ماذا تفعل إسرائيل في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟

مركبات عسكرية إسرائيلية تمر داخل المنطقة العازلة في سوريا عند الحدود مع الجولان المحتل- 15 كانون الثاني 2025 (رويترز)

camera iconمركبات عسكرية إسرائيلية تمر داخل المنطقة العازلة في سوريا عند الحدود مع الجولان المحتل - 15 كانون الثاني 2025 (رويترز)

tag icon ع ع ع

هجمات إسرائيلية منتظمة على سوريا لـ”الدفاع” عن الأقلية الدرزية في جنوب البلاد، رغم أن الإدارة السورية الجديدة أكدت أنها لن تشكل أي خطر يهدد إسرائيل، فهل تريد إسرائيل حماية الأقلية الدرزية حقًا أم تريد تأمين حدودها؟


قد يكون رفع علم إسرائيل على الأراضي السورية أمراً غير معتاد، أو لم يكن وارداً من قبل على أقل تقدير، ولكن هذا ما حصل يوم الاثنين (الثالث من مارس/ آذار 2025). جاء ذلك في سياق التصعيد الإسرائيلي المستمر في محافظة السويداء، جنوب سوريا، معقل الأقلية الدرزية.

وبعد وقت قصير من قيام أحد سكان مدينة السويداء برفع علم إسرائيل في إحدى الساحات العامة، قام مواطنون آخرون بإزالة العلم وحرقه. وجاء ذلك بعد حادثة أخرى مثيرة للقلق وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وهي حادثة إطلاق نار في جرمانا، إحدى مناطق ريف دمشق، وهي ذات غالبية درزية. وحدث إطلاق النار بين بعض سكان المنطقة وقوات أمن الإدارة الجديدة.

هذه الحوادث المتتالية أثارت قلقاً دولياً واسعاً، وتساؤلات عديدة فيما إذا كانت الأقلية الدرزية تتعرض لهجمات من قبل الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما دفع إسرائيل إلى تكثيف هجماتها على سوريا والتي كانت قد تكثفت منذ سقوط نظام الأسد.

وتأتي هذه الهجمات الإسرائيلية بحجة حماية الأقلية الدرزية في سوريا، وهي طائفة دينية صغيرة في الشرق الأوسط، ويقدّر وجود 150 ألف درزي في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية، يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويعتبرون بشكل عام “مخلصين بشدة” لدولة إسرائيل.

أحد سكان جرمانا، والذي رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموضوع، قال لـ DW: “كانت هناك بعض الشائعات، فيقول البعض إن الرجال الدروزالذين كانوا يقاتلون قوات الأمن السورية، كانوا على صلة بالدروز في إسرائيل وكانوا يحصلون منهم على تمويل سرّي لإحداث مشاكل هنا”.

وفي سوريا وحدها يوجد حوالي 700 ألف درزي يشكّلون واحدة من أكبر الأقليات في البلاد، ويلعبون دوراً مهماً على الساحة السياسية السورية في الآونة الأخيرة، إذ يمارسون الضغط على الإدارة السورية الجديدة لدعم حقوق الأقليات والحفاظ عليها.

وبهذا الصدد أضاف المصدر السابق ذاته: “ألقى آخرون، بما في ذلك العديد من منظمات المجتمع المدني، باللوم على السلطات الدينية (الدرزية) لأنهم يلعبون بهذه الورقة (مع إسرائيل) حتى يتمكنوا من الحصول على مزيد من السلطة داخل الحكومة الجديدة”.

ورداً على تبادل إطلاق النار في الأيام الأخيرة اعلنَ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد أن جيشه مستعد للدفاع عن الأقلية الدرزية في سوريا من أي خطر تشكله الإدارة السورية المؤقتة الجديدة، وقال: “إذا أذى النظام الدروز، فسوف نؤذيهم”.

كل ذلك جاء بالرغم من دعوة الإدارة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع إلى الوحدة الوطنية ووعودها بحماية حقوق كافة الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، مطمئنة الأقليات الموجودة في سوريا مثل الأكراد والدروز والمسيحيين والعلويين بأنهم سيشاركون في تشكيل مستقبل البلاد.

وبالرغم من انقسام الآراء ووجود مجموعات مختلفة داخل المجتمع الدرزي في سوريا، إلا أن خبراء يؤكدون أن غالبيتهم ترفض “الحماية” الإسرائيلية لها.

لماذا تدافع إسرائيل عن الدروز؟

تسعى إسرائيل منذ فترات طويلة إلى إقامة علاقات وطيدة مع الأقليات في محيطها، وعلى رأسهم الدروز، من أجل تعزيز أمنها، وفق تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم الرشيد ومقره واشنطن، في تدوينة له على منصة إكس.

وهذا التنوع الديني والعرقي الذي يميز سكان سوريا -الذين يقدر عددهم بنحو 25 مليون نسمة- جعل البلاد عرضة للانقسامات على مدار السنوات السابقة وما زالت إلى اليوم، بحسب أندرياس كريغ، المحاضر الأول في كلية الدراسات الأمنية في “كينغز كوليدج” (كلية الملك) بلندن، لـ DW: “إن المصالح الأجنبية المختلفة تعزز هذه الانقسامات لتعزيز أجنداتها الخاصة”، ويضيف: “لقد رأينا الروس يدفعون بروايات ضد هيئة تحرير الشام، في محاولة لحماية المسيحيين خلال عيد الميلاد”.

ومن جانب آخر تبنّت إيران حماية الشيعة في سوريا، وعلى نفس المنوال تسعى إسرائيل إلى حماية الدروز، لى حد تعبير كريغ، وأضاف أن “آخر ما ترغب به إسرائيل هو تشكيل حكومة شاملة في سوريا تعمل على استقرار البلاد إلى الحدّ الذي يسمح لها بامتلاك القدرة على القتال ضد إسرائيل”.

السعي لغزو إسرائيلي؟

أفاد خبراء بوجود سبب آخر يجعل إسرائيل على استعداد للدفاع عن الدروز في سوريا، وهو خطتها في إنشاء قوات لها على أرض سوريا، فمنذ أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 الذي شهد سقوط نظام الأسد، شنت إسرائيل عدّة هجمات جوية منتظمة على سوريا، أكثر بكثير مقارنة بالهجمات التي شنتها في عام 2023 كاملاً وفق “مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح” (ACLED). ومن خلال الهجمات دمّرت إسرائيل بين 70 إلى 80 بالمئة من القدرات العسكرية الاستراتيجية للنظام السابق في غضون أول 48 ساعة بحسب ما كتب باحثون في (ACLED).

الهجمات الإسرائيلية على القواعد العسكرية السورية مستمرة، فقد نفذت إسرائيل هذا الأسبوع غارات جوية على أهداف عسكرية على حدّ تعبيرها، كما نقلت إسرائيل قواتها إلى منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة أقيمت بين البلدين، لضمان التزام كل منهما بمعاهدة فض الاشتباك لعام 1974.

وعن أسباب هجماتها قالت إسرائيل إن هذا كان ضرورياً في ظل عدم وجود حكومة حقيقية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ولمحت أصوات إسرائيلية إلى إن القوات قد تبقى هناك بشكل دائم. من جانبها أعربت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أندوف) المكلفة بمراقبة المنطقة العازلة عن قلقها.

وجاء في بيان لها: “منذ 7 ديسمبر/ كانون الأول، لاحظت الأندوف زيادة كبيرة في تحركات قوات الدفاع الإسرائيلية داخل منطقة الفصل وعلى طول خط وقف إطلاق النار، وأبلغت الأندوف إسرائيل أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكاً”.

كما أكدت صور للأقمار الصناعية من شهر يناير/ كانون الثاني حللتها هيئة الإذاعة البريطانية وجوداً إسرائيلياً شبه دائم في سوريا، وهو ما أكدته تصريحات من السكان المحليين في تلك المناطق جمعتها مؤسسة “سوريا على طول” الإعلامية، أفادت بأن الجيش الإسرائيلي يسيطر على بعض الأراضي بالمناطق العازلة.

كما تم بناء طرق ومبانٍ جديدة بحسب بعض الشهادات، وقال آخرون إن مزارعين مُنعوا من الاعتناء بمزارعهم، ودُمِّرت أشجار زيتون ومنازل ومضخات المياه، مشيرين إلى أن القوات الإسرائيلية احتجزت بعض السكان المحليين. ومع تدهور الوضع قال قرويون لمؤسسة “سوريا على طول” إن الجيش الإسرائيلي عرض عليهم توفير المياه والغذاء والكهرباء وحتى تأمين الوظائف في مرتفعات الجولانالمحتلة.

“انتهاك للقانون الدولي”

المطالبات من الجانب الإسرائيلي تذهب لمنحى آخر، ففي خطاب ألقاه نتنياهو، طالب بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، ما يعتبره كريغ “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”، موضحًا أن إسرائيل لم تطالب فقط بالاستيلاء على الأراضي السورية والاحتفاظ بها بشكل غير قانوني وإنما تطالب أيضاً باستخدام القوة العسكرية داخل سوريا ضد أهداف لا تشكل تهديداً مباشراً لها في هذه المرحلة، على حدّ تعبيره.

وقال كريغ، الخبير الاستراتيجي العسكري لـ DW إن هذا من شأنه أن يعود بنتائج إيجابية على المدى القصير ولكنه لن يؤدي إلى إحلال الأمن على المدى الطويل، وأضاف: “ترى إسرائيل نفسها محاطة بالأعداء، وبقي في أذهانهم، منذ عام 1948 عندما تم إنشاء إسرائيل، أنهم كانوا يخوضون حرباً ضد جميع جيرانهم، وبالتالي ليس لديهم ثقة. وبدلاً من التعامل مع القيادة السورية الجديدة، تراهن إسرائيل مرة أخرى على المواجهة”.

وأشار كريغ إلى تجارب مماثلة في دول أخرى، اختارت إسرائيل المواجهة معها، مما أدى إلى تشكيل مجموعات مقاومة عرضت إسرائيل للخطر، وهو ما بدأ يظهر بالفعل في سوريا، فظهرت في جنوب سوريا مجموعة صغيرة تطلق على نفسها اسم “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – القوة العظمى” التي تريد محاربة الجنود الإسرائيليين الموجودين حالياً على أرض بلادهم.

أعدته للعربية: ميراي الجراح

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة