الفنان المصري أحمد أمين في مشهد من مسلسل "النص" (ONTV/ يوتيوب)
يتجدد النقاش حول الأعمال التي يتم إنتاجها وتخطيط عرضها خلال شهر رمضان كل سنة. فبقدر الإقبال على العبادات، تطغى على الجلسات العائلية حول مائدة الإفطار عادة مشاهدة جديد الدراما العربية. ومنذ أول أيام رمضان، أو أحيانا قبله بأيام تنطلق موجات الاعتراض على أعمال فنية لدواع “أخلاقية”.
مسلسل معاوية: تأجيل فجدل فمنع!
لعل مسلسل معاوية الذي أنتجته قناة MBC، هو أكثر الأعمال المعروضة إثارة للجدل خلال رمضان الجاري، فمنذ الإعلان عن عرضه في موسم رمضان 2025، بعد تأجيل استمر عامين، صار حديث العالم العربي لما يخلقه موضوعه من نقاش إيديولوجي.
وقد جعل الجدل الذي انطلق قبل بث أولى حلقات هذا العمل التاريخي، هيئة الإعلام والاتصالات العراقية تصدر قرارا بمنعه، بحجة الخوف من “إثارة الفتن والتحريض الطائفي”، مؤكدة أن أي عمل ذي طابع تاريخي جدلي قد يؤدي “إلى إثارة السجالات الطائفية، وبالتالي يهدد سلامة المجتمع ونسيجه، خاصة في شهر رمضان“.
كما أنه أخرج شيوخ الأزهر في مصر عن صمتهم، بسبب تجسيده لصحابة رسول الإسلام، وهو ما ترفضه مؤسسة الأزهر التي تعتبر أن الأنبياء والصحابة لهم مكانة خاصة لا يمكن لأحد أن يجسدها، وقد أوضحت المؤسسة الدينية هذا الرأي سابقا، وذلك حين عرض مسلسل “عمر بن الخطاب”.
هذا الحديث، تراه الناقدة المصرية خيرية البشلاوي “تراجعا ومناخا غير صحي للفن وللمجتمع”. كما اعتبرت المتحدثة أن “الأجيال الصاعدة أكثر انفتاحا ولم تعد تكتفي بالنصوص الجاهزة”.
كما شددت البشلاوي على أن منع هذا المسلسل من العرض في العراق مثلا “جاء بعد التأكد من هدفه السياسي”. واعتبرت أن “الأعمال الفنية صارت تقوم بأدوار ضمن معارك فكرية، فالدراما سلاح في معارك الأفكار، ونحن نستخدمها. ومسلسل معاوية طبعا سيثير جدلا كبيرا سلبيا في الأيام المقبلة”.
لكن ما تتمناه الناقدة هو “أن تُعرضَ كل الأعمال الفنية وتليها مناقشات لإثراء المجتمع وإشراك المشاهد. عوض أن تُمنع يجب أن نناقش ما ظل مقدسا وننزع عنه هذه القداسة لتوسيع المدارك، فصناعة الترفيه ليست عشوائية ولها دور مهم للغاية”.
الرقابة الدينية على الفن.. ما آثارها؟
إن دخول المؤسسات الدينية على خط النقاشات حول الإنتاجات الفنية وخاصة الرمضانية منها، صار يتكرر سنويا في العالم العربي، لكن العددي من النقاد يعتبرون أن في الأمر حدا من حرية الإبداع، ومن بينهم، الناقد السينمائي المغربي محمد شويكة، الذي قال في تصريح لـ DW عربية، إن “تدخل المؤسسات الدينية أو مؤسسات الرقابة أمر يُخضع الفني للديني، وهذه الأمور صارت بالية ومتقادمة بالنظر للتطورات التي يشهدها عصرنا”.
وعن حالة مسلسل معاوية، قال شويكة “نحن أمام صراع مذهبي، حيث يمكن للفن أن يحول دون احتدام الصراعات المذهبية، وذلك بالتعامل مع الإنتاجات الدرامية الرمضانية على أنها فن ويجب أن ننتصر له”.
أما الناقدة المصرية خيرية البشلاوي، فاعتبرت من جهتها، أنه “يجب أن يكون النقاش حول الأعمال الفنية بين أهل الاختصاص، وأن يركز على كيفية إنتاج هذا العمل والغرض منه”. وذهبت الناقدة إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن “المؤسسات في العالم العربي التي تتدخل في غالب الأحيان، ليست مؤسسات مستنيرة”.
سياقات مختلفة.. نقاشات متقاربة!
لا يقصتر النقاش على دول المشرق فقط، بل يحتدم بين صانعي السلسلات الدرامية والمجتمع وبعض مؤسساته في بلدان شمال إفريقيا أيضا، ففي أول أيام رمضان في تونس مثلا، اعتبر كثيرون أن بثّ مشاهد لانتحار طفل صغير في وقت الذروة دعوة للتقليد والتحريض.
أما في المغرب، فوجهت جمعية حقوقية تنشط في مجال الدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة، انتقادات حادة للممثل الشهير عبد الله ديدان، بسب ألفاظ تم اعتبارها “غير مقبولة”، واستنكرت الجمعية “التصريحات التي تنمّ عن نظرة تمييزية تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة”.
الموضوعات المثيرة للجدل، تشتعل فور بث الحلقات الأولى سنويا، وهو ما عايشه المخرج المغربي مراد الخودي، بعد تداول مقطع مسرب من سلسلة “جوج وجوه” (وجهان) السنة الماضية، وما رافقه من جدل واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ اتهم عمله بالترويج لأفكار سلبية، وشنت حملة لمقاطعة القناة المنتجة للعمل وتوقيف عرضه.
وليس هذا العمل فقط، بل سبق لنقابات مهنية في المغرب أيضا، أن توجهوا للهيئة العليا للسمعي البصري الرسمية بشكاوى حول أعمال رمضانية، وهو ما يراه الناقد شويكة “مشكلا بسبب عدم فهم معنى التخييل وإعادة إنتاج الواقع، داعية إلى وجوب إدراك الجمهور أننا حينما نصور الشيء فإنه يصبح خيالا”.
وأضاف المتحدث أن “ما يعتبره البعض إساءة لفئة معينة أو مهنة معينة، هو في الواقع خيال ورسم لشخصية غير واقعية، وعندما نحاكم الخيال نسقط في أخطاء”. وشدد على أن “الفن في رمضان يصطدم برغبة الناس في التدين بشكل كبير لكن لا يمكن إخضاعه لمثل هذه الرغبات، فالفن حر ومتحرر، وليس من الضروري أن يرتبط بالواقع”.
وبالنسبة للخودي، “فالبعض يرى أن أصنافا من المهن منزهة، وهذا شيء يحد من الإبداع”. وأضاف المخرج “من المشاكل التي نتخبط فيها هو غياب الناقد الحقيقي الذي عوضه مجموعة من الأشخاص من غير أهل الاختصاص”.
كما قال الخودي عن حادث اتهام عمله بالترويج لسلوكيات يرفضها المجتمع، إن “النية كانت من المروجين للمعلومة المغلوطة توقيف المسلسل، وقد خاضها منافسون”.
أما الناقدة المصرية، خيرية البشلاوي، فترى أن “هجوم منظمات حقوقية أو نقابات مهنية على أعمال فنية يعيق الفن”، معتبرة أن “حقوق الإنسان في كل العالم العربي تعاني ولا نسمع لبعض هذه الجمعيات صوتا، فيأتون للقطة أو جملة في عمل فني لخلق مشكل منها، بينما عملهم يجب أن يكون على أرض الواقع، لإيجاد حلول لهذه الفئات”.
“كل ممنوع مرغوب”
كثيرون يتساءلون اليوم عن جدوى المنع في ظل التطور التكنولوجي والرقمي، “فنوافذ العرض كثيرة جدا، والمنع لن ينفع في عالم اليوم”، حسب الناقدة البشلاوي.
وهو ما يتفق عليه معها شويكة، الذي اعتبر أن “الرقابة اليوم تصبح ساذجة أمام الانتشار المهول لما يمكن أن يُمنع من العرض تلفزيونيا على وسيلة بديلة أكثر انتشارا، وهي وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تروج للعمل الممنوع أكثر مما كانت ستروج له الوسائل التقليدية”.
“فالرقابة في عالم الرقمنة يجب أن تشتغل أكثر على الجانب التربوي، أي أنه يجب التفكير في طرق تربوية وفكرية أكثر نجاعة”. خاصة أن “كل ما يُمنع يحقق أرقاما خيالية، فالمنع لا يزيد الأعمال إلا شهرة”، حسب مراد الخودي.
الدعاية السلبية.. أكثر نجاعة!
وبما أن “الدراما صناعة المراد من ورائها الدعاية والربح، تصير الإثارة جزءا من الترويج للعمل الفني اليوم”، حسب الناقدة البشلاوي، التي تعتبر أيضا أنه في “المنطقة العربية لا يتم توظيف العمل الدرامي لإثراء العقل، بل يكون التركيز حول الانتشار والاعتماد على المشهيات خاصة الجنسية بشكل مبتذل أحيانا”.
وأضافت المتحدثة أنه “طالما أخضعنا العمل الثقافي للتجارة، فيجب أن توقع كل ما هو مثير”. هذا النوع من الدعاية حسب الناقد شويكة “الذي يقدم الموضوع بطريقة غير كاملة أو تلمح للإثارة أو الصراعات، تبقى مغرضة وليست احترافية، ولا تقدم المنتوج بشكل موضوعي”.
وأضاف أنه حينما “لا تكون مدروسة، ويكون هدفها رفع عدد المشاهدات تكون نتائجها سلبية للغاية”. وهو ما يراه المخرج الخودي أيضا، الذي قال إن “الإشاعات حول المسلسلات خاصة في رمضان، صارت أكثر أهمية من العمل الفني بالنسبة للبعض، وأنه يتم التسابق حول أرقام المشاهدات عوض التسابق على الجودة الفنية”.
وشدد الخودي على “أننا في العالم العربي نحتاج للانفتاح لكن في حدود تحترم الثوابت الأساسية للهوية، ونذهب حينها لأبعد الحدود في إبداعاتنا”. وأضاف “تيمات كالدعارة وغيرها آخر يجب مناقشتها فعليا لأخذ الدروس، لكن دون عشوائية ومجانية، والصدمات يمكن أن تساعدنا على إيجاد حلول، فالطابوهات (التابوهات) يجب أن تناقش برقي”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
نجاح
شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.
خطأ
حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.
مرتبط
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
مقالات متعلقة
-
تابعنا على :
فن وثقافة
-
حضور سوري في دراما رمضان المشتركة والتاريخية
2025/03/01 -
ما أبرز المسلسلات السورية لرمضان 2025
2025/02/20 -
لبانة القنطار تغني للسوريين بعدة لغات
2024/11/20