تعليق العقوبات الأوروبية.. خطوة إيجابية غير كافية

  • 2025/03/06
  • 11:56 ص
مصرف سوريا المركزي السوري في العاصمة السورية دمشق - 12 من كانون الثاني 2025 (رويترز)

مصرف سوريا المركزي السوري في العاصمة السورية دمشق - 12 من كانون الثاني 2025 (رويترز)

برنامج “مارِس” التدريبي – يمنى شيخ صالح

رغم تخفيف بعض العقوبات وتعليق أخرى، لا تزال القيود الغربية المفروضة على سوريا تشكّل عقبة رئيسة أمام جهود إنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار.

الاتحاد الأوروبي أعلن، في 24 من شباط الماضي، تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا لا سيما في قطاعات الطاقة والنقل، مع تقديم إعفاءات مصرفية مرتبطة بهذين القطاعين إضافة إلى تسهيلات للعمليات المالية المتعلقة بالمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.

وكانت الولايات المتحدة خففت من عقوباتها على سوريا، في 6 من كانون الثاني الماضي، ولمدة ستة أشهر.

مفاوضات طويلة

قرار تعليق الاتحاد الأوروبي العقوبات على سوريا جاء بعد مفاوضات طويلة، بحسب ما ذكره وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عبر حسابه في “إكس“.

وقال الشيباني، “لقد أمضينا الشهرين الماضيين في إجراء مناقشات وبذل جهود دبلوماسية لتخفيف العقوبات الجائرة التي أثقلت كاهل شعبنا، نرحب بقرار الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات على قطاعات محددة، ونرى في ذلك خطوة نحو تخفيف معاناة شعبنا”.

المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، قال عبر حسابه في “إكس“، إن ألمانيا بدأت بمبادرة تعليق العقوبات في كانون الأول 2024، وتوصلت لهذه التسوية بعد مفاوضات طويلة في بروكسل مع كل الشركاء.

وأضاف شنيك أن شركة “سيمنز” تستطيع الآن إصلاح محطة “دير علي” (محطة توليد كهرباء)، ويستطيع الطيران الألماني السفر لسوريا، “ستعود سوريا للمجتمع الدولي بعد سنوات الظلام التي عاشتها تحت حكم الأسد”.

تأثيرها على الاقتصاد السوري

يعاني الاقتصاد السوري من تحديات كبيرة نتيجة العقوبات الغربية التي حدّت من التعاملات المالية ،وأثّرت بشكل مباشر على مختلف القطاعات الاقتصادية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

العقوبات فرضت على النظام السوري منذ 2011، نتيجة قمعه المظاهرات السلمية المناهضة له، واقتحام قواته الأمنية والعسكرية البلدات والمدن السورية.

ورغم أن تعليق بعض العقوبات الأوروبية قد يُعتبر خطوة إيجابية، يرى العديد من الخبراء أن تأثيرها سيكون محدودًا.

الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية في سوريا في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أوضح لعنب بلدي أن القرار لا يشمل جميع المصارف السورية، بل هو مجرد تعليق للعقوبات وليس رفعًا نهائيًا لها.

وتبقى العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا أكثر شدة وتأثيرًا، ما يجعل التعافي الاقتصادي الكامل غير ممكن في الوقت الحالي.

ومع ذلك، لا يستبعد الدسوقي أن يسهم هذا القرار في تحسن جزئي في بعض القطاعات الاقتصادية.

تأثير العقوبات الأمريكية امتد إلى منع قطر من تقديم أموال لدعم زيادة رواتب القطاع العام في سوريا، خوفًا من انتهاك العقوبات الأمريكية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر، أن قطر تنتظر وضوحًا أكبر بشأن سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه دمشق قبل اتخاذ أي خطوة.

ورغم إصدار الإدارة الأمريكية السابقة إعفاء مؤقتًا من العقوبات، يسمح بالتعامل مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر، ترى قطر أن هذا الإعفاء غير كافٍ لضمان قانونية التحويلات عبر البنك المركزي السوري، بحسب المصادر.

القطاع المصرفي

يمثل القطاع المصرفي عصب الاقتصاد السوري، ولكن العقوبات الغربية، وخاصة الأمريكية، فرضت قيودًا مشددة على تعاملاته الدولية، ما يزيد من صعوبة تحقيق تعافٍ اقتصادي ملموس.

المحلل الاقتصادي والمالي الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن استمرار العقوبات الأمريكية لا يزال يعوق النظام المصرفي السوري، خاصة فيما يتعلق بالحوالات المالية الدولية عبر نظام “SWIFT”، الذي يظل محظورًا على سوريا.

وهذا الحظر تسبب في شلل شبه كامل للقطاع المصرفي، وحدَّ من قدرة البلاد على الاستفادة الكاملة من تعليق العقوبات الأوروبية.

نظام “سويفت” (SWIFT) هو شبكة مالية عالمية تأسست عام 1973 في بلجيكا، ويربط أكثر من 11 ألف بنك في 200 دولة.

يعد هذا النظام جزءًا أساسيًا من النظام المصرفي العالمي، إذ يتيح للبنوك إجراء التحويلات المالية بسرعة وأمان.

ويعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على النظام المصرفي لإتمام المعاملات الاقتصادية والتجارية، ما يجعل استمرار الحظر على “SWIFT” أحد العوامل الرئيسة التي تعوق التحسن الاقتصادي.

قرار تعليق العقوبات الأوروبية لم يشمل جميع المصارف السورية، بما في ذلك المصرف التجاري السوري، ما قلل من تأثيره.

وأشار أيمن الدسوقي إلى أن المصارف التي شملها القرار تستهدف دعم المشاريع المرتبطة بسبل العيش وتعافي القطاعين الصناعي والزراعي، ما قد يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد ولكن بشكل محدود.

مصارف شملها تعليق العقوبات

المصرف الصناعي السوري، تأسس عام 1958، وهو مؤسسة حكومية تقدم تسهيلات ائتمانية للمشاريع الصناعية وتدعم تمويل القطاع الصناعي، بما في ذلك قبول الودائع وتنفيذ الحوالات.

مصرف التسليف الشعبي،  تأسس عام 1966 ويستهدف تمويل ذوي الدخل المحدود، وقطاعي الإنتاج الصغير والمتوسط، مع توفير قروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والفعاليات الإنتاجية.

مصرف التوفير، تأسس عام 2000 ليحل محل “المؤسسة العامة لصندوق توفير البريد”، وهو يركز على إدارة ودائع التوفير ومنح قروض للمشاريع السياحية، التعليمية، والمرافق الطبية، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.

المصرف الزراعي التعاوني، يختص بتقديم الخدمات المصرفية للنشاطات الزراعية والنباتية والحيوانية، بالإضافة إلى المهن والخدمات المرتبطة بها.

“فرصة وتحدٍّ”

يعد جذب الاستثمارات الأوروبية إلى سوريا أحد التحديات الرئيسة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية.

بينما يُعتبر تعليق بعض العقوبات الأوروبية خطوة إيجابية نحو تحسين الوضع الاقتصادي، إلا أن تحقيق انتعاش استثماري حقيقي يتطلب بيئة مستقرة وآمنة إلى جانب منظومة حوكمة فعّالة.

يرى الباحث أيمن الدسوقي أن جذب الاستثمارات الأوروبية مرتبط بعدة عوامل أساسية، مثل الاستقرار السياسي، وتوفر نظام حوكمة رشيدة، والأمن.

ومن غير المتوقع قدوم استثمارات أوروبية في المدى القريب، وفق الدسوقي، طالما أن العقوبات الأمريكية لم تُرفع بعد، فضلًا عن أن سوريا لم تخرج بعد من حالة عدم اليقين لجهة مسار التحول عقب سقوط نظام الأسد البائد، كما ينظر إليها المجتمع الدولي.

ومع ذلك، لفت الدسوقي إلى أن تعليق العقوبات الأوروبية يُعتبر محاولة للتكيف مع التغيرات السياسية في المنطقة، وهو خطوة نحو دعم الاستقرار، خصوصًا مع الحديث عن فتح المجال أمام الشركات الأوروبية للاستثمار في قطاعات حيوية مثل الطاقة والنقل.

لكن الاستفادة الفعلية من هذه الخطوة تتطلب توافقًا بين العقوبات الأمريكية والأوروبية، ما يبقي جذب الاستثمارات الأوروبية تحديًا قائمًا.

في هذا الإطار، يؤكد الدكتور فراس شعبو على أن تعليق العقوبات الأوروبية ليس حلًا سحريًا لمشكلات الاقتصاد السوري، بل هو فرصة وتحدٍ في نفس الوقت.

فإزالة العقوبات وحدها لا تكفي إذا لم يتم استغلالها بشكل فعّال لتحسين الاقتصاد، ومحاربة الفساد، وتعزيز الاستقرار السياسي، وفي حال لم تُستغل هذه الفرصة بالشكل الصحيح، قد يستفيد منها بعض الجهات دون أن يكون لها تأثير حقيقي على الاقتصاد ككل.

إذا تمت إزالة العقوبات، إلى جانب تحسن الإدارة، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وحماية الملكية الخاصة، وتفعيل تشريعات الاستثمار، يمكننا أن نرى تحسنًا ملحوظًا في الوضع الاقتصادي السوري، وفق شعبو.

العمليات العسكرية في سوريا خلال 14 عامًا، أدت إلى خسائر بلغت 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع التقدم الاقتصادي والاجتماعي في سوريا بنحو 40 عامًا، وفقًا لتقرير أممي صدر في 20 من شباط.

كما أشار التقرير إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50%، وارتفاع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، مع وصول نسبة الفقر المدقع إلى 66%.

مقالات متعلقة

  1. الاتحاد الأوروبي يستعد لتعليق العقوبات على سوريا
  2. الاتحاد الأوروبي يعلق عقوبات في سوريا
  3. الشيباني يرحب بتعليق العقوبات الأوروبية على سوريا
  4. تدريجيًا.. أوروبا تدرس تعليق العقوبات على سوريا

منصة المتدربين

المزيد من منصة المتدربين