حوار الطرشان.. والظعينة الآمنة

  • 2025/03/06
  • 2:53 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

أما وقد أسدل الستار على فعالية مؤتمر الحوار الوطني وصدر البيان الختامي لأعماله، الذي يفترض أن يشكل مضمونه أجندة عمل السلطة الحالية لعملية إعادة بناء منظومة الحكم والسلطة ورسم ملامح علاقتها بالمجتمع السوري عمومًا، والآليات المعتمدة لإدارة شؤون الناس ومعاشهم وسبل عيشهم، فإنه يمكننا القول ابتداء إن صياغة البيان الختامي للمؤتمر، بغض النظر عما إذا كان مجرد توصيات للإدارة الجديدة أو خطوط خريطة الطريق الواجب اتباعها نحو المستقبل، تؤشر إلى أنه كان معدًّا مسبقًا وجاهزًا ليصدر بعد نحو ساعة أو أكثر قليلًا من انتهاء فعاليات المؤتمر وورشات عمله، ولم يكن اللقاء الموسع لنحو ألف من السوريين ضروريًا إلا بكونه يكمل المسألة الإخراجية للموضوع، ليعطي مؤشرًا ورسالة للخارج المتربص منه والمتحيّن للفرص، أن هذه السلطة حازت اليوم الشرعية الشعبية التي يتعين اكتسابها لتلبية اشتراطات الخارج المتعلقة بوجوب إشراك وتمثيل جميع أطياف المجتمع السوري في العملية السياسية المفترضة لإنتاج سلطة تحوذ رضا الخارج واعترافه.

كثيرة كانت الانتقادات لآلية العمل والدعوة للمؤتمر، وكثير منها محق، والكثير الآن من الانتقادات لمضمون البيان الختامي لمؤتمر الحوار وبعضه محق أيضًا، لكن ذلك لا يلغي أبدًا أن المؤتمر بذاته، رغم بعض التحفظات الشخصية عليه، كان شيئًا مؤسسًا أو فاتحًا ربما لفكرة الحوار المجتمعي في كل القضايا، والحوار أيضًا بين المجتمع والسلطة، بصرف النظر عن النيات ودوافع الحوار ذاته بين طرفيه.

لا أحد بالتأكيد ضد مبدأ الحوار، فهو خير وسيلة لعرض وشرح الأفكار وتبادلها وتداولها، وهو سلوك يعبر عن الارتقاء البشري وإدارة العلاقات بين الناس، لكن لا يجوز استثمار فضيلة الحوار ليكون شيئًا مشابهًا لحوار الطرشان، لا يسمع فيه أحد أحد، فنحن أمام حوار يفترض أنه مؤسس للجمهورية الثانية، ولسنا بصدد حوارات مقاهي الرصيف.

سيزعم أحدهم أن الوقت والمناخ كانا متاحين ليقول المشارك ما يشاء وقد يكون ذلك صحيحًا، لكنك سيدي لم تذهب لمجرد أن تقول بل لتفعل، ولتكتب مع أقرانك سطورًا من الإعلان الدستوري المنتظر، أو سطورًا من آلية عمل لإنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية تحدد فيها مرجعيتها وآليات عملها ولجانها ومساراتها، لكن أنت حقيقة لم تفعل. أنت ذهبت لتقول رأيًا، مجرد رأي لا أكثر كان يمكن إرساله بالبريد الإلكتروني، لكنك مع الأسف ذهبت ومنحت كل صلاحياتك كمواطن، وكعضو في مؤتمر حوار وطني للسلطة الجديدة لتفعل به ما تشاء، وتوظفه كيف تشاء، وتكتب بحبرك ما تشاء في إعلانها الدستوري أو غيره من القضايا مسلحة بتفويض حضورك ومشاركتك.

وسيقول متنطّع أيضًا إنه ليس الآن وقت التجاذب والاختلاف أمام امتحان مصير سوريا ووحدتها، وأقول: على العكس تمامًا، الآن هو وقت الحوار والاتفاق على أسس الجمهورية الجديدة، فما لم تتحصل عليه الآن لن تتحصل عليه بعد ذلك أبدًا. وهذا هو سؤال المصير المرتبط بي أنا كمواطن، فلا قيمة لسوريا ومصيرها ما لم أعلم قيمتي ومصيري وحقوقي كمواطن فيها، فأنا وكل سوري أهم كثيرًا من سوريا نفسها، لأنها دوننا كسوريين حقًا بلا أي قيمة، مجرد مساحة خاوية على عروشها لا دور لها ولا حضور بين الأمم.

بل إن المخاطر المحيطة بسوريا هي سبب أدعى للتوافق على كثير من الأشياء والمبادئ، كالديمقراطية، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل الجاد بين السلطات وتحديد أدوار وصلاحيات كل منها بوضوح، واللامركزية الموسعة، وحدود وسقف السلطات خارج المركز، لأن الاتفاق والتوافق على هذه القضايا الجوهرية هو الذي يحصن سوريا من الأخطار ويجعل بنيانها مقاومًا للزلازل وارتداداتها، وهذا هو الغرض الأساس لما يفترض أنه حوار وطني.

في ذات السياق، سأضيف تعليقًا على ما يظهر أنه عادي من الكلام الذي جاء بخطاب الشرع الافتتاحي، من أنه “لا ينبغي استيراد أنظمة لا تتلاءم وحال البلد، ويجب الابتعاد عن تحويل المجتمعات إلى حقول تجارب لتنفيذ أحلام سياسية…”، وهي رسالة غير مطمئنة لكل من يطالبون بالديمقراطية، فهي مرفوضة لكونها منتجًا غربيًا مستوردًا، سيتسبب في انقسامات مجتمعية وعدم استقرار سياسي يؤمنه البديل “الإسلامي” القائم على فكرة التفويض الإلهي، أو لمن يطالبون بالمواطنة المتساوية، وهي الأخرى مفهوم مستورد ولا يلائم “إسلامنا” الذي يقسم المجتمع إلى مسلم وذمّي! أو بالشرعية الشعبية المتأتية عن انتخابات حرة، لأن الانتخابات أيضًا بدعة مستوردة من الغرب، وهي بديل استعماري عن سلطة التفويض الإلهي.

إذا كنا نرفض كل تلك المبادئ والقيم والأفكار، ونصّر على مبادئ وقيم الصحراء التي مضى زمانها، فلماذا نقول إننا سنتبع سياسة الاقتصاد الحر، الذي هو بدوره مستورد من نفس الدول التي ترفض استيراد بضاعة الديمقراطية منها، فلا يستقيم قيام نظام اقتصاد حر دون نظام سياسي ديمقراطي وتداولي وحر.

وكيف نقبل باستيراد كل أدوات العصر من هواتف وسيارات نتنقل بها، وشاشات نتفرّج بها على خطاب الشرع نفسه، ولا نقبل باستيراد تجارب ثبت نفعها على أولئك الذين تستورد منهم كل تلك الأدوات؟ ولماذا لا نستخدم الحمام الزاجل بديلًا عن الإنترنت، ولماذا لا نعود إلى قوافل الإبل وإلى الظعينة، التي يبدو أنها مشت من إدلب حتى دمشق لم تخشَ في مسيرها إلا الله والذئب على غنمها/ رغم كثرة الذئاب المتحيّنة على جنبات الطريق!

بل أكثر من ذلك، لماذا نصبنا خيمة “سيرك” لنعقد مؤتمر حوار على عجل، أليس لنحصل على رضا الشرق والغرب واعترافه؟ ببساطة لا يمكننا رفض استيراد تجارب أثبتت نجاعتها في مجتمعاتها ومحاولة استلهام ما هو خير وايجابي فيها، فقط لأنها لا تناسبنا، في الوقت الذي نتوسل فيه استيراد اعتراف من أصحاب تلك التجارب!

مقالات متعلقة

  1. مؤتمر الحوار الوطني يبدأ أعماله بدمشق
  2. في يومه الأول.. ما تطلعات مشاركي "الحوار الوطني"
  3. وسط "معمعة" الانسحابات... "هيئة عليا" تتمخض عن مؤتمر الرياض لتعيين الوفد المفاوض للأسد
  4. اللجنة التحضيرية تعلن توجيه دعوات للمؤتمر الوطني

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي