
وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا - 9 كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا - 9 كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
برنامج “مارس” التدريبي – جود وادي
تركزت التصريحات الإسرائيلية مؤخرًا على منع حكومة دمشق من نشر قواتها العسكرية في محافظات الجنوب أو إنشاء قواعد عسكرية، إلى جانب الدعوة إلى تحويل سوريا لدولة فيدرالية.
وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، وخلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في بروكسل، في 24 من شباط الماضي، قال إن “سوريا المستقرة لا يمكن أن تكون إلا سوريا فيدرالية تضمّ مناطق حكم ذاتي مختلفة وتحترم طرق الحياة المختلفة”.
وقبل تصريح ساعر بساعات، طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بنزع السلاح من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، جنوبي سوريا، وعدم دخول الإدارة السورية الجديدة إليها.
التصعيد الإسرائيلي تصاعد عقب عدة حوادث أمنية جرت بين فصائل محلية وقوى وزارة الدفاع والأمن السوري في جرمانا بريف دمشق، إذ أصدر نتنياهو، ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، تعليماتهما للجيش بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا، وهو ما قوبل برفض من قبل الأهالي، الذين طالبوا أيضًا حكومة دمشق بالتدخل لحماية الحدود والحفاظ على سيادة الدولة.
تبعد جرمانا عن مركز العاصمة دمشق ثلاثة كيلومترات، وتقطن فيها غالبية درزية ما يربطها بعلاقات وثيقة مع محافظة السويداء.
بعد الساعات الأولى لسقوط نظام الأسد، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاق عام 1974 الخاص بالفصل بين القوات الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة، وأدخلت قواتها إلى الجانب السوري من جبل الشيخ وسيطرت عليه، ثم توغلت في محافظة القنيطرة وأنشأت سبع نقاط عسكرية.
يرى الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني ماجد عزام، أن التوغل الإسرائيلي في سوريا يعكس هوس إسرائيل الأمني في منطقة عازلة “كان قد فرط بها حافظ الأسد”.
وعادة المناطق العازلة بين دولتين تكون على جانبي الحدود وليس من جانب واحد، لكن ما تفعله إسرائيل هو منطقة عازلة واحدة على الجانب السوري.
قال الباحث السوري الدكتور نادر الخليل، إن إسرائيل تنظر إلى الوضع السوري من زاوية أمنها الاستراتيجي على المدى البعيد، خشية أن يؤدي استقرار الحكم للسلطة الحالية في سوريا إلى بناء قوة مسلحة ستشكّل تهديدًا لأمنها مستقبلًا، “آخذين بعين الاعتبار الخلفية الجهادية للقوى الفاعلة في سوريا”.
وأضاف الخليل لعنب بلدي، أن إسرائيل ترى في حالة الارتباك السياسي والانشغال الداخلي للسلطة السورية فرصة سانحة لخلق أمر واقع جديد، شاملًا سعيها لتوفير منطقة عازلة تحمي أمن المناطق المحتلة من هضبة الجولان في الجنوب السوري.
وأوضح الباحث ماجد عزام لعنب بلدي، أن التوغل و الهوس الأمني هو محاولة لتوسيع المنطقة العازلة، وإسرائيل تفكر بتحويلها لـ”منطقة آمنة” كما حدث في غزة ولبنان، إذ رفض الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من خمس تلال جنوبي لبنان.
كما أقامت إسرائيل منطقة عازلة داخل حدود قطاع غزة بعمق كيلومتر واحد على امتداد حدود القطاع لتقتطع سدس مساحته التي تعتبر سلة غذائه، وذلك نتيجة لحربها على القطاع عقب معركة “طوفان الأقصى” في 7 من تشرين الأول 2023.
الهوس الأمني الإسرائيلي ظهر بشكل واضح في تصريحات قادة إسرائيل، إذ هاجم وزير الخارجية، جدعون ساعر، حكومة دمشق أمام الأوروبيين، ووصفها بأنها “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”.
وقال ساعر حينها، “أسمع حديثًا عن انتقال للسلطة في سوريا، وبالنسبة لي هذا سخيف”.
تصريح وزير خارجية إسرائيل والطرح الذي تتناوله مراكز الأبحاث وأجهزة إسرائيل الأمنية حول فدرلة سوريا، هو دلالة على مساعي إسرائيل الحثيثة في أن تكون لاعبًا حاضرًا في المشهد السوري، بكل الطرق المتاحة، وهو سيضعف سوريا و”يثير الفتن” فيها، ويمثل نواة التحريض وقد يؤدي إلى تقسيم أو حرب أهلية، وفق الباحث عزام.
وهو ما أشار إليه الباحث نادر الخليل، بأن الفيدرالية تمثل لإسرائيل حجر الأساس لصراع داخلي طويل الأمد بين المكونات السورية المختلفة، مما يُبقي السلطة السورية منشغلة بتحدياتها الداخلية بدلًا من التركيز على قضايا خارجية قد تمس أمن إسرائيل.
لكن بحسب الخليل، لا وجود لمؤشرات أو أدلة توصلنا إلى قابلية تطبيق الحكم الفيدرالي في سوريا، فهو طرح لا يتمتع بأي مشروعية شعبية واسعة، لذا فإن غياب عنصر المشروعية يحول دون تطبيقه ويجعله سبب للخلاف وعدم الاستقرار.
ويرى الخليل أن من الأفضل البحث عن بدائل أقل إثارة للجدل، مثل تطبيق نظام اللامركزية الإدارية، الذي يتيح توزيع السلطات بشكل أكثر عدالة، مع الحفاظ على وحدة الدولة، إذ يمكن تعزيز هذا النموذج عبر الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي في سوريا، ما يساهم في تحقيق قدر أكبر من التماسك الاجتماعي دون المساس بوحدة البلاد.
ويتفق عزام مع الخليل على أن الفيدرالية تبدو غير قابلة للتطبيق في المدى المنظور بسوريا، ليس فقط بسبب رفض معظم القوى الداخلية، ولكن أيضًا لأن التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية تجعل من الفيدرالية وصفة لمزيد من التشظي بدلًا من الاستقرار.
رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قال في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني، في 25 من شباط الماضي، إن “سوريا لا تقبل القسمة فهي كل متكامل وقوتها في وحدتها”، مشيرًا إلى جهات في الداخل والخارج “ساءها فرحة السوريين بانتصار الثورة”، وفق تعبيره.
وفي نفس الجلسة، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، “لن نقبل أي مساس بسيادتنا واستقلالنا وسنعمل بعيدًا عن أي ضغوط خارجية”، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن العمل الدولي والإقليمي، هو السبيل لمواجهة الدول التي تهدد أمن ومستقبل سوريا.
قرار قيادة نظام الأسد المخلوع بإخلاء المواقع العسكرية مع تقدم “إدارة العمليات العسكرية” نحو دمشق، شمل أيضًا الفرق العسكرية المتمركزة في الجنوب.
وأشار عزام إلى أن انسحاب الجيش بأمر من بشار الأسد كان بنية خلق فوضى في سوريا، وخطوة لإغراء إسرائيل بمزيد من السيطرة، وفرض وقائع أمنية جديدة في المنطقة.
والضربات الإسرائيلية المكثفة بعد سقوط النظام، كانت بهدف إضعاف الجيش السوري وتجريد الدولة السورية من قوتها وسلاحها، لدفعها نحو فتح قنوات اتصال لحوار أو ضغط أو ابتزاز القيادة السورية الجديدة، وفق عزام.
إسرائيل كثفت من ضرباتها بعد ساعات من سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، طالت مستودعات الذخيرة وكتائب الدفاع الجوي والرادارات.
يجب على الإدارة الجديدة القيام بمسؤولياتها في المنطقة، بما فيها الاحتفاظ باتفاقية فك الاشتباك واللجوء للحوارات عبر الأمم المتحدة، وفق عزام.
الرئيس السوري دعا الدول العربية إلى تحمل مسؤوليتها في دعم سوريا لمحاربة سياسات إسرائيل والضغط عليها للانسحاب من الجنوب السوري.
وقال الشرع خلال كلمة ألقاها، الثلاثاء 4 من آذار، خلال مشاركته في القمة العربية الطارئة بالقاهرة لبحث تطورات القضية الفلسطينية، إن “التهاون في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي قد يفتح المجال لمزيد من التحديات والتهديدات على الأمن القومي العربي”.
لذا من الضروري أن تتحمل الدول العربية مسؤوليتها في دعم سوريا، بحسب الشرع، وأن تتحد جهودها لمحاربة هذه السياسات العدوانية التي لا تسعى إلا إلى زرع الفتنة والاضطراب في المنطقة.
وأضاف الشرع، “نحث المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية، في دعم الحقوق السورية في الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من الجنوب السوري، وعلى ضرورة وضع حد لسياسات الاحتلال الإسرائيلية التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين، كما يجب أن تكون هناك إجراءات عملية لوقف هذه الاعتداءات المتواصلة”.
وأشار الرئيس السوري إلى تمسك سوريا والتزامها باتفاق 1974، الخاص بالفصل بين القوات الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة.
التصريحات الإسرائيلية، فضلًا عن التوغل المستمر في الأراضي السورية بالجنوب، أثارت غضبًا في الشارع السوري دفعهم للخروج بمظاهرات، تخللتها مطالبات بالرد على إسرائيل، إضافة إلى دعوة الأخيرة للانسحاب غير المشروط، والالتزام باتفاقية فض الاشتباك 1974.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى