تعا تفرج

إبراهيم هنانو وبعض الأسئلة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

في تاريخ سوريا شخصيتان مهمتان، كانت لكل منهما حكاية مثيرة مع العِلم. الأولى، إبراهيم هنانو، والثانية، فخري البارودي. ما يجمع بينهما، أن كلًا منهما، ابن رجل ثري، يريد أن يبقى ابنُه البكر بجانبه، لكي يشد إزره، ويساعده في أعماله، بينما الابن طامح إلى العلم، وهذه مفارقة، تنطوي على كثير من الدراما.

أتوقف، في هذه الزاوية، عند شخصية إبراهيم بيك هنانو، المولود في قرية كفرتخاريم، القريبة من الحدود السورية- التركية، سنة 1869، وكان والده، سليمان آغا هنانو، ملاك أراض، عنده قرية خاصة به اسمها “ست عاتكة”، بالإضافة إلى طاحون للقمح، وبحسب ما جاء في سيرته، أنه استأذن والده في الذهاب إلى الأستانة، لتلقي العلم، ولكن سليمان آغا رفض، فما كان منه إلا أن اختلس غلة الطاحون، وقدرها 4000 ليرة، وهرب إلى الأستانة، حيث درس الحقوق، وحقق نجاحًا كبيرًا، وأصبح من الشخصيات البارزة في المملكة العثمانية، حتى إنه عُيّن بوظيفة قائمقام في ولاية أرظروم، وخلال ذلك تعرف على سيدة أرظرومية، تزوجها، وخلفت له ولدين هما، طارق، ونباهة، وفي سوريا عُيّن بصفة قاضٍ في منطقته، وفي سنة 1918، عيّنه الأمير فيصل بن الحسين رئيسًا لديوان ولاية حلب، وفي تموز 1920، حينما دخلت فرنسا إلى سوريا، أعلن الثورة على فرنسا، في الشمال الغربي، وبقيت ثورته مستمرة حوالي سنة، ثم أوقفها وهرب إلى شرقي الأردن، ثم إلى فلسطين.

كُتب التاريخ، اتي سجلت وقائع الثورات السورية، تعتبر إبراهيم بيك هنانو، من أهم الشخصيات السورية المؤثرة في حركة النضال الوطني ضد الاستعمار، حتى إنه كتب رسالة، أصبحت شهيرة، إلى قناصل الدول الغربية، جاء فيها: نموت، نحن السوريين، ونتبلشف (أي نثور على الطريقة الشيوعية) ونجعل البلاد رمادًا، ولا نخضع لحكم الظالمين.

المشكلة الأساسية التي تعاني منها ثقافتنا، أن تاريخنا البعيد، وكذلك القريب، مكتوب بصيغة خطابية، إنشائية، يغلب عليها المديح، فلو فكرنا بطرح الأسئلة الخطيرة، لقلنا: لماذا ثار إبراهيم هنانو على الفرنسيين، وحاربهم، ولم يكن له موقف من الحكم العثماني؟ بمعنى آخر: تركيا وفرنسا، كلتاهما، احتلتا بلادنا، فلماذا ينتمي هنانو إلى تركيا، ويرفض فرنسا، ويحاربها؟ ثم: لماذا انخرط بالعمل في الدولة الفيصلية، التي حكمت سوريا بعد اندحار العثمانيين، مع أن فيصل حجازي، وليس سوريًا، وهب بعدها لمحاربة فرنسا؟

الجواب عن هذا السؤال، يدخل في سياق فكرة نراها جميعًا، لأنها بالغة الوضوح، ولكننا نتجاهلها، وهي أن شعوب منطقتنا كلها، اعتادت أن تقبل أي محتل مسلم، يستولي على كل بلادنا، أو على جزء منها، بل وتستقبله بالطبول والدبكات، وترفض أي محتل مسيحي، أو يهودي، وتحاربه.

هذا يوصلنا إلى نتيجة مؤسفة، هي أن إبراهيم هنانو لم يكن ضد “مبدأ” الاستعمار بحد ذاته، موقفه يتعلق بديانة المستعمر فقط، أضف إلى ذلك أن تهديده بالموت والتبلشف، كيلا يخضع للظالمين، لم يكن حقيقيًا، بدليل أنه قبل بالحكم الفرنسي، بعد تبرئته في المحكمة، وعاش تحت سلطة الفرنسيين (الظالمين) حتى وفاته، في حلب، سنة 1935.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة