بعد انتخابات البوندستاغ.. أية ملامح لسياسة ألمانيا الخارجية الجديدة؟

يتبنى السياسي الألماني فريدرش ميرتس شعار "مجددًا إلى الأمام" وهو وسط مفاوضات لتشكيل الحكومة المقبلة - 23 شباط 2025 (حساب ميرتس/ X)

camera iconيتبنى السياسي الألماني فريدرش ميرتس شعار "مجددًا إلى الأمام" وهو وسط مفاوضات لتشكيل الحكومة المقبلة - 23 شباط 2025 (حساب ميرتس/ X)

tag icon ع ع ع

تمنح نتائج انتخابات بوندستاغ زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس الأفضلية لتولي منصب المستشار. فما هي ملامح التغييرات التي يمكن أن يحدثها في السياسة الخارجية والأمنية الألمانية.

أكد زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) فريدريش ميرتس بعد فوزه في الانتخابات على أنَّ “العالم في الخارج لا ينتظرنا. ويجب علينا الآن أن نعود قادرين على العمل بسرعة مرة أخرى”.

وعلى الأرجح أن يصبح ميرتس المستشار الجديد وهو يسعى إلى تحقيق جدول زمني طموح: فهو يريد تشكيل حكومة اتحادية جديدة بحلول عيد الفصح، أي حتى منتصف نيسان/أبريل إذا أمكن، “حتى نكون حاضرين في أوروبا من جديد ويلاحظ العالم أنَّ ألمانيا باتت تُحكم حكمًا جديرًا بالثقة”.

لقد اطلع ميرتس في محادثات كثيرة أجراها خلال الأسابيع الأخيرة مع سياسيين من دول صديقة على أنَّ التوقعات المرجوة من ألمانيا مرتفعة.

ترامب يزعج الأوروبيين

وألمانيا مطالبة دائمًا بالعمل وكذلك بالمبادرة عندما يتعلق الأمر بدعم أوكرانيا والقدرات الدفاعية الأوروبية والعلاقات عبر الأطلسية. وهذا أصبح ضروريًا أكثر منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

لقد أضر ترامب كثيرًا بالعلاقات عبر الأطلسية منذ الأسابيع الأولى في منصبه. وفي السياسة الخاصة بأوكرانيا، ابتعد ترامب عن المسار المشترك مع أوروبا. فواشنطن باتت تتفاوض مع موسكو على نهاية محتملة للحرب بعيدًا عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي وصفه ترامب بأنَّه “ديكتاتور”.

لقد قال ميرتس في برنامج “برلينَر رونده” التلفزيوني في يوم الانتخابات (الأحد 2025/02/23)، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي إثر توليه منصبه: من الواضح بالنسبة له أنَّ “الأمريكيين، على الأقل هذا الجزء من الأمريكيين، هذه الحكومة، غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا”.

ولذلك فإنَّ زيادة قوة أوروبا في أسرع وقت ممكن سيكون بالنسبة له أولوية مطلقة “بحيث نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال الحقيقي عن الولايات المتحدة الأمريكية”.

وبصرف النظر عن ذلك فإنَّ ميرتس يريد “فعل كل شيء” من أجل الحفاظ على العلاقات عبر الأطلسية. وفي هذا الصدد قال ميرتس يوم الاثنين في مقر الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين: “إذا كان لا بد من تدميرها، فإنَّ ذلك لن يكون مضرًا بأوروبا وحدها، بل سيكون مضرًا بأمريكا أيضًا”.

وأضاف أنَّه لهذا السبب أجرى أيضًا ليلة الانتخابات مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان في طريقه إلى واشنطن للقاء دونالد ترامب.

وكذلك أكد زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي على أنَّ مواقفه ومواقف ماكرون متوافقة تمامًا، وذلك خلال ظهوره كزعيم دولة محنّك في أول مؤتمر صحفي له بعد الانتخابات. بيد أنَّ ميرتس لم يتولى أي منصب حكومي.

ميرتس يسعى إلى تشكيل ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين

وقبل تمكنه من الإمساك بزمام السياسة الخارجية الألمانية، يجب على ميرتس أولًا تشكيل حكومة ائتلافية قادرة على العمل.

ومع حصوله على نسبة 28.5 بالمائة من أصوات الناخبين، يحتاج الاتحاد المسيحي (CDU/CSU) إلى شريك ائتلافي.

وميرتس يسعى إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع الاشتراكيين الديمقراطيين، الذين حصلوا على أكثر بقليل من 16 بالمائة من الأصوات.

والحزب المسيحي الديمقراطي يتهم المستشار الحالي أولاف شولتس بعدم التعامل بشكل كافٍ مع الشركاء الأوروبيين.

ومثلًا لقد عُقدت قمة أوروبية غير رسمية في باريس بمبادرة من الحكومة الفرنسية ردًا على سياسة ترامب الخارجية، في حين لم تتخذ حكومة أولاف شولتس أي إجراء.

أوروبا موحَّدة

“يجب علينا كألمانيا أن نتولى مرة أخرى دور القيادة في أوروبا، ليس بطريقة فوقية، ولكن بالتعاون مع فرنسا وبولندا، ومع اتحاد أوروبي قوي”، كما أكد أمين عام الحزب المسيحي الديمقراطي كارستن لينمان خلال الحملة الانتخابية: “لن نتوجه إلى السيد بوتين بمعزل عن الآخرين، كما فعل السيد أولاف شولتس”.

وذلك لأنَّ شولتس أجرى اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

بينما يرى الحزب المسيحي الديمقراطي أنَّ المبادرات المنسقة مع الشركاء الأوروبيين مثل فرنسا وبريطانيا وبولندا تعتبر أكثر تأثيرًا. وقد شدد ميرتس على أنَّ “الرسالة يجب أن تكون واضحة جدًا: أوروبا موحَّدة ومتماسكة”.

ومع ذلك فعلى الأرجح أن يجد الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي مسارًا مشتركًا في السياسة الألمانية الخاصة بأوكرانيا. إذ يسود توافق على أنَّ المفاوضات حول إنهاء الحرب يجب ألا تتجاوز مصلحة الأوكرانيين والأوروبيين.

وكذلك لا شك في استمرار ألمانيا بدعم أوكرانيا بالأسلحة.

ولكن توجد بينهما اختلافات أيضًا: فقد أيد فريدريش ميرتس خلال الحملة الانتخابية تزويد أوكرانيا بصواريخ تاوروس الألمانية، التي يصل مداها إلى 500 كيلومتر، ويمكن استخدامها ضد أهداف داخل روسيا. والمستشار أولاف شولتس كان يرفض دائمًا تسليم أوكرانيا صواريخ تاوروس بحجة عدم توريط ألمانيا في الحرب.

إشكالية التمويل

لقد قدمت الحكومة الألمانية منذ الغزو الروسي الكبير لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022 مساعدات عسكرية بقيمة نحو 28 مليار يورو لأوكرانيا.

وبهذا فقد كانت ألمانيا أكبر داعم لحكومة كييف بعد الولايات المتحدة الأمريكية. والآن ترى واشنطن أنَّ تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا يعتبر في المقام الأول من مهمة الأوروبيين، وأنَّ أوروبا يجب أن تهتم أكثر بقدراتها الدفاعية أيضًا.

وهذا كله يحتاج الكثير من الأموال، في حين أنَّ ميزانية ألمانيا تعاني من عجز كبير.

ولذلك من الممكن أن تكون إحدى أكبر نقاط الخلاف في مفاوضات تشكيل الائتلاف هي من أين ستأتي هذه الأموال: من قروض جديدة أم من إعادة هيكلة وتخصيص نفقات الميزانية الألمانية؟.

والحزب الاشتراكي الديمقراطي يرى أنَّ عدم تحمل ديون جديدة أمر لا يمكن تجنبه. والفائز في الانتخابات فريدريش ميرتس له رأيه مختلف تمامًا: فهو يراهن على النمو الاقتصادي ويطالب بخفض المساعدات الاجتماعية. وهذا غير مقبول بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين.

ومع ذلك فقد أبدى ميترس في اليوم التالي للانتخابات استعداده للحديث مع البرلمان الحالي حول تخفيف قيود نطام كبح الديون، الذي يفرض قيودًا شديدة على الاقتراض. وقد يصبح ذلك غير ممكن في البرلمان المستقبلي، الذي يحظى فيه حزب ميرتس بالأغلبية.

وعلى أية حال، من المؤكد أنَّ ميزانية الدفاع يجب أن ترتفع بوضوح في السنين القادمة – على الرغم من عجز الميزانيات.

وفي عام 2028 ستحتاج ألمانيا إلى 80 مليار يورو من أجل جيشها، إذا كانت تريد الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها تجاه حلف الناتو، الذي يفرض على كل أعضائه إنفاق ما لا يقل عن اثنين بالمائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع.

وفي حال بقاء ميزانية الدفاع الألمانية عند مستواها الحالي – الذي بلغ مؤخرًا نحو 52 مليار يورو – فلن يكون ذلك ممكنًا.

دعوة نتنياهو لزيارة ألمانيا

وعلى الرغم من أنَّ فريدريش ميرتس لم يتطرق في مؤتمره الصحفي الأول بعد الانتخابات إلى الحديث بشكل مفصل حول السياسة الألمانية المستقبلية تجاه الشرق الأوسط، فقد كانت لديه رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إنَّه يعرفه جيدًا.

لقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكابه جرائم حرب في غزة. ومع ذلك فقد قال ميرتس إنَّه أكد لنتنياهو “أنَّ بإمكانه زيارة ألمانيا ومغادرتها من دون أن يتم اعتقاله في ألمانيا”.

وأضاف أنَّ عدم تمكن رئيس وزراء إسرائيلي من زيارة ألمانيا يعتبر “فكرة منحرفة”.

أعده للعربية: رائد الباش

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة