القابون.. العودة من الصفر

صورة تظهر حجم الدمار الكبير في حي القابون شمال شرق دمشق 15 شباط 2025 ( عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

camera iconصورة تظهر حجم الدمار الكبير في حي القابون شمال شرق دمشق 15 شباط 2025 ( عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عمر علاء الدين

“عندما رأيت منزلي المدمر في القابون لأول مرة، دخلت في مرحلة اللاشعور، ماذا نفعل؟ الله المستعان”، حجم الدمار يمنع المرء من التفكير بنفسه فقط، إذ إن هناك مئات أو آلاف العائلات التي لا تعلم أين هي منازلها.

هكذا بدأ قصي عبد الباري، ناشط صحفي من حي القابون، سرد قصة عودته إلى منزله في القابون وهول ما رأى من دمار في الحي، موضحًا لعنب بلدي أنه يمكث حاليًا في بيت شقيقته بدمشق، بسبب دمار منزله بالكامل.

عمل قصي ناشطًا ثوريًا وصحفيًا في عمر 15 عامًا، من داخل حي القابون شمال شرق دمشق، واستمر في عمله من عام 2013 وحتى عام 2017.

عائلته هجّرتها قوات النظام السابق في 14 من أيار 2017 إلى مدينة إدلب، واستقر مع عائلته هناك لثلاث سنوات، انتقل بعدها للعيش في مدينة اسطنبول التركية وعمل في مجال الصحافة المكتوبة.

 

ربما استطعت التعرف على منزلي ببناء كان يستخدمه قناصو النظام وقد بقي على حاله، لكن هناك عائلات قد مُسحت ممتلكاتها عن وجه الأرض بالكامل بحيث لا يعرفون أين هي.

قصي عبد الباري

ناشط صحفي

عودة إلى الصفر

كغيره من أهالي القابون، تفاجأ قصي بما رآه من دمار غير مسبوق في الحي، رغم أنه كان على علم بعمليات تفجير المباني التي قام بها النظام بعد تهجيرهم، ووفقًا لقصي، فإن قوات نظام الأسد فجّرت المنطقة الممتدة من مدخل القابون إلى صالة “المهند” بعمق كيلومتر.

هذه المنطقة سيطرت عليها قوات النظام السابق عام 2013، كما قال قصي، وبعد تهجيره وعائلته، عام 2017، قام النظام بتفجير هذه المنطقة بالكامل والتي كانت تحوي خمسة أبنية منظمة.

منزل قصي الكائن في منطقة مدخل القابون التي فجرها النظام السوري السابق في عام 2017، 15 شباط 2025 (عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

منزل قصي الكائن في منطقة مدخل القابون التي فجرها النظام السوري السابق في عام 2017، 15 شباط 2025 (عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

الناشط قصي عبر عن اختلاط مشاعره حينما رأى منزل عائلته بهذا الشكل قائلًا، “رغم أني كنتُ على اطلاع كامل بما كان يحدث في حي القابون خلال الثورة، فإن ما رأيته بأم العين من حجم الدمار في القابون، يمنع الشخص من أن يفكر بنفسه أو منزله، إذ إن هناك مئات أو ربما آلاف العائلات عاجزة عن تحديد مكان سكنها السابق”.

وتابع، “ربما استطعت التعرف على منزلي ببناء كان يستخدمه قناصو النظام وقد بقي على حاله، لكن هناك عائلات قد مُسحت ممتلكاتها عن وجه الأرض بالكامل بحيث لا يعرفون أين هي”.

وبحسب الناشط، فإن هناك من 550 إلى 700 عائلة من حي القابون، لا يستطيعون العودة من مكان نزوحهم في إدلب بسبب دمار منازلهم بشكل كامل، عدا عن أهالي الحي الذين لجؤوا إلى دول الجوار السوري، كتركيا ولبنان والأردن، فيما أشار قصي إلى أن 80% من الأبنية في حي القابون مدمرة بالكامل.

ويرى أهالي حي القابون وغيره من المناطق المحيطة، أنهم في مرحلة العودة إلى الصفر، خصوصًا أن عملية إعادة البناء مكلفة جدًا، غير أن الدمار الممنهج والممارس على المناطق السكنية، واختفاء معالمها بشكل شبه كلي، يعقد الموضوع أكثر فأكثر.

صعوبات إعادة البناء

أكد قصي أنه غير قادر على إعادة بناء منزله حاليًا، خصوصًا أن عملية إزالة الأنقاض باتت مكلفة جدًا، ومن غير المعقول كما يرى قصي أن يزيل الشخص الأنقاض التي على ممتلكاته فقط، عدا أن البنية التحتية للحي مدمرة بشكل كامل.

وعن الوعود الحكومية لتحسين الوضع في حي القابون، قال قصي، إن محافظ دمشق، محمد ماهر مروان، في زيارته الأخيرة للحي، أكد أن حي القابون وتشرين وجوبر والأحياء المدمرة بكثرة ستكون لها الأولوية بإعادة الإعمار.

وفي 19 من كانون الثاني الماضي، زار محافظ دمشق حي القابون، والتقى بأهالي الحي هناك.

ووفقًا لما نقله المكتب الإعلامي لمحافظة دمشق، فإن مروان شدّد على أن “الجهود مستمرة لتوفير الخدمات الأساسية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، مع التركيز على تسهيل عودة الأهالي إلى منازلهم وتهيئة البيئة المناسبة للحياة الكريمة”.

وفي 23 من كانون الثاني، بدأت محافظة دمشق، بالتعاون مع مديرياتها المختصة والدفاع المدني، عمليات إزالة الأنقاض من شوارع حي القابون لتهيئة أي عملية نحو إعادة الإعمار، ضمن إطار حملة “رجعنا يا شام”.

آليات محافظة دمشق بالتعاون مع الدفاع المدني السوري تزيل الأنقاض الموجودة في حي القابون شرق دمشق 23 كانون الثاني 2025 (محافظة دمشق)

آليات محافظة دمشق بالتعاون مع الدفاع المدني السوري تزيل الأنقاض الموجودة في حي القابون شرق دمشق 23 كانون الثاني 2025 (محافظة دمشق)

 آلاف الأبنية المدمرة

تساءل الكثيرون عن مصير قاطني مخيمات اللجوء السوري، الذين بلغ عددهم نحو مليوني شخص، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

وقال المكتب في تقرير له، في 13 من شباط الماضي، إن أكثر من 825 ألف شخص نازح سوري عادوا إلى مناطقهم منذ كانون الأول 2024.

ووصف المكتب الأممي حركة الخروج من المخيمات بـ”المحدودة”، إذ غادر نحو 80 ألف شخص المخيمات شمال غربي سوريا، بينما غادر 300 شخص مخيم “العريشة” شرقي البلاد.

في 2 من كانون الثاني الماضي، قال وزير الإدارة المحلية في حكومة دمشق المؤقتة، محمد مسلم، لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إنه جرى تسجيل حجم دمار هائل في جميع المحافظات السورية سواء في المدن أو القرى والأرياف، وذلك من خلال المسح الجوي الأولي لعدد من المناطق المدمرة.

فيما أعلنت وزارة الإدارة المحلية عزمها تأسيس قاعدة بيانات واضحة عن حجم الدمار، ووضع خطط وأهداف تتناسب معها للمرحلة المقبلة، بغية توفير عودة آمنة للمهجرين.

وفي 16 من آذار 2019، أصدر معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR)، أطلسًا كشف فيه عن حجم الدمار الذي خلفته الأعمال العسكرية في سوريا، بناء على تحليل صور الأقمار الصناعية، وعرض خرائط تبين توزع الدمار وكثافته في 16 مدينة ومنطقة سورية، من بينها المناطق المحيطة بالعاصمة والغوطة الشرقية والغربية.

أبنية شبه مختفية إثر ممارسات النظام السابق في حي القابون الدمشقي، 15 شباط 2025( عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

أبنية شبه مختفية إثر ممارسات النظام السابق في حي القابون الدمشقي، 15 شباط 2025( عنب بلدي ـ قصي عبد الباري)

الدمار في محيط العاصمة والغوطة

توزع الدمار في المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق بحسب ما ترجمته عنب بلدي عن معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب:

  • في منطقة الغوطة الشرقية، بلغ عدد المباني المدمرة كليًا في 9353 مبنى، بالإضافة إلى 13661 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و11122 مبنى مدمرًا بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 34136.
  • في منطقة مخيم اليرموك والحجر الأسود، جنوبي دمشق، 2109 مبانٍ مدمرة كليًا، و1765 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و1615 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 5489.
  • في مدينة الزبداني بريف دمشق، يوجد 659 مبنى مدمرًا كليًا، و1251 مدمرًا بشكل بالغ، و1454 بشكل جزئي، حيث بلغ مجموع المباني المتضررة 3364.

القابون في سطور

حي القابون الدمشقي، من طليعة الأحياء التي شاركت في الثورة السورية مع انطلاقها في 15 من آذار عام 2011، وبعد تنفيذه مجزرة القابون التي قتل فيها 90 شخصًا، فرض النظام حصارًا مطبقًا على الحي من 2012 حتى 2017.

وسيطرت فصائل المعارضة على حي القابون في عام 2012، بعدد مقاتلين وصل إلى 4000 عنصر توزعوا بين فصائل “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” و”فيلق الرحمن”.

دبابة مدمرة لقوات الأسد على جبهة حي القابون شرق دمشق- 18 نيسان 2017- (فيلق الرحمن)

دبابة مدمرة لقوات الأسد على جبهة حي القابون شرق دمشق- 18 نيسان 2017- (فيلق الرحمن)

واستمرت المعارك بين النظام وفصائل المعارضة حتى عام 2014، إذ وقع الطرفان هدنة استمرت حتى عام 2017 إلى جانب حيي تشرين وبرزة المجاورين.

وقف إطلاق النار الذي وقعته فصائل المعارضة مع النظام شابه الكثير من الخروقات من قبل قوات النظام وخصوصًا القصف المدفعي والصاروخي، إضافة إلى عمليات قنص واستهداف المدنيين.

وفي 14 من أيار 2017، خرجت أول دفعة من مقاتلي المعارضة الموجودين في القابون إلى إدلب، على غرار ما جرى في الكثير المناطق التي سيطرت عليها الفصائل في محيط دمشق وريفها، كالزبداني، ومضايا وداريا ودوما ووادي بردى.

هذا في القابون فقط

يعمل قصي في المكتب الإعلامي لحي القابون حاليًا، وأدلى بمعلومات عن حجم الدمار في حيه الدمشقي، غير أنه في ختام حديثه لعنب بلدي قال شيئًا يشوبه الكثير من الأسى الذي حملته المدن السورية جمعاء في سبيل الثورة السورية، “ما أخبرتكم به هو عن حي القابون فقط ولم أخبركم شيئًا عن حي تشرين بأهواله”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة