
الحياة تعود إلى سوق الحميدية في دمشق لكن القدرة الشرائية تتراجع - 9 كانون الثاني 2025 (AP)
الحياة تعود إلى سوق الحميدية في دمشق لكن القدرة الشرائية تتراجع - 9 كانون الثاني 2025 (AP)
عنب بلدي – جنى العيسى
في شباط الماضي، علّق الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات المفروضة على كيانات ومؤسسات سورية، منذ عام 2011، بسبب ممارسات النظام السوري والانتهاكات التي ارتكبها عقب اندلاع الثورة السورية.
تعليق العقوبات المؤقت استهدف قطاعات اقتصادية رئيسة في البلاد، تشمل المصارف والطاقة والنقل.
كما قرر الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الـ27 ببروكسل، في 24 من شباط الماضي، رفع العقوبات المفروضة على أربعة مصارف سورية، ليس منها مصرف سوريا المركزي، إلى جانب رفع العقوبات عن مؤسسة الطيران العربية السورية.
تضم المصارف التي شملها القرار، المصرف الصناعي ومصرف التسليف الشعبي ومصرف التوفير والمصرف الزراعي التعاوني، وهي مصارف لا تعد ذات صلات كبيرة بالخارج، ما ينذر بعدم تحريك عجلة الاقتصاد نتيجة هذا الرفع.
لم يشمل تعليق العقوبات الأوروبية مصرف سوريا المركزي، وهو المؤسسة المصرفية الأولى في البلاد التي ينتظر منها تحقيق نتائج إيجابية في ملف المصارف فيما لو أزيلت العقوبات عنها.
حول أسباب استثناء المركزي السوري من تعليق العقوبات، يرى الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل، أن الاتحاد الأوروبي أبقى على المصرف تحت العقوبات للمحافظة على الضغط السياسي المحدود عليه مع التركيز على الإعفاءات الإنسانية والاقتصادية المحدودة.
وأضاف المغربل في حديث إلى عنب بلدي، أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تفرض عقوبات على المصرف المركزي السوري، ما يعني أن شطبه أوروبيًا كان سيحقق أثرًا محدودًا عمليًا لاستمرار العقوبات الأمريكية.
الباحث الاقتصادي زكي محشي، يتفق أيضًا مع الرأي السابق، على أن الاتحاد الأوروبي يعتمد مشروطية سياسية في التعامل مع العقوبات المفروضة على سوريا، وكان واضحًا عبر تصريحات مسؤوليه أنه مستعد لإعادة فرض العقوبات، في حال عدم وجود تقدم سياسي من ناحية الانتقال السياسي وقضية الديمقراطية وتضمين كل فئات المجتمع في اتخاذ القرار، وهذا ما يفسر عدم رفع العقوبات عن المصرف.
ويعتقد الباحث أن رفع العقوبات عن المصرف المركزي هو خطوة كبيرة ينتظر الاتحاد الأوروبي قبل اتخاذها خطوات أكبر من السلطات في سوريا، مشيرًا إلى أنه في الوقت نفسه، يمكن اعتبار رفع العقوبات عن المصارف الأربعة بالإضافة إلى قطاعات الطاقة والنقل، خطوة إيجابية تعكس التوجه الإيجابي وحسن النية لدى الاتحاد الأوروبي.
رفع العقوبات عن المصارف الأربعة، يتيح لها نظريًا إعادة الارتباط جزئيًا بالنظام المالي الدولي، ما قد يساعد في تمويل واردات أساسية ومشاريع إعادة الإعمار وإتاحة التحويلات المالية الرسمية، وكلها عوامل يمكن أن تنعش الاقتصاد وتخفف معاناة المواطنين، وفق ما يرى الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل.
لكن عمليًا، يبقى تأثير ذلك محدودًا على المدى القصير، وفق ما يرى المغربل، فهذه البنوك تفتقر للروابط المصرفية العالمية ولا تتعامل بالدولار الأمريكي، كما أن العقوبات الأمريكية قائمة، لذا يمكن اعتبار ما جرى خطوة مبدئية على أمل الاستمرار في عملية رفع العقوبات بشكل كامل.
من جهته، يرى الباحث زكي محشي، أن أثر رفع العقوبات عن هذه المصارف لن يكون كبيرًا، لأن هذه المصارف بالأساس ليست نشطة كفاية، وجزء منها مصارف قطاعية.
يمكن أن يكون هناك أثر إيجابي محدود في هذا الملف على تمويل بعض المشاريع القطاعية مثل المشاريع الزراعية، والمشاريع الصناعية عن طريق المصرف الزراعي والمصرف الصناعي، من خلال منح من الاتحاد الأوروبي أو دعم مباشر من الاتحاد الأوروبي، وفق ما أوضح زكي محشي.
لا يتوقع الباحث أن يكون هناك أثر كبير على الاقتصاد بعد تعليق العقوبات على هذه المصارف لسببين، أولهما أن غياب الرفع الكامل للعقوبات الأوروبية عن كل المؤسسات سيتركها أمام حالة “الامتثال المفرط” من قبل الشركات الأوروبية، وبالتالي قد لا يفضل العديد منهم التعامل مع المؤسسات السورية.
السبب الثاني والأكثر أهمية الذي يجعل من أثر أي رفع جزئي للعقوبات محدودًا، هو استمرار العقوبات الأمريكية، إذ لن يخاطر أحد بالتعامل في سوريا مع هذا الوضع، وستظل العائق الأساسي حتى أمام الشركات الأوروبية وكذلك دول الخليج، ولا يكفي رفعها بشكل جزئي أو منح رخص إنسانية وغير ذلك في هذا الإطار.
هو مصطلح يشير إلى المبالغة في الالتزام بالمعايير بما يتجاوز ما هو مطلوب.
وتعرّف الأمم المتحدة الامتثال المفرط بأنه أحد أشكال التجنب المفرط للمخاطر، في إشارة إلى مبالغة التزام البنوك ومقدمي الخدمات المالية في فرض القيود على المعاملات المالية مع الشخص الطبيعي أو الاعتباري (الشركة) أو الدولة التي تخضع لعقوبات أحادية الجانب تفرضها بعض الدول، تنفيذًا لسياسته الخارجية وذلك تفاديًا للمخاطر التي قد يتعرض لها في حال انتهك العقوبات.
يريد الاتحاد الأوروبي تحسين عمل المصارف من خلال إعفائها من العقوبات، ولكن التحسين قد يصطدم بالعديد من المعوقات.
قطاع المصارف في سوريا يحتاج إلى الكثير من العمل على عدة مستويات من الناحية التقنية، منها السياسة النقدية والبيانات والمعايير المتعلقة بتبييض الأموال، والمعايير المتعلقة بالأموال لمكافحة الإرهاب، وفق ما يرى الباحث زكي محشي.
وأشار الباحث إلى أنه في هذا السياق، من الجيد أن يكون هناك دور للاتحاد الأوروبي وبعثاته بتأمين خبرات مصرفية تقنية تدعم إصلاحًا شاملًا للمصارف العامة، وتحاول تشبيك المصارف العامة السورية مع القطاع المصرفي الأوروبي على أسس صحيحة ومتينة وحديثة.
يمكن أن يتم ذلك عبر تعاقد طويل الأجل مع خبراء أوروبيين مصرفيين ومؤسسات مصرفية أوروبية لديها الخبرة والاحترام والموثوقية، إلى جانب وجود خبراء سوريين مستقلين في القطاع المصرفي.
بدوره، أشار الباحث عبد العظيم المغربل، إلى أنه ينبغي للمصارف السورية استغلال فترة الإعفاء لتحسين الشفافية والحوكمة، عبر تبني إجراءات صارمة لمكافحة الفساد، وتعزيز الرقابة والامتثال للمعايير الدولية، بما يعيد الثقة بها ويضمن توجيه الموارد نحو التعافي الاقتصادي.
ويجب على الاتحاد الأوروبي متابعة تنفيذ الإعفاءات لزيادة سهولة وصول المساعدات الإنسانية، ودعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز قدرة الحكومة على استمرار وصول الخدمات الرئيسة للمواطنين، وفق ما يوصي المغربل.
يتكون القطاع المالي والمصرفي في سوريا من المصارف العاملة ومصارف التمويل الأصغر ومؤسسات الصرافة، وجميعها تخضع لرقابة مصرف سوريا المركزي.
وتوجد ستة مصارف عامة، أبرزها “التجاري” و”العقاري” و”الصناعي” و”الزراعي التعاوني”، إلى جانب 11 مصرفًا خاصًا تقليديًا، وثلاثة مصارف إسلامية خاصة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى