحلة ثانوية في عدة مدراس في الغوطة، أن كفاءات المدرسين تتفاوت بحسب المدرس نفسه، ولكن برأيها هناك نقص عام للكفاءات، لا سيما في مجال التعامل مع الأطفال، نظرًا لكثرة الحالات النفسية المضطربة لدى الأطفال الذين يحتاجون لرعاية خاصة، وعدم وجود جهات تدعم تأهيل الكوادر، التي، وبرأي الدوماني، أن الغوطة بأمس الحاجة لها.
وأشارت المعلّمة إلى أنه وبعد الهدنة “بعض المدارس فتحت البوابات المطلة على باحة المدرسة بعد إغلاق دام ثلاث سنوات”.
بدوره، رئيس اللجنة التعليمية، ورئيس المجلس المحلي في داريا، أبو عماد خولاني، شدد على موضوع نقص الطعام والجوع، إذ بات من الواجب تأمين وجبات للطلاب لتعينهم على التعلم، وحتى لا يكون جل تفكير الطالب بالطعام، مشيرًا إلى أن مدرسة “أمل الأمة” تحاول قدر المستطاع تقديم وجبات من الطعام أو توزيع الحلوى للطلاب أثناء الدوام.
وتوجد في المدينة مدرستا “اقرأ وارقَ” المستقلة بفئتيها، ومدرسة “أمل الأمة” التابعة للمجلس المحلي، في حين افتتحت مدرسة بشائر الفجر التابعة لحركة “فجر الأمة” الإسلامية للذكور مطلع هذا الشهر، بعد انقطاع استمر لعام بسبب سوء الوضع الأمني واشتداد وتيرة القصف والمعارك، بالإضافة إلى انشغال المدرسين في الجبهات.
نقص “شديد” في توفر الكتاب المدرسي في درعا
يختلف وضع التعليم في المناطق الجنوبية (درعا) عنه في الشمالية، حيث يرتبط التعليم بدول الجوار (التي يكثر نزوح أهالي المنطقة إليها) وما تعترف به من شهادات، ففي حين تعترف تركيا بشهادة وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، لا تعترف جميع دول الخليج والأردن إلا بشهادة التعليم الصادرة عن وزارة التربية التابعة للنظام، وعليه، مازالت حتى الآن مناهج وزارة التربية في حكومة النظام تُدرّس في جميع المدارس في محافظة درعا.
ويختلف أيضًا دعم الائتلاف للمناطق بحسب البعد الجغرافي، ففي حين تُدرّس مناهج الوزارة التابعة للحكومة المؤقتة في أغلب المدارس شمال سوريا، خصوصًا حلب، يكون وجودها في درعا ضعيفًا، (مع الإشارة إلى أن مناهج الائتلاف تقدمها هيئة علم بالإضافة للائتلاف، وكلاهما موجودان في تركيا).
وعن وجود المنظمات الداعمة للتعليم في درعا، تحدث أسامة المحمد، مدرس للغة العربية في مدينة صيدا بالريف الشرقي لمحافظة درعا، قائلًا “إن المناطق الشمالية من سوريا تحظى بدعم جيد من قبل المنظمات التي تُعنى بالتعليم، على عكس محافظة درعا، التي مازالت حتى اللحظة تتبع لوزارة التعليم التابعة للنظام بسبب عدم وجود أي بديل يهتم بقطاع التعليم”.
لكن وزير التربية في الحكومة المؤقتة، عماد برق، يؤكد على وجود الوزارة عبر مديرية التربية في درعا والقنيطرة، وأن مناهج الوزارة والكتب التي تطبع بالأردن ماتزال تدرّس في كثير من المدارس في المناطق المحررة، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من المدرسين مايزالون مرتبطين بالنظام من أجل “الراتب الشهري” فقط، وسط سعي رسمي لافتتاح كليات جديدة في المنطقة.
مدارس درعا البلد في قبضة النظام
سعى المحمد مع عدد من الناشطين في مجال التعليم للإبقاء على تبعية المدارس للنظام، آخذين بعين الاعتبار “مصلحة الطفل” بالدرجة الأولى، وهذا ما وضحه بالقول “دول الجوار لا تعترف إلى الآن إلا بشهادة النظام، مع انعدام وجود راع آخر للتعليم في مناطقنا”.
ويشير إلى أن هذا ما دفعهم للمحافظة على التبعية للنظام، والتصدي للمحاولات البسيطة هنا وهناك لإدخال مناهج مختلفة عن مناهج الأخير، ما سيضر بمصلحة الطلاب، على حد قوله.
يستطرد المحمد “ناهيك عن أن مناهج النظام جيدة، وقد أشرف على وضعها خبراء على مدى سنين، باستثناء مادة القومية وكل ما يتم الإشارة فيه إلى البعث أو النظام”.
ويضيف “ولا يوجد الآن من هو كفء لإجراء تعديلات على المناهج التعليمية، وإن وُجد فليس لدينا الإمكانية لطباعة الكتب، وعليه رأينا أن الحل الأسلم هو الإبقاء على مناهج النظام إلى حين انتصار الثورة”. في المقابل يؤكد الوزير برق على توفر الكتاب المدرسي المعدل وفق صيغة الوزارة وأنها تغطي كامل المدارس.
طلاب جامعيون يقودون العملية التعليمية في درعا
تعاني المدارس في درعا وريفها، الخارج عن سيطرة النظام، من نقص التمويل اللازم لسير العملية التعليمية، لا سيما أن المدارس التي تعرضت للقصف طيلة السنوات الأربع الماضية لم ترمم، ما أخرجها عن الخدمة لافتقادها لأبسط المقومات الضرورية ولتحول جزء كبير منها إلى ركام.
يقود العلمية التعليمية في المحافظة طلاب جامعيون لم يحصلوا على الإجازات بعد، إلى جانب خريجين سابقين من فروع علمية مختلفة، وسبب ذلك نقص الكوادر التعليمية، وليس هذا فحسب، بل تشهد المدارس المتبقية تراجعًا كبيرًا في مستويات الطلاب بسبب انقطاع البعض منهم عن الدراسة لسنة، وأحيانًا عدة سنوات، أو الانقطاع المتكرر عن الدوام خلال السنة الدراسية بسبب القصف على المناطق المحررة، ما تسبب بالتراجع في مستوى التعليم لدرجة فقدان مهارات الكتابة أو القراءة لطلاب في مستويات متقدمة من المرحلة الابتدائية.
يؤكد محمود قطيفان، المدير التنفيذي لمكتب بناة المستقبل، وهي مؤسسة تعليمية مستقلة تقوم بمهام تشبه مهام مديرية التربية، من حيث الإشراف على المدارس والمدرسين في درعا، أن “النزوح المستمر من أهم مشاكل التعليم في درعا ما أدى إلى القبول بتوظيف خريجي الجامعة من فروع مختلفة، أو طلاب جامعة لم يكملوا تعليمهم”.
تتولى وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة الامتحانات العامة للشهادتين الثانوية والإعدادية في المناطق المحررة، أما فيما يخص المدارس الابتدائية في المناطق المحررة أي (المدارس الثورية) إلى اليوم لا يوجد نظرة جدية نحوها”.
وتعاني مدراس درعا من نقص “شديد” في توفر الكتاب المدرسي، رغم سعي المكتب لتأمين الكتب وقيامه باستخراج القديم منها من تحت ركام المدارس التي تهدمت بسبب القصف، ويلفت قطيفان إلى أن المكتب “يشرف على ما يقارب 60-70% من مدارس مدينة درعا، بينما يشرف النظام على ماتبقى 30%”.
مدراس تفتح أبوابها بدوام مسائي
الطفل في درعا دائمًا مشتت الذهن، ويعاني من مشاكل نفسية بسبب مشاهد القتل والدمار التي يراها مرارًا، وعندما يصدر صوت قصف أو اشتباك يصبح حديث الطلاب في الصف بالكامل عن مصدر الصوت ونوع القصف، وهنا تكمن المهمة الأصعب على المدرّس حتى يستطيع نقل الطلاب من حالة إلى حالة وإعادتهم للعملية التعليمية. يقول مدرّس في إحدى مدارس درعا “نراعي الضغوط التي يعيشها الطلاب باستمرار فنحاول تجنب الضغط عليهم لأبعد الحدود”.
فيما يواجه الكادر التدريسي التحدي الأكبر ليتمكن من إعطاء الطالب أكبر درجة تعليم ممكنة بسبب كثرة الانقطاع عن الدوام، يضيف المدرس “نفتح المدارس أحيانًا في المساء خارج أوقات الدوام، أو في أيام العطل بحال توفر الهدوء النسبي لنتمكن من تعويض الطلاب عن أيام انقطاع الدوام”.
النظام يغطي نصف احتياجات طلاب درعا من الكتب
تبعية المدارس للنظام جعلته المسؤول عن توفير الكتب للطلاب، وفي هذا الجانب يقول المحمد “غطى النظام 50% من احتياج الطلاب للكتب، ولو فكرنا بالتخلي عن مناهجه لما استطعنا بإمكانياتنا كناشطين، أو كمنظمات تغطية 4% منها”.
فكانت الضرورة تحتم التبعية للنظام، وهذا شكل عائقًا من حيث توظيف الكوادر، حيث حد من الأعداد التي تستطيع العمل مع النظام، “لدينا كوادر للتدريس في درعا، لكن عددًا كبيرًا منها إما مطلوبًا للنظام أو لخدمة العلم، ما جعلهم عاجزين عن الالتحاق بالمدارس”، يقول المحمد.
وتعتبر محافظة درعا مكتفية بالمدارس الابتدائية، لكنها تعاني من نقص في المدارس الإعدادية والثانوية، لا سيما في أعداد كوادر التدريس وكفاءاتهم، بحسب المحمد، أما المشكلة الأكبر في هذه المحافظة فتكمن في طلاب الثانوي ممن لم تؤهلهم درجاتهم لدخول المدارس العامة، في هذا الصدد يقول المحمد “مازالت وزارة التربية تعتمد نظام المجموع في صف التاسع، الذي يحدد للطالب نوع المدرسة التي سيرتادها في الثانوي، وهذا يعني أن نصف عدد الطلاب لا يحق لهم دخول المدارس العامة، وإنما الالتحاق بصفوف الأول الثانوي التجارية أو الفنية أو الصناعية، وهذا النوع من المدارس غير موجود نهائيًا في المناطق المحررة من درعا، وعليه يُحكم على كل الطلاب بالانقطاع عن التعليم”.
درعا البلد .. مدرسة واحدة للائتلاف
يعتبر وجود الائتلاف ونفوذه في درعا أقل بكثير مما هو عليه في حلب، حتى يكاد يكون معدومًا وفق المدرس المحمد، لا سيما في مجال التعليم، فعلى سبيل المثال “يوجد في درعا المدينة مدرسة واحدة ابتدائية تابعة للائتلاف”، ويعتبر المحمد أن المجلس المحلي لمدينة درعا وحتى مكاتبه التعليمية في الأرياف ليس لها وجود قوي، وكذلك الأمر بالنسبة لمديرية التربية التابعة له.
وكانت للائتلاف تجربة منذ عامين، إذ “أجرى امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية العامة، وكان لذلك أثر سلبي على الطلاب، فبالنسبة لطلاب الثانوية العامة لم تكن المشكلة كبيرة بسبب وجود طلاب مطلوبين لخدمة العلم، أو ملاحقين أمنيًا، لكن المشكلة الأكبر كانت مع طلاب الإعدادية ممن سيكمل تعليمه الثانوي في مدارس النظام، حيث رفضت شهاداتهم بالكامل، ما اضطرهم لإعادة تقديم الامتحانات في مدارس النظام العام الذي تلاه”.
فحوصات الحكومة المؤقتة للمطلوبين أمنيًا
بعد تجربة الائتلاف أصبح المواطنون أكثر وعيًا، يقول المحمد “في السنوات التي تلت تلك التجربة صارت فحوصات الحكومة المؤقتة لا تشمل سوى الطلاب غير القادرين على الالتحاق بمدارس النظام لأسباب أمنية”، ويضيف “حتى الطلاب الذين يرتادون مدارس الائتلاف صاروا يسجلون أسماءهم في مدارس النظام مع استمرار دوامهم في مدارس الأول”.
ويؤكد المحمد “اعتراضنا ليس على عمل الائتلاف أو مناهجه، لكن تفكيرنا يصب بالنهاية في مصلحة الطالب”.
دعم نفسي للطلاب دون تعليم
اهتمت المنظمات الداعمة للتعليم في محافظة درعا بالطفل، وأقامت الكثير من دور الحضانة، أما بالنسبة للمدارس فاقتصرت على إقامة الدورات التعليمية التي قد تدعم عملية التعليم، لكن لا توجد حتى اللحظة منظمة تدعم مدرسة بالكامل، بحسب المحمد.
حاليًا هناك بعض المنظمات في درعا مثل منظمة “غصن زيتون” و”أورانتس” و”رابطة أهل حوران”، والتي ساهمت بحل 25% من مشكلة الطلاب ممن لم يتمكنوا الالتحاق بالمدارس، إذ تقيم هذه المنظمات الدورات التعليمية طيلة السنة، ويقوم الطالب بالنهاية بتقديم الفحص في المدارس النظامية.
واتجهت المنظمات في الآونة الأخيرة للدعم النفسي، وبدأ بعض الطلاب بالالتحاق بها، وهذا ما وصفه المحمد بـ “الخطأ الكبير”، وقال “من المضحك المبكي أن ترى طفلًا يداوم في دورة دعم نفسي، ولم يتحقق له أهم حق للطفل، وهو التعليم”، مضيفًا “ليت هذه المنظمات فكرت بمساعدة هؤلاء الأطفال على إكمال تعليمهم بدلًا من تقديم الدعم النفسي لهم”.
شح الدعم اللوجستي
إلى جانب ما سبق من مشكلات يشكو منها قطاع التعليم في درعا، وبالرغم من تبعية المدارس للنظام، إلا أن هناك شحًا كبيرًا في الدعم اللوجستي وضعفًا في أداء الكوادر، التي من المفترض أن تقوم بأعمال الترميم للمدراس، إذ لا تقدم للمدارس سوى رواتب المعلمين والكتب المدرسية، أما من ناحية الدعم اللوجستي وعمليات الصيانة، فالوضع “سيئ جدًا”.
توزيع عشرة ملايين كتاب مدرسي في المناطق المحررة
كان لمنظمات المجتمع المدني دور كبير في دعم العملية التعليمية في المناطق المحررة، وقد ساهمت في توفير المستلزمات اليومية للطلاب وكذلك البنية التحتية، وتأسست هيئة الشام الإسلامية في تشرين الأول 2011، كجهة خيرية تخدم الكثير من الجوانب الإغاثية، منها التعليمي والتنموي، ومارست نشاطاتها في الداخل السوري إضافة إلى النشاط البارز لها على مستوى مخيمات النزوح، لاسيما الاهتمام بالتعليم.
هيئة الشام: تنقيح المنهاج السوري لاعتماده رسميًا
كانت هيئة الشام الإسلامية أول جهة عملت على اعتماد المنهاج السوري بعد تنقيحه وحذف مادة التربية القومية الاشتراكية منه، إضافة إلى كل ما يتعلق بالعائلة الحاكمة وحزب البعث، وانطلقت فكرة ترشيح المنهاج السوري كون القائمين عليه من الخبراء على مدى أعوام سابقة، ولعدم إمكانية إيجاد بديل عنه في الوضع الراهن، أو تعديله بشكل جوهري، لأن ذلك يحتاج لخبراء ومختصين.
توزيع 300 ألف كتاب مدرسي دفعة واحدة
تقول المديرة التنفيذية للقسم النسائي في الهيئة، علياء منجد، “بدأت هيئة الشام الإسلامية بتنقيح الكتب وطباعتها في نهاية 2012، وانتهت عميات الطباعة وبدأ توزيعها في آذار 2013، ووزعت على المخيمات في تركيا والمدارس السورية في بعض المدن التركية، إضافة إلى إيصال القليل منها إلى بعض مخيمات الداخل ومدينة حلب، ووزعت هيئة الشام الإسلامية 300 ألف نسخة في ذلك الوقت، ثم توقفت عن هذا العمل لاحقًا، بعد انطلاق الهيئة السورية للتربية والتعليم (علم) وتوليها هذا العمل”.
مشروع لمحو أمية النساء
وبحسب منجد، اهتمت هيئة الشام بمحو الأمية، سواء للطلاب المنقطعين عن الدراسة بسبب ظروف الحرب، أو النساء الأميات، وأقامت مشروعين لهذا الهدف.
الأول، مشروع “ربيع الطفولة”، وبدأ منذ عام ونصف تقريبًا، وعمل على تأهيل الطلاب المنقطعين عن التعليم ليتمكنوا من الالتحاق بالمستوى المناسب لأعمارهم، واستهدف هذا المشروع طلاب المرحلة الابتدائية بالاتفاق مع المدارس الموجودة في المنطقة، بأن تقبل دخول الطفل مدرستها بعد تأهيله لمدة ثلاثة أشهر، واستفاد من هذا المشروع 320 طالبًا في عدد من مخيمات تركيا، وفي ريف حماة.
أما المشروع الثاني، فهو “حروف النور”، ويهدف إلى محو الأمية للنساء من مختلف الأعمار، لتتمكن المرأة من القراءة والكتابة والحصول على مستوى معين من الثقافة.
واستفاد من هذا المشروع حتى الآن 185 امرأة، في كل من مدينة الريحانية ومرعش، إضافة إلى مخيم بخشين ومخيم مرعش.
وأقامت الهيئة مشاريع عدة متنوعة لدعم العملية التعليمية من دعم لبعض المدارس دعمًا لوجستيًا، وكان من أبرز مشاريعها تأهيل المعلمات للتدريس، إذ كانت تُجرى دورات تأهيل تستمر لأشهر عن طريق الإنترنت للمعلمات في مخيمات تركيا، تعلمهن الإدارة الصفية وأسس التعليم التعاوني والمراحل العمرية واحتياجات الطلاب، وغيرها من الأمور التربوية.
طباعة ثلاثة ملايين كتاب مدرسي سنويًا
إلى جانب مؤسسة الشام، عملت الهيئة السورية للتربية والتعليم (علم)، وهي منظمة مجتمع مدني تأسست في تركيا، واهتمت بتقديم الدعم للعملية التعليمية والتربوية بكافة مراحلها.
وبدأت هي الأخرى بطباعة الكتب المدرسية وفق المنهاج السوري المنقح منذ عام 2013.
يقول ربيع عثمان، مدير إدارة المشاريع في الهيئة، لعنب بلدي “مازالت مشاريع وأعمال الطباعة مستمرة إلى الآن، فقد طبعت الهيئة السورية للتربية والتعليم إلى الآن عشرة ملايين و500 ألف كتاب لمختلف المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، أي بمعدل ثلاثة ملايين و500 ألف كتاب مدرسي سنويًا”.
وبحسب عثمان تم توزيع هذه الكتب على المدارس المنتشرة في الداخل السوري، والمدارس السورية القائمة على الأراضي التركية، وفي مخيمات شمال العراق وفي دول اللجوء الأخرى.
إعادة 30 ألف طالب إلى المدارس المرممة
تشير الإحصائيات التي تملكها “هيئة علم” والتي يتم تحديثها باستمرار، أن هناك ستة ملايين طفل سوري في عمر التعليم، ويحتاجون إلى الدعم، 60% منهم في المرحلة الابتدائية.
أما مجموع عدد الكتب التي طبعتها الهيئة حتى اللحظة، استفاد منها مليون و250 طالبًا، كما ذكر عثمان، ما يعني أن المتبقي هم أربعة ملايين و750 ألف طالب مازالوا يحتاجون للكتب المدرسية.
وعملت الهيئة، إضافة إلى مشروع طباعة الكتب المدرسية، على مشروع إعادة تأهيل وتحضير الطلاب ممن انقطعوا عن التعليم لفترات طويلة.
كما أشرفت على عدة مشاريع لترميم المدارس المدمرة في الداخل السوري، وفي هذا الصدد يذكر عثمان “رممت الهيئة 67 مدرسة كدفعة أولى من برنامج ترميم المدارس، حيث تم إعادة 30 ألفًا و250 طالبًا إلى المدارس المرممة، وتشرف حاليًا على مشروع مماثل في 2016”.
وكان لهيئة علم مشاريع متفرقة أخرى، كدعم تشغيل وتبني مدارس متعثرة في تركيا والداخل السوري، إلى جانب تقديم مواد قرطاسية ووسائل تعليمية ولوازم مدرسية لبعض المدارس، إضافة إلى تجهيز وتأثيث مدارس أخرى، وفق عثمان.
خبيرة تربوية: مستقبل التعليم في المناطق المحررة “سوداوي”
ترى الخبيرة في المجال التعليمي، بيان الطنطاوي، الحاصلة على شهادة بكالوريوس لغة عربية، وماجستير تربية مناهج وأصول تدريس من جامعة دمشق، والتي عملت كأستاذة في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز في جدة لمدة 24 سنة، أن مستقبل التعليم في المناطق المحررة من سوريا، وبالنظر للقائمين عليه من منظمات وجهات مسؤولة، ليس مبشرًا بالخير.
تصف الطنطاوي، العاملين بمجال التعليم بضعيفي الكفاءة، وتقول “لم يتبق إنسان، سواء له علاقة بالعملية التعليمية أو ليس له علاقة، ولم يعمل بالتعليم، حيث كان هدف الجميع هو الربح التجاري”، واصفة المنظمات المشرفة على التعليم بعدم القدرة على القيادة، بسبب عدم قيام أصحاب الكفاءة والاختصاص بالإشراف عليها.
ومن خلال زيارات الطنطاوي للكثير من المدارس المقامة في تركيا وجدت أن غالبية الكوادر التعليمية لا يمتلكون الأخلاقيات ولا السلوك الذي يؤهلهم لهذا العمل، من قائمين عليه أو مدرسين.
كما ترى الطنطاوي أن توجه الناس للمساعدة بمجال الإغاثة أكبر بكثير من توجههم للمساعدة في مجال التعليم، إذ إن الكثير من جوانب الثورة نالت اهتمامًا أكبر من الأخير، وعليه ترى أن الأهالي ابتداءً والشعب بشكل عام بحاجة للتوعية بأهمية التعليم.
لا يمكن للثورة أن تنجح دون النهوض بالتعليم
تعتبر الطنطاوي أن النظام مارس عملية تهديم للعقول على مدار 50 عامًا، وزرع بين الناس العداوة والسلوكيات السيئة، وتقول “كما ثرنا على الظلم والقيد والاستعباد، يجب أن نثور على النظام التعليمي القائم في بلدنا”، وترى “أننا بأمس الحاجة لعقول تحارب وتجاهد في ميدان الجهاد، تمامًا كما تحارب الفصائل العسكرية لنيل الحرية”.
وتضيف الطنطاوي “لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بالعلم”، وفي هذا السياق تعزو الكثير من الإخفاقات على الصعيد العسكري والإداري في سير الثورة، إلى تولي الجهلة لزمام الأمور، فخلافات الفصائل ناتجة عن الجهل، وتغلغل الجماعات المتطرفة أيضًا ناتجة عن الجهل، برأي الطنطاوي
المناهج السورية قوية من الناحية العلمية وتدس السم من الناحية الإنسانية
المناهج السورية العلمية مثل العلوم والرياضيات ”قوية”، برأي الطنطاوي، ولكن ينقصها التطوير والتحديث لتواكب العصر، بينما العلوم الإنسانية “غير صالحة للتدريس من أولها لآخرها… إن كان هناك دس للسم في العسل فالمناهج السورية كلها دسٌ للسم”، على حد تعبير الطنطاوي، التي ترى أن تلك المناهج مليئة بالأخطاء التاريخية والعقائدية، وتعتبر تدريسها من الناحية الدينية غير جائز.
“الأستاذ “حجر الأساس في العملية التعليمية
ترى الطنطاوي أن الانطلاق حاليًا يجب أن يبدأ من تأهيل المدرس، وبرأيها، هو العمود الذي تقوم عليه العلمية التعليمية، وتضيف في هذا الإطار “يستطيع المعلم الجيد أن يتعامل مع المنهاج الضعيف، والمعلم المُؤهل ينتج أفضل الطلاب، بينما المعلم غير المؤهل مهما قُدمت له مناهج جيدة فهو غير قادر على أن يبني عقولًا، ولا أن يُخرّج طلابًا على مستوى عالٍ”.
وعليه ترى الطنطاوي، أنه يجب التركيز في هذه المرحلة على تأهيل المعلم، من قبل جهات مختصة، والعمل على توفير الراتب الكافي له، لرفع سوية حياته الاجتماعية ولإعادة الهيبة له، مشيرةً إلى أن الدول المتقدمة تخصص للمعلمين رواتب كرواتب الوزراء.
وتركز في هذا المجال على أهمية دور معلم الابتدائي، مشيرة إلى ضرورة تعيين أصحاب الكفاءات الأقوى والرتب العلمية الأعلى لتدريس صغار السن، لشدة حاجة الطفل في هذه المرحلة لمعلمه واعتماده عليه، ولما له دور في بناء شخصية هذا الطفل.