عن مخرجات الحوار الوطني
لمى قنوت
لعل أخطر ما ورد في كلمة أحمد الشرع، رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، في مؤتمر الحوار الوطني قوله: “كما قبلتم منا هذا النصر نرجو متكرمين أن تقبلوا منا طرائقه”، وهي تماثل ما قاله أسعد الشيباني وزير الخارجية: “نحن حررنا الشعب السوري.. وإذا حررت خطيفة أو مختطفًا من خاطفه فلا يُمكن أن يسألك بعد ذلك إلى أين ستأخذني”، وذلك خلال مشاركته ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات 2 في 12 من شباط الماضي، وكلتا الجملتين تجسد مقولة مؤيدي السلطة الجديدة “من يحرر يقرر”، في إلغاء لدور الشعب بوصفه مصدرًا للسلطات والشرعية مقابل إعلاء “شرعية الفصائل” و”الشرعية الثورية”.
وورد في خطاب الشرع أيضًا: “لا ينبغي استيراد نظام حكم من الخارج لا يتوافق مع المجتمع السوري”، وهي عبارة غامضة يمكن أن تنسحب على الكثير من القضايا المؤسِسة لبناء دولة حديثة، التي تكفرها الحركات الإسلامية الراديكالية، كالديمقراطية، التي يتجنب الشرع استخدامها، مرتكزين على هوية ثقافية أحادية كعبء وأثقال يتخندقون فيها وحولها، ويشتتون الأفراد والمجتمعات لكبح أو شل حركة التقدم والتحرر، في حين ينادون بتحرير الأسواق، وكأنها ليست بمنظومة اقتصادية مستوردة، لتفترس المنتجات المستوردة الصناعة والزراعة المحلية، والتي تكابد من أجل البقاء وسط ظرف سيئة جدًا، في حين أن معقلًا من معاقل السياسات النيوليبرالية، أي الولايات المتحدة الأمريكية، تتخلى عنها من أجل “جعل أمريكا عظيمة مجددًا”، فيفرض اليوم ترامب رسومًا جمركية على البضائع المكسيكية والكندية بواقع 25% والصينية 10%، ويُبقي تلك السياسات النيوليبرالية في الأسواق الداخلية عبر تخفيض الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى. ومع إدراكنا الكامل بأن طريق الديمقراطية طويل ويحتاج إلى بناء وممارسة ومراكمة، ولكن تجنب ذكرها في خطاب الشرع ومخرجات مؤتمر الحوار بالإضافة إلى تجنب ذكر التداول السلمي للسلطة، والتعددية السياسية، وقانون للأحزاب، واستقلال القضاء، والفصل بين السلطات بشكل واضح وصريح أمر إشكالي، وتقويض للعبور نحو بناء دولة القانون والمؤسسات.
وعلى الرغم من أهمية الاجتماع والحوار بين السوريين والسوريات بوصف المؤتمر استحقاقًا وطنيًا، يجب أن يكون بداية لحوارات مطولة وممتدة، لا حدثًا ناجزًا، سُلق على عجل، ولم يجد غضاضة من حرمان الأحزاب والكتل السياسية والنقابات والاتحادات المهنية ومنظمات المجتمع المدني من تمثيل نفسها بنفسها، واكتفى مهندسوه، ولجنته التحضيرية بتوجيه دعوات طغى عليها مزيج من الشللية والاستنسابية ودون أي معايير واضحة وشفافة، شارك فيه حوالي 600 شخص، واستغرقت حواراته عدة ساعات، نجمت عنها مخرجات عامة استئناسية غير ملزمة، لكنها ستصب في دعم شرعية السلطة قبل تشكيل الحكومة الانتقالية، وأمام “مجتمع دولي” يراقب الأفعال لا الأقوال.
وبالعودة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي تضمن عددًا من البنود الضرورية والمهمة، فإن ثمة نقاطًا يجب التوقف عندها:
لم تحوِ مخرجات المؤتمر الـ18 أي ذكر لأهمية عقد مؤتمر وطني تأسيسي تنجم عنه لجنة منتخبة لكتابة دستور دائم للبلاد، بل كرست البنود الثلاثة (الرابع والخامس والسادس) والمتعلقة بالإطار الدستوري المؤقت والدائم، دور الشرع في تشكيل وتعيين مجلس تشريعي مؤقت، وهو تناغم مقلق مع بيان إدارة العمليات العسكرية/القيادة العامة الصادر في 29 من كانون الثاني 2025 الذي كلف الشرع بذلك لحين إقرار دستور دائم للبلاد، ولم يذكر البند السادس والذي ينص على: “إعداد دستور دائم عبر لجنة دستورية تضمن التوازن بين السلطات، وترسّخ قيم العدالة والحرية” جهة يفترض بها أن تكون منتخبة من قبل مؤتمر وطني تأسيسي يناط بها إعداد هذا الدستور، ناهيك بالفهلوة في استخدام مصطلح “التوازن بين السلطات” بدل الفصل بين السلطات، والغموض الوارد في البند الرابع والذي نص على “الإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع المرحلة الانتقالية، وضمان سد الفراغ الدستوري”، بدل التركيز على المضامين الأساسية، كشرعة حقوق الإنسان ودور السلطة الانتقالية ومدتها وصلاحياتها وآليات عملها، وعن السلطة القضائية وضمان استقلالها.
أما البند العاشر الذي ينص على: “تحقيق العدالة الانتقالية عبر محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات”، فقد اختزلت فيه العدالة الانتقالية بالمحاسبة بينما هي مسار متكامل من الآليات والوسائل المتعددة، وإطار واسع يهدف إلى الاعتراف بكرامة الأفراد، نساء ورجالًا، والإنصاف والعدالة، وتعالج فيه انتهاكات حقوق الإنسان عبر كشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، وتتضمن أيضًا إصلاح الموسسات والتشريعات، وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية والسلم الأهلي ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الجرائم الانتهاكات، من أجل ترسيخ السلام المستدام والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يسهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان ويؤسس لإحداث القطيعة مع ثقافة الإفلات من العقاب، ولا يمكن أن تكون العدالة الانتقالية ذات مصداقية ما لم تشمل جميع الانتهاكات، وبضمنها التي تُرتكب حاليًا.
ختامًا، من المفيد الاشتباك مع السلطة سياسيًا ونقديًا للحد من نزعتها نحو التفرد والاستئثار والإقصاء تحت شعار “نحن في مرحلة الإنعاش”، فالإطباق السريع على مفاصل السلطة والهيمنة على مؤسسات الدولة عموديًا وأفقيًا في غفلة الانتشاء بإسقاط الطاغية والحوار في “قصره”، على رمزيته، طريق سبق أن اختبرنا نتائجه الكارثية لعقود ودفعنا ثمنه غاليًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :